تفاصيل الخبر

دقت ساعة الإتفاق العربي ــ الإيراني

16/12/2016
دقت ساعة الإتفاق العربي ــ الإيراني

دقت ساعة الإتفاق العربي ــ الإيراني

 

بقلم خالد عوض

ترامب

الإشارات الآتية من مواقف وتعيينات الرئيس الأميركي المنتخب <دونالد ترامب> هي أنه وراء تحويل السيطرة الأميركية في العالم إلى مجموعة صفقات تجارية وإقتصادية لمصلحة الولايات المتحدة.

بمعنى آخر وببعض التبسيط، فقط على سبيل المثال القريب من منطقتنا: يمكن لروسيا أن تأخذ حلب ويمكن لبشار الأسد أن يستمر للأبد على رأس سوريا، ولكن غاز المتوسط يجب أن تستفيد منه أولا، وبحصة الأسد، الشركات النفطية الأميركية.

في السياق نفسه يعتبر الرئيس العتيد أن العدو التجاري والمالي الأول للولايات المتحدة هو الصين، وأن العقد الآتي سيشهد منافسة إقتصادية حادة مع التنين الأحمر، وبما أن إحدى أهم أذرع الصين الدولية هي روسيا، فهذا يعني أن تعطيل هذه الذراع يضعف موقع الصين دوليا وبالتالي إقتصاديا، وبدل أن يكون التعطيل بالمواجهة والحرب، لماذا لا يكون بالإستمالة، أي بسحب روسيا من حضن الصين؟

هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها فهم ما يحاول أن يقوم به <دونالد ترامب> وتفسير خياراته في المراكز الحساسة في إدارته، فمن المعروف عن المرشح لمنصب وزارة الخارجية أي <ريكس تيلرسون> رئيس شركة <إكسون موبيل> أنه أستاذ في تذليل العقبات أمام الصفقات التجارية من خلال العلاقات الشخصية، كما أن إختياره أخذ في عين الإعتبار الكيمياء الشخصية الموجودة بينه وبين الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> منذ أكثر من عقد حين أعاد <تيلرسون> إحياء مشروع ضخ النفط من جزيرة <سخالين> الروسية، وقد كان المشروع نائما في الأدراج لعدة سنوات وسحبه <تيلرسون> من فم شركة <شل> التي كانت تعتبر أن <إكسون موبيل> لا يمكن أن تنافسها عليه لأن حضورها في روسيا ضعيف سياسيا وحتى نفطيا، ولكن <تيلرسون> إستطاع من خلال علاقة بناها مع <ايجور سيشن> رئيس شركة <روزنفت> الروسية والمقرب من <بوتين> أن يحول الشركة الأميركية العملاقة إلى أحد أهم اللاعبين الأجانب في قطاع النفط في روسيا.

الغريب في كل ما يقوم به <ترامب> من تعيينات ومواقف أنه يلعب على المكشوف. يريد علاقة ممتازة مع روسيا، ولا يهمه حتى إتهام <السي. آي. أي> بأن روسيا تدخلت في الإنتخابات الأميركية، رغم الإثباتات التي بحوزتها. كما أنه مستعد لمعاداة الصين، الحليف الأقوى لروسيا، وذلك الى أقصى حد، عن طريق التعاطي مثلا مع <تايوان> والتحدث إلى رئيستها <وان>، ولا يهمه حجم الدمار أو الفظائع الإنسانية في حلب، طالما أنه ليس هناك صفقة إقتصادية واضحة المعالم بعد.

إختيار <تيلرسون> يعني أن الرئيس الأميركي المقبل وإدارته سيضعون المصالح الإقتصادية والتجارية الأميركية فوق كل إعتبار وسيتعاطون سياسيا وحتى عسكريا مع العالم كله من خلال هذا المنظار. من المؤكد أنها لن تكون إدارة حروب لأن الأشخاص المختارين ليسوا كذلك، كما أنها في الوقت نفسه لن تكون إدارة التنازلات السهلة.

عونفكيف ينعكس شكل الإدارة الأميركية المقبلة على لبنان والمنطقة؟

بالنسبة لإيران عليها أولا أن تحضر عقود الإستثمار للشركات الأميركية وبسرعة إن هي أرادت فعلا المحافظة على الإتفاق النووي وزيادة انتاجها من النفط. لا يهم ما تقوم به في اليمن أو العراق أو سوريا... هاتي العقود أولا، ونبحث معك ثانيا في دورك الإقليمي.

بالنسبة لسوريا ولبنان، يجب الإستعداد لإعطاء الشركات الأميركية الحصة الأسد في الغاز البحري في البلدين، كيف يمكن ذلك، طالما أن الولايات المتحدة <خسرت> في سوريا؟ اسألوا <دونالد ترامب> إلا إذا كنتم تريدون مواجهته.

من المعروف أن الدول الكبيرة تتمدد سياسيا وعسكريا، إما مباشرة وإما عن طريق حلفائها، حتى تحصل على النفوذ المالي والإقتصادي والتجاري. ولكن الرئيس الأميركي المنتخب يقلب الصورة رأسا على عقب، فهو يريد الوصول إلى النتيجة الإقتصادية من دون العناء السياسي والعسكري، عن طريق شخصيته التي لا يمكن التنبؤ بها، أي عن طريق الترهيب.

في خضم كل ذلك، من الملفت زيارة <بنجامين نتنياهو> على رأس وفد طويل عريض من رجال الأعمال الإسرائيليين لدولتين مسلمتين تشرفان على بحر قزوين، هما <كازاخستان> و<أذربيجان>، جارة إيران اللدودة. ليس المهم عقود بيع السلاح أو أي مصالح تجارية أخرى بين إسرائيل ودول بحر <قزوين> بقدر أهمية الحصار على إيران، لذلك يبدو التوجه الإسرائيلي إلى <قزوين> متناغما تماما مع الإتجاه الجديد للسياسة الأميركية.

الرد الإيراني المنطقي على كل ذلك يجب أن يكون <صفقة> تاريخية مع دول الخليج والعالم العربي. هكذا إتفاق إستراتيجي سيوفر على الجميع مبالغ ضخمة ناهيك عن الخسائر المادية والبشرية، وسيوجه أنظار الطامعين في ثروات المنطقة إلى آسيا ومناطق أخرى مرة واحدة وإلى الأبد.

وإذا لم تكف الإستراتيجية الإقتصادية المكيافيلية لـ<دونالد ترامب> لتغيير نمط التدمير الذاتي السائد في العالم العربي معناه أن المنطقة التي لا زالت غنية نسبيا بمواردها، ستفقد ما تبقى لديها من ثروات، بعدما فقدت في سوريا وحلب بالتحديد ما لديها من إنسانية.