تفاصيل الخبر

دماء الشهداء تُسقط حكومة دياب في يومها المئتين

13/08/2020
دماء الشهداء تُسقط حكومة دياب في يومها المئتين

دماء الشهداء تُسقط حكومة دياب في يومها المئتين

بقلم علي الحسيني

 

[caption id="attachment_80181" align="alignleft" width="516"] الانفجار الكارثي.. المحاسبة لا غير[/caption]

بين العار والإستقالة، اختارت حكومة الرئيس حسّان دياب الأخيرة، علماً أن الف استقالة لحكومة أتت في غفلة من الزمن، لا يُمكن أن تُمحي عار وزرائها ولا مسؤولياتهم عن أرواح الشهداء الذين سقطوا ولا عن حجم الدمار الذي لحق بأم العواصم والشرائع. والأبرز، انه مهما بلغ عدد اجتماعاتهم وجلساتهم السريّة، السابقة منها واللاحقة، فلن يستطيعوا إيقاف عجلة القضاء التي ستلاحقهم وستُحاسبهم، في أي موقع كانوا، ولن يفلتوا من العقاب والتهرّب من مسؤولياتهم عبر تقاذفهم التهم بين بعضهم البعض.

سُبحة الإستقالات تصل إلى رأس الهرم

في يومها المئتين، سقطت حكومة الرئيس حسّان دياب بعد أن هزّها تفجير بيروت الذي سيبقى حاضراً وماثلاً في الأذهان، لأجيال عدة. ومن موقع الهروب والتهرّب خوفاً من الملاحقة، أعلن دياب حكومة استقالة حكومته واصفاً اياها بالخطوة إلى الوراء. علماً أن الإنضمام الى صفوف الشعب والإلتفاف حول الناس الموجوعة والمقهورة، تُحتسب خطوة للأمام وليس العكس. وفي الاستقالة هذه، خطوة أولى على طريق إنتصار شعب قتلته سلطته بتواطؤ منها بعدما أدارت ظهرها لآلاف الأطنان من نيترات الأمونيوم والتي أدّت إلى تدمير العاصمة بيروت واستشهاد أكثر من 160 شخصاً، وجرح ما يفوق الستة آلاف، ناهيك عن عدد المفقودين الذي ناهز العشرين.

بدأت الاستقالات داخل الحكومة، تتوالى منذ صباح يوم الأحد وذلك بعد شعور عدد من الوزراء بأدنى المسؤولية التي يُفترض أن يحملها الجميع "كلهم يعني كلهم". وظهر الأثنين بدأت أحجار الدومينو بالتدحرج نتيجة تزايد ضغط الشارع بشكل غير مسبوق، فكانت نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر، آخر المستقيلين بعد ان سبقها كل من الوزراء: دميانوس قطار، منال عبد الصمد وماري- كلود نجم وغازي وزني. لينطلق بعدها تنفيذ السيناريو السياسي الأبرز للإطاحة بالحكومة كلّها. خصوصاً بعد غياب وزاري جماعي عن أوجاع الناس، حيث لم يجرؤ أي مسؤول فيها على النزول الى الأرض لتفقد أحوال رعيّته.

أمّا على الصعيد النيابي، فقد سبق العصف الحكومي، تقديم مجموعة من النواب استقالاتهم بعد الانفجار هم: مروان حمادة الذي دعاه رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط الى االتريّث قليلاً خشية اختلال موازين الأعداد داخل المجلس، هنري حلو، نعمه إفرام (مستقل)، ميشال معوض رئيس "حركة الاستقلال" وعضو تكتل لبنان القوي وديما جمالي من "تيّار المستقبل"، وقد سبقهم إلى الإستقالة نوّاب حزب

[caption id="attachment_80183" align="alignleft" width="338"] الرئيس دياب يُلقي خطاب الاستقالة: حكومة لا أسف عليها..[/caption]

"الكتائب اللبنانية" سامي الجميل، نديم الجميل وإلياس حنكش، وكذلك النائبة المستقلة بولا يعقوبيان.

كذبت السلطة حتّى ولو صدقت

اللافت أن ما حصل عقب تفجير بيروت وأهلها، أن حكومة السلطة بدت في وضع هش بعد استقالة أربعة من أعضائها، فيما تصاعد غضب اللبنانيين الذين حاولوا لملمة جراحهم وسط تمسّكهم بمحاسبة المسؤولين وإسقاط كل التركيبة السياسية. وبعد مرور أكثر من اسبوع على إنفجار المرفأ الذي تسبب بمقتل 160 شخصاً وإصابة أكثر من ستة آلاف بجروح، واستمرار عمليات البحث عن قرابة عشرين شخصاً، لم يصدر التقرير الذي وعدت به السلطات حول ما حصل. فكل ما خرج عن هذه الحكومة او مصادرها، أن الانفجار نتج عن حريق لم يجزم بأسبابه بعد، في عنبر يحوي 2750 طناً من مادة النيترات لم يعرف سبب الاحتفاظ بها منذ ست سنوات بعد مصادرتها من على باخرة غرقت في ما بعد.

وأبرز ما لفتت اليه وزيرة الدفاع عند تقديم استقالتها من الحكومة، إلى أن وقوع هذه الكارثة يقتضي إستقالة حكومة لا وزراء أفراد، فالحكم مسؤولية، والثورة مسؤولية، والمواطنة مسؤولية، والقضاء مسؤولية، والإعلام مسؤولية، والإستقالة مسؤولية، أين نحن من كل هذا؟. أضافت: لقد قررت الإستقالة منذ حوالي الشهر لأنني شعرت أننا لا ننتج في هذا الظرف الصعب، لكنني تريثت ولم أقم بذلك، لشعوري بفداحة المسؤولية، ولكن بعد الكارثة أصبح التحدي أكبر.

كيف دخلت شحنة نيترات الأمونيوم؟

بحسب الروايات والتحقيقات المبدئية، فإن هذه الشحنة قد تكون وصلت على الأرجح إلى مستودعات مرفأ بيروت، وتحديداً إلى العنبر رقم 12، على متن سفينة "روزيس - "Rhosus  كانت ترفع علم مولدافا وتحمل 2750 طناً من نترات الأمونيوم. والتي كانت أبحرت في 23 كانون الأول عام 2013 من ميناء باتومي في جورجيا متوجهة بالشحنة إلى موزمبيق، ولتتوقف بعدها في مرفأ بيروت، حيث خضعت لفحص فني من قبل سلطات المرفأ الذين اكتشفوا يومها عيوباً كبيرة بالسفينة فمنعوها من مواصلة رحلتها.

وتقول الرواية، إنه وبعد فض إشكاليات قانونية واخرى إنسانية، تمكن قبطان السفينة وأفراد الطاقم من المغادرة، وتُركت مسؤولية الشحنة على عاتق السلطات في مرفأ بيروت في ظل صمت مالك السفينة. ورجحت إحدى الروايات أن تكون إشكاليات قانونية حالت دون بيع الشحنة في المزاد العلني، واضطرت السلطات اللبنانية لنقلها، في الفترة ما بين تموز 2014 وتشرين الأول 2015 إلى مستودع بمرفأ بيروت، وبقيت هناك إلى أن حدثت الكارثة.

حمادة: هذا هو الحل الوحيد

[caption id="attachment_80184" align="alignleft" width="375"] الوزير مروان حمادة: على حزب الله أن يختار.[/caption]

عضو "اللقاء الديمقراطي" النائب مروان حمادة اعتبر في حديث لـ"الأفكار" أن السبيل الوحيد لرحيل هذه السلطة لا يكون إلا عبر إسقاط رئيس الجمهورية ميشال عون و"ضبّ" حزب الله، فإما أن يعود الحزب الى لبنانيته ونكون جميعاً تحت سقف القانون والدستور، وإمّا أن يذهب أو يلتحق بأجندته الخارجية.

وقال: إن حزب الله فريق لبناني أساسي وله تمثيل سياسي وزاري ونيابي وشعبي، ولا توجد أي جهة تُنكر عليه هذا التمثيل وأيضاً له حصته السياسية وموقعه، لكن هذا لا يعني أن "يركب على ظهر الكل"، وغير مسموح بعد الآن أن يتخذ قرارات الحرب والسلم ولا أن يتحكّم بالقانون والدستور. "رح يطير ويطيّرنا"، لافتاً إلى أن انفجار المرفأ يعكس عمق المأساة نتيجة سياسات عبثية ونتائج الانفجار لن تُعرف من دون محكمة عربية دولية.

أضاف: إن الشارع اللبناني يشهد زلزالاً كبيراً خلال الفترة الراهنة في الميادين اللبنانية بعد الانفجار الضخم الذى ضرب مرفأ بيروت، مشيراً إلى أن هذا الانفجار يأتي في ظل الإهمال الكبير الذي يضرب لبنان خلال الفترة الراهنة. كما أن الفساد في بيروت تزايد بشكل كبير بعد وصول الرئيس ميشال عون للرئاسة اللبنانية، وتنصيب حزب الله حاكماً مطلقاً في لبنان، منتزعاً حقوق الجيش اللبناني في الدفاع عن البلاد ومنتزعاً اقتصاد لبنان، ومنتزعاً العلاقات القوية بين الشرق والغرب خاصة العلاقات القوية مع الدول العربية.

أمّا عن سكوت "حزب الله" السياسي حتّى الساعة وعدم دخوله في تفاصيل الاستقالات والوضع الحكومي وابتعاد سياسييه عن التصاريح، فرأى حمادة أن الوضع اليوم يُشبه الفترة التي أعقبت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتمريرها على قاعدة "business is business" ومن ثم ندعو المجلس إلى الإلتئام بعد اسبوع. القصّة ذاتها تُعاد اليوم وإن بقالب مُختلف.

هل أنتم مع تدويل الأزمة اللبنانية؟ أجاب: نحن مع لبننتها، الأزمة الحاصلة اليوم هي بين اسرائيل وايران وأميركا وتركيا ومجموعة دول، ونحن مع لبننتها بمعنى العودة الى الدستور والمؤسسات لا سلاح سوى سلاح الجيش اللبناني، أمّا ما تبقى فهو "تخبيص" وقضاء على ما تبقى من لبنان.

الإنتخابات المبكرة بين الأمنيات والواقع

[caption id="attachment_80185" align="alignleft" width="375"] مجلس النواب .. متى يسقط؟[/caption]

 بين التفجير وعمليات دفن الشهداء المُصاحبة لصوت الإستغاثات التي تصدر من كل مكان سواء في الأحياء او من داخل المستشفيات، بالإضافة إلى عمليات البحث عن مفقودين، خرجت المطالبات الشعبية والسياسية الداعية إلى إجراء إنتخابات نيابية مُبكرة، ولعل أبرز المطالبات هذه ما جاء على لسان جنبلاط حيث اعتبرها الطريقة الوحيدة للاستجابة إلى المطالب الشعبية وفقاً لقانون انتخابي غير طائفي، مؤكداً أن الاحتجاج في بيروت، هو الغضب الشعبي المشروع بعد الجريمة التي ارتكبت بحق لبنان.

في السياق، أوضح مصدر سياسي رفيع أن إجراء الانتخابات النيابية المبكرة يحتاج إلى قانون يصدر عن مجلس النواب لتقصير ولايته. وإذا صدر هذا التشريع، فإن مفهوم تصريف الأعمال ضيق جداً. ولفت إلى أن الأمور في هذه الحال لا تقتصر على البعد الدستوري، بل تطال الميدان السياسي، ذلك أن هناك سؤالاً أساسياً: هل يقبل أحد من الأطراف السياسيين أن تشرف حكومة الرئيس دياب على انتخابات نيابية، في وقت تعلو أصوات عدم الثقة، والمطالبة بهيئة مستقلة للإشراف على الاستحقاق النيابي؟.

ورأى أن الحل يبدأ بتأليف حكومة جديدة، لكن ليس أي حكومة، مشدداً على أن الوقت قد حان لتشكيل حكومة تعطى صلاحيات استثنائية، وإلا فإنها محكومة بالفشل، خصوصاً أن أمامها استحقاقات مهمة كالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، مشدداً على أن زمن تناتش الحصص الحكومية انتهى بعد 17 تشرين وبعد 4 آب 2020.

الرئيس الفرنسي يُعرّي السلطة

[caption id="attachment_80182" align="alignleft" width="375"] الرئيس "ماكرون" بين الناس.. تحذير أخير[/caption]

كنت صريحاً مع القادة اللبنانيين، وأنتظر منهم أجوبة شفافة عن أسئلتي التي تناولت ميادين عدة. سأعود إلى لبنان في الأول من أيلول المقبل، وإن لم تتحقق الإصلاحات المطلوبة ولم يقم المسؤولون بالعمل المطلوب، ففي الأشهر المقبلة قد لا يتمكن لبنان من استيراد المواد الغذائية ولن يتوفر الفيول. كما أننا لا نعطي شيكاً على بياض لسلطة فقدت ثقة شعبها.

 هذا ما قاله الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" عندما راح يجول بين الناس متفقداً الأضرار التي خلّفها إنفجار المرفأ. لقد فعل الرئيس الفرنسي ما لم يتجرّأ على فعله أي زعيم سياسي أو حزبي في لبنان لدرجة بدا فيها وكأنه هو رئيس جمهورية لبنان أو وربما "مُخلّص" هذا الشعب من العبودية والمظلومية التي يقبع تحتها بسبب حكّام لم يجرؤا حتّى على تفقّد أحوال رعيّتهم لا في الطرقات والاحياء حيث الدمار يفرض نفسه على كل المساحات ولا في المستشفيات حيث تفوح روائح دماء الجرحى والشهداء في الغرف والطوابق.

هو رجل جاء من أقصى بلاد الغرب يسعى لمسح جراح المظلومين، والأبرز، كان فقدان ثقته بالمسؤولين وأركان الدولة خصوصاً عندما نفض يده من التعاون معهم من خلال قوله "نريد تقديم مساعدة ميدانية وسننسق هذا الامر مع الاسرة الدولية ليصل الدعم الى الشعب اللبناني"، مشيراً إلى انه "التقى المسؤولين اللبنانيين من باب اللياقات فقط"، ما يعني بصريح العبارة أن عدم مد يده لمصافحة بعض الشخصيّات، كان مُتعمّداً وليس بسبب إنتشار فيروس "كورونا" كما حاول أن يُشيع البعض، والدليل احتضانه الأبوي لتلك الفتاة التي عانقته وسط الجميع.

في موازاة جولات الزائر الفرنسي، حاول فريق سياسي التخفيف من وطأة ما حصل وحتّى التقليل من شأن الزيارة بحد ذاتها، من خلال بث أحاديث ضمن حلقات حزبيّة ضيّقة تقول إن الشتائم والتعرّض للمسؤولين اللبنانيين، هو نفسه يحصل لمسؤولين في دول أوروبية ومن بينهم "ماكرون" نفسه، معتبرة أن الشعوب الموجوعة عادة ما ترى في المسؤول الزائر، "خشبة خلاص" للتخلّص من أوجاعها ومن "ظلم" بعض حكّامها، لذلك تذهب الى تعليق كل آمالها على هذا الزائر.

سلطة بلا صلاحيّات

في المقابل، تُشير مصادر سياسية بارزة إلى ان هناك استحالة بعد اليوم للتعايش مع هذه المنظومة السياسية التي تتحكّم بالبلاد. نعم الرئيس الفرنسي وصل الى لبنان يحمل معه مجموعة حلول وتصوّرات للعديد من الملفّات الصحيّة والاجتماعيّة، وطاولة الحوار التي جلس حولها المسؤولون، تؤكد اننا غير راشدين لا نعرف متى نختلف أو متى نُنظم علاقاتنا. وختمت بالقول: النظام اللبناني يلفظ أنفاسه الأخيرة لأن ما نعيشه كلبنانيين غيّر ملامح المعركة الحقيقيّة التي نخوضها ضد الجهل والفقر ومكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين ومحاكمة السارقين. رئيس الجمهورية لا يملك صلاحيات تخوّله اتخاذ قرارات مصيريّة من دون العودة إلى مجلس وزراء تحوّل الى شركة تُساهم جميع الأحزاب بتكوينها ولكل حزب حسابات ومصالح خاصّة. وكذلك الامر بالنسبة إلى رئاسة الوزراء. نحن بحاجة الى نظام أو عقد جماعي جديد يقوم على تفضيل مصلحة الوطن والمواطن، على مصلحة الزعيم والطائفة.