بقلم علي الحسيني
للأسبوع الثاني على التوالي تتخبط مدينة بيروت ومحيطها بنفاياتها التي أغرقت شوارعها وأغلقت أحياءها وحاصرتها بالروائح، فيما المسؤولون السياسيون يتخبطون بدورهم بأزمة حكمهم وحكومتهم العاجزة عن إيجاد حل ولو جزئي يرفع عن كاهل المواطن عبء الصفقات والفساد اللذين تفوج روائحهما منذ ما قبل إغلاق مطمر الناعمة.
ضاقت بيروت بنفايات أهلها فتحولت شوارعها وأزقتها الى مكبات موزعة بعدما فاضت المستوعبات بروائح السمسرات التي تنبعث والتي اصبحت جزءاً أساسياً في السياسة اللبنانية العامة، وليتحول المواطن اللبناني كعادته الى طبيب يداوي الناس وهو عليل من خلال إحراقه النفايات غير آبه بصحة المواطنين ومخاطر السموم التي تنبعث من الروائح التي ما زالت تحتل فضاء بيروت للأسبوع الثاني. والمصيبة ان بيروت التيجمعت بمساحتها المتواضعة لبنان واللبنانيين بين أحضانها وحمتهم في زمن الحرب كما في السلم رفضت طلبات استقبال نفاياتها لدى العديد من المناطق ولو بشكل مؤقت الى حين إيجاد البديل عن مطمر الناعمة، لدرجة ان هناك من دعا الى لا مركزية النفايات وكأن البلد ينقصه المزيد من الانقسام.
حكومة عاجزة عن لملمة نفاياتها
بعد أكثر من ثلاث ساعات على اجتماعها الأسبوع الماضي من اجل لملمة موضوع النفايات في بيروت وضواحيها وإيجاد حل سريع للأزمة، خرجت الحكومة اللبنانية من اجتماعها خالية الوفاض من اي حل أو اقتراح وليبقى الوضع على ما هو عليه وكأننا امام أمر واقع عنوانه العريض، <على المتضرر اللجوء الى القضاء>. ولكن عن اي قضاء يحكى والعقود والالتزامات تائهة في غياهب الدولة وفي ادراج المؤسسات الخاصة الملتزمة لمشروع تحول الى مشاريع في ظل تراشق اعلامي تحمل فيه كل جهة المسؤولية للآخر، كل هذا والحكومة لم تخرج سوى بحل يقول بتمديد عمر الكارثة البيئية والصحية والاتجاه نحو حلول جزئية مستنجدة بالبلديات التي بدأت العمل بحسب قدراتها المتواضعة على إيجاد حل بديل ولو مؤقت من خلال حفر بعض الاراضي داخل المساحات الشاسعة وجعلها مطمراً الى حين تنتصر الحكومة لمواطنيها وترفع عنهم نفاياتها.
الانتظار والترقب سيدا الموقف
حتى يوم الثلاثاء الماضي موعد عقد جلسة للحكومة للبحث في إيجاد حل لأزمة النفايات، يبقى الانتظار سيد الموقف. وفي المعلومات التي حصلت عليها <الافكار> ان هناك حلولاً مؤقتة سوف تصل اليها الحكومة من دون بلوغ حلول نهائية وقد يصار الى تكليف بلدية بيروت الاهتمام بالأزمة ومعالجتها بالطرق التي تراها مناسبة، ولكن هذه الحلول قد تطول وسط احاديث من داخل الحكومة تؤكد انه لن تكون هناك حلول جذرية لمشكلة نفايات العاصمة قبل أسبوعين ما يعني ان على المواطن ان يتحمل المزيد من الامراض اضافة الى وضع بيئي خطير سيفاقم منه ارتفاع درجات الحرارة ما يعني ان وزارة الصحة سوف تبدأ منذ الآن بالتحضر لاحتمالات تعرض المواطنين لأمراض متنوعة، وبالتالي وجب عليها منذ الآن ان تدق ناقوس الخطر الصحي ووضع المؤسسات الاستشفائية امام واجبها المهني والاخلاقي.
المشنوق: لسنا كبش محرقة
وزير البيئة محمد المشنوق عمل من اللحظة الاولى للأزمة على إيجاد حل بديل وسريع لها بعد عجز حكومته عن الوصول الى قرار موحد يزيح عن وزارته عبء المسؤولية التي هي بالأساس تعني جميع الوزارات وليس وزارة دون أخرى. لكن محاولات المشنوق باءت بالفشل بعد اللامبالاة التي تعاطى بها عدد من المسؤولين مع دعوته. في حديث مع <الافكار> يؤكد المشنوق انه <لن يكون كبش محرقة وبأنه تحمل ما لم يتحمله احد والجميع مسؤول عما وصلنا إليه في أزمة النفايات>، محملاً المسؤولية للجميع بدءاً من الوزارات المعنية إلى عدد من البلديات التي بكل أسف لم تقم يوماً بدورها في كيفية التخلص من النفايات الى دور بعض المنظمات في المجتمع المدني المعنية بشؤون البيئة التي بدلاً من ان تقوم بمبادرات للتخلص من النفايات في العديد من المناطق تشبعنا انتقادات لعمل الوزارة، فيكفي تنظير علينا>.
وقال المشنوق: كنت طالبت منذ بدء الأزمة بـ<تسهيل مرور شاحنات <سوكلين> مؤقتاً فقط من أجل معالجة السوائل الناتجة من مطمر الناعمة، لأن ترك هذه السوائل سوف يزيد من الروائح الكريهة، وطلبت من الوزير اكرم شهيب ان يتحدث مع الاهالي لفتح ممر لمعالجة هذه المسألة البيئية الا ان المحاولة باءت بالفشل، والجميع مدعو للتعاون معنا في جمع النفايات من الشوارع وطمرها بأماكن مؤقتة، ريثما تكون الدولة قد وجدت حلاً جذرياً لهذه الأزمة البيئية العالقة>.
حمد: المشكلة داخل الحكومة
البعض يتحدث عن دور بلدية بيروت في هذه الأزمة والمهام التي يجب ان تقوم بها للحد من خطورتها ومنعاً لتفاقمها خصوصاً بعدما امتلأت شوارعها وأزقتها بأكوام النفايات التي وصلت الى الطرقات العامة ايضاً. الملف هو خارج نطاق عمل وسيطرة بلدية بيروت. هذا ما يؤكده رئيس بلدية بيروت بلال حمد لـ<الافكار>، وأوضح ان الحكومة هي التي تتحمل مسؤولية مشكلة مطمر الناعمة، فنحن لسنا مسؤولين عن النفايات وما يحصل يكاد يتسبب بكارثة بيئية على الجميع دون استثناء، ولذلك يجب على الحكومة الجديدة ان تضع خطة بيئية وإقرارها، لافتاً الى انه ليس لدى بلدية بيروت تحديداً أي خطة بديلة في مسألة النفايات لأن الموضوع سحب من البلديات والدولة تقتطع مبالغ كبيرة منها لتلزيم جمع النفايات.
وأكد حمد ان التقصير لا يقع على عاتق <سوكلين> التي تقوم بعملها على أكمل وجه وهذا ما تؤكده تقارير البلدية، لكن عندما أقفل مطمر الناعمة لم يعد هناك مكان لرمي النفايات، وفي هذه الحالة علينا ان نسأل الدولة عن الخطة البديلة، ودعا وزارتي البيئة والداخلية الى ان تتفاوضا مع الاهالي لإيجاد حل مقبول يؤدي الى انهاء هذه الكارثة البيئية. وتمنى الا تكون هذه المشكلة مسيسة، لأنه وكما يبدو فإن المشكلة ستطول ولذلك نحذّر من حرق النفايات في بيروت لأن ذلك سيؤدي الى كارثة بيئية غير مسبوقة.
الجميل يصعد و<سوكلين> ترد
يوم بداية الأزمة طالب رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل بلا مركزية نفايات، كما انتقد شركة <سوكلين> الملتزمة وذكر بأن وزراء حزبه في الحكومة الحالية كانوا قد تحفظوا على دفاتر شروط التلزيم.
بدورها لم تنم <سوكلين> على ضيمها خصوصاً وان اتهامات كثيرة قد طاولتها لأسباب سياسية تقول انها لم تعد خافية على أحد. في اتصال مع <الافكار> أكد رئيس مجلس ادارة شركة <سوكلين> ميسرة سكر ان شركته ليست المسؤولة عن إيجاد مطمر بديل عن مطمر الناعمة الذي كانت تعتمده لطمر النفايات وذلك وفق العقد الموقع بينها وبين الدولة. وأوضح أن امتناع <سوكلين> عن المشاركة في المناقصة الأخيرة كان لعدم وجود أرض للمطامر، قائلاً: لو كان لدينا موقع ومنحنا الوقت الكافي لكنا شاركنا في المناقصة يومها. وأكد استعداد سوكلين لنقل النفايات الى أي موقع يتخذ قرار في شأنه، كما اننا سنواصل العمل لأسبوع أو شهر أو لأكثر ريثما تحل الأزمة الحالية، وان كانوا لا يريدوننا فنحن على استعداد أيضاً للتوقف نهائياً عن العمل.
الدكتورة بري: نحذر من حرق النفايات
السؤال الأبرز اليوم هو ماذا لو تركت النفايات لوقت طويل من دون معالجة، فمن سيتحمل النتائج الصحية والبيئية خصوصاً وان المواطن تحوّل الى خبير صحي وبيئتي من دون ان يأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات السلبية على صحته من جراء إقدامه على حرق النفايات؟ في هذا المجال توجه رئيسة دائرة مكافحة الأمراض الانتقالية في وزارة الصحة الدكتورة عاتكة بري عبر <الافكار> نداءً عاجلاً للناس تدعوهم فيه الى منع حرق النفايات لأن اي حرق عشوائي سوف يلحق الضرر بالصحة خصوصاً واننا لا نعرف ما هو نوع تلك النفايات المرمية على الطرقات.
وتقول: ان حرق المواد البلاستيكية على سبيل المثال يؤدي في ما بعد الى ازدياد حالات السرطان كما ان هناك خطراً من انفجار عبوات مزيلات الرائحة (deodorant) واحتمال حصول انفجار ربما كبير في المكب من دون ان ننسى ازدياد نسبة ارتفاع المصابين بالحساسية والربو. وطالبت ان تضع البلديات مثلما فعلت بلدية بيروت مادة الكلس حول النفايات للحد من تكاثر البعوض والحشرات والقوارض، ورأت ان المطلوب على وجه السرعة إيجاد حل سريع لمشكلة النفايات كي لا نصل الى حائط مسدود ويدفع الناس ضريبة من صحتهم وحياة أبنائهم.
ثروة النفايات
لدى البحث في هذا الملف الشائك يتبين بحسب الدراسات التي يتحدث عنها مختصون أن ما يقارب 10 بالمئة فقط من النفايات في لبنان لا يمكن الاستفادة منها في حين انه يمكن ذلك مع ما يقارب 90 بالمئة في حال توافرت بعض الشروط غير التعجيزية التي أساسها تعميم مبدأ التدوير والتسبيخ إلى أقصى حد بهدف تقليص كمية النفايات التي ستطمر. والمثل الأكبر على الثروة الموجودة في النفايات هولندا التي أصبحت اكبر مستورد للنفايات والقمامة في أوروبا كونها تصدر محطات توليد الكهرباء للخارج لإيجاد حلول لملء قدرتها الزائدة وتجد كميات تزيد على مليون طن من النفايات سنوياً من كل من بريطانيا وايرلندا وإيطاليا طريقها للأفران في هولندا. وتؤكد الاحصاءات أن الشركات الهولندية تحصل على مقابل مادي لمعالجة النفايات يقدر بعشرات ملايين اليورو. وفي هذا الصدد يقول مساعد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة في لبنان الخبير البيئي إدغار شهاب: <ان هذه القدرة بحاجة الى أراضٍ شاسعة وبعيدة عن الاماكن السكنية نظراً لخطورة الانبعاثات الكيميائية التي تخرج من هذه المصانع وهذا ما لا يتوافر حالياً في لبنان وإلا لكان هذا البلد في عداد الدول المتقدمة التي تعمل على إعادة تصنيع النفايات>. ويلفت الى إن النفايات الموجودة في قلب العاصمة لا يجب أن تبقى مكانها لأكثر من 48 ساعة.
انتظروا الاستقالة... فرفع عنهم الزبالة
ليلة السبت الماضي سربت من غرف السياسة شائعات تتحدث عن نية رئيس مجلس الوزراء تمام سلام إعلان إستقالته من رئاسة الحكومة لأسباب تتعلق بالشلل الحاصل في كافة مؤسسات الدولة بدءاً من رئاسة الجمهورية وصولاً الى ملف النفايات، لكن ما هي إلا ساعات حتى خرج بيان عن مكتب الرئيس سلام ليثلج صدر اللبنانيين الذي عبق بروائح الفساد والزبالة ويطمئنهم ببدء رفع النفايات من شوارع العاصمة على مراحل بعد تأمين الدولة أماكن سرية لوضعها فيها ريثما تتحلحل الأمور بشكل كلي خصوصاً وان الأيام المقبلة سوف تشهد انفراجات على صعيد هذا الملف بدأت بقبول رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط إيجاد مساحات واسعة للطمر في منطقة اقليم الخروب وقد تنتهي باقتراحات بديلة في مهلة أقصاها شهر.
حل أم تأجيل؟
<اشتقنالك يا كبير>، و<يا حكومة خذينا في رحلة صيفية خارج الوطن>. عبارتان لهما وقعهما على مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين المنصرمين. ففي الاولى عبر عنها اللبنانيون عن اشتياقهم لرؤية عمال <سوكلين> على الطرقات، وفي الأخرى تنفيس عن غضبهم إزاء عجز حكومتهم عن فعل اي شيء للأزمات التي يعانون منها. لكن المواطن تعود على الوعود التي يطلقها السياسيون في بلد لم تصدق فيه الوعود ولو لمرة واحدة. وبانتظار حل ولو مؤقت للمشكلة، يبقى على المواطن ان ينتظر فرج حكومته اما من خلال التزامها بشكل كامل بجميع مسؤولياتها المتراكمة، أو بإيجاد وطن بديل لأبنائها أقله الى حين انتهاء فصل الصيف.