تلتقي الأوساط السياسية على ملاحظة التباعد الذي بدأ يسجل بين "التيار الوطني الحر" وحزب الله لاسيما في المواقف السياسية التي ظهرت خلال مراحل تشكيل الحكومة بفعل مطالبة "الثنائي الشيعي" بحصرية التمثيل في وزارة المال من جهة وبالحق في تسمية الوزراء الشيعة في التركيبة الجديدة، علماً ان هذا الاصرار المزدوج ادى الى اعتذار الرئيس المكلف الدكتور مصطفى اديب عن الاستمرار في مهمته على رغم الاجتماعات المتتالية التي عقدها مع "الثنائي الشيعي" والتي لم تسفر عن نتائج ايجابية.
وبدا واضحاً ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل تمايزا في مقاربة الملف الحكومي عن حليفهما التقليدي حزب الله وعبرا بوضوح عن هذا التمايز سواء من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس عون قبل ايام، او من خلال الاطلالة الاعلامية الاخيرة لرئيس "التيار" ناهيك عن البيانات والمواقف التي تصدر في مناسبات مختلفة. ويبقى السؤال ما هو مصير تفاهم مار مخايل الموقع في شباط (فبراير) 2005 الذي بدا وكأنه يترنح من خلال التباعد السياسي الظاهر بين الطرفين سواء في الملف الحكومي او في مواضيع اخرى شعر "التيار" ان الحزب لم يقف الى جانبه، كما احس الرئيس عون بأنه ليس على موجة واحدة مع الحزب... لاسيما وأن التباعد لا ينحصر بالملف الحكومي اذ ثمة من يرى انه يرتبط بالعقوبات الاميركية على حزب الله والتي طالت اخيراً حليفيه حركة "امل" وتيار "المردة"، فيما يخشى "التيار" من ان يتم إدراج مسؤولين وقياديين فيه في الدفعة التالية من العقوبات، رغم قول النائب باسيل مؤخراً: " يلوحون لنا بفرض عقوبات ولو جائرة وليس لها اساس قانوني او اثباتي ولكن انا شخصياً من دون تردد مستعد ان اتحمل الثمن حتى لا تمس وحدة لبنان وسلمه الاهلي ويتم اغراقه بالفوضى والفتنة".
وفيما تختلف الاوساط السياسية في تصوير حجم التباعد بين عون وباسيل من جهة، وحزب الله من جهة ثانية، ثمة من يرى ان العلاقة بين الطرفين لن تتراجع الى الوراء وان كانت البرودة اصبحت طاغية على هذه العلاقة، من دون ان يعني ذلك سقوط تفاهم مار مخايل بعد 15 سنة على اقراره، ذلك ان مفاعيله في مجالات عدة لا تزال قائمة رغم التباينات والروىء المتعارضة بين طرفي التفاهم حيال العديد من الملفات، وباستثناء كلام صدر عن النائب حكمت ديب، لم تصدر مواقف عن مسؤولين في "التيار" لايضاح طبيعة البرودة الحاصلة بين الطرفين، علماً ان النائب ديب بذل جهداً وهو يدفع عن تياره شبهة اعتراضه على سلاح المقاومة وانتقاده لهذا السلاح معدداً مواقف للاب الروحي لــ "التيار" الرئيس ميشال عون ورئيس "التيار" النائب باسيل في المحافل الدولية والاقليمية دفاعاً عن هذا السلاح المواجه للاحتلال الاسرائيلي واطماعه بلبنان.
إشارات وتعليقات
لكن كلام النائب ديب لا يلغي اشارات باسيل الاخيرة والتي تعمد خلالها الاضاءة على قضايا خلافية، كمثل زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنية الى بيروت، وبدا وكأنه لا يعارض الدعوة التي اطلقت الى "الحياد" لاسيما ايضاً مضمون المؤتمر الصحافي الاخير للرئيس عون والذي بدا صريحاً في عدم تبنيه تمسك "الثنائي الشيعي" بوزارة المال، وتذكيره بأن لا نص قانونياً يجيز لمكون طائفي ان يعتبر حقيبة وزارية ملكاً سياسياً دائماً له، مما اباح لمن يعنيهم الامر ان يجدوا في المحطتين مؤشرين على انفراط عقد "تفاهم مار مخايل" الذي حكم المسار السياسي في المرحلة المنصرمة، ومؤشرين على ان التيار البرتقالي وقع اسير الضغوط والتهديد بسيف عقوبات مالية آت على غرار ما حل بالوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، وبالتالي آن له ان يبدأ مسيرة سياسية مختلفة، بل
[caption id="attachment_81529" align="alignleft" width="418"] النائب جبران باسيل والسيد نصر الله في لقاء قبل التباعد الأخير بينهما.[/caption]ربما تعاكس مسيرته السابقة والتي اعتمدت بشكل واضح على ذلك التفاهم مرتكزاً وسنداً وعضداً حقق له حزمة مكاسب.
وحيال الاستنتاجات الكثيرة التي شاعت عن تباعد بين "التيار" والحزب، لوحظ ان حزب الله بقي معتصماً بالصمت فلم يبادر الى التعليق سلباً او ايجاباً ولم يرد في الوقت نفسه على تلك المواقف التي اطلقها التيار البرتقالي، وادرجت في خانة علامات الطلاق البائن بينهما، واعطيت كدليل على ان التيار قد وقع فريسة الضغوط والتهويل ويعمل على استدراك وضعه والنجاة بنفسه.
ولا تخفي الجهات المعنية بالموضوع بالحزب " اطمئنانها" بأن التيار البرتقالي، لا يمكن له ان يخرج بشكل مفاجىء من حضن تفاهم ابرمه قبل عقد ونصف عقد من السنين، مبعثه امور ووقائع عدة توافرت اخيراً ابرزها انه رغم كل ما بدا انه تحول في مواقف "التيار الوطني الحر" بقيت قنوات التواصل المعتادة بين الطرفين تفعل فعلها وتؤدي دورها وبقي رئيس "التيار" يبعث برسائل فحواها انه ليس في وارد التحلل من موجبات التفاهم، وان كان قد افترق عن الحزب بمواقف عدة كان آخرها ما تناهى الى علم الحزب من كلام قاله باسيل امام الدائرة الضيقة من كوادره وفحواه "اننا لن نساهم في عزل مكون لبناني حتى وان وقعت علينا عقوبات مالية، فالامر عندنا مبدئي".
ويلاحظ ان قيادة الحزب لم تستشعر يوماً على رغم كل المعلومات والتأويلات التي ضخت في الاعلام والوسط السياسي عن دنو انتهاء مفعول "تفاهم مار مخايل" وان قاعدة الحزب قد انتابها خوف او تبدل ورأيها المعهود تجاه التيار وجمهوره، فهذا ينم عن حجم ثقة الحزب وجمهوره العريض بثبات "التيار" وبأنه لم يعد ذلك التيار المتموج المتمايل الذي يمكن التأثير عليه، او اخذه الى حيث يرغب الاخرون، فهو ما زال على ثوابته رغم ان ثمة اختبارات عدة مرت، وكان يمكن ان يتخذها ذريعة للانقلاب والتراجع.
وفق كل ذلك، فإن الحزب على قناعة ضمنية بأنه لم يكن ينتظر اساساً من التيار ان يماشيه على "العمياني" بل ضمن التفاهم معه على حق الاختلاف في محطات عدة، وحق طلب ادخال مقاربات او تعديلات جديدة على التفاهم، والمفارقة ان كثر في الساحة اللبنانية، لم يعتادوا على هذا النواع من التفاهمات المرنة التي يمكن لها ان تصمد وتملك القدرة على التكيف.
وتقول مصادر قريبة من قيادة المقاومة ان الحزب لا يخفي ان التفاهم بينه وبين التيار كان وما زال تفاهم الضرورة والحاجة لكليهما، وقد بدأ في لحظة كان كلاهما يستشعران ان ثمة "هجمة شرسة" عليهما لاقصائهما او تهميشهما، وهو استمر لأن الآخرين لم يبدلوا تبديلاً، لذا ما زال هذا التفاهم بعد عقد ونصف عقد على ابرامه كما بدأ تفاهم الضرورة والحاجة، ولعل ابرز تجليات هذه الحاجة تتبدى في المحافظة على اكثرية نيابية هي ضمانة ولا ريب للاطراف المشاركة فيها تعصمها من محاولات اضعاف حضورها وتأثيرها وفعلها.
ويتضح من خلال هذه المواقف ان لا "التيار" يريد قطع العلاقة مع الحزب في الوقت الراهن، ولا الحزب في وارد الابتعاد عن "التيار" لأنه لا يزال بحاجة اليه كونه الوحيد في الساحة المسيحية الكبرى، مع "المردة"، يقف الى جانب الحزب في الشدائد. غير ان ثمة من يرى ان هناك من يعتقد في "التيار"- وفي بعبدا ربما- ان الحزب لم يعط "التيار" والرئيس عون قدر ما اعطاه "البرتقاليون" ورئيس الجمهورية الذي لم يخفِ انزعاجه من عدم التجاوب معه في المسألة الحكومية ما احبط الرئيس المكلف مصطفى اديب وجعله "يهشل" ولا يصل الى السرايا. لذلك يمكن القول إن بين "التيار" و "حزب الله"، في المرحلة الراهنة أكثر من برودة وأقل من انفصال فالى متى يستمر هذا الواقع وهل سنشهد تراجعاً عملياً في العلاقة بين الطرفين اذا ما استمرت عقدة وزارة المال موجودة؟