تفاصيل الخبر

بين لبنان وسوريا.. تهريب وترهيب واقتصاد مُريب!

10/10/2019
بين لبنان وسوريا..  تهريب وترهيب واقتصاد مُريب!

بين لبنان وسوريا.. تهريب وترهيب واقتصاد مُريب!

بقلم علي الحسيني

منذ أكثر من ثلاثة أشهر، تلقى لبنان تنبيهات دولية حذرته من مغبة مواصلة عمليات التهريب على الحدود بينه وبين سوريا وبالإتجاهين وذلك بعد أن ظلـت عمليات التهريب ولفترة سنوات طويلة تحصل باتجاه واحد أي من سوريا إلى لبنان وذلك إما عبر الجبال والسهول وممرات غير شرعية، أو من خلال عمليات تمويه داخل السيارات والشاحنات عبر المعابر الشرعية. لكن في مجمل الأحوال وبعد ان كثرت عمليات التهريب منذ اندلاع الحرب في سوريا وتخطت المعقول والواقع بحيث أصبحت تتعلق بأمن المنطقة جراء تهريب السلاح والبشر بالإضافة إلى عمليات تبييض للأموال، كان لا بد من توجيه هذا التحذير للبنان بهدف تشديد الرقابة الحدودية خصوصاً وأن عدد المعابر غير الشرعية قد تجاوز الخيال ووصل الى حد بات يُهدد اقتصاد لبنان بالدرجة الأولى.

 

التهريب.. مُشكلة مُزمنة وغياب قدرة الضبط!

يعتبر التهريب بين لبنان وسوريا عبر معابر غير شرعية مشكلة مُزمنة تعود جذورها لسبعينات القرن الماضي، حيث يتم تهريب أنواع كثيرة من السلع فضلاً عن البشر، ما يؤدي إلى خسائر فادحة على الاقتصاد اللبناني وآثار سلبية على أمن البلد، من دون أن تنجح السلطات اللبنانية في وضع حد لهذه الظاهرة التي تنمو في مراحل معينة وتخفت في أخرى. والخطورة الكُبرى تكمن في الكلام الذي كان أعلنه وزير المال علي حسن خليل عندما ذكر بما أورده المجلس الأعلى للدفاع في اجتماعه منذ أشهر عن وجود <أكثر من 124 معبر تهريب في لبنان>، معتبراً أن ظاهرة التهريب تهدد اقتصاد البلد وتساهم في عجز المالية العامة وتقليص الواردات، واصفاً إياهاً بأنها واحدة من أبرز علامات تحلل الدولة في القيام بواجبها، شاكياً عدم القدرة على اتخاذ خطوات حقيقية في اتجاه ضبطها.

وخير مثال على العجز الذي تُعاني منه الدولة اللبنانية في عمليات ضبط حدودها ومنه التهريب الذي بات يُشكل مُشكلة كبيرة على الإقتصاد الداخلي وسمعة البلاد أمام الرأي العام الخارجي، هو تشديد المراقبة اليوم الذي تفرضه القوات المسلحة اللبنانية للحدود من أجل منع التهريب إلى لبنان، بعدما كثرت احتجاجات التجار والمزارعين اللبنانيين نتيجة إغراق السوق بمنتجات نافست الإنتاج اللبناني. كما طرحت أزمة النقص في المحروقات في سوريا وحاجة سوقها إلى التزود بالبنزين والمازوت والغاز، وببعض أصناف المواد الغذائية نتيجة الحصار المفروض عليها، ووجوب قيام القوى الأمنية بضبط الحدود للحؤول دون خرق الحصار الغربي المفروض على النظام السوري منذ مطلع السنة، وقد نجح تجار ومهربو المحروقات على أنواعها في البداية في تمرير كميات منها إلى سوريا نظراً إلى حاجة السوق القصوى بعدما تسبب النقص فيها، والرقابة الغربية على شحنات الوقود الآتية عبر البحر من النفط الإيراني (الخاضع للعقوبات بدوره منذ تشرين الثاني الماضي)،

بتدهور الأمور الداخلية في سوريا وانفلات الأمور من يد الدولة العاجزة بفعل الأزمة التي تمر بها، عن وضع حد للفلتان الحاصل والمتعدد الأوجه وتحديداً المافيات التي تحتمي بالنظام.

رقابة أميركية ورصد المسارب!

مصادر توصف بأنها على اطلاع كامل على كافة الملف المتعلق بعمليات التهريب بين لبنان وسوريا ومعنية بتمويل دول غربية بتقارير تتعلق بعمليات الترهيب الحدودية، تؤكد أن الجانب الأميركي يرصد كافة المسارب بين لبنان وسوريا، بحيث طلب أيضاً من الجهات السورية المعارضة الحليفة له في الشمال السوري الامتثال بدورها للعقوبات، فضلاً عن طلبها من الجانب التركي التشدد في هذا المجال، مشيرة الى أن أزمة الوقود كانت دفعت النظام السوري إلى إبداء استعداده لغض الطرف عن دخول القوات التركية إلى مناطق تسيطر عليها القوات الكردية، في الشمال، شرط السماح بحصول دمشق على كميات من النفط المنتج في تلك المناطق، بعد أن كانت القوات الكردية امتنعت عن تزويد النظام بها نتيجة طلب أميركي. وقالت: إن <قوات سوريا الديموقرطية> كانت تسرب جزءاً من إنتاج النفط السوري الذي سيطرت عليه إلى قوات النظام بناء لاتفاق سابق تحت الطاولة، ثم امتنعت بطلب أميركي.

وأكدت أن ضبط التهريب في اتجاه سوريا هو أحد أوجه التعاون المطلوب من لبنان في تطبيق العقوبات على سوريا، لأنها أصبحت مرادفة للعقوبات على إيران لمنعها من تصدير نفطها، ما اضطرها لتوجيه إحدى ناقلات النفط التي كانت عبرت قناة السويس أخيراً باتجاه مرفأ اللاذقية إلى الساحل التركي، لمحاولة إفراغ حمولتها وإدخالها براً إلى سورية من طريق الحدود الشمالية التركية السورية. من هنا كان بادر الجيش اللبناني إلى إقفال أحد المعابر الرئيسة الناشطة لأن امتثال لبنان إلى هذا النوع من العقوبات مفيد له بالاتجاهين إذ إن الجمارك وقوى أمنية أخرى دأبت على ملاحقة المهربين للبضائع القادمة من سوريا لمنافسة مثيلتها اللبنانية.

من السلع إلى تهريب البشر!

 

بالإضافة إلى عمليات تهريب المنتجات الزراعية والصناعية والسلع والمواد الغذائية والمحروقات وبيع العملة الصعبة في السوق السوداء، فقد زادت أيضاً عمليات تهريب البشر من سوريا إلى لبنان، وبالعكس، خلال الفترة الماضية، بعدما باتت منظمة باشراف مباشر من مافيات تتبع لاحزاب وتنظيمات ومليشيات سواء في الداخل السوري أو في لبنان. وتقول مصادر مطلعة إن أبرز الطرق التي يسلكها النازحون من سوريا باتجاه الأراضي اللبنانية هي الطرق الجبلية والوديان الوعرة، على جانبي نقطة المصنع الحدودية. وتؤدي تلك الطرق إلى بلدة مجدل عنجر اللبنانية وإلى بلدة الصويري. هذا بالإضافة إلى الطرق الحدودية الواصلة ما بين بلدة سرغايا السورية وبلدتي معربون وحام اللبنانيتين.

ويتواصل السوريون الراغبون بمغادرة سوريا، بسبب خضوعهم للملاحقة الأمنية أو الطلب للخدمة العسكرية، مع مُهربين من أبناء المناطق الحدودية الذين ينسقون بدورهم مع ضباط من الفرقة <الرابعة> في الجيش السوري، التي تحدد وتعطي للمُهربين نسبة من أجور التهريب، عن كل شخص يصل الى الأراضي اللبنانية. وتُؤمن <الرابعة> سيارات تحمل لوحات عسكرية لنقل السوريين النازحين من سوريا، لضمان عدم اعتراضهم من قبل حواجز عسكرية لمليشيات أخرى. وتنقل السيارات النازحين إلى نقطة التجمع، التي غالباً ما تكون في مناطق نفوذ حلفاء أو محسوبين داخل الأراضي السورية وعلى مقربة من الحدود. ومن هناك، تبدأ قافلة النازحين، التي لا يزيد عددها عن عشرة أشخاص، مسيرها مع حلول الظلام برفقة ما يُسمونه بـ<الدالول> حتى مسافة قصيرة ضمن الأراضي اللبنانية، حيث يتسلمها مُهربون لبنانيون يعملون ضمن بوتقة واحدة، لاكمال المسير داخل الأراضي اللبنانية. ولا يخلو المسير في الأراضي اللبنانية من المخاطر بسبب الألغام الفردية والتي غالباً ما تتسبب بوقوع قتلى وجرحى بين النازحين.

وتؤكد المصادر أن أجور التهريب تبدأ بـ100 دولار للأشخاص غير الملاحقين أمنياً ممن يجدون صعوبة بدخول لبنان بشكل رسمي بسبب تعقيد الإجراءات على الحدود، والذين غالباً ما يكون سفرهم إلى لبنان بغرض زيارة أقارب في المخيمات. في حين تبدأ تكاليف تهريب الملاحقين أمنياً والمطلوبين للخدمة العسكرية بـ500 دولار وتصل إلى 1500 دولار. وأحياناً تتخطى هذه المبالغ، بحسب إمكانيات الأشخاص الهاربين المالية، وقدرة عناصر <الرابعة> والمُهربين على تحصيل أكبر قدر ممكن من المال منهم.

 

من الرقابة الحدودية والخنقة الداخلية.. إلى الشارع!

من نافل القول، إن أزمة المعابر وما تتسبب به من اهدار لخزينة الدولة وإنعكاسات سلبية كبيرة على التجار الشرعيين بالإضافة إلى غياب سياسة اقتصادية واضحة للدولة اللبنانية، أدى الى إنعكاس كبير على الأوضاع المعيشية الداخلية مما جعل الشارع المنفذ الوحيد للتعبير عن الأزمة التي يواجهها الشعب اللبناني والتي تتهدد معيشته وحياته بشكل عام. فللأسبوع الثاني على التوالي، تقاطر مئات المواطنين الى ساحة الشهداء للمشاركة في الإعتصام الإحتجاجي على الاوضاع المعيشية في لبنان محملين بلافتات تدعو الى محاسبة الحكومة وذلك وسط تعزيز القوى الامنية من وجودها على مداخل السراي الكبير ومجلس النواب، خشية انفلات الأمور وتحويل الشارع إلى ساحة حرب، بين المعتصمين والدولة الغائبة كلياً عن أوجاع الناس والمتلهية بقراراتها وصفقاتها، وتعزيز وجودها ضمن التركيبة الحاكمة.

في التفاصيل، فقد انتقلت التظاهرة الاحتجاجية التي دعت إليها مبادرة <وعي> من ساحة الشهداء، الى ساحة رياض الصلح، أمام مدخل السرايا الحكومية، وسط حضور أمني كثيف. وكانت التظاهرة التي دعت اليها المبادرة في ساحة الشهداء احتجاجاً على الأوضاع السيئة التي وصل اليها البلد. وقد أطلق المتظاهرون العنان للأناشيد والاغاني الوطنية عبر مكبرات للصوت، وسط حضور أمني كثيف للقوى الأمنية، كذلك قاموا برفع الاعلام اللبنانية واغصان الزيتون ولوحات قماشية كتبوا عليها <نازلين نتظاهر ضد النظام السياسي الطائفي الفاسد>، <بدنا دولة عدالة اجتماعية وحريات عامة>، <نازلين نتظاهر ضد اللي حكمونا من التسعينات لليوم ومصوا دمنا وسرقوا خيرات بلادنا وأفقروا شعبنا وغربوا ولادنا وبعدن عم ينهبوا المال العام>، <بدنا حرية الرأي والتعبير بدل من سياسات كم الافواه>، <نازلين كرمال نسترد الدولة المنهوبة ونحاسب مافيا السلطة>.

من جهتها فقد اعتبرت النائب بولا يعقوبيان التي شاركت في التظاهرة والتي كان لها نصيب وافر من الإنتقادات بين عدد كبير من المتظاهرين الذين طالبوها بالإنسحاب من ساحة التظاهر كونها جزءاً من التوليفة الحاكمة، أن السلطة حتى اليوم فاشلة ولم تحقق اي انجاز يذكر. وقالت: نحن أصبحنا في نصف العهد واين الاصلاح والتغيير واين باقي القوى السياسية فهم مسؤولون عما وصلنا اليه من انهيارات ومحاصصات ومافيات وسنظل ننزل لنتظاهر حتى تغيير كل هذا التعتير الذي يعيشه الناس، وسط لامبالاة السلطة.