تفاصيل الخبر

دولـــــــــــــــة الـحـــــــــــــق

21/05/2015
دولـــــــــــــــة الـحـــــــــــــق

دولـــــــــــــــة الـحـــــــــــــق

بقلم سعيد غريب 

Saad-kL’état de droit  تعني دولة الحق، وليس دولة القانون كما درجت تسميتها على ألسنة سياسيين كبار وحتى حقوقيين كبار.

دولة القانون يمكن أن تكون دولة إرهابية أو ظالمة أو مستبدة، ويمكن أن تكون دولة صالحة..

ظالمة أو مستبدة إذا كان واضع قوانينها ظالماً أو مستبداً... يكتب القوانين كما يحلو له ويطبقها: هكذا فعل <موسوليني> وهكذا فعل <هتلر> وصدام حسين ومعمر القذافي وقادة <طالبان> وغيرهم.. لقد طبقوا قوانينهم، ويمكن ان تكون صالحة إذا كان واضع قوانينها أو من أسهم في صوغها صالحاً.. هكذا فعل <شارل ديغول>.

دولة الحق هي دولة تصاغ فيها قوانين عادلة.

دولة الحق هي دولة يأتي ممثلو شعبها الى البرلمان بالانتخاب وليس بالتصويت.

دولة الحق هي دولة لا يرث فيها الأبناء والأشقاء والأصهار المناصب والزعامات بدساتير الآباء وقوانينهم.

دولة الحق هي التي تأتي بها الأكثرية الصامتة وبمختلف الوسائل عن طريق نقل البلاد من مرحلة التخلف الى مرحلة التقدم.

دولة الحق تحتاج الى حكم هو الناجح الأول والقادر الأول والذكي الأول والنشيط الأول.

دولة الحق في حاجة الى حكم يسبق الناس في مباشرة الحكم.

دولة الحق في حاجة الى حكم سريع سرعة العصر في الاختيار والتقرير والتنفيذ والمتابعة والمثابرة والتخطيط والتحسب والتوقع والبت والحسم.

دولة الحق في حاجة الى انتخاب رئيس للجمهورية كل ست سنوات من دون أي تردد أو تسجيل سابقة تصبح سوابق وتواريخ.

ماذا كان قد كتب أو قال أب الدستور الكلداني ميشال شيحا لو كان حياً اليوم:

كان ليقول: <إن لبنان بلد يتطلّب اليوم أكثر من أي يوم مضى من حكّامه والمتحكمين فيه أن يكونوا مترفعين ومستنفرين>. ويضيف: <إن لبنان يكون ولا شك في أحسن حال إذا أقلعنا عن محاولة شفائه من أمراض خيالية، وبخاصة إذا خاطبنا اللبنانيين كما نخاطب الرجال عوض التصرف وكأننا أطفال...>! أم لعلّه كان ليذهب في المصارحة الى حد الكتابة مرة أخرى عن <حكم المال> ليكرر: <لم نعد نميّز كثيراً كرجال أعمال وسياسيين غارقين في المال والأعمال بطريقة خطيرة بين الخير والشر، بين المشبوه وما هو فوق الشبهات...>؟

إن كارثة لبنان اليوم تكمن في الثقوب الكبيرة عند أسفل السفينة، وهذه الثقوب بدل أن تعمل القيادات التي تقف في متنها على سدها، تراها تتطاحن وتتقاتل على قيادتها: <أنا بدي قود السفينة، لأ أنا، لأ أنا...> وهكذا تعود مسؤولية الكارثة الحقيقية، كارثة الغرق الحتمي، لتلقى على المسؤولين الحقيقيين وتقرأها أجيال اختارت العيش في الخارج منذ سنوات وسنوات...

هل فات الأوان؟

ربما لا، فاللبنانيون الصامتون تجاوزوا الماضي بكل مواقفه المتباينة والمتناقضة لمواجهة الحاضر والمستقبل، وذلك عند الحد الأدنى من التلاقي حول الوطن وإنقاذه واستقلاله وسيادته ووحدة أرضه وشعبه، إذ ماذا ينفع اللبناني لو ربح العالم كله، بل ربح نفسه وموقفه وسياسته، وخسر لبنان؟

يكفي أن يعي المتحزبون ان الحماس لم يعد يجدي نفعاً، وان ثقافة التبعية والاستزلام و<أمرك ريس> لم تعد صالحة، مع انكشاف الأوراق والعورات...

لم يعد بمقدور الزعيم ان يقنع جمهوره بأن اثنين زائدين اثنين تساوي خمسة، فعلها <هتلر> في الماضي، ورأينا ماذا كانت النتيجة، وفعلها غيره في غير بلد وشاهدنا كيف كانت النهاية..

إننا مدعوون جميعنا الى التضحية وإنكار الذات وإظهار الوطن كأننا كلنا له ليكون كله لنا.

إننا مدعوون لمخاطبة بعضنا بعضاً، وليس كما يفعل الزعماء عندما يتحدثون الى انفسهم ولا يخاطبون الجمهور الآخر، وكأن المطلوب تعميق الانقسامات واستمرار لعبة الموت التي لا خاتمة لها إلا الانتحار.

انتفض يا <شعب لبنان العظيم> وقدم لبلدك أجمل ما عندك، أعد له عصر النهضة، برهن انك تمارس الديموقراطية بأروع صورها. وأروع صورها أن تكون مطلعاً ومثقفاً وواعياً، وهذه الأقانيم الثلاثة متوافرة لديك، وما عليك سوى ترجمتها في صندوقة الاقتراع. هناك، ليس المهم حرية الاختيار، بل حسن الخيار...