تفاصيل الخبر

”بـيـــــروت تـرنـــــم“.. عـابــــرةً الأديــــان والـطـوائــــــف..

16/12/2016
”بـيـــــروت تـرنـــــم“.. عـابــــرةً الأديــــان والـطـوائــــــف..

”بـيـــــروت تـرنـــــم“.. عـابــــرةً الأديــــان والـطـوائــــــف..

 

بقلم عبير انطون

5H1)-'D-1J1J-H'DEHA_-'D('(HmKLmpwZw==_=----2

<تعالوا اليَ جميعكم>، الى الكنائس التاريخية في العاصمة اللبنانية لنعيش معا فرح الميلاد في اجواء احتفالية لثمان وعشرين امسية من الموسيقى الكلاسيكية والترانيم البيزنطية والموسيقى العربية والصوفية والانشاد القرآني من قلب كنائس بيروت، مع اشهر الفرق والعازفين والمغنين من حول العالم. تعالوا الى وجه لبنان الحقيقي، وجه العيش الواحد والانفتاح والاعتدال، تعالوا الى الموسم التاسع من <بيروت ترنم> المحمّل بأكثر من رسالة..

 

الطعم التاسع.. مختلف

 

يهل شهر الاعياد المجيدة لهذا العام محملا بالامل والرجاء وشعور اللبنانيين مقيمين ومغتربين والكثيرين من السواح بالطمأنينة، ما انعكس ايجابا على حجوزات الفنادق التي بلغت نسبة عالية بحسب ما اعلن. لبنان كله، في كل زاوية منه يستقبل العيد على طريقته، يلبس منطقته الزينة الابهى، ويبدأ العد العكسي لليلة الخامس والعشرين من كانون الاول (ديسمبر) التي يجتمع فيها اللبنانيون، كل اللبنانيين على السلام والمحبة..

 في جبيل، ترتفع شجرة العيد المنتظرة والتي باتت شهرتها عالمية. في بكفيا، تضعنا شوارع البلدة في قلب البهجة فتتزين الارزات المغروسات في شوارعها، وتشبك محلات الحلويات في المدينة سواعدها لانجاز اكبر <بوش> لبناني بطول ستين مترا لهذا العام، وفي البقاع كما في الشمال والجنوب لا تقل المناسبة شأنا وتتدحرج كرة المحبة واسواق الميلاد المنتشرة لتشمل مختلف المناطق حتى البعيدة منها، اما لقلب بيروت، للعاصمة الحاضنة، تبقى البصمة الأكبر من خلال مهرجان <بيروت ترنم>.

لقد بات مهرجان <بيروت ترنم> موعداً منتظراً منذ انطلاقه قبل تسعة اعوام محافظا على تواريخه من الاول من كانون الاول (ديسمبر) حتى الثالث والعشرين منه. لموسم هذا العام طعم مختلف. فالنائب بهية الحريري الداعمة للمهرجان منذ ولادته اكدت على اهميته لهذا العام <مع تجدد الامل لدى اللبنانيين بتكامل الارادات الطيبة حول الوطن وبناء السلام بانتخاب رئيس جديد للبلاد>، فيما اكد رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني ان <بيروت كانت دوما وستبقى ملتقى الحضارات الحاضنة للثقافة والابداع، داعيا اللبنانيين ليحتفلوا معا بثقافة العاصمة ورسالتها الحضارية الفريدة>. فرسالة لبنان، <البلد الذي يعيد بناء نفسه> بحسب ما وصفه موفد الفاتيكان الى احتفالات بيروت المونسينيور <أزيفيدو> هي في تنوعه وقدرته على الاستمرار في احلك الظروف والنهوض دائما وتجديد الدرب مؤكدا <ان مستقبل بيروت مشرق بالموسيقى والتنوع والمواهب والتطور والحداثة والعيش الواحد>.

قداسته والنظرة الاشمل..

مؤسسة المهرجان ميشلين ابي سمرا تحدثت لـ<الافكار> عن تفاصيل زيارتها الى قداسة البابا <فرانسيس> في شهر ايلول (سبتمبر) الفائت، والذي خص عبرها اللبنانيين برسالة مهمة ينقلها مهرجان <بيروت ترنم>. تقول ابي سمرا، عن كيفية ترتيب اللقاء:

- العماد الاساسي لتأمين اللقاء بقداسته كان السفير البابوي الى لبنان <غابرييل كاتشيا>، فهو من الاشخاص الذين يكنون محبة خاصة لمهرجان <بيروت ترنم> والفكرة التي يترجمها، أي الموسيقى الجامعة للطوائف، العابرة للاديان والمجتمعات. فما يقدمه المهرجان يشتمل على تجارب موسيقية راقية تحتضن كل الأنواع، من الترانيم البيزنطية والكنسية الى الموسيقى العربية كالتي قدمتها فرقة <أصيل> العربية الاسبوع الفائت مع مصطفى سعيد مثلا. لقد حمل السفير <كاتشيا> روح مهرجان <بيروت ترنم> الى الفاتيكان وتحدث عن هذا الموعد الذي بات محطة سنوية منتظرة، مشيدا بما تقدمه بيروت في هذا المجال من احتفالات تبلغ هذا العام عيدها التاسع، ما يعني انها مدت جذورها عميقا في البيئة اللبنانية. وصل الامر الى مسامع قداسة البابا الذي اعجب بما يتم، وطلب التعرف بي وان يبارك شخصيا عمل المهرجان وينقل عبره رسالة الى اللبنانيين.

وتتابع:

- تعرفت بالكاردينال <رافادزي> المسؤول عن الثقافة في دوائر الفاتيكان وقدمت اليه برنامجنا التاسع فاثنى على اهميته وتنوعه، ذلك انه يستقطب مشاركين عزفا وغناء من العالم أجمع، من اكبر المسارح واهمها، وقد اثنى على الجودة العالية لما نقدمه. لقد تشرفت بزيارة قداسته لمدة عشر دقائق، كنت اتمنى لو رافقتني عائلتي فيها، الا ان ذلك لم يسمح به. ولقد حمّلني قداسته رسالة الى اللبنانيين، مضمونها الاساسي الابتعاد عن التعلق بالماديات وبالتالي عن الفساد عبر التواضع مشددا على ذلك جدا اذ قال: <ابقوا بسطاء متواضعين وابتعدوا عن التكبر فهو يفسد النفوس وان هذه المبادرة تساهم في نشر السلام>..

وتزيد ابي سمرا:

- لقد لفتت قداسته مشاركة السيدة بهية الحريري عبر <مؤسسة الحريري> في رعاية المهرجان (الى جانب بلدية بيروت ومصرف البحر المتوسط مشكورا)، وعلّق على عمل هذه المؤسسة في التنمية المستدامة واحتضان مهرجان <بيروت ترنم>، قائلا لي: <اذا كان الدين المسيحي هو دين المحبة، فان الدين الاسلامي هو دين التواضع>. لقد اثر هذا اللقاء بي جدا، وغيّر نظرتي الى الكثير من الأمور، كما شدد قداسته على استقبالنا الجيد للنازحين والمهجرين وأشاد به.

وحول تخوف بعض اللبنانيين من هذه الاشادة باستقبالنا للنازحين واللاجئين، وامكانية وجود اهداف قد لا تخدم المجتمع اللبناني المنهك اصلا، تجيبنا ابي سمرا:

- وانا كنت من المتخوفين ايضا، ونقلت ذلك الى قداسته، فقلت ان مساحة بلدنا صغيرة، وربما يشعر اولادي ايضا بان لا مكان لهم في بلدهم، فاجابني بما اقنعني قائلا: <بلدكم هو المثال الاعلى والنموذج لكل دول العالم، حتى الغربية منها، وقد يكون التطرف الاسلامي نتيجة تراكمات سابقة>. ان نظرة قداسته انسانية شمولية قد يكون صعبا استيعابها من قبل العديدين الا ان قوله غيّر من وجهة تفكيري. وبرأيه، ان المحتاج للدفء والطعام والكسوة على ارضك قد يتحول الى الشر والخطر ان لم يجد من يأخذ بيده، من هنا ضرورة مساعدته خوفا على ارضك. وهنا اريد ان أشيد بحملة <دفى> التي اطلقتها الاعلامية بولا يعقوبيان أيضا <فحمستنا جميعنا للمساعدة>، وليس المهم ما نساعد به انما الطريقة التي نساعد بها، ففرح العطاء لا يكون باي تمييز.

وعما اذا لاقت من قداسته اشارة الى زيارة له للشرق ولبنان تحديدا قالت ابي سمرا:

- لم اسمح لنفسي بطرح هذا السؤال عليه في وقت لم يكن للبنان رئيس للجمهورية او رئيس حكومة، الا انني متأكدة من نيته القيام بزيارة لبلدان المشرق واتمنى ان يكون للبنان حصة منها.

 

50 الفا وأكثر..

 

وعن المهرجان والوقت الذي يتطلبه تحضيره، تشير ابي سمرا الى انها دورة سنة كاملة، فمذ تختتم فعاليات السنة يتم الانطلاق لتنظيم وتوقيع العقود للسنة المقبلة ويكون البرنامج جاهزا في كليته في شهر حزيران (يونيو) من كل عام. فاللجنة المنظمة التي تضم مختلف الطوائف والاديان تعمل كخلية نحل، بشكل تطوعي، اما المشاركون عزفا وغناء وبينهم اسماء لامعة عالميا، فانهم يتقاضون بدلات عالية يؤمنها الرعاة، وتشكر ابي سمرا الكنائس التي تفتح ابوابها للجميع، مقدمة مثالا على ذلك كنيسة مار الياس في القنطاري حيث سيرتفع الانشاد القرآني من قلبها.

اما الحضور الذي يؤم المهرجان سنويا فيقدر بخمسين الفا، بينهم اللبنانيون والكثير من العرب والاجانب: <لا يمكنكم ان تصدقوا مدى اهتمام السفراء العرب بهذه الاحتفالات ومواكبتهم لها خاصة في الانشاد القرآني والصوفي الى عدد كبير من السفراء الاجانب المشاركين بمختلف الأمسيات>.

ولا يكتفي مهرجان <بيروت ترنم> بالمبدعين اللبنانيين كما تشير مؤسسته انما يضم اليهم باقة من اشهر العازفين والمغنين والفرق والجوقات من حول العالم. فالموعد بات منتظرا، ليس لجماله ورقيه وحسب بل لانه يساهم في وضع لبنان فعلاً على خارطة الاحداث السياحية الدينية بحيث بات مقصدا من زوايا العالم كله. ويستضيف المهرجان هذه السنة مثلا عازف التشيللو الروسي <بوريس أندريانوف> الحائز جائزة <Rostropovitch>، وعازف البيانو <ألكسندر غيندين> الحائز جائزة <Tchaikovsky>، كما يقدم المهرجان عازف البيانو الكوري <Seong Jin Cho> وهو الحائز الجائزة الأولى في مسابقة <Chopin International Competition 2015> والذي يجول حاليا في برنامج يقدمه في أهم صالات ومسارح العالم، كما يشارك المهرجان باليوبيل الخمسيني من خلال استضافة الرباعي الوتري <kodaly> أحد أعرق الرباعيات الوترية والرباعي الوتري <Quatuor Modigliani> أحد أشهر الرباعيات في العالم.

Micheline-pope-1---1 

ترسيخ الاستقرار..

 

تمثل الفاتيكان في مهرجان <بيروت ترنم> اذاً بالمونسينيور <كارلوس ازيفيدو> موفدا من المستشار الثقافي في الفاتيكان الكاردينال <رافادزي>، وتقدم بكلمة الى اللبنانيين عبر <بيروت ترنم> اعتبر فيها ان الموسيقى هي الوسيلة الافضل لتوحيد القلوب وتدعيم شجاعة الشعب اللبناني الذي يستقبل بصورة نموذجية معاناة الآخرين، وهذا بالطبع نابع من تجارب المحن التي مرت على لبنان عبر التاريخ، وقال:

- اود هنا ان اعرب عن اعجابي ليس فقط بنوعية البرامج الموسيقية لهذه المبادرة، بل خاصة بالفكرة الملهمة بجمع، على امتداد هذه الايام، سكان المدينة التي تختزن الكثير من التاريخ. انها مبادرة لاعادة اكتشاف واعادة تقوية العلاقات التي تجمع الناس حول ما هو صائب وجيد وجميل، خاصة في عصرنا هذا وفي السياق التراجيدي للشرق الاوسط الذي يعاني بشكل كبير من اعمال العنف والحروب.

يكفي ان تكون هذه المبادرة مدعومة من مؤمنين من اديان مختلفة لتكون لها دلالة كبيرة، لان الايمان حين نعيشه بطريقة حقيقية يوصل المؤمنين الى المزيد من التضامن والاخوة والصداقة... اليوم وفي الايام التالية، هنا في بيروت، تتجلى حقيقة العيش الاخوي المشترك بين المؤمنين من اديان مختلفة، وتتجلى الانسانية بالاستقبال المستمر للاجئين ويُعبّر عنها من خلال الموسيقى والترنيم.

وزاد قائلا:

- وجودنا اليوم في هذه الكنيسة والى جانبنا صوت آذان المسجد حيث تعلو الدعوة الى الصلاة، يذكرنا بان الانشاد الذي تعلن من خلاله كلمة الله يجب ان يدفعنا جميعا ان ننظر الى السماء نحو الخالق ونتوسل اليه لكي يبسط رحمته على كل القلوب وان يجلب العدل والفرح والسلام التي تطمح اليها كافة الشعوب.

وكان الموفد البابوي توجه الى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري حيث كان محط استقبال واهتمام لافت في بيت الوسط: <نأمل ان تتمكنوا من خلال كرمكم وانفتاحكم واعتدالكم من مساعدة لبنان في أن يستمر بالسير على خطى ترسيخ الاستقرار والسلام لنبني معا عالما افضل لنا جميعا>.

<مهرجان احياء الحضارة في بيروت> على ما وصفه وزير السياحة ميشال فرعون، هو فعل ايمان بحوار الحضارات وحوار الاديان وبالانفتاح والحفاظ على هذا البلد الذي فيه شمس للجميع بكل الطوائف والمذاهب وبكل الشرائح الاجتماعية. وقد اعلن فرعون ان الوزارة بدأت بمشروع برنامج الثقافة الدينية لكل لبنان، وقد تم اختيار اكثر من 300 موقع ديني ضمنه وسيكون هناك اكثر من الفي موقع..