تفاصيل الخبر

بين حزب الله وجبران باسيل.. أين يقف ”مار مخايل“؟!

03/01/2019
بين حزب الله وجبران باسيل..  أين يقف ”مار مخايل“؟!

بين حزب الله وجبران باسيل.. أين يقف ”مار مخايل“؟!

بقلم علي الحسيني

شكّل موضوع التأليف الحكومي نقطة خلاف بارزة بين حزب الله وحلفائه من جهة ورئيس <التيّار الوطني الحر> جبران باسيل من جهة اخرى، فمن خلال ما ظهر من تباينات بين الطرفين بدأت من معضلة <اللقاء التشاوري> مروراً بالمشاحنات بين جمهوري الفريقين على مواقع التواصل الإجتماعي ومعها تسريبة <المصادر> التي عاد وسحبها الحزب من التداول ببيان ليلي، وصولاً الى الإتهامات المتبادلة ولو بالتلميح الضمني من خلف الستار، توجهت الأنظار باتجاه إتفاق <مار مخايل> وسط تخوف من إنفراط عقده، مما يؤكد أن وضعي <التيّار> و<الحزب> بالإضافة إلى التشكيل الحكومي، يخضعان لأجواء الطقس الباردة التي تُسيطر على البلد.

أصل العلاقة بين حزب الله و<الوطني الحر>!

عند قراءة الوضع المأزوم للبلد الناتج عن عدم تمكّن الجميع من الوصول إلى صيغة حل لتشكيل الحكومة والتي يبدو أن مسار تأليفها ما زال طويلاً في ظل العراقيل المُصطنعة التي توضع أمامها، فلا بد من الرجوع إلى أصل العلاقة التي تربط حزب الله و<االتيار لوطني الحر> ببعضهما البعض.ولأنهما يُمثلان العقدة الأبرز في وجه إنطلاق العملية السياسية الأساس أي تشكيل الحكومة، فلا بد من الركون إلى الأسس التي جمعتهما ومقارنتها بالأسباب التي اضطرتهما للتمترس خلف مطالبهما، ومن أفضل من تفاهم <مار مخايل>، لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

في السادس من شباط / فبراير العام 2006 وقّع الأمين العام لـحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس <التيّار الوطني الحر> في ذلك الوقت ميشال عون، تفاهماً استراتيجياً في كنيسة <مار مخايل> الواقعة على تخوم الضاحية الجنوبية التي تضم منطقة <حارة حريك> عاصمة القرار السياسي والعسكري بالنسبة إلى حزب الله، وبلدة الرئيس عون. أبرز بنود التفاهم يومها، قامت على أن الحوار الوطني هو السبيل الوحيد لإيجاد الحلول للأزمات التي يتخبط فيها لبنان على قاعدة الشفافية والصراحة وتغليب المصلحة الوطنية على أي مصلحة أخرى واحترام عمل المؤسسات الدستورية وإبعادها عن التجاذبات السياسية، والسؤال اليوم هو: على أي مقام يُمكن وضع هذا <التفاهم> وأي مقال يُمكن الركون اليه للتعبير عن ما وصلت اليه الأمور اليوم؟

المؤكد أن <المواجهة> السياسية القائمة اليوم بين حزب الله و<الوطني الحر>، تُدار بالتلميحات السياسية وبرسائل <المصادر> المتبادلة بينهما وأخرها التلميح الذي كان جاء الاسبوع في مقدمة الـ<أو تي في> تحت عنوان يسألون لولا ميشال عون، أين كانت الوحدة الوطنية، يوم تكتل كثيرون في الداخل ضد المقاومة، فكان تفاهم السادس من شباط، ثم الموقف المشرف إبان حرب تموز؟ متسائلة: لولا ميشال عون، أين كان معظم أعضاء اللقاء التشاوري اليوم؟ هل كانوا يحلمون بالدخول إلى مجلس النواب أو بالعودة إليه، لولا فعل القانون النسبي الذي يعود الفضل الأول بإقراره، له ولجبران باسيل؟

الموقف من باسيل!

مصادر في قوى <الثامن من آذار> تصف لـ<الإفكار> العلاقة بين الطرفين بأنها لم تعد كسابق عهدها، وهي في الأصل كانت دخلت في مرحلة <النقزة> بعد انزلاق باسيل بكلام قال فيه: <نحن بالنسبة لنا ليس لدينا قضية أيديولوجية، ونحن لا نرفض وجود إسرائيل، لكن يحق لها أن تنعم بالأمان>. تضيف المصادر: على الرغم من عدم وجود شك لدينا بوطنية الوزير باسيل إلا أن مواقفه الملتبسة من عملية تشكيل الحكومة، وضربه مطلب حزب الله بتوزير أحد أعضاء <اللقاء التشاوري> ثم الذهاب إلى إعادة صياغة الحصص الوزارية على نحو يصب في مصالحه الإنتخابية البعيدة، أحدثت ردة فعل غاضبة داخل الحزب، لا نعتقد أن حلها قريب ما لم يصدر عن باسيل توضيح مُفصل لكل ما يقوم به.

واعتبرت المصادر أن باسيل يُحيك خططاً بهدف الوصول إلى كرسي الرئاسة خلال الإنتخابات المقبلة، وعلى هذه القاعدة يُريد أن يضمن عدد النواب لتحقيق هدفه، ما يعني عملياً انه ابتعد عن حزب الله على قاعدة انه يُمكنه اللعب وحده في الملعب السياسي متناسياً بالتالي الدور الذي لعبه <الحزب> في إيصال الرئيس ميشال عون إلى الرئاسة وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإنجازات التي قام بها باسيل حتى اليوم. كل هذا لم يكن ليتحقق لولا أن حزب الله كان الدعامة الفعلية للعهد ولمن يتلطى خلف العهد. وختمت: ما يجري اليوم من الطبيعي أن يؤثر على أي اتفاق في حال لم يوضع حد للتجاوزات الحاصلة. لكن أظن انه بحكمة السيد حسن نصر الله والرئيس ميشال عون، سوف تعود الأمور إلى مكانها الطبيعي. ومن المهم جداً أن يعلم البعض ان تجاوز حزب الله هو امر مرفوض ولا يُمكن السير بأي ملف من دون موافقة الجميع.

وكان لافتاً في موضوع الانقسام السياسي بين حزب الله و<التيار>، أن احدى الصحف الرافدة لمواقف حزب الله، عبّرت الاسبوع الماضي عن الخلاف القائم بينهما بالقول إن <التراشق الإعلامي بين مصادر كل من حزب الله والتيار الوطني الحرّ، دفع قيادتَي الطرفين الى تكثيف الاتصالات والتوصل الى اتفاق يقضي بوقف تبادل الاتهامات بعرقلة تأليف الحكومة>.

<التيار> والعلاقة الثابتة مع نصر الله

بالنسبة إلى <التيّار الوطني الحر> لم يتغيّر شيء في طبيعة التحالفات مع حزب الله، فبحسب مصادر <التيّار>، فهناك تباينات في المواقف المتعلقة بتشكيل الحكومة، لكن في القضايا الإستراتيجية، هناك توافق تام وهناك لقاءات وتشاورات دائمة تُعقد بعيداً عن عدسات الكاميرات. من دون ان ننسى أن العلاقة بين الرئيس ميشال عون والسيد حسن نصر الله، ثابتة ولا يُمكن للإختلافات السياسية ان تهزها. لكن ماذا عن اتفاق <مار مخايل>؟ تجيب مصادر <التيار>: الاتفاق يضم <أكثر من عشرة بنود، فأين المشكلة اذا تباينت وجهات النظر حول بند أو أو حتى ثلاثة. الأساس هو أن العلاقة الإستراتيجية ثابتة، ولا يمكن هزها لا اليوم ولا غداً، حتى في ظل غياب الموقف الواحد، وهذا أمر صحي>.

وفي السياق نفسه ثمة إشارات واضحة كوضوح الشم، تشي بأن حارة حريك امتعضت بما قام به الوزير جبران باسيل لجهة إعادة خلق اوراق الحقائب الوزارية على الرغم من إلتزامها التهدئة الإعلامية حيال الرابية، وأكثر من ذلك فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري يشكل خطاً احمر بالنسبة لـحزب الله، والحزب لن يرضى لأي طرف أن يتخطى الحدود المرسومة له مع عين التينة حتى ولو كان في مصاف الحلفاء. والحزب الذي يعتبر نفسه داعماً أساسياً لبري، هو بمكان ما مثل بري لا يستسيغ سعي باسيل للحصول على الثلث المعطل في الحكومة.

كما يجب على حليف حزب الله أن يعي قبل خصومه، أن الاول بنى مواقفه في تشكيل الحكومة على خيارات ثلاثة، الأول احترام النتائج الإنتخابية، بمعنى أنه إذا كنتم تريدون حكومة وحدة وطنية، فهذا يتطلب إشراك الجميع فيها، إمّا إذا كنتم تريدون حكومة اكثرية، فليُعلن الرئيس سعد الحريري ذلك بوضوح، لانه أصلاً لا يمتلك الأكثرية وهو تم تكليفه ليُشكّل حكومة وحدة وطنية وليس أكثرية. الثاني، إن أي حكومة أكثرية هي بحاجة إلى قوىً تؤيده وتدعمه، لكن كتلته تضم في صفوفها 19 نائباً والقوات اللبنانية 14 نائباً و<اللقاء الديموقراطي> يضم 8 نواب، جميعهم يُشكلون 42 نائباً، إذاً أين هي الأكثرية. أما الأمر الثالث والأهم، فإن قرار امتلاك القرار داخل الحكومة، أصبح إئتلافياً ولم يعد أحادياً.

سؤال مصادر مقربة من حزب الله حول المطلوب اليوم من باسيل؟ الإجابة: المطلوب أن يكون موقفه واضحاً وليس رمادياً، كما أن الغموض في هذا الوقت لم يعد ينفع، جازمة أن لا توجد راحة في التعاطي اليوم بين <الحزب> وباسيل، ومع أن تكون الأمور أفضل مما هي عليه اليوم.

على مواقع التواصل.. <فلت الملق>!

الوصف الأصح للعلاقة بين جمهورَي حزب الله و<التيار الوطني الحر>، يمكن البناء عليه على قاعدة <فلت الملق>، ما خلا بعض التصريحات الرسمية الصادرة عن مسؤولي الطرفين طوال الأيام الماضية اضافة الى التسريبات المتعمدة التي ملأت نشرات أخبار المحطات اللبنانية، والتي حاول مطلقوها العمل قدر الإمكان على تهدئة الشارع.

لا شك في أن اكتشاف الوجه الآخر للعلاقة السياسية السلطوية والشعبية بين <التيار الوطني الحر> وحزب الله منذ تاريخ توقيع اتفاق <مار مخايل> في 6 شباط من العام 2006، بات متاحاً اليوم أكثر من أي وقت مضى، ويكفي متابعة صفحات المناصرين على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أن دفع الأمين العام لـحزب الله السيد حسن نصر الله بـ<العقدة السنية> الى واجهة تعطيل التشكيلة الحكومية، وبالرغم من اصرار نصر الله على رمي <العقدة> علناً ومنذ البداية في وجه الرئيس المكلف سعد الحريري، عبر مطالبته بتمثيل <اللقاء التشاوري> من حصة الحريري حصراً، الا أن <نقزة> الوطني الحر، مما قرأه بين سطور كلام نصر الله بدت واضحة منذ اللحظة الأولى، لتصل الى ذروتها في الأيام القليلة الماضية، ما دفع بقيادة الطرفين الى التوصل الى اتفاق يلزم جميع المسؤولين والمناصرين بعدم اطلاق أي موقف سلبي تجاه الحليف، لأن الظرف لا يسمح بأي مشادات أو حرب اعلامية.

كل ذلك حصل، اثر استعار الحرب الاتهامية على مواقع التواصل الاجتماعي تحديداً. حسابات جمهور الحزب امتلأت بـ<تربيح جميلة> وصول رئيس الجمهورية ميشال عون الى كرسي بعبدا، فيما وصفت حسابات مناصري <التيار> ما حصل في الملف الحكومي بـ<الانقلاب على التفاهمات وعلى عهد الرئيس عون>. الأجواء المتفجرة لم تخلو من اصرار العونيين كذلك على تذكير جمهور <الحزب> بالغطاء المسيحي الذي أمنه عون لسلاح <المقاومة> منذ العام 2006، والذي لولاه لكان موقع الحزب السياسي داخلياً ودولياً مختلفاً تماماً عما هو عليه اليوم. وفي سياق <ضبضبة> الموضوع، ذكرت معلومات أن اتصالات عديدة حصلت بين باسيل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا تطويقاً للأزمة، وانتهت باصدار تعميم للحزب الى مسؤوليه كافة بـ«منع التعرض للوزير جبران باسيل>.

وفي المقابل وبعدما عمم باسيل على مسؤولي التيار والمقربين منه <ضرورة عدم التعرض لحزب الله>، سُجل هبوط مفاجىء في أسهم الحرب الكلامية على مواقع التواصل الاجتماعي الاسبوع المنصرم حيث اختفى هاشتاغ <العقدة - زوربا - باسيل>، الذي أنشأه جمهور <الحزب>، عن لائحة <التراند> على موقع <تويتر>، معيداً بذلك أجواء التهدئة على جبهة الطرفين.

مساع على خط الانفراجات!

ثمة سعي يدور وراء كواليس الأحداث اليوم، يقوم به الحزب يهدف من ورائه إلى تفعيل العلاقة من جديد وإستعادة زخمها على النحو الذي كانت عليه قبل أن توضع في ثلاّجة التأليف. في هذا السياق يؤكد مسؤول في حزب الله ان التفاهم مع التيار الوطني الحر <استراتيجي والخلاف تكتيكي، نختلف بأماكن ونُبقى على متانة العلاقة في أماكن أخرى>. لن الظاهر أن حالة المراقبة لحركة السير السياسية على خطيّ بعبدا ــ حارة حريك راهناً، يمكن أن تركن إلى الوضع الذي يُمكن ان يستجد بين <الحزب> و<التيّار>، خلال اليومين المقبلين وهو بدأ بإتصال تهنئة أجراه نصر الله بعون بمناسبة الأعياد، وهو أمر وضعته أوساط سياسية في إطار إعادة وصل ما كان انقطع في الفترة الأخيرة او أقله فتح نافذة على العلاقة التي شابتها اختلافات وتركت بالتالي ندبات على التواصلين، السياسي والإجتماعي.

اللافت في الموضوع أن إتصال المعايدة أرخى بذيول إيجابية أيضاً على العلاقة بين الطرفين، حيث استتبعته زيارة معايدة قام بها وفد من حزب الله لهيئة <الوطني الحر> في قضاء بعبدا. ومن بوابة تخطيّ الأزمة العالقة بينهما، كان تأكيد من وفد الحزب أن العلاقة مع <التيار> عابرة للبيانات المشبوهة والتغريدات المجهولة وأن ما بينهما تفاهم <دائم ولازم>. هاتان الخطوتان وما كان سبقهما من تأكيدات انه على الرغم من ممانعة حزب الله بحصول <التيار> على <الثلث المعطل>، تبقى <العلاقة ممتازة وثابتة وراسخة ومتينة>، الأمر الذي فسرته مصادر سياسية على انه حاجة ضرورية للحزب قبل <التيّار> خصوصاً وانها تخدم خصومه السياسيين. والمصادر نفسها تقول، إن الوزير جبران باسيل ظهر في مكان ما بعد الإختلاف مع حزب الله، كبطل مسيحي ماروني وبأنه <المُخلص> لاسترجاع حقوق المسيحيين. لكن ثمة اعتقاد أن الأمور أو العلاقة بينهما، حتى ولو تم استعادتها، إلا أنها تركت في مكان ما نُدوباً لا يمكن ان تُشفى في وقت قريب.

بالعودة إلى ضفّة حزب الله يؤكد المسؤول أن العلاقة بين <الحزب> و<التيار> أكثر من ممتازة ولا خوف على الإطلاق على <مار مخايل>. الإتفاق بيننا سبق أن مر بعدة إمتحانات بدءاً من حرب تموز وبعدها السابع من أيار/ مايو 2008 مروراً بالحرب في سوريا 2011 وصولاً إلى ما يُسميه البعض خلاف على خلفية تأليف الحكومة اليوم. كل هذه التجارب السابقة، تبقى مجرد تفصيل صغير حول الخلاف على وزير بالزائد أو وزير بالناقص. ويعود المسؤول إلى الخلاف الذي قام بين حزب الله و<الوطني الحر> خلال الإنتخابات النيابية الأخيرة فيقول: يومها حصلت أراء متفاوتة حول طبيعة التحالفات بيننا. لكن بعدها انتهت ذيول الإنتخابات وفتحنا صفحة جديدة، موضحاً أن الخلاف القائم اليوم هو بين <التيّار> و<اللقاء التشاوري> وبالطبع نحن نقف إلى جانب مطلب <اللقاء> المحق القائم على نتائج إنتخابات القانون النسبي.

هل من حل قريب؟ يُجيب المسؤول: نأمل من خلال المساعي التي يقـــوم بهــــا اللــــواء عبــــاس ابراهيــــم والتــــي استهلها قبل أيام قليلة، أن تُفضي إلى حل الأمور العالقة إلى تأليف حكومة في أقرب وقت. وبرأيي الشخصي، قد يحمل مطلع العام المقبل، أجواء إيجابيـــــة، فالبلد لم يعد يحتمل ولا وضع الناس يحتمل اكثر مما هو اليوم.