أي رئــــــــيس يجمــــــع «الاخــــــوة الأعــــــــداء »؟!
تجمع مختلف القيادات السياسية والقيادات والاحزاب على ضرورة «توليد> رئيس جديد للجمهورية اللبنانية قبل الخامس والعشرين من أيار/ مايو المقبل، ولو بعملية قيصرية لم تعد استثناء بعد اتفاق الطائف.. خصوصاً أن الرئيس ميشال سليمان أكد مرة تلو أخرى التمسك بالدستور، وبالتالي رفضه المطلق تكرار تجربة التمديد التي <خضع> لها سلفاه الرئيسان الياس الهراوي وإميل لحود حتى لا تصبح <المرة الثالثة ثابتة>.
قرار الرئيس سليمان لا يعني أن سيد بعبدا الجديد <صار بالجيبة> المحلية والإقليمية والدولية. ربما يتم هذا الامر في بلد طبيعي يقع في محيط طبيعي، وسط ظروف طبيعية، خالٍ من الصراعات الطائفية والمذهبية والازمات السياسية والاقتصادية والامنية. لو كان الامر على هذه الصورة المثالية، لأمكن للبنانيين بسهولة حفظ تاريخ انتخاب رئيس جديد لستة أعوام مقبلة، بلا زيادة ولا نقصان، دون العودة الى <غوغل>، ولا أيضاً الى موقع الرئاسة الكبير على شبكة <الانترنت>. لكن المشهد اللبناني ضبابي ومتعثر، قد يفضي الى فراغ رئاسي يخشى الجميع اخطاره، وإن كان البديل جاهزاً وفق الدستور ممثلاً بحكومة تمام سلام.
شهران حاسمان في تاريخ لبنان المعاصر، وتحديان يسيران في خطين متوازيين: اقتراب المهلة الدستورية للاستحقاق وتتابع إعلان الترشيحات <ولو من بعيد لبعيد> حتى لا يحترق أصحابها.
رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون يتحدث عن <الرئيس القوي>، معطياً لنفسه كل صفات القوة. كذلك فعل الدكتور سمير جعجع حين تناول في خطابه في الذكرى التاسعة لانطلاق 14 آذار الصفات المطلوبة في المرشح، فتحدث عن مواصفات تنطبق عليه. الرئيس امين الجميل دخل حلبة المنافسة وبدأت عملية التسويق له من خلال الوزير سجعان قزي بقوله: <الرئيس الجميل سياسي واقعي، وهو حريص على أن يكون مرشح قوى 14 آذار ومقبولاً من قبل 8 آذار...>.
يبقى النائب سليمان فرنجية المرشح الرابع الذي يقدم ترشيح عون أولاً، ثم يأتي هو في الدرجة الثانية بعد الجنرال. أما المرشح الجدي التوافقي الذي يجمع بين 8 و14 آذار، فعليه أن ينتظر الجلسة الأولى وأسهم المرشحين الأربعة ليتخذ قراره بالترشح. فإن تعذر فوز أحد الأربعة، تأخذ عندئذ اللعبة الديموقراطية مداها، دون إسقاط أخطارها في بلد فرّغ السياسيون مؤسساته حتى صار الفراغ مؤسسة قائمة بذاتها تتحكم بمفاصل الدولة وما يلفها من تحديات. يحدث ذلك وسط تقاطع مؤشرات محلية وعربية ودولية عند معطيات إجراء الانتخابات الرئاسية في المهلة الدستورية، وكلام كثير عن <قطب مخفية> عديدة يجيد القادة اللبنانيون استخدامها في الوقت الملائم. على هذه المعادلة ولدت حكومة المصلحة الوطنية بعد انتظار أحد عشر شهراً، وعلى مبدأ الترقيع، تحاور الجنرال عون والرئيس الحريري في باريس، خصوصاً أن قراءة تحليلية للتجاذبات السياسية تشير الى ان عون بات محورها بعدما اصبح منافساً لوليد جنبلاط على لقب <بيضة القبان>.
آلان عون: لا للتمديد ونعم لملف النفط
عضو التيار الوطني الحر النائب آلان عون نفى كل ما يقال أو يشاع عن قطبة مخفية بين الرابية و<بيت المستقبل>، وأكد في حديثه لمجلة <الأفكار> ان الأمور باتت مكشوفة للجميع لافتاً في الوقت ذاته الى موقف <التيار> الرافض للتمديد بكل أشكاله. <كنا الجهة الوحيدة التي صوّتت ضد التمديد لمجلس النواب وقدمنا طعناً أمام المجلس الدستوري، ما يؤكد اننا نعارض التمديد لرئيس الجمهورية، طالما أنه مخالف للدستور>.
ويتساءل آلان عون عن الظروف الاستثنائية التي تفرض التمديد لرئيس الجمهورية ويقول: <صار لدينا حكومة يفترض أن تسهّل سياستها مهمة انتخاب رئيس جمهورية في المهلة القانونية، فضلاً عن اهتمامات أخرى خصوصاً الامن الذي هو أولوية قصوى، وتحديداً في البؤر الحامية جداً، وثانياً تلزيم ملف النفط الذي بات جاهزاً في نيسان/ أبريل المقبل، عسى ألا يتم اختراقه، ثم انهاء ملف التعيينات الإدارية، فالشغور صار كبيراً، وأخيراً البت في سلسلة الرتب والرواتب كقانون مستعجل>... لافتاً الى ان <حكومة الشهرين عاجزة عن تحمل أكثر من ذلك. يكفيها انها خلقت المناخ الملائم لانتخابات رئاسية، ومن خلالها نكون قطعنا نصف الطريق، على أن تتحمّل القوى السياسية المختلفة والمتخالفة النصف الآخر من المسؤولية>. ورأى أن تشكيل الحكومة الجديدة تطلب تفاهمات بين جميع الأطراف أدت الى تنازلات من هنا وهناك. وهذا مطلوب أكثر من انتخابات الرئاسة الاولى. وعلى هذا الاساس، حصدت حوارات بين التيار و<المستقبل> نتمنى أن تصل الى خواتيم سعيدة حول الاستحقاق الرئاسي تؤدي تلقائياً الى تفاهم بين اللبنانيين. أما في حال تعذر ذلك في التفاهم على رئيس توافقي أو عدم اكتمال النصاب القانوني لجلسة الانتخاب، فإننا قد نصل الى فراغ، وهو وضع غير صحي، لا يكفينا ولا يرضينا ولا يشفي غليلنا أن تتسلم حكومة إدارة البلاد. هذا غير طبيعي، ولا بد من الوصول الى اتفاق قبل الخامس والعشرين من أيار/ مايو المقبل، طالما ليس أمامنا أي حل آخر.
بهذا الاصرار، هل يرى التيار ان الفرصة باتت سانحة لإنتاج رئيس صناعة لبنانية؟ النائب آلان عون كشف عن <عامل لبناني بات يقوى أكثر في الاستحقاقات الداخلية>، ولا ينفي في المقابل أهمية الجو الدولي والاقليمي <الذي يسهّل أو يعطّل العملية الانتخابية>. وأكد أن التدخلات الخارجية لعبت دوراً إيجابياً في تشكيل الحكومة الجديدة، لكن تفاصيلها في توزيع الحقائب والاسماء ظلت صناعة محلية صرف، وكان للنائب وليد جنبلاط دوره الاساس في هذه التشكيلة. التفاصيل على مستوى رئيس الجمهورية العتيد متروكة للتفاهم بين اللبنانيين، خصوصاً أن الأجواء الدولية والإقليمية، وخصوصاً الإيرانية والسعودية، تدعم اجراء الانتخابات في موعدها، مع الاخذ بالاعتبار العامل الداخلي، خصوصاً الدور المسيحي، قوة التأثير الأساسية في هذا الاستحقاق الوطني.
سليم الصايغ: رئيس قادر ومبدع
يتفق الوزير الكتائبي السابق سليم الصايغ مع النائب آلان عون على أن الظروف باتت ملائمة أكثر <لانتخاب رئيس لبناني بصناعة لبنانية أكثر من أي وقت مضى>. لكن هذا التأكيد لا ينفي أن الظروف الدولية والإقليمية <ما زالت تملك أوراقها الفاعلة والمؤثرة في استحقاق وطني بامتياز>. الصايغ أشار الى أن الفرنسيين بتوكيل أميركي - أطلسي يهمهم كثيراً استقرار الاوضاع اللبنانية، وبالتالي انتخاب رئيس جمهورية قوي تتوافق عليه جميع القوى السياسية. وبهذا المعنى، تشكل هذه المواقف مجتمعة مظلة تحمي لبنان الى حدٍ كبير من التحولات التي تشهدها المنطقة العربية.
والحديث عن مظلة خارجية يقود تلقائياً الى التساؤل: هل ما زال رئيس الجمهورية اللبنانية يأتي تحت مظلة دولية - إقليمية؟ الدكتور الصايغ ينفي هذه المعادلة. <فهي إن كانت مقبولة في العهود الماضية، باتت اليوم مرفو
ضة. ذلك أن اللبنانيين وصلوا الى قناعة مطلقة بأن <لا يحك جلدك غير ظفرك>.
أضاف الوزير السابق: دعني أؤكد من خلال <الأفكار> أن رئيس الجمهورية العتيد لن يصل بعبدا بعد اليوم على عربة دولية وإقليمية. فالخيار هو نتيجة ديناميكية داخلية تخرج الأسماء الممكنة، المعقولة والمقبولة من المواطنين>،لافتاً الى أن القوى الخارجية تفترض الاتيان برئيس سرعان ما يصبح عبئاً عليها، فيكون عاجزاً عن الالتزام بالحد الأدنى. وبهذا المعنى، أكد الصايغ أن لبنان مفتوح علىالتجاذبات من محاور مختلفة منذ الاستقلال الى اليوم مستذكراً التاريخ فيقول: <لعب الإنكليز ضد الفرنسيين لتسريع الاستقلال، إنما لا يجوز القول ان الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح كانا منتجاً انكليزياً، إنما نتيجة تقاطع أو تضارب مصالح خارجية. اليوم وأمام الاستحقاق الرئاسي، تتكرر المعادلة بأسماء أخرى: إيران من خلال حزب الله وانغماسه في الحرب السورية والسعودية بما تمثله من دور وموقع على الساحة السنية العربية، وخصوصاً أنها تعتبر نفسها مؤتمنة على استقرار لبنان.
وأبعد من ذلك، يرى الدكتور الصايغ ان من الضرورة الاقرار بالتطورات الحديثة وخصوصاً بين المحورين السني والشيعي. ما يعني أن القراءات لم تعد فقط سياسية بين دولة وأخرى، إنما ايضاً قراءات عابرة للحدود. ذلك ان المجموعات التي تسكن المنطقة تتعاطف طائفياً ومذهبياً فيما بينها. وللأسف باتت المنطقة محاصرة بهذه التجاذبات بما فيها رئاسة الجمهورية اللبنانية.
ورداً على الاسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية، أشار الصايغ الى ان حزب الكتائب لم يفتح بعد معركة الرئاسة، لأن الحزب ومن خلال خبراته السياسية الطويلة وتجاربه قبل الاستقلال وما بعده، يدرك جيداً متغيرات المنطقة. <وإن كنت على الصعيد الشخصي أتمنى وصول مرشح من 14 آذار، وان نسقط من تاريخ لبنان الحديث كل تمديد أو تجديد لأنه يسقط دستور لبنان. قد يختلف الافرقاء وقد يصلون الى تفاهمات، لكن الاهم في نظري، انتخاب رئيس يؤمّن الاستقرار والحياة الديموقراطية. فإن لم يحصل ذلك، فأنا أرى التمديد أهم من الفراغ وتداول السلطة أهم من التمديد. وأكد أنه في عز الحرب اللبنانية لم يتخلف لبنان عن انتخابات رئاسية، فما بنا اليوم، وقد توقفت الحرب وخرج الاسرائيلي والسوري، نعجز عن انتخاب رئيس صناعة لبنانية؟!. ولفت الى ان وصول رئيس وسطي هو بين الحلول المطروحة. <والوسطية، في رأيه، هي عقل واداء وممارسة..>. مذكراً بموقف الرئيس الشهيد بشير الجميل حين قال: <أطلب من جماعتي ألا يقفوا أمام شهيد من أحزاب الحركة الوطنية إلا ويضربون له التحية، لأنهم استشهدوا لقضيتهم، ووضع باقة زهور على أضرحتهم لأنهم أبناء لبنان.. يجب أن نرى الكل بهذا المنظار..>. وعلى هذا الأساس، نتمنى وصول رئيس لكل اللبنانيين فوق الصراعات الحزبية والطائفية والمناطقية>. أضاف: قدر لبنان أن يكون رئيسه مسيحياً، وهي فرصة ذهبية ليكون هذا الرئيس المسيحي حمامة سلام في الصراع السني - الشيعي الذي تشهده المنطقة، وأن يكون رجل حوار بين المكونات اللبنانية الطائفية والسياسية. باختصار الرئيس الجديد يجب أن يكون قادراً، خلاقاً ومبدعاً...