تفاصيل الخبر

بيروت دفعت ثمناً باهظاً لخيارات اللبنانيين، كل اللبنانيين، منذ السبعينات 

05/08/2020
بيروت دفعت ثمناً باهظاً لخيارات اللبنانيين، كل اللبنانيين، منذ السبعينات 

بيروت دفعت ثمناً باهظاً لخيارات اللبنانيين، كل اللبنانيين، منذ السبعينات 

بقلم خالد عوض

[caption id="attachment_80042" align="alignleft" width="375"] رئيس الحكومة حسان دياب: قبل أن أستقيل... هاتوا البديل[/caption]

 وزير الخارجية المستقيل ناصيف حتي سماها دولة فاشلة. ثورة ١٧ تشرين (أكتوبر) ٢٠١٩ طالبت بمحاكمتهم كلهم من دون إستثناء. ولكن الحقيقة المرة هي أن إجراء أي إنتخابات نيابية اليوم سيعيد أكثريتهم إلى المجلس ومنهم ستتشكل سلطة شبيهة بالتي قادت الدولة إلى الفشل والإهتراء. أين الخطأ إذاً؟ النظام الطائفي الزبائني هو الشماعة ولكنه ليس السبب. قانون الإنتخاب الأبتر ظل هو العذر ولكنه لا يمكن أن يكون العائق أمام إرادة حقيقية للتغيير. سلاح حزب الله هو المتراس ولكنه لم يمنع الناس عام ٢٠٠٥ من النزول إلى الشارع لفرض الخروج السوري من لبنان. هناك ثقافة متجذرة منذ بداية الحرب اللبنانية، وربما قبلها، في نفوس اللبنانيين. الزعيم هو المخلص والحامي لأنه كان ولا يزال أقوى من القانون. لو إختار اللبنانيون سلطة القانون بدل سلطة الزعيم لما كان البلد شهد كل هذه المآسي. هذا الخيار هو نتيجة نقص في الوطنية وجرعة زائدة في الشخصانية وتفضيل الكسب السهل الذي لا يتطلب إلا التذلل للزعيم بدل بذل الجهد وطلب العلم واللحاق بالتطور. ما حصل في بيروت هو نتيجة تحلل ثقافي مزمن عند الشعب اللبناني قبل أن يكون سببه أي شيء آخر. 

أصل البلاء...عدم الكفاءة

 اللبناني شاطر. في البزنس يبرع وفي الإغتراب يحلق وفي العلم يبدع، هذا على الصعيد الفردي. ولكن من النادر أن تصل مجموعة من اللبنانيين إلى النجاح نفسه الذي يحققه لبناني واحد. هذا الطبع الشخصاني قصة قديمة أصبحت سمة من سمات اللبناني،تغنينا بها تحت مسمى "المبادرة الفردية" وطبقناها حتى على الحياة السياسية . هذا يفسر إلى حد بعيد غياب أي ديموقراطية في الأحزاب السياسية اللبنانية واقترابها إلى الإقطاع السياسي أكثر من كونها أحزاباً حقيقية. رئيس الحزب أو أمينه العام هو حكر على شخص أو على عائلته. هكذا ظلت بضع عائلات وأشخاص تتحكم بالحياة السياسية اللبنانية على مدى عقود. وحتى تستمر في احتكارها للسلطة الحزبية كان لا بد من إستخدام الطائفية والمذهبية لشحذ العصبيات. وتحت هذا الغطاء الديني نجحت الزعامات، عبر زرع أزلامها في الدولة من تسخير الإدارة في لبنان، مالياً وسياسياً، لتثبيت زعامتها. ليس في كل ذلك جديد. ولكن نتيجة كل ذلك هو غياب الكفاءة كشرط رئيس لتبوؤ أي مركز في الدولة، إداري أو قضائي أو عسكري أو وزاري أو حتى نيابي. يكفي أن يحمل طالب المنصب ولاءه المطلق للزعيم والحد الأدنى من العلم، هذا إذا توفر، حتى تتحقق له مكرمة "الوظيفة". ولعل تعيين حكومة الرئيس حسان دياب أعضاء مجلس إدارة كهرباء لبنان والتعيينات المالية في المصرف المركزي نموذج صارخ للمحاصصة وتقاسم المراكز بين زعماء الطوائف والأحزاب. كما أن عدم تعيين كتاب العدل وحراس الأحراج وموظفي الخدمة المدنية الناجحين في المباريات لعدة سنوات بسبب التوزيع الطائفي والإختلاف في تفسير المادة ٩٥ من الدستور مثال آخر على تقديم الإعتبارات الحزبية والطائفية على الكفاءة. مع مرور السنوات دخل إلى الإدارة والقضاء وسائر مؤسسات الدولة مئات بل آلاف الأشخاص من عديمي الكفاءة أو من الذين التزموا الولاء للزعيم قبل الولاء للوطن ومؤسساته وللمقاييس العلمية والإعتبارات القانونية. فالزعيم يحميهم عندما يخطئون ويمنع عنهم المحاسبة عندما ينفضحون ويشاركهم سرقة المال العام عندما يختلسون ويمكن حتى أن يبرئهم عندما يقتلون. في هذا الجو الزبائني البعيد كل البعد عن الأحقية والجدارة والخبرة والنزاهة بنيت الإدارة اللبنانية بعد الطائف. ما حصل في بيروت منذ أيام هو صورة صارخة للتحلل الإداري الذي وصلت إليه الدولة نتيجة ثقافة المحسوبيات وتقاذف المسؤوليات والتزلم، كل ذلك تحت الغطاء الطائفي. لو كانت الكفاءة هي المقياس الوحيد للتعيينات في المرفأ أو الجمارك أو القضاء لما رزحت مئات آلاف أطنان مادة "نيترات الأمونيوم" شديدة الإنفجار أكثر من سبع سنوات في العنبر رقم ١٢ من مرفأ بيروت على بعد مئات الأمتار من مناطق سكنية مكتظة ومن عدة مستشفيات وعلى بعد أمتار قليلة من مستودع للمفرقعات النارية. لم يحصل في التاريخ أن تعرض بلد لإنفجار وكارثة بهذا الحجم بسبب الجهل وعدم الكفاءة. 

المؤامرات موجودة ولكنها هي أيضاً قائمة على.. عدم الكفاءة

[caption id="attachment_80043" align="alignleft" width="250"] رئيس الجمهورية ميشال عون: لا داعي... للإستقالة[/caption]

 إيران تعرضت ولا تزال لهجمات استخباراتية غريبة عجيبة ليست بعيدة بطريقتها عما حصل في بيروت. حرائق في مناطق عديدة وإنفجارت متفرقة كلها في مجمعات صناعية أو كيميائية أو نووية. حتى ميناء "بوشهر" الإستراتيجي في الخليج العربي تعرض في ١٦ تموز (يوليو) الماضي الى حرائق مجهولة السبب أدت إلى تحطم سبع سفن. ولو افترضنا أن مرفأ بيروت تعرض لهجوم سيبرياني أو عبر طائرات مسيرة بحجم الذبابة قادرة على إرسال إشارت حرارية وإفتعال حرائق فإن عملية كهذه إن حصلت لن تحدث الأضرار نفسها لولا وجود مواد نيترات الأمونيوم. هل هذه المواد كانت وديعة إسرائيلية موضوعة في المرفأ منذ عام ٢٠١٤ إلى أن يأتي وقت استخدامها؟ كل هذا لا يعفي أجهزة الدولة اللبنانية بين إدارة المرفأ وإدارة الجمارك والقضاء ووزارة النقل من تهمة الإهمال والجهل وغياب.. الكفاءة.     

الخيارات الباقية.. ما هي؟ 

إذا لم تتمكن الكارثة التي حلت على البلد من تغيير الثقافة السياسية عند المواطن فعلى لبنان السلام. وإذا خرج من يقول إن الزعيم هو خط أحمر وإن في التغيير خطوة في المجهول وخطر على الطائفة أو الحزب أو التيار يحق للجميع أن ييأس. خريطة الطريق واضحة. إنتخابات نيابية مبكرة لإعادة تشكيل السلطات. ثم إعادة تأليف حكومة على أساس أكثرية ومعارضة. وبين الإثنين الإتفاق على إنتخابات رئاسية مبكرة. نظام الطائف ما زال صالحاً لأن يجرب، على أن يكتمل تطبيق كل بنوده بما فيه إلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس الشيوخ وإجراء بعض التعديلات فيما يخص الفترات الزمنية الملزمة لكل الرؤساء والوزراء.من دون هذا المسار الذي يجب أن ينتهي إلى إعادة هيكلة شاملة للإدارة اللبنانية يبدو الأفق حالكاً جداً.  


 إذا أعاد اللبنانيون الطاقم السياسي نفسه يكون أصدر هو نفسه القرار الإتهامي النهائي حول الكارثة: الشعب اللبناني هو المسؤول الأول والأخير عن نكبة العاصمة بيروت.