تفاصيل الخبر

بـيـن  «كرايسكي » و «لــــــورا »!

03/07/2015
بـيـن  «كرايسكي » و «لــــــورا »!

بـيـن  «كرايسكي » و «لــــــورا »!

بقلم وليد عوض

خبر في الصحف الفرنسية أعادني سبعاً وثلاثين سنة الى الوراء، وتحديداً الى العاصمة النمسوية فيينا التي كان عليّ أن أسافر إليها لمقابلة مستشار النمسا الدكتور <برونو كرايسكي> عام 1978، مستعيناً بالمصور الأرمني الصديق <هاري كونداكجيان> الذي كان قد انتقل من مكتب وكالة <فرانس برس> في بيروت الى مكتب الوكالة في فيينا.

   تسألونني: ما الخبر الذي أعادني الى تلك السنة؟

   إنه وفاة نجمة السينما الإيطالية الجميلة <لورا أنطونيلي> بطلة فيلم <ماليسيا> مع نجم السينما الفرنسية <جان بول بلموندو>، وهو الفيلم الذي غزا شاشات السينما عام 1973. لقد عثروا عليها جثة هامدة يوم الاثنين 22 حزيران (يونيو) المنصرم عن 73 عاماً، وهو الشهر نفسه الذي ماتت فيه نجمة هوليوود <مارلين مونرو> منتحرة بأقراص منومة بعد انتشار خبر غرامها بالرئيس <جون كينيدي> الذي غنت له في حديقة <السنترال بارك> النيويوركية: <مساء الخير يا سيدي الرئيس>.

   لم أكن على معرفة بالنجمة الايطالية <لورا أنطونيلي>، لكن المصادفة جمعتني بها ذلك الصباح الذي كنت فيه على موعد مع مستشار النمسا، وأنا نزيل فندق <هيلتون>، وكنت أنتظر أن تأتيني المكالمة التليفونية التي تنبئني بأن المستشار الهاوي للعبة <الغولف> كان في انتظاري.

   وكان الموعد مع الدكتور <كرايسكي> في منتهى البساطة. فتشت في دفتر التليفون عن اسم <برونو كرايسكي> فوجدته، وعنوانه شارع <امبرستر>. رفعت سماعة التليفون وطلبت النمرة، وجاءني صوت أجش يسأل باللغة الألمانية: <من الهاتف الداعي؟> قلت: <أنا صحافي من لبنان أحمل إليه رسالة شفهية من رئيس الوزراء الدكتور سليم الحص. أي رسالة من دكتور الى دكتور>. رد الصوت: <نعم أنا برونو كرايسكي>. وفوجئت بأن الرجل المستشار نفسه كان يرد على المكالمة ولا يستعين كذلك بسكرتير. وقد قال لي: <أنا الآن خارج من المستشفى وأستعد للاستجمام في جبال <التيرول>، ومع ذلك انتظر مني مكالمة صباح غد، لأجد متسعاً للقائك>.

   وأسعدني الحصول على هذا السبق الصحفي الذي أعجب به الصحافي الكبير الراحل سليم اللوزي ونشر على غلاف مجلة <الحوادث> التي كنت نائباً لرئيس تحريرها صورتي مع <كرايسكي> كمحاولة لتكريمي.

   ولكن ما دخل <لورا أنطونيلي>؟

   كنت في مطعم فندق <هيلتون> أتناول الفطور، وأذناي مشدودتان الى حيث تليفون مدير المطعم، بانتظار أن تأتي المكالمة من بيت المستشار <برونو كرايسكي>. وهنا لمحت بالقرب مني سيدة جميلة بنظارة سوداء، ولم أحتج الى طول تفكير حتى أدري أنها <لورا أنطونيلي> نجمة السينما الايطالية وبطلة فيلم <ماليسيا>، فتسلحت بجرأة الصحافي المغامر، وأقبلت للسلام عليها، وعرفتها بنفسي متحدثاً باللغة الفرنسية، فرسمت على شفتيها ابتسامة رقيقة وقالت: <تفضل.. يسعدني أن أتعرف بانسان من الشرق.. ومن لبنان>.

   وكنت مسحوراً، من الناحية الصحافية، بالنجمة <لورا>، وأخبرتها أن في بلادي أغنية اسمها <يا لورا حبك قد لوع الفؤاد> فضحكت وقالت: <يسعدني أن أسمع منك هذه الأخبار. فقد أنقذتني من الشعور بالوحدة. كنت أدرك أن الناس تحسب أن نجوم السينما ملائكة أطهار لا ينزلون الى الأرض. وأنا أريد أن أعكس هذا التصور>.

   ثم حدقت فيّ وقالت:

   ــ لو نتغدى سوياً. ما رأيك؟!

   وقبل أن أجيب، طبعاً بعبارة <يسعدني ذلك> أقبــــل علـــيّ خــــادم المطعـــــم ليقـــــول لي ان هناك مكالمة تليفونية مهمة لي عند مدير المطعم، فاستأذنت جميلة السينما الايطاليـــــة ذات العينــــــــين العســـــــــليتين بالانسحاب.

   وإذ ذاك تجهم وجهها وقالت: ماذا حدث؟!

   قلت: إنه المستشار <برونو كرايسكي> ينتظرني.

   فابتسمت وقالت: يبدو أنك رجل مهم.. ولكن هل تريد أن تقول لي انك لن تحضر معي الغداء؟!

   وأجبت وأنا أنهض: لا أدري إذا كنت أستطيع فربما طالت المقابلة!

   وتجهم وجهها قائلة: تريد أن تقول لي ان المستشار <كرايسكي> أهم مني ومن تناول الغداء معي؟!

   قلت: لا أجمل من لقاء <كرايسكي> سوى الغداء معك يا سيدتي. ولكنها ظروف المهنة أقوى مني!

   ولم تودعني.. بل لزمت الصمت وهي عابسة.

   ولم أتناول الغداء مع <لورا أنطونيلي> ولم أعد أراها!