بقلم علي الحسيني
بدأت مؤشرات حصول معركة القلمون تزداد خلال الساعات القليلة الماضية وسط أحاديث عن تحضيرات ميدانية وعسكرية تجريها جميع الاطراف المتقاتلة استعداداً لساعة الصفر التي دقت أجراسها.
ترقب حذر يشبه ما قبل هبوب العاصفة يسود عمق قرى وبلدات البقاع الشمالي وصولاً الى قضاء الهرمل حيث خلت هذه المناطق من شبابها ورجالها بعدما التحق معظمهم بجبهات القتال الممتدة على طول أكثر من سبعين كيلو متراً وعمق يتجاوز العشرة كيلومترات استعداداً لانطلاق المعركة بين حزب الله والجماعات المسلحة المنتشرة عند أطراف سلسلة لبنان الشرقية بالقرب من بعض القرى مثل عرسال ورأس بعلبك، خصوصاً ان دعوة الحزب لمقاتليه جاءت بعد ساعات على انتشار خبر التحضيرات للحرب ،حيث دعا أنصاره ومحازبيه للاستعداد نفسياً وبدنياً، كما التحق عدد كبير بدورات عسكرية مكثفة في عدد من مراكز التدريب الخاصة به في البقاع.
قرار الحرب بيد حزب الله
لا معلومات محددة لدى البقاعيين حول توقيت البدء بمعركة القلمون، لكن ما يعلمونه ان الحرب ستقوم بين ليلة وأخرى. عيون مجبولة بلحظات الترقب يسكنها القلق من لحظات مجهولة لا يعرفون كيف تبدأ ولا الى اين يمكن ان تنتهي. هذا هو حال بيئة حزب الله في البقاع التي تقف خلف حزبها في اي معركة يمكن ان يقررها او يعلن عن موعدها السيد حسن نصر الله. لا معلومات لدينا حول ساعة الصفر، هذا ما يؤكده الاهالي إذ ان معلومات كهذه لا يمكن ان تعلن الا بإذن من السيد نصر الله نفسه. ويقول الاهالي انهم تعبوا من شدة الانتظار، وبالتالي يريدون إنهاء الحالات الشاذة التي تعيش عند حدودهم وتهدد مصيرهم لكي يتمكنوا من العيش بهدوء. ويقول بعضهم <انه ومنذ وصول هذه الجماعات الى نقاط استراتيجية ومتاخمة لقرى وبلدات لبنانية ونحن نعيش في حالة ضياع تام لا نعرف للراحة والنوم طعماً>.
كيف ستبدأ المعركة؟
حتى يوم الثلاثاء الماضي قبل خطاب السيد حسن نصر الله من قناة <المنار> كانت المواجهات بين حزب الله والجماعات المسلحة او بين الاخيرة والجيش اللبناني تقتصر على الهجوم المباغت واحتلال بعض النقاط الاستراتيجية من دون ان تسفر في معظمها عن فرض قواعد جديدة للحرب او القضاء نهائياً على اي من الاطراف المتنازعة وإنهاء حالة وجودها عند الحدود او أكثر ربما. ولكن في معلومات خاصة تأكد ان حزب الله وضع لمساته الاخيرة على أرض الميدان حيث ستدور الحرب رحاها وقام بتجهيز عدة وعديد ضخم مقارنة بالمناوشات التي كان يقوم بها سابقاً داخل القلمون. كما عمد الحزب الى إجراء أكثر من مناورة حربية خلال الايام القليلة الماضية في عدد من التلال والمرتفعات في القلمون تحضيراً للمعركة الفاصلة كما يسميها احد ضباط الحزب العسكريين في سوريا، وذلك لفحص قدرة مقاتليه وجهوزيتهم البدنية والعسكرية. وفي هذا السياق علم ان الحزب استحضر الى المنطقة وحدتين عسكريتين مختصتين بإطلاق الصواريخ، واحدة من داخل دمشق والأخرى من الجنوب اللبناني، كما جهز مقاتليه بنوعية جديدة ومتطورة من الصواريخ المحمولة روسية الصنع، تقاس بقوة تدميرية هائلة تشبه تلك التي كان قد استعملها منذ فترة وجيزة ضد دورية اسرائيلية في داخل مزارع شبعا.
ماذا حصل أثناء مناورة حزب الله؟
الساعة الخامسة فجراً من يوم السبت الماضي كان موعد المناورة رقم اثنان لعناصر الحزب بالقرب من بلدة بريتال، وأثناء عمليات المراقبة التي كانت تقوم بها وحدة الرصد في الحزب تبين خلو مواقع المسلحين بشكل شبه تام من أي عنصر في عدد من النقاط التي كانت تسيطر عليها. وبعد سلسلة تعقبات قامت بها الوحدة نفسها علمت ان المسلحين تراجعوا الى نقاط ومواقع أكثر تحصيناً وانهم وضعوا خططاً لنصب كمائن لأي مجموعات تتقدم من صوب لبنان او من الجوانب السورية المتصلة بمنطقة القلمون. بدورها قامت قيادة حزب الله العسكرية بتكوين ملف سريع حول النقاط التي انسحبت منها الجماعات المسلحة والاماكن التي يمكن ان يكونوا لجأوا اليها ليتبين ان التراجع وصل الى <بلدة فليطة> في القلمون وان التحضيرات لهجوم مباغت سوف يبدأ من هناك باتجاه مناطق ونقاط تابعة للحزب من دون ان تشير الى فرضية مهاجمة نقاط ومراكز الجيش اللبناني المنتشر بالقرب من هذه المناطق.
هذا هو سلاح حزب الله في المعركة
في المعلومات ان هجوم حزب الله سيتركز في البداية على صليات غزيرة من صواريخ <الغراد> ثم سيتبعها بصواريخ من نوع <بركان> بالإضافة الى الاسناد الجوي الذي ستقوم به طائرات حربية تابعة للنظام السوري مع بعض الطائرات التجسسية التي يمتلكها الحزب بالمئات، كذلك سيلجأ الى استعمال عبوات مجوفة خاصة بالكهوف والانفاق وبطبيعة الجبال الصخرية في القلمون. وهنا تكشف معلومات خاصة بـ<الافكار> ان السيد نصر الله حضر جزءاً من المناورة الاخيرة شخصياً ثم غادر قبل الانتهاء منها بوقت غير قصير، وان وجوده بين المقاتلين رفع من نسبة معنوياتهم بشكل ملحوظ وأدى الى تحقيق نتائج مهمة في العمل.
دور الجيش اللبناني
أما لجهة عمل الجيش اللبناني وانتشاره، فقد أكدت مصادر خاصة ان خطة انتشار جديدة متوقعة للجيش في تلك المنطقة ستحصل بالتوازي مع عمليات حزب الله في القلمون، والهدف منها الفصل التام والنهائي بين مدينة عرسال ومحيطها من جهة، وبين كل منطقة الجرود وامتدادها الى جبال القلمون السورية من جهة اخرى. كما شددت المصادر نفسها على ان الجيش على أهبة الاستعداد لأي محاولة يمكن ان يقوم بها المسلحون لإحداث خرق ما للنفاد منه إلى داخل الحدود اللبنانية وان معظم الأسلحة التي تسلمها في الفترة الأخيرة من صواريخ محمولة ومدافع وذخائر عزز بها الجبهات التي ينتشر عليها في البقاع وخصوصاً المواقع المواجهة في مشاريع القاع وجرود عرسال، كما عمد الى تدعيم العديد من المراكز التي كانت تعتبر ضعيفة نوعاً ما كموقع <تلة الحمرا> في جرود رأس بعلبك الذي كان قد سقط قبل مرة بأيدي المسلحين قبل ان يعود الجيش ويسترده.
عروض حزب الله
الأخيرة على المسلحين
من المعروف ان حزب الله يستعجل لإنهاء حالة المسلحين عند الحدود، لكن في الوقت عينه لا يمانع الحزب في إنهاء هذه الحالات التي يعتبرها شاذة بطرق سلمية يمكن ان توفر عليه الكثير من القتلى في صفوفه. ومن هذا المنطلق أوعز الحزب الى تلك الجماعات خلال الاشهر الماضية برسائل مطمئنة يسمح لها بموجبها الانسحاب من قرى القلمون باتجاه مناطق في العمق السوري حقناً للدماء، خصوصاً وان معركة الحزب الفعلية هي في محافظة حلب وادلب واللاذقية الى جانب النظام الذي بدأ يفقد سيطرته على هذه المدن والبلدات. وتشير المعلومات الى ان عدداً من الفصائل المسلحة وافقت على عرض الحزب لها بينما لم تبدِ <جبهة النصرة> موافقتها حتى الساعة، علماً ان تنظيم <داعش> كان قد انسحب منذ فترة شهرين من القلمون والقرى الحدودية باتجاه القنيطرة والجولان وادلب.
بيان حرب للمجموعات
في القلمون
ليل الاربعاء الماضي خرج بيان عن المجموعات المسلحة في منطقة القلمون الغربي تعلن فيه عن بدء معركة <الفتح المبين> وتحدثت عن اشتباكات عنيفة مع حزب الله والجيش السوري في المنطقة، وقد جاء هذا البيان بعد أقل من ساعة على توزيع وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء <ارنا> تقريراً تضمن معلومات حصرية تقول ان المرحلة الثانية من معركة القلمون ستبدأ بهجوم واسع من أربع جبهات، لتضيق الخناق على الارهابيين التكفيريين في <تلة موسى> ومحيطها، وذلك بعد الانتهاء من تموضع القوات والتثبيت الكامل وتجهيز تلك المواقع المحررة بالعتاد والاعداد البشرية القتالية وبالمدفعية الصاروخية اللازمة والتي ستقوم بالتمهيد بالقصف المدفعي الميداني والجوي عندما تحصل القوات على الموافقة من القيادة وتحديد ساعة الصفر.
وفي حديث مع قائد ميداني معني بهذه المعركة قال: ان معركة تحرير تلّة مسعود الاستراتيجية المشرفة على منطقة جغرافية واسعة في القلمون ستكون صعبة لأنها تحت سيطرة الجماعات الارهابية التكفيرية المسلحة منذ أكثر من أربع سنوات وهي كانت بعيدة عن عيون وأنظار الجيش العربي السوري، الا ان التكتيك العسكري المتبع للهجوم المتوقع تنفيذه في مراحله الثلاث سيكون كفيلاً بدخول القوات المهاجمة الى داخل المنطقة والى تلة مسعود المعقدة بإنفاقها وتحصيناتها، وبالتالي القضاء على العناصر الارهابية المسلحة وتطهيرها منها تماماً.
وأوضح القائد الميداني ان المعركة المقبلة ستكون من كل الجبهات الميدانية وبمشاركة كل الاسلحة بما فيها سلاح الجو، متحدثاً عن مفاجآت ستذهل الجميع خصوصاً في الأداء والتنفيذ، وقضم المواقع وتحرير المنطقة بالتنسيق الكامل مع الجيش السوري وأطراف آخرين. كما سنسعى الى ان يكون عيد المقاومة والتحرير الوطني فی لبنان هذا العام مناسبة لعيدين.
العميد جابر: عرسال خيار
المسلحين الوحيد
من جهته أكد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة العميد المتقاعد هشام جابر ان الاستعدادات انجزت لمعركة القلمون بانتظار ساعة الصفر، وهناك تنسيق عالٍ بين الجيش وحزب الله والجيش السوري للقضاء على المجموعات المسلحة المنتشرة في مناطق القلمون، لكن تحديد موعد الهجوم يتم بناء على استكشاف الوضع الميداني وقبل ساعات محدودة وبالتنسيق مع الاطراف الثلاثة. وذكر العميد جابر انه عندما سيطرت القوات النظامية السورية على منطقة القلمون بداية بعد معركة القصي، ولاحقاً <قارة> و<النبك> و<دير عطية> و<يبرود> وعندما وصلت الى <يبرود> كانت المجموعات المسلحة تنسحب أمامها، وبعد سقوط <يبرود> ذهب قسم من هذه المجموعات الى منطقة الزبداني ولا يزال وقسم آخر انتقل الى رنكوس وعسال الورد وتابعت القوات السورية مطاردتهم. هذه المجموعات المسلحة لم يكن لديها الخيار سوى الانسحاب باتجاه الاراضي اللبنانية فكانت أمامها منطقتا الطفيل وعرسال، وبعدما قام الجيش اللبناني بتنفيذ الخطة الامنية في عرسال بمؤازرة اهالي البلدة انسحبت مجموعات كبيرة الى جرود البلدة،وهذه الجرود هي سلسلة جبال لبنان الشرقية اي داخل الاراضي اللبنانية>.
وأضاف العميد جابر: <هذه المجموعات تنتمي الى جبهة النصرة بأكثريتها ويقال ان قسماً منها ينتمي الى الجيش السوري الحر الذي يعتمد التكتيك ولديه السلاح ويعتمد أسلوب حزب الله نفسه في المواجهة لان الارض تفرض ذلك. ومن غير الوارد ان يصعد الجيش اللبناني الى أعالي هذه الجرود وطبيعة الارض فيها صعبة جداً وفيها مغاور وكهوف مما يسمح للمسلحين بالقيام بعمليات تكتيكية، خصوصاً وان المسلحين لا يعتمدون تكتيك الإغارة بل تكتيك المجابهة كرّ وفرّ ونصب الكمائن والالغام وإن كان لديهم مشكلة لوجستية وانتفاء البيئة الحاضنة لهم>.
وتابع العميد جابر: ان المعركة بين المسلحين وحزب الله بدأت منذ شهر وأكثر وتحديداً في الثالث عشر من حزيران/ يونيو الماضي عندما تحرك الحزب لملاحقة هذه المجموعات لأنه خبير في المنطقة والجبال ويقاتل بالتكتيك نفسه. اما في حال دخولهم الى الاراضي اللبنانية، فإن الحزب سيتولى ملاحقتهم لأن الطائرات السورية لا تستطيع القصف، فهذه المجموعات موجودة داخل النقطة الفاصلة للبلدين وتحديداً في الاراضي اللبنانية اي خراج بريتال و<خراج يونين> وجرود عرسال، كما ان المشكلة بالنسبة لهذه المجموعات هي القتال المستميت لأن لا خيار آخر لديها كما انها لا تستطيع الانسحاب الى الاراضي السورية لأن الجيش السوري بالمرصاد. لذلك فخيارها الوحيد هو اللجوء الى عرسال ومنطقة الطفيل. ولا نعلم ما اذا كانت منطقة عرسال ستستقبلهم في ظل وجود الجيش اللبناني على مداخل البلدة وهو حتماً سيشتبك معهم، بينما حزب الله يتفوق عليهم ببعده الجغرافي في البقاع ولديه إمكانيات لوجستية ولديه بيئة حاضنة>.
ماذا عن الجيش الحر
واستعداداته؟
للوقوف عند الرأي الآخر كان لا بد من التحدث مع فصيل من المعارضة السورية، فكان الاتصال بعضو المجلس العسكري الاعلى للجيش السوري الحر أيمن العاسمي الذي أكد ان معركة القلمون ستمر مثل غيرها ولكن بانتصار الشعب السوري على النظام السوري والمليشيات التي تقاتل إلى جانبه والتي تريد من هذه المعركة محاولة تعويض فشلها في مثلث ريف دمشق والقنيطرة ودرعا وجعلها محاولة أخرى لرفع معنوياتها. ولا بد من التذكير بأننا جيش وثوار ولسنا مرتزقة بل نحن أهل سوريا منتشرون في جرود القلمون وفي كل أنحاء سوريا، مشدداً على ان الثورة السورية لم تخرج إلا لمواجهة المستبد، لا من اجل التدخل في لبنان او العراق، بينما حزب الله تدخل في سوريا بحجــــة الدفاع عن المقامات والحج والآن بحجة الدفاع عن لبنان حسب قوله. وأريد ان أذكر بأن الشعب السوري مشهور بحفاظه على الجيرة وانه احتضن اللبنانيين في نزوحهم إبان حرب 2006 ولم يوجه عليهم السلاح>.