تفاصيل الخبر

”بيتي توتل“ في مسرحيتها الجديدة ”كولوار الفرج“:لو عرضت مسرحيتي في وقتها المحدد لاعتبروني ”سيدة التنبؤات“!

28/02/2020
”بيتي توتل“ في مسرحيتها الجديدة ”كولوار الفرج“:لو عرضت مسرحيتي في وقتها المحدد لاعتبروني ”سيدة التنبؤات“!

”بيتي توتل“ في مسرحيتها الجديدة ”كولوار الفرج“:لو عرضت مسرحيتي في وقتها المحدد لاعتبروني ”سيدة التنبؤات“!

  

بقلم عبير انطون

الى الكُتيب المُعرِف عن مسرحيتها الجديدة <كولوار الفرج> والمشاركين فيها تلحقكم <بيتي توتل> لتسحب منكم ابتسامة باتت نادرة وضحكة تستحضرها من قاع القرف والاحباط الذي تعيشون فيه. ابتسمنا ونحن نقرأ ما اوردته فاتورة <مستشفى الفرج> المرسومة على اوراق الكتيب الداخلية، وذلك لدى تفحصنا لائحة ما <تفيّشه> <عمالا على بطّال> كمثل <فحص التعرق> و<البيديكور> او فحص <التهذيب> مثلا مع تذييل المستشفى للفاتورة بعبارة <نشكر لكم زيارتكم.. على امل اللقاء من جديد>.

 الابتسامة هذه جرتنا طوال العرض، الذي افتتح في 13 شباط (فبراير) الحالي ويستمر على مسرح <دوار الشمس>، الى الضحك من الأعماق على واقع مريضين متقدمين في العمر، منسيين، يرفض احدهما ان يكون في جناز اربعينه <غذاء> حتى لا يأتي الناس ويأكلون بـ<بلاش>، وعلى ممرضتين تتناتشان عريسا مفترضا يردنه بأي ثمن، وعلى أطباء متمرنين لا يفقهون ماذا يفعلون، وعلى مندوبة شركة تأمين <تنقّط سما>، وعلى محام <نافش ريشه> كالطاووس لكنه محرض على التغيير، ومخرج تحت نصيبه في السينما وفي الحياة، وصولا الى امرأة على وشك الطلاق والانهيار لأكثر من سبب، وغيرهم من الشخصيات بعد..

بكثير من السلاسة والمرونة التي لا تغيب عمن يكون كـ<بيتي توتل> ملتصقا بالمسرح وخشبته ووظائفه، متكئا على خلفية أكاديمية صلبة وموهبة فذة لفتت الانظار من دون ان تصل الى ما تستحقه بعد، تقدم لنا الاستاذة المسرحية <كولوار الفرج> كتابة، اخراجا وتمثيلا مع كوكبة من نجوم اختارتهم عـ<الطبلية> فكانوا لافتين حقا كعبير صياح بدور مندوبة التأمين التي خطفت النظر لموهبة لا بد انها ستترك بصمة.

فماذا في المسرحية، كيف عجنتها <بيتي> ضحكا وانتظارا وبكاء ووجعا للروح لمن له مريض عالق ما بين الحياة والموت؟ كيف <فشت خلقها وخلقنا> في ما نعانيه على ابواب المستشفيات او في داخلها في بلد دخل العناية الفائقة وسط <روشيتات> انقاذ مبهمة؟ ولمَ كانت التحية لامها التي اهدتها في احتفال الافتتاح باقة من الورد مع الف قبلة؟

مع <بيتي> كان لقاء <الأفكار> وسألناها اولا:

 ــ في المسرحية جانب شخصي بدا واضحا من خلال سياق القصة. ما الذي جعلك تتناولين موضوعا حول المستشفيات وشركات التأمين؟

- لقد استوحيت الكثير من الفترات التي قضيتها مع والدتي اثناء استشفائها اكثر من مرة، من هنا انطلقت الشرارة وتكوّنت في رأسي <التركيبة> كلها، مع توقف عند جملة لا بد ان يكون كل من دخل المستشفى قد سمعها لسبب او لآخر وهي ان <السيستام واقف> اي النظام الذي يُعمل وفقه في المستشفى ولا نفهمه، فما هو هذا <السيستام> المبهم؟ هذا عداكم عن الفواتير الباهظة التي ندفعها واللامنطقية في الكثير من الأحيان حتى لما يكون المريض مغطى من قبل شركات التأمين، وما أدراكم على ماذا توافق هذه الشركات وما لا توافق عليه؟!

وتضيف <بيتي>:

- في المسرحية الأحداث جميعها مستقاة من تجارب شخصية، فضلا عن الظروف التي يمر بها البلد. لقد بدأت بكتابتها في اول العام 2019 علما انني كنت اعد رؤوس الأقلام لها منذ العام 2017. والعام الماضي كان <السيتسام> كله في البلد لا يسير على السكة الصحيحة، الاضرابات في الجامعة اللبنانية والحديث عن تخفيض الرواتب والمس بالمتعاقدين فضلا عن الانين الذي بدأ في أكثر من مستشفى، فرأيت ان ذلك كله يخدم الفكرة الاساسية التي اعمل عليها. كنت جاهزة للعرض في 31 اكتوبر الماضي الا ان اندلاع الثورة واحوال البلد اقتضت التأجيل، وجاءت الثورة للتأكيد على ما كنا

نعيشه، اذ كما في مسرحيتي، نرى ضحايا هذا النظام يأخذون مصيرهم بيدهم، يضغطون بوسائلهم لفضح ما يجري. هكذا تبلورت وتطورت المسرحية وأنا سعيدة جدا بردود الفعل.

ــ فلنلخص العمل بخطوطه العريضة للقراء قبل دعوتهم الى مشاهدته...

- هي باختصار حكاية 14 شخصا ما بين مرضى واهاليهم وطاقم طبي. تدور الأحداث في ممرّ مستشفى <الفرج> الوهمي حيث الجميع ضحيّة <سيستم> (نظام) يتوقّف فجأة عن العمل. العبثيّة المُضحكة للموقِف ورغبة الضحايا بالخروج من هذا النفق المظلم تجعلهم يحاولون فعل المستحيل لحلّ الأزمة. الأحداث تدور في أروقة مستشفى والمقصود هنا البلد، وثمة علاقة بين كلمتي الفرج والفرح، وفارق النقطة له محور وتأثير... القصة مهضومة ورغم قساوة الموضوع لكنه بغلاف كوميدي... لن افضح هذا الجانب الكوميدي جدا، انما اود ان اؤكد على الجانب الانساني الذي فيها، فلما تكون لك حالة لعزيز عليك في المستشفى تضحي حياتك محصورة في <كولوار> هذا المستشفى حيث تنمو وتتعرى مختلف انواع العلاقات ما بين الاخ واخته والصديق وصديقه وما بين المرضى انفسهم واهلهم الى ما هنالك.

ــ تفاجأنا بان المسرحية مكتوبة منذ ما قبل الثورة فيما الكثيرون اعتقدوا ان العمل جاء مستوحى منها. هل عدلت بها لتتلاءم وما يجري في الساحات؟

- انني على يقين بأنه لو عرضنا المسرحية في الوقت الذي كنا قد حددناه لها في اوكتوبر لاعتقدت الناس انني اتميّز بنوع من التنبؤ. لم أضف سوى 3 او 4 كلمات لا أكثر كمثل نقص المواد في المستشفيات وعصر النفقات والأجر بالليرة اللبنانية، فضلا عن <السحسوح> الذي تتلقاه مندوبة شركة التأمين فيما هي في المسرحية معنفة أصلا. ما كان يمكنني ان اضيف بعد وكنا ارسلنا الدعوات الى الصحافة والمدعويين.

ــ هل وصلك عتب ما من الجهاز الطبي ولم ترحميهم في أكثر من ناحية حيث الطبيب الغائب دوما وطلاب الطب الضائعون والممرضتان المتقاتلان على <عريس> والمعنِفتان للمرضى واهاليهم على الاقل لفظا؟

- ما من عتب على الإطلاق، وقد مر نص المسرحية على الرقابة ولم تحذف منه كلمة واحدة، كما أنني تداركت اي التباس لما اكدت في مستهل المسرحية ان هذه الشخصيات هي من نسج الخيال وان المستشفى وهمي ولكوننا لا نرى دكتور <فرج>، حتى في <الريبورتاج> الذي تتابعونه على الشاشة في المسرحية مع كل من الاعلاميين زافين وريما كركي، ولما تحصل فضيحة ما يحصل في اروقة المستشفى وما تطلبه شركة التأمين من مندوبتها من <فذلكات> غير مبررة، وينتشر الفيديو المصور عبر الـ<سوشيل ميديا> فإنهما يستعرضان مختلف وجهات النظر. معروف عني أنني لا اجرح اطلاقا، إلا أنني لم أكتب المسرحية من فراغ، والأحداث كلها واقعية أكان من تجاربي الشخصية مع المستشفيات او أخرى حصلت مع غيري، وهي كلها شهادات لملمتها من اشخاص في الواقع، كذلك فقد كنت على تواصل مع أكثر من طبيب وكان بينهم مَن لا يتقاضون رواتبهم فعلا.

اصلاح الـ<سيستام>...!

ــ مع النظام الذي يزداد تدهورا، هل من دور للمسرح؟

- دور المسرح اساسي، هو ثورة بحد ذاتها، كما انه تحد كبير ان اقوم بجهد واستمر واقول ما اريد التعبير عنه حيال هذا الواقع. ربما لم تجدني الناس مع الثورة في الساحات والشوارع الا أنني أدعم مطالبها من خلال مسرحي وارى طريقة عملي فعالة تماما ايضا لانني افضـــــــــــــــــح ما يجري، والمسرح بحد ذاته هو نضال. ان نتحدى كل ما يجري ونستمر هو تحد عال نرفعه لتبقى الثورة الثقافية، وهي ثورة وطنية مستمرة.

ــ ماذا عن الممثلين الذين يشاركونك البطولة؟

- لنتفق أولا بأن العمل هو البطل. نحن اربعة عشر ممثلا ومساحة ادوارنا متقاربة. عندنا ممثلون معروفون كجورج دياب وطوني مهنا ولمى مرعشلي، فيما عندنا طلاب اتمنى ان يصبحوا نجوما يوما ما كهشام خداج، كريم شبلي، عبير صياح، ماريا بشارة، جوزيت أفتيموس، وديع أفتيموس، ريمون أفتيموس، جان بيار عبد الدايم، نادر موصللي، تريسي يونس وسامر حنا، فلي ايمان بكل هؤلاء الممثلين الشباب والصبايا واعتبرهم عائلتي، ولهم كلهم أكبر تحية.

ــ في كل عام تقدمين مسرحية جديدة من <آخر بيت بالجميزة> (2010) الى <الاربعا بنص الجمعة> (2012) الى <باسبور الرقم 10452> في العام 2013 و<مسرح الجريمة> (2015) ومن ثم <فريزر> (2019) آخر مسرحياتك قبل <كولوار الفرج> وفيها جميعها وجه من وجوه <السيستام> الغلط... اي اختلاف مثلا بين العملين الأخيرين؟

- في <فريزر> تناولت هجرة الشباب والجمود الذي تعيشه العائلات حيث تصبح الحياة رهينة الانتظار، انتظار الوالدين لعودة اولادهم بحيث تملأ الام الثلاجة بالمأكولات بانتظار تلك العودة التي تطول وقد لا تتم، اما في <كولوار الفرج> فنحن نتحدى الجمود و<السيستام> المعطل ما يحض على ثورة نراها من خلال انتفاضة اهالي المرضى على واقع المستشفى وما يجري في كواليسه.

نذكر أخيرا ان اهداء المسرحية وقعته <بيتي> لحماتها والدة زوجها المتوفاة والتي كانت مشجعتها الاولى على كتابتها، فحين كانت <بيتي> تعود منهكة وحزينة من غرفة والدتها في المستشفى، كانت حماتها تبادرها بالقول: الله سيجازيك خيرا... ولما علمت ببدء كتابتها لـ<كولوار الفرج> شجعتها جدا مثنية على العنوان وقائلة لها: <في العمق الامر حزين.. لكن من الافضل لنا ان نضحك>... وقد شاء القدر ان تشهد <بيتي> على دخول امها وحماتها وقريبة لها مريضة هي ايضا الى ثلاث غرف متلاصقة في <كولوار> احدى المستشفيات... <كولوار> كان شاهدا على الم وأمل ودمعة وابتسامة وعلى فرج وتحرر، وانما ايضا على بذور مسرحية اينعت عملا يستحق التصفيق.