تفاصيل الخبر

دولة الهدر والفساد ودور الشعب.. زمن تدحرج الرؤوس الكبيرة؟

14/11/2019
دولة الهدر والفساد ودور الشعب.. زمن تدحرج الرؤوس الكبيرة؟

دولة الهدر والفساد ودور الشعب.. زمن تدحرج الرؤوس الكبيرة؟

 

بقلم علي الحسيني

تصدّر اسم النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم خلال الاسبوعين الأخيرين، قائمة الأحداث في البلد وذلك على خط التطورات الميدانية الناجمة عن الحراك الشعبي الممتد على مساحة لبنان الجغرافية. واللافت ان اسم ابراهيم تحوّل إلى ما يُشبه البورصة، فمرة كان يجري به التداول من بوابة <التشكيك> بدوره و<تقاعصه> عن القيام بدوره وذلك بحسب ما أفردت إحدى محطات التلفزة، ومرات كانت ترتفع أسهمه من خلال الإستدعاءات التي سطرها بحق بعض الشخصيات السياسية والتي كان أبرزها رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، وذلك على خلفية الملف المتعلق باختفاء الـ11 مليار دولار، إضافة إلى آخرين لم تشفع لهم جميعهم، لا مراكزهم التي كانوا يتولونها سابقاً، ولا حتّى علاقاتهم الحالية.

 

القاضي ابراهيم.. نصيب وافر من الإتهامات!

بموازاة الحراك الشعبي أو ما سُميّت بـ<الإنتفاضة> اللبنانية في وجه الفساد والمطالبة بإستعادة الأموال المنهوبة والدعوات إلى محاسبة جميع المسؤولين عن وصول البلاد إلى هذا المستوى الخطير، مالياً وإقتصادياً وحتى سياسياً، وسّع القاضي ابراهيم مروحة استدعاءاته لتطال أكثر من شخصية سياسية كانت في مكان ما، محل اتهام شعبي أو سياسي، ولعل أبرزها كان استدعاؤه للرئيس السنيورة والإستماع إلى إفادته في قصر العدل حول موضوع صرف مبلغ 11 مليار دولار عندما كان رئيساً للحكومة بين العامين 2006 و2008. وذلك في جلسة استجواب دامت 4 ساعات. وبعد الجلسة قال القاضي إبراهيم في حديث متلفز: السنيورة فاجأني بحضوره وكانت جلسة استماع مطولة. علماً أن الرئيس السنيورة كان صرح قبلها، بأنه لن يحضر إلى مكتب ابراهيم لأن هذا الموضوع هو إعادة جدولة للمبلغ المطلوب وليس لدي شيء أضيفه، مؤكداً أنه <لو عاد بي الزمن لفعلت الشيء نفسه>.

وعلى الخط نفسه، ادّعى إبراهيم على الوزير السابق فايز شكر، بجرم الإهمال الوظيفي، وأحال الملف الى قاضي التحقيق الأول في بيروت. وقد رد شكر على الإدعاء باتهام القاضي ابراهيم بأنه <رأس الفساد> وأنه ليس سوى ذر الرماد بالعيون، وبأن نشر القرار إعلامياً يُظهر نيات القاضي ابراهيم التشهير بنا ويظهر سلوكه بنشر عنترياته اعلامياً خلافاً لما يفرضه القانون من سرية التحقيق. وقد بدأت التساؤلات عن السبب الذي أدى بإبراهيم الى الإدعاء على شكر، وخلفية الإتهامات التي وُجهت له. وهنا تؤكد المصادر أن الرواية تعود الى تموز من العام الجاري، حيث تقدم محامو <متحدون> بإخبار ضد شكر بجرم تقاضي الأخير لتعويضات هائلة من أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، عن توظيفات وهمية. حينها أثار ذلك الموضوع فضيحة كبيرة على اعتبار أن شكر مسجل كطبيب مراقب لأكثر من 15 سنة في وقت لم يمارس قط هذا العمل ولم يرد اسمه في جداول الأطباء لا في المستشفيات ولا في المراكز ولم يشاهد وجهه أحد من مستخدمي الصندوق.

وفي الثامن من تشرين الاول الماضي، استمع النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم إلى الوزير شكر على خلفية الإخبار الذي تقدم به <متحدون>، وكذلك حدد إبراهيم موعداً لجلسة تحقيق أخرى بعدها للإستماع فيها إلى كبار المسؤولين في الضمان ممن تربطهم علاقة بملف شكر.

الممارسات تفضح الإدعاءات!

وعلى خط الاتهامات المباشرة، فقد أفردت إحدى محطات التلفزة، مساحة واسعة من هوائها لتوجيه الاتهامات بحق القاضي ابراهيم، ولم تترك كبيرة أو صغيرة إلا وأسقطتها في ميزان عمله القضائي مثل إدعائها بتغاضيه عن القيام بدوره كمدعي عام مالي له صلاحيات كاملة باستدعاء من تحوم حولهم الشبهات. وقد رأت القناة خلال إحدى حلقات الكشف عن الهدر والفساد، أن القاضي ابراهيم يُحاجج دوماً بوجود نظام فاسد يقوم بـ<حماية الفاسدين والمفسدين>. وسألت عن سبب تحييده العديد من الملفات التي كانت تستوجب التحقيق بها والإدعاء على الأشخاص الذين يقفون خلفها. لكن الحقائق والوقائع تشير، لا بل تؤكد أن ابراهيم كان وما يزال يقوم بواجبه المهني على النحو المطلوب وربما أكثر، وهنا يظهر بشكل جلي الملفات التي ادعى فيها مثل: ملف أوجيرو حيث استدعى الوزيرين جمال الجراح ومحمد شقير، وقام بتوقيف صرافين في البقاع والشمال ومتابعته للعديد من الملفات سواء تلك المتعلقة بموظفين داخل وزارة المهجرين وأيضاً توقيف مخاتير في بلدات جنوبية لثبوت تورطهم في التعدي على مشاعات في بعض القرى. وأيضاً، من الملفات التي ادعى بها ابراهيم، شركة سوكلين والزعرور ومجلس الإنماء والإعمار وعدد من الشركات في ملف سد بريصا والضنية. وهذه الملفات هي اليوم أمام المحاكم المختصة.

وهنا تؤكد مصادر قضائية متابعة لملف الفساد والهدر في البلد، لـ<الأفكار> أن الأيام المقبلة ستشهد العديد من الملاحقات القضائية يعمل عليها القاضي ابراهيم من بينها ملف <تاتش> و<الفا> المتعلق بالمبنى الذي تم إستئجاره. هذا من دون التوقف عند الإدعاء الأبرز على مدير عام الجمارك بدري ضاهر وذلك بعد ان اكتمل الملف لديه بعد فترة من دراسته.

 

ضاهر يرد على إدعاء ابراهيم!

من جهته رد مدير عام الجمارك بدري ضاهر على ادعاء ابراهيم خلال مؤتمر صحافي بالقول: مقتنع بأن الرأي العام هو افضل وسيلة للتقويم خصوصاً في لبنان لأنه بلد صغير وجميع الناس تعرف بعضها وما يطالب به الناس أطالب به منذ 30 سنة والانفعال الذي عبّر عنه الناس مبرّر. أضاف: على الناس أن تستخدم قانون الحق بالحصول على المعلومات وأنا ملزم بتنفيذ هذا القانون وبأن أعطي المعلومات تجاوباً مع أي طلب يتم تقديمه ومن أي مواطن. وتابع: جريمة أن نسكت بعد ما يقال ولوقف المعمعة الحاصلة على وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول أحد المستوعبات الذي وصل الى لبنان.

وأوضح أن أحد المستوعبات وصل باسم لارا انطون الى مرفأ بيروت يحتوي على أمتعة منزلية مستعملة وهي معفاة من الرسوم الجمركية وفق القانون. وأعلن ان الفساد ينتج عادة عن الاجراءات التي يمرّ بها الشخص وقمنا بإلغاء العديد من المراحل والمحطات خصوصاً التي تميل الى الفساد من جهة الموظف أم المواطن، مؤكداً أنني ملزم بتنفيذ القانون وبتقديم المعلومات ومستعدّ لإظهار كل التفاصيل وأقمنا لجنة مع الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وهذه اللجنة مهمتها تبسيط الإجراءات وتحليلها.

وتكشف المصادر أن ما يخرج من كلام حول أن الإستدعاءات تخضع لمنطق مذهبي، هو ليس سوى محاولة لضرب ما تقوم به النيابة العامة المالية من دور شفّاف لا يخضع سوى لإرادة القانون والشعب. واستدعاء من ذُكرت أسماؤهم هو جزء من الآلية التي ستُتبع لمحاكمة كل من يرد بحقه إخبار متعلق بهدر أو فساد، وهذا لا يعني أولاً أن الشخصية متهمة فعلاً. والأهم هو أن الإخبارات التي ترد ليس لها علاقة على الإطلاق لا بطائفة ولا بمذهب، مذكرة بكلام للقاضي ابراهيم أنه <لا يوجد خيمة زرقاء فوق رأس أحد>، وذلك بدليل الاستماع إلى رئيس وزراء سابق و3 وزراء اتصالات حالي وسابقين، إضافة إلى 14 موظفاً في إدارات مُختلفة.

وكان القاضي ابراهيم أكد خلال إحدى إطلالاته أن كل ملف يصل الى النيابة العامة المالية هو ملف متواصل الى ان يتم العمل فيه ونصل الى نتيجة، فهناك الكثير من الملفات انجزت وبتينا بها وأرسلت الى الجهات القضائية مثل ملف سوكلين وغيره الكثير لن أحصيها جميعها وهي محل ملاحقة ومتابعة في القضاء المختص. أضاف: يبقى هناك ملفات عالقة في النيابة العامة المالية وقد أدعينا على موظفين في وزارة المهجرين ولهذا لا يجوز القول بالتقصير. وأنا كنيابة عامة مالية أقوم بعملي، وعملنا منوط بالادعاء والملفات تذهب الى القضاء المختص. وأبرز ما كان جاء على لسان ابراهيم <من يعلق سأسلخ جلده وهناك الكثير من شبكات الفساد لديها حصانات ويجب رفع هذه الحصانات، ولن أتهاون ولن أسكت في أي ملف والضغوطات ليست موجودة في أجندتي>.

 

الممارسات تدحض الإدعاءات!

كل هذه الملفات التي ادعى بها القاضي ابراهيم وغيرها من الملفات التي يُتابع العمل فيها، تدحض بشكل من الأشكال ما كان جاء على لسان الزميل رياض قبيسي بأن <الملفات الضائعة في أدراج القاضي علي ابراهيم كثيرة منها تلك المتعلقة بالأشغال العامة والصيانة و<الزيتونة باي> يوم تراشق الوزيرين غازي العريضي ومحمد الصفدي بالإتهامات مروراً في ملف سوكلين إلى ملف الإتصالات مؤخراً ورفض الوزيرين محمد شقير وجمال الجراح المثول أمامه. وأن كثيرة هي الملفات وكثيرة هي تصاريح القاضي ابراهيم عن السرقات والفاسدين، وقليلة هي الأفعال والأحكام ومحاكمة الرؤوس الكبيرة من الفاسدين>.

لكن من جهة أخرى، كان للحراك رأي خاص بهذه الخطوات التي اتخذت وهو أي الحراك يُعتبر الجهة الأمثل للتحقق من مجريات الأمور سواء السياسية أو القضائية وهو الذي أخذ على عاتقه، ملاحقة كل هذه الملفات للوصول الى الخواتيم التي من أجلها أعلن ثورته الحالية. ويؤكد عدد كبير من المُشرفين على الحراك والمتابعين له، أنه قد تكون كل هذه الإدعاءات التي نراها تتحقق اليوم، ليست سوى نوع من أنواع الفلكلور الذي تعودنا عليه في لبنان، لكن في الوقت نفسه لا نُريد أن نُقلل من أهمية الخطوة التي تُسجّل للقضاء اللبناني المعروف بنزاهته. ومن بوابة التعويل على القضاء وعلى خطوات مماثلة، أجمعت الأراء على أن الأيام المقبلة، هي التي ستحدد نزاهة القضاء وحياديته، من عدمها.

إياكم ان تنسوا محاسن الحراك!

بالتزامن، لا يمكن تجاهل تحوّلات أخرى رافقت كل ما يجري في القضاء اللبناني، حتى ولو كانت على المستوى الفردي المتعلق بحياة المواطن، منها إجبار أحد المستشفيات في منطقة صيدا على إستقبال مريض رفضت استقباله لعدم توفّر الأموال لديه، بالإضافة إلى إجبار بعض المصارف على قبول دفع السندات بالليرة اللبنانيّة، بعد أن كانت تطلب منهم التوجّه إلى محلاّت الصيارفة لتأمين الدفعات المستحقة بالدولار الأميركي، في حين أن الإنجاز الأكبر على هذا الصعيد قد يكون في إجبار وزير الإتصالات في حكومة تصريف الأعمال على تسعير البطاقات المسبقة الدفع بالليرة اللبنانية، بالرغم من أنّه كان يتحجّج بأنّ الموضوع يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء، ليتبيّن أنه قادر على معالجة المسألة وحده.

ما يحصل على هذا الصعيد لا يمكن الإستخفاف به بأيّ شكل من الأشكال، لأنّ المواطن اليوم يشعر بأنّه الحلقة الأقوى بعد أن كان الأضعف على مدى سنوات طويلة، وبالتالي يملك القدرة على التغيير وفرضه على مستوى التعامل معه من قبل المؤسسات العامة والخاصة، إلا أنّ هذا الأمر يتطلب أن يكون الباب نحو تحويل قوة الضغط الشعبي هذه إلى قوة ضغط مفروضة بحكم القوانين، سواء عن طريق فرض تنفيذ ما هو قائم منها أو إقرار ما يجب إقراره في وقت قريب. وبالطبع لا يجب الإستسهال بدور القضاة الذين يبدو أنهم بدأوا مع هذا الحراك، يشعرون بقوّة شعبية إلى جانبهم، توازي حجم وقوة الزعماء السياسيين.

في المحصّلة، يمكن القول إن لبنان دخل مرحلة جديدة منذ السابع عشر من تشرين الأول حيث بات المواطن يشعر أنه قادر على التغيير وإسقاط المعوقات التي كانت تقف بوجهه، لكن هذا لا يلغي أهميّة أنّ الحراك بحاجة إلى حماية نفسه، عبر خطوات جديدة عنوانها التنظيم أولاً وأخيراً، لأنّ الفوضى هي آخر ما هو مطلوب في المرحلة الراهنة والتي يُعتبر الفصل بها هي لمطرقة القاضي.