بقلم علي الحسيني
تتحضّر الضاحية الجنوبية والعاصمة بيروت لتطبيق الخطة الأمنية فيهما على غرار ما شهدته مناطق الشمال والبقاع من قبل، حيث من المفترض أن تحط رحالها هناك بعد أيام وجيزة. فكيف يستعد أهل السياسة في لبنان وسكان الضاحية الجنوبية لاستقبال الخطة الأمنية؟ وهل يبدي هؤلاء تفاؤلاً بها؟
للمرة الثانية تستعد الضاحية الجنوبية لاستقبال الخطة الأمنية بعدما كانت استقبلت الأولى في عدد من النقاط المحددة عقب موجة التفجيرات التي طالتها وتحديداً على المنافذ المؤدية اليها، وذلك بناء على قرار اتخذه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مطلع الشهر الماضي بعد اجتماع لمجلس الأمن المركزي في الوزارة، وقد جرى خلاله حسم بعض النقاط العالقة بينها مهمة كل مؤسسة أمنية وعسكرية في تنفيذ الخطة كما اتخذت جملة من القرارات بقيت طي الكتمان.
الدولة تحزم أمرها وتخبر المعنيين
اجتماعات مكثفة كانت قد حصلت مطلع الشهر المنصرم بين مسؤولين أمنيين في وزارة الداخلية وبين مسؤولين آخرين عن حزب الله وحركة <أمل> أفضت الى ضرورة تحديد موعد لتنفيذ خطة أمنية تشمل كل مناطق الضاحية على غرار الخطط الأمنية التي نفذت من قبل في طرابلس والبقاع الشمالي، وقد أكد المجتمعون على رفع الغطاء عن اي مخلّ بالأمن او مطلوب للعدالة، وذلك بهدف ضمان إنجاح الخطة التي يعول عليها بشكل كبير كمقدمة لفرض سلطة الدولة على جميع أراضيها. ومن أجل تحقيق الهدف المنشود من الخطة، طالب المسؤولون الأمنيون في الدولة حزب الله والحركة وضع كوادرهما وعناصرهما في أجواء القرارات الى ان تحين ساعة الصفر المرتقبة خلال الأيام القليلة المقبلة.
معجزات الحوار السياسي
مما لا شك فيه ان الحوار القائم بين حزب الله من جهة وتيار <المستقبل> من جهة أخرى كانت له آثار بالغة الايجابية انعكست على الوضع الأمني الداخلي وظهر ذلك جلياً بخطة شمالية ثم بقاعية إضافة الى انجازات ملحوظة على صعيد الارهابيين الذين بدأوا يتساقطون الواحد تلو الآخر وسط تقدم شبه يومي للجيش اللبناني في جرود عرسال ورأس بعلبك، وكذلك الأمر بالنسبة الى ملف العسكريين المخطوفين حيث بدأ الحديث عن انفراجات مرتقبة قد تفضي الى إنهاء هذه القضية وطي الملف العالق منذ أكثر من ثمانية اشهر. وفي هذا السياق لا بد من الوقوف عند المبادرات الهامة التي يقوم بها رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يثبت في كل يوم مدى حاجة اللبنانيين الى أمثاله، خصوصاً وانه استطاع ان يعبر بكل المسؤوليات الملقاة على عاتقه وسط حقول الالغام التي كانت وما زالت تعترض طريقه في الكثير من المحطات.
أمان الضاحية من مصلحة حزب الله
الجلسات الحوارية بين تيار <المستقبل> وحزب الله برعاية سيد عين التينة انطلقت من اعتبار اساسي هو مصلحة لبنان واللبنانيين، وما خطة سجن رومية التي طوت صفحة الامارة السلفية في المبنى (ب) وخطة بيروت التي ادت الى إزالة الشعارات والأعلام والرايات الحزبية من الاحياء والشوارع وخطتا طرابلس والبقاع الشمالي، سوى إنجازات تسجل لصالح هذا البلد واهله. وهنا تقول أوساط مقربة من حزب الله: <ان الخطة الأمنية لنا فيها مصلحة أكثر من غيرنا، ونحن لطالما ناشدنا الدولة ودعوناها منذ اعوام بعيدة الى تسلم الأمن بدلاً عنا لما لهذا الأمر من تبعات وصعوبات نحن في غنى عنها>. والكل يذكر الشعارات والإعلانات التي نشرها الحزب في مختلف مناطق وأحياء الضاحية والتي دعا فيها الى احترام الممتلكات العامة والتعاون مع القوى الأمنية في عملية قمع المخالفات والاعتداء على شبكات المياه وخطوط الكهرباء وعلى الارصفة وسواها بالإضافة الى دعوة السيد حسن نصرالله شخصياً الى مكافحة ظاهرة المخدرات التي انتشرت في الضاحية بشكل مخيف.
ظواهر مستمرة في الضاحية
لكن رغم النداءات المتكررة لقيادة حزب الله فقد بقيت مجموعات كبيرة غير منضبطة لم تعر كل الدعوات اي اهمية، بل اكثر من ذلك فقد اتخذ هؤلاء الشبان المنضوون تحت اسم مجموعات كل واحدة منها بحسب المنطقة التي توجد فيها، الى الاحتماء ببعض المسؤولين في الحزب إما بعلم القيادة او بغير علمها، الأمر الذي ولد نقمة كبيرة من الاهالي الذين علت صرخاتهم حيال استشراء الفلتان ومظاهر التعدي على أملاكهم الخاصة والخوات التي تفرضها هذه الجماعات على بعض أصحاب المحال التجارية من مطاعم ومقاهٍ ومؤسسات تجارية... ولذلك استشعرت قيادتا الحزب والحركة اليوم الحاجة الى تطبيق خطة أمنية جديدة وان تأخذ أجهزة الدولة المعنية دورها وتقوم بالوظائف المنوطة بها لكي يرتدع المخالفون من جهة ويثق المتضررون من جهة أخرى بأنهم سيصلون الى حقوقهم اذا ما توجهوا الى الدوائر والمؤسسات الرسمية المعنية ولا سيما مخافر قوى الأمن ودوائر الكهرباء والمياه والبلديات والاشغال العامة وكل الوزارات التي تعنى بخدمات المواطنين.
أهالي الضاحية: لا تضعونا في سلة واحدة
ولا بد من القول ايضاً ان جزءاً كبيراً من سكان الضاحية يعبر عن خوفه لدى سماعه انهم سيكونون الهدف الأول للجماعات المسلحة مرة ثانية في حال فتح حزب الله والجيش معركة الجرود كما يحكى، ويستاؤون ايضاً لدى سماعهم ان احياءهم ومناطقهم تحولت إلى مربعات أمنية او ملاجئ للمطلوبين والفارين من وجه العدالة. فبرأيهم من غير الجائز وضع كل هذا المكون الذي يعيش داخل هذه البقعة في سلة واحدة حتى ولو كانت الاكثرية منهم تؤيد جواً محدداً او جهة معينة. ولذلك تتسابق احاديثهم حول الخطة الأمنية المنوي تنفيذها وموعد البدء بها قبل إلقائهم التحية على بعضهم البعض.
يقول أحدهم: أراحتنا وحدات الجيش اللبناني والقوى الأمنية يوم دخلت الضاحية ولو اننا كنا نأمل منهم المزيد من الحزم في العديد من التجاوزات التي ما زالت ترتكب على مرآى منهم في الكثير من الاحيان، ومع ذلك نحن لا نتنكر للدور الذي لعبته القوى الأمنية هنا في ايقاف مسلسل حصد الابرياء من خلال التفجيرات التي تحولت في فترة من الفترات الى جزء من حياتنا ويومياتنا المخيفة.
جمهور حزب الله يتبرأ من ارتكابات البعض
في المقلب الآخر تعتبر الفئة المؤيدة لـحزب الله في الضاحية وهي أكثرية، ان الحزب تحمل كثيراً خلال الفترات الماضية وزر الاخطاء التي كانت ترتكب من قبل أشخاص قد لا ينتمون اليه، لكنهم حظيوا بحمايته الأمنية لأسباب تتعلق بطبيعة الضاحية وتكوينها العشائري بشكل اساسي بالاضافة إلى التكوين المذهبي. وتعتبر هذه الفئة انه لم يكن بمقدور الحزب الدخول في صراع مع هذه الفئة من الناس لسببين: الأول انها تحظى بدعم عشائري من داخل الحزب نفسه أو مثل هذا أمر قد يتطور الى خارج نطاق الضاحية، والسبب الثاني أنها كانت تشكل جزءاً من قاعدته الاساسية ومؤيدة لجميع القرارات التي تصدر عنه نظراً للعصبية المذهبية التي تختزنها، وتعتبر هذه الفئة ان هذا القسم من الناس قد أذى سمعة الحزب وجعله وكأنه حاضنة فعلية لأعمالهم وارتكاباتهم، ولذلك كان على قيادة الحزب ان ترفع الغطاء عنهم وتسلمهم الى الدولة بشكل مباشر. ومع هذا كله يجمع معظم السكان على انه خير من تأتي خطوة الأمن في الضاحية متأخرة من أن لا تاتي أبداً.
مرتكزات الخطة الأمنية في الضاحية
هناك معلومات حصلت عليها <الأفكار> تؤكد ان الخطة سوف تشمل مجموعة من الأمور والتي وافق عليها حزب الله بشكل مطلق والذي ترك قبوله هذا مفاجأة كبرى لدى تيار <المستقبل>، ومن هذه الأمور موافقته على: تنظيم السير ومكافحة المخدرات وملاحقة اللصوص والمطلوبين والحد من الجريمة المنظمة والخوات والخلافات العشائرية وحفظ الأمن إضافة بالطبع الى منع حمل السلاح لعناصر الحزب خارج نطاق مراكزهم الأمنية مع تسليم اي مطلوب للدولة من دون اي تدخل حزبي.
قباني: أجواء الخطة الأمنية إيجابية
بالنسبة إلى تيار <المستقبل> تعتبر الخطة الأمنية في الضاحية انجازاً خصوصاً أمام جمهوره الذي يطالب قيادته على الدوام المعاملة مع حزب الله بالمثل. عضو كتلة <المستقبل> النائب محمد قباني أكد ان الخطة الأمنية ستنطلق قريباً وستكون بحسب معلوماتنا جدية لأن مدينة بيروت تستحق ان تنعم بالهدوء، فالوضع في المدينة مقبول، ولكن زيادة الإجراءات والتدابير الأمنية أمر مرغوب به دائماً، مشيراً الى انه اذا كان هناك من يعتقد ان في الإمكان سحب السلاح من البيوت في بيروت وضاحيتها فهذا أمر غير منطقي حالياً، اما اذا كان المقصود الا يكون هناك سلاح ظاهر في الشوارع ومخازن للأسلحة، فهذا أمر مطلوب وتحقق بنسبة لا بأس بها ويجب استكماله كي لا يبقى اي سلاح متفلت وخارج إطار الشرعية.
ولفت النائب قباني الى ان الخطة الأمنية للضاحية الجنوبية جدية كما ان إقامة الحواجز الأمنية فيها ليست الضامن الاول لنجاحها، وإنما القرار السياسي من الجميع بتسهيل عمل القوى الأمنية اللبنانية للعمل بحرية في الضاحية هو الذي يضمن نجاح الخطة والاجواء إيجابية بالنسبة لقرار سياسي كهذا.
اوغاسبيان: الخطة مطلب حزب الله
من جهته اوضح زميل قباني في كتلة <المستقبل> النائب جان أوغاسبيان ان الخطة الأمنية في الضاحية الجنوبية لبيروت مطلب لـحزب الله الذي يريد ان يجد حلاً للانفلات الأمني اليومي والخلافات والصدامات في بيئته، ولذلك من مصلحته تثبيت الوضع الأمني الداخلي لتورطه في الخارج إذ لم نعد نعرف أين هو اليوم في العراق أم سوريا أم اليمن، أما اذا كانت الخطة الأمنية ستشمل كل الضاحية الجنوبية والمربعات الأمنية فيها فهذا ما سيجري التباحث بشأنه بين الوحدات العسكرية في الجيش اللبناني والقوى الأمنية وحزب الله.
المطلوب المباغتة
قد تكون آراء الاهالي في الضاحية وتحليلاتهم السياسية صائبة بجزء كبير منها او صغير كما هو الحال بالنسبة الى السياسيين المتكلين على الاجواء الايجابية التي ترتسم ملامحها من خلال مجريات الحوار. لكن الاهم يبقى في ان ترفع الجهات الحزبية كافة اليد عن المخالفين والمرتكبين وان تترك للقوى الأمنية القرار في ملاحقتهم لكن بشرط ان تكون لحظة التنفيذ مباغتة للوصول إلى نتائج مرجوة.