تفاصيل الخبر

”بيت جدودنا“ يقدّم الرعاية والحب للمسنّين المتروكين...

06/03/2020
”بيت جدودنا“ يقدّم الرعاية والحب للمسنّين المتروكين...

”بيت جدودنا“ يقدّم الرعاية والحب للمسنّين المتروكين...

بقلم وردية بطرس

 

صاحبة المبادرة الشابة يارا بو عون: لم أتحمّل رؤية المسنّين بلا مأوى فأسست

بيت جدودنا“ ليعيش فيه كبار السن وكأنه منزلهم!

 

حتى لا يبقى المسنّون بلا مأوى متروكين ومشردين أرتأت الشابة اللبنانية يارا بو عون ان تجمع المسنّين تحت سقف واحد في منزل حجري يقع في منطقة بيت مري في محاولة منها لتعويض كبار السن عن قسوة الأيام والحرمان والتشرد. لقد أطلقت يارا على هذا البيت اسم <بيت جدودنا> لأن كلمة <مأوى> قد يكون لها تأثير سلبي على كبار السن، فيما تعود كلمة <جدودنا> لكون الأجداد هم بركة العائلة...

بدأت يارا مشروع <بيت جدودنا> بالبحث عن كبار السن في الطرقات لاقناعهم بالعيش في أي مأوى بعيداً عن التشرد في الشوارع، وعندما تبلورت فكرة مشروعها أحبت ان يعيش كل مسن في هذا المنزل وكأنه في منزله، فاختارت منزلاً حجرياً قديماً لكي يكون له تأثير معنوي على كبار السن. بدأت مشروعها باقامة مسنين والآن يقيم 12 مسنّاً في هذا البيت الدافىء الذي منحهم الرعاية والمحبة، فكل مستلزمات الحياة والراحة متوافرة في البيت، وباعتبار يارا ان ما يميز هذا البيت انه ملك لهم وكل شيء تحت تصرفهم ويمكنهم القيام بأي شيء في اي وقت وتحضير اي شيء يحبونه من طعام وشراب، فالبيت ليس كمأوى يضع لهم برنامجــــــــــــــــــــــــــــــاً مسبقاً وقوانين، وتسعى يارا لتطوير مشروعها واطلاق مشروع <بيت ستي> ليكون منزلاً للمسنّات، وتطمح الى نشر فكرتها لتشمل المحافظات اللبنانية كافة لكي لا يبقى مسن بلا مأوى.

 

مبادرة <بيت جدودنا>!

الشابة يارا بو عون الحائزة شهادة في ادارة الأعمال تكرّس وقتها للعمل التطوعي والانساني ايماناً منها بضرورة الاهتمام والعناية بكبار السن لأنهم بركة البيت، ولهذا أطلقت مبادرة <بيت جدودنا> من ضمن مشاريع جمعية <LIFELINE> وهي جمعية خيرية أسّستها منذ خمس سنوات لرعاية كبار السن، وتقول:

- جمعية <LIFELINE> تعني <حبل النجاة>، و<بيت جدودنا> هو مشروع انبثق من هذه الجمعية، ومن ضمن نظام الجمعية ايواء كبار السن والاهتمام بهم، ومن هذا المنطلق كانت مبادرة <بيت جدودنا>. بالنسبة الي لطالما عملت في المجال التطوعي اذ كنت في الكشافة لسنوات طويلة، وكنا نساعد كثيراً، ومنذ سنة أردت أن أقدّم المساعدة والرعاية للمسنين... أحب المسّنين كثيراً لأنني متعلّقة بجدي وجدتي كثيراً، ولا أحب أن أرى اي مسن متروكاً أو مظلوماً، وقد كنت أرى المسنّين متروكين ومتشردين على الطرقات او يقيمون في بيوت مهجورة بلا أبواب او نوافذ. في اول فترة حاولت ان أقنع المسنّين الذين كنت أراهم على الطرقات بأن يعيشوا في مأوى كحل افضل من البقاء في الطرقات، ولكن معظمهم لم يحبّذ فكرة الاقامة في مأوى، وكنت أسمعهم يقولون: نرغب بالاقامة في بيت وليس مأوى، وطبعاً لم يكن بامكاني تأمين منزل لكل واحد منهم، وعلى هذا الأساس قلت: لمَ لا أستأجر منزلاً ليعيشوا فيه كعائلة؟

وتتابع:

- بالفعل قمت بذلك اذ أولاً انتقل شخصان للعيش في هذا البيت، والآن يعيش فيه 12 مسنّاً تتراوح أعمارهم بين 63 و85 عاماً. فعلياً يساعدني متطوعون ومتطوعات ويبلغ عددهم 10 أشخاص، وأصغر واحدة بينهم هي شقيقتي التي تبلغ الخامسة عشرة من عمرها، وقد بدأت تساعدني فعلياً بعمل الخير منذ خمس سنوات بعدما كانت ترافقني بزيارتي للعائلات التي تحتاج للمساعدة، وأيضاً زيارة المرضى في المستشفيات.

ــ وكيف يتم تأمين مستلزمات المسنين في <بيت جدودنا>؟

- أول فترة كنا كأشخاص متطوعين نعمل على توفير مستلزمات المسنّين، ولاحقاً بدأ أشخاص يدعموننا بحيث تمكنّا من استئجار البيت ليعيش فيه المسنون، وهكذا بدأ الناس يزورون البيت ليروا ماذا يحتاج المسنّون: منهم مَن يقدّم الطعام لهم، ومنهم يقدّم الثياب، واخرون يقدمون مفروشات للمنزل مثل السجاد والأغطية والكراسي وما شابه... علماً ان المسنين المقيمين في هذا المنزل لديهم عائلات ولكن لا أحد يسأل عنهم اذ أنهم متروكون ومشردون وكانوا ينامون على الطرقات او تحت الجسور وغيرها... وعندما انتقلوا للعيش هنا حاولت ان اتواصل مع عائلاتهم ليزوروهم ولكن لم يتجاوبوا معنا ولم يهتموا للأمر.

ــ مرّ لبنان في ظروف صعبة وفي الفترة الأخيرة زادت نسبة الفقر والعوز، فالى اي مدى ازداد عدد الفقراء؟

- طبعاً الوضع الاقتصادي الصعب أثرّ كثيراً على وضع الناس، اذ لاحظنا في الأشهر الأربعة الأخيرة ان عدد العائلات التي تحتاج للمساعدة ازداد كثيراً، فمثلاً العائلة التي كانت تقصدنا للمساعدة مرة في الشهرين أصبحـــــــــــــــــوا يقصدوننا مرة في الأسبوع، وبالتالي ازدادت الحاجة لدى الجميع وليس فقط عند المسنين. مثلاً كنت أعمل على تأمين الطعام لبعض العائلات بينما اليوم علينا تأمين الطعام والثياب وكل شيء لها.

رعاية المسنين... عمل خير!

ــ ومن يهتم باعمال التنظيف ورعاية المسنين؟

- هناك عاملة تهتم بهذه الأمور من حيث التنظيف وترتيب الأسرّة الى ما هنالك لكي تتوافر لهم الرعاية والنظافة، ونحن كمتطوعين نرتّب لهم أغراضهم وثيابهم ونعطيهم الأدوية في مواعيدها... مثلاً والدتي والسيدات في المنطقة يقصدن المنزل ويطبخن للمسنين اي يحظى المسنون باهتمام كبير من جميع النواحي، اذ يشعرون بأنه منزلهم الخاص، ويستقبلون أصدقاءهم وزوارهم بكل حرية، ويتصرفون في المنزل كما يشاؤون، فيعّدون القهوة بأي وقت يريدون، واذا لم يرغبوا بتناول وجبة الغداء التي تُعّد لهم فلهم الحرية باختيار ما يشاؤون من البراد ليتناولوه.

ــ ملفت في الفترة الاخيرة ان العديد من الأشخاص يقومون بمبادرات انسانية لتقديم المساعدة للمعوزين والمحتاجين...

- هذا صحيح لأن اللبناني أصبح يفكر انه اذا كان كشخص ينتمي الى الطبقة المتوسطة بات اليوم يعاني، فكيف الحال بالنسبة للفقير في ظل الظروف المعيشية الصعبة في لبنان؟ اذ للأسف أصبح الفقير يعيش حياة مزرية، ولهذا يشعر الناس مع بعضهم البعض لأن الجميع يعاني من الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، لهذا ترين تضامناً وأخوة بين اللبنانيين اذ يقدمون المساعدة للمحتاجين، وقد يقول الناس ان هناك أزمة ولكن هذه الأزمة قرّبت ما بين الناس اذ نسوا السياسة والأحزاب ووقفوا الى جانب أخيهم الانسان، لأنه بالنهاية أدركوا ان لا هذا سيدفع ثمن ربطة الخبز ولا ذاك سيدفع لهم المعاش... الوضع صعب جداً فعدد كبير من اللبنانيين أصبح عاطلاً عن العمل ولا يقدر ان يعيل عائلته، حتى اننا وصلنا الى مرحلة يتقاسم فيها الفقير اللقمة مع جاره الفقير او صديقه لأن الأزمة الاقتصادية تطال كل الناس... فكيف الحال عندما تجدين مسنّين بدون طعام ولا مأوى ينامون على الطرقات والأرصفة؟ حالياً يقيم 12 مسنّاً في <بيت جدودنا> ولكن الآن جهزّنا غرفة ثالثة لنستقبل خمسة مسنين اخرين.

ــ وماذا عن مشروعك الجديد <بيت ستي>؟

- بعد مبادرة <بيت جدودنا> أسعى الى تأمين بيت للمسنّات سأطلق عليه اسم <بيت ستي>، وهذا البيت قريب من <بيت جدودنا>، وبالفعل تمّ استئجار البيت ونقوم بما يلزم لاستقبال المسنّات، اذ لم أرد ان أعد المسنّات بأنني سأنقلهن الى بيت قبل تأمين المكان.

ــ هل هناك مؤسسات تساعدكم لمواصلة العمل التطوعي؟

- هناك مؤسسات تساعدنا مثل <Lebanese Food Bank> اذ تحضّر الطعام لـ<بيت جدودنا> فبعدما علمت النساء بمشروعنا بدأن بتحضير الأطعمة في بيوتهن، وهناك مؤسسات تُقدّم الثياب للمسنّين فيتم التنسيق في ما بيننا بما يتعلق بمقاسات المسنين لكي يأتوا لهم بثياب تناسبهم.

ــ ما مدى أهمية ان يترعرع الانسان في بيت يشجع على العمل التطوعي؟

- بالفعل عندما يترعرع الانسان في بيت يشجع على العمل التطوعي فانه يتعلّم كيف يساعد الآخرين. بالنسبة الي فمنذ صغرنا علّمتنا والدتي أن نساعد الآخرين، وان نقّدر كل ما أنعمه الله علينا لكي نقوم بدورنا بعمل الخير، وهكذا تعلّمنا كيف نساعد الآخرين. أذكر ان والدتي كانت تقيم

عيد ميلادي في مأوى العجزة، اذ كنت احتفل بعيد ميلادي بين المسنّين بكل فرح، وكانت والدتي تفاجئني دائماً بالاحتفال في مأوى العجزة، وبهذه الطريقة يتعلّم الولد منذ صغره تقدير كل شيء وعندما يرى فقيراً لا يسخر منه او يهينه وما شابه...

ــ وهل ستواصلين العمل التطوعي؟

- أقول دائماً طالما الرب أنعم علي بالصحة والقوة فانني سأستمر حتى النهاية، ولن يكون هناك اي عائق لمواصلة العمل الانساني، وأردد دائماً ان كبير السن هو بركة في البيت، ومن المفروض ان يحظى بالتقدير والاهتمام في كبره، ونحن نتعلّم الكثير من كبير السن، فالدرس الذي نتعلّمه منه لا يُقدّر بثمن لأنه قد اختبر الحياة بكل مفاصلها، وبالرغم مما اختبره في حياته من لحظات صعبة وألم وفقر وذل يظل يشكر الله على كل شيء ويشكرنا أيضاً... بالنسبة الي لطالما كنت متواضعة ولكنني تعلّمت منهم التواضع أكثر.

وأضافت:

- أحب ان أقول انه بالرغم من كل الظروف فليس مقبولاً ان نقف مكتوفي الأيدي في هذا الوقت الصعب الذي نعيشه جميعنا، فاذا قام كل شخص بمبادرة فردية من ثم تتحول هذه المبادرة الفردية الى مبادرة جماعية فعندها سنكون بألف خير، وبالتالي نقدر ان نغيّر مجتمعنا وبلدنا اذ لن ينقصنا شيء، ولكن علينا ان نعمل معاً وان نفكر قليلاً بطريقة ايجابية وبأن كل واحد منا يقدر ان يساهم على طريقته وليس بالضرورة بالماديات، فبلدنا يقوم على مبادرات الأشخاص وليس فقط على المسؤولين، فاذا أردنا ان نرى الناس سعداء علينا ان نزرع الفرح في قلوبهم... على الصعيد الشخصي لقد منحني العمل التطوعي السعادة والفرح... لم تكن لدي الأموال لأقوم بهذا المشروع ولكنني اعتمدت على العطاء بداخلي وهكذا انطلقت المبادرة واستطعنا ان نساعد المسنّين وسأواصل جهدي بكل محبة وتفانٍ.