تفاصيل الخبر

دع ولدك يختار ما يريد!

02/05/2014
دع ولدك يختار ما يريد!

دع ولدك يختار ما يريد!

إحدى ثانويات مدينة لندن، سأل أحد الطلاب زميله الشاب <لينون> وهو أحد أفراد فرقة <البيتلز> (Beatles) البريطانية التي ذاع صيتها في جميع أنحاء العالم: ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟ أجابه بكل بساطة: أتمنى أن أصبح سعيداً. قال له زميله: يخيل إليّ انك لم تفهم السؤال وهو بذلك يعني انه يريد أن يعرف ماذا يتمنى <لينون> أن يكون في المستقبل محامياً أم صحافياً أم معلماً... الخ... هنا أجابه <لينون>: يخيل إليّ انك لم تفهم الحياة. كثيرون من الأهل يوجهون أولادهم نحو مهن معينة قد لا تكون من خياراتهم وبهذا يدفعون بهم الى مزالق خطرة يحفها الخوف والفشل وعدم الثقة بالنفس. المهندس يتمنى أن يصبح ابنه مهندساً حتى ولو كان غير موهوب لتلك المهنة، والجراح يتوهم ان ابنه خلق ممسكاً المبضع بيده، والمحامي يعتقد أن ابنه فتح عينيه على الدنيا وهو يلبس ثوب المحاماة. والتاجر والسياسي والفنان الذين يحسبون ان سليلتهم تحمل جينات العباقرة كلهم يريدون أبناءهم وبناتهم على شاكلتهم.... ظناً منهم أنهم يجب أن يحصروا الصنف كما يقول المثل وأن مهنتهم تعلو على كل المهن وأن الله سبحانه وتعالى <خلقهم وكسر القالب> كما يقول المثل الشعبي. إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن... فكم من حالات فاشلة نتجت عن هذه الممارسات وكم من خيبة أمل أصابت الآباء والأبناء وما نتج عنها من تداعيات كانت كارثية في بعض الأحيان كما في الدراسة والتوجه المستقبلي للأولاد. وكما في التوجيه المهني كذلك في موضوع الزواج، فكم من الزيجات المدبرة باءت بالفشل لأنها تمت بمعايير وأسس لا تأخذ بعين الاعتبار الحالة النفسية والعاطفية والمشاعر الانسانية الأخرى، بل كانت مدفوعة بمغريات مالية وغيرها... إن واجب المدارس الثانوية شرح الخيارات للطلبة ومتطلبات المهن.. أذكر أن ضابطاً من الجيش اللبناني حضر الى كلية المقاصد عندما كنا في صف البكالوريا وشرح لنا شروط الانتساب للكلية العسكرية. حبذا لو تتكرم النقابات بإرسال مندوبين متدربين ليشرحوا للطلبة حسنات وصعوبات ما يواجهه كل منهم في قطاع عمله ليستنير الجيل الجديد فيسهل عليه الاختيار الصحيح. وعلى سبيل المثال الذي يمكن أن يُحتذى عندكم كندا حيث تدعو الادارة في المدارس آباء وأمهات التلاميذ الى جلسات تعرّف على مهنهم وذلك من خلال ندوة يحضرها طلاب الصفوف النهائية لعرض ومناقشة حسنات وسيئات ومتاعب المهن التي يمارسونها من السنكري الى عامل النظافة الى الطبيب والمدرس... فيتكلم كل ولي أمر عن واقع مهنته وظروف العمل بكل صراحة وشفافية ويجيب عن أسئلة التلاميذ ويشرح كل التفاصيل المتعلقة بعمله. وفي لبنان وتحت عنوان <الأبواب المفتوحة>، نشرت جريدة <النهار> اليومية بتاريخ 2/4/2014 اعلاناً من جامعة سيدة اللويزة هذا نصّه: <تفتح جامعة سيدة اللويزة أبوابها أمام تلامذة المدارس في يومين توجيهيين طويلين، يجولون خلالهما على الكليات للتعرف على أقسام الجامعة مما يسهل عملية اختيارهم لاختصاصاتهم المستقبلية>. حبذا لو تفتح بقية الجامعات أبوابها أمام جيل المستقبل للتعرف على حقائق الآفاق المتاحة. فالوصاية الأهلية يجب أن تهدف الى ما هدف إليه <لينون> وهو أن يكون الهدف السعادة فإذا كان الطفل يجد سعادته في الغناء فليغنّ، وعلى سبيل المثال فأنا شخصياً أعرف صديقاً أصبحت ابنته مغنية عالمية <Suprano> لأنه شجعها منذ صغرها على تنمية قدراتها وساندها للوصول الى هدفها. كذلك في ميادين الرسم والرقص (الباليه) وغيرها كلها اتجاهات حياتية تحمل في طياتها السعادة والثقة بالنفس وان كانت لا ترضي مشاعر الأهل الداخلية لكون الأولاد انحرفوا عن الاتجاه التقليدي، فلم يسلكوا درب الوجاهة التي ترضي تطلعات الأهل ليتباهوا بأن ابنهم طبيب أو صحافي أو محام مثلاً وفي الواقع يكون هذا الابن متعباً في مهنته وجاهداً في استجابة متطلباتها فتضيع السعادة ويمضي العمر... كل ذلك إكراماً لعيون العائلة التي تدغدغها أحلام الوجاهة والعظمة. في المحصلة النهائية ليس المهم أن يكون الانسان طبيباً أو صحافياً أو رساماً أو في أية مهنة أخرى إذا لم يكن سعيداً. فالسعادة يجب أن تكون الغاية منها والوصول إليها يكون في النجاح على مستوى المهنة التي تعطي المرء ارتياحاً لما ينجز واعتزازاً بالنفس لنجاحه في عمله، ولا يتمّ ذلك إلا من ضمن الاختيار الحر الذي ينسجم مع مؤهلات الطالب وقدراته. واليوم وفي عصر التواصل الاجتماعي، يستطيع الطالب أن يجري أبحاثاً عن المهن المتوافرة ويستشرف أبعادها وصعوباتها وبالتالي يستطيع أن يختار ما يراه ملائماً لطاقاته وتطلعاته وطموحه بشكل أفضل. ختاماً، في خريف العمر، إذا سئل المسنون ماذا يريدون في ما تبقى من هذه الحياة فالجميع سيجيب نريد الصحة الجسدية والعقلية بعيداً عن الأمراض والاعاقات والحروب... لنمضي السنون الباقية من العمر في راحة وهناء، الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.