تفاصيل الخبر

بين المعارضة والموالاة.. تاريخ من الإنتقاد و التناقضات!

17/10/2019
بين المعارضة والموالاة..  تاريخ من الإنتقاد و التناقضات!

بين المعارضة والموالاة.. تاريخ من الإنتقاد و التناقضات!

بقلم علي الحسيني

على الرغم من النظام الجمهوري الديموقراطي القائم في لبنان والممهور بطابع طائفي متنوّع ومتعدد قابض على مفاصل الحكم ومتحكم باللعبة السياسية فيه، إلا أنه يُسجل له ذاك الهامش الواسع من حرية الرأي والتعبير الذي يطبع حياته السياسية ويسمح لكل فرد بإبداء الرأي ضمن ضوابط مُحددة عنوانها الأساسي، عدم تجاوز سقف القانون. وقد سمح هذا الحيّز في لبنان منذ قيام الدولة، بممارسة لعبة المعارضة والموالاة بهدف الإستحواذ على السلطة والإستئثار بالحكم، ودائماً لأسباب وأهداف شخصية وطائفية والدليل، أنه ومنذ قيام الدولة اللبنانية لم تحقق المعارضة ولا الموالاة أي من برامجها الإنتخابية ووعودها التي تسبق عادة العملية الإنتخابية.

 

المشكلة في الحكم أم في أهله؟

 

قد لا يكون النموذج البريطاني من الديموقراطية البرلمانية حيث الأكثرية تشكل الحكومة فيما الأقلية تحاسب وتراقب من موقعها البرلماني مؤدية دور حكومة الظل، هو النموذج الذي يمكن تطبيقه في لبنان، لكن في هذه الحالة لماذا يجري استيراد مفهومي الموالاة والمعارضة المرتبطين بهذا النموذج. هذا مع العلم أنه في البلدان التي تعتمد النظام الرئاسي بصورة أو بأخرى تكون الموالاة لرئيس الجمهورية، وهنا أيضاً يظهر ابتعاد النموذج اللبناني عن هذا السياق، ذلك أن قسماً مّمن يسمّي نفسه معارضة في لبنان رغم حصوله على رئاسة المجلس النيابي وثلث أعضاء الحكومة ومحاصصة وافرة في مؤسسات الدولة ومنظومة أمنية من خارج هذه المؤسسات يعيب على رئيس الجمهورية أن تكون له كتلة موالية له في البرلمان أو وزراء داخل الحكومة.

في لبنان على وجه الخصوص، يجهد كل فريق سياسي ينضوي تحت لواء ما يُسمّى بـ<المعارضة>، لتحسين موقعه ونفوذه طالما أن هامش التحرك الواسع يُتيح له هذا الامر خصوصاً وأن أي موقع رسمي بدءاً من رئاسة الجمهورية ووصولاً إلى أصغر عامل في لبنان هو محل انتقاد طالما أنه يعمل تحت الضوء. والأصح من هذا وذاك، أن الدخول إلى جنّة السلطة يبقى الطموح الأكبر والهدف الأوحد للجميع باعتبار أن النظام السياسي الطائفي المذهبي القائم يجعل من البلد ومقوماته أشبه بقالب جبنة يتهافتون على تقسيمه في ما بينهم. ودائماً هناك <جبنة> في السلطة لذلك لا يتعجّب أي فرد من الإغراءات التي تُقدمها السطلة لأفراد <اسرتها> ودائماً ما تكون هذه الإغراءات على حساب الشعب. أما في جانب المعارضة، فلا يسع هذا الفريق إلى مراقبة ومحاسبة أهل السلطة، لكن في بلد مثل لبنان، تبقى المحاسبة من الأمور الشكلية في ظل قانون يمنح الحصانة للنواب ويُبعد عنهم شبح المُحاكمة، إلا في حالة واحدة وهي إسقاط الحصانة عن النائب وهذا الأمر يخضع هو الاخر لمسائل واعتبارات كثيرة تُشبه كمن يبحث عن إبرة بين كومة من القش. ولعل تجربة حزب <الكتائب اللبنانية> والمجتمع المدني لا تزال ماثلة أمامنا. فهما اللذان شكلا طوال المرحلة الماضية وصولاً إلى يومنا هذا النبض المعارض للشارع، ولم ينجحا بتحصيل أكثر من 4 مقاعد نيابية من أصل 128 بعد اكتساح القوى التقليديّة البرلمان ككل.

ماذا حققت المعارضة حتى اليوم.. ومن هي؟

ثمة نظرة لبنانية شبه شاملة، تعتقد أنه لا يوجد موالاة ومعارضة في لبنان خصوصاً وأن الأفرقاء الذين كانوا مختلفين في فترة ما، هم اليوم في حكومة إئتلاف وطني، ولكنهم لم ينهوا خلافاتهم بل على العكس نقلوها إلى مجلس الوزراء. لكن الاعتقاد هذا، لا يُلغي حتمية وجود أقلية خارج الحكم وأكثرية حاكمة، من هنا كانت مطالبة البعض باعتماد قانون النسبية الذي يسمح بتعدد الآراء ضمن الطوائف ويمنع احتكار الزعامات المقاعد داخل مجلس النواب والحقائب داخل مجلس الوزراء. وبالطبع تنسحب هذه المطالبة على أصوات كانت طالبت في السابق بإلغاء منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، لكن هذه المطالبة لم يُكتب لها النجاح مع وجود عقلية سياسية ما زالت تُراهن على تكريس واقع اسمه <الثلث المعطل>، يسمح بتمرير القرارات الكبرى، ويُعطي الصلاحية لهذا الثلث بتعطيل بأكمله وربما الوصول إلى حالة الشلل كنوع من الضغط لاجبار رئيس مجلس الوزراء على الاستقالة.

المعارضة هي إطار سياسي حديث يتم التعبير من خلاله عن الاختلاف مع إدارة السلطة في مجتمع معين أو مع التوجهات العامة السياسية لهذه السلطة أو لطريقة الحكم. وليس بالضرورة أن تكون المعارضة في الحكومة ولكن خصوصية لبنان تفرض أن يكون الجزء الأساسي من المعارضة موجود في الحكومة وقد يكون هنالك جزء خارجها. وحتى المعارضة السنيّة المتمثلة بـ10 نواب للمرة الأولى منذ عشرات السنوات، لم تكن تغريها المعارضة عند تأليف الحكومة وهي التي طالبت بمقعدين وزاريين وأعاقت عملية التأليف لفترة طويلة بعد إصرارها على تمثيلها داخل حكومة الرئيس سعد الحريري، كذلك الأمر بالنسبة لتيار <المردة> والحزب <الديموقراطي اللبناني> و<القومي السوري>  وغيرها من الأحزاب، جميعها اليوم تمثل في الحكومة، ما عدا <الكتائب> الذي يغرد وحيداً في فضاء المعارضة الشكلية، من دون أن يمتلك <السلاح> المعنوي لمواجهة أبناء السلطة، بما فيهم حلفاء الأمس الذين تشارك معهم منذ العام 2005، الميدان والتظاهرات والمطالب، وصولاً إلى الدماء التي دفعها من خلال اغتيال الوزير بيار الجميل والنائب انطوان غانم.

 

دور المعارضة أهم من السلطة.. ولكن!

تُشكل المعارضة دائماً الأقلية في النظام الديموقراطي، أي الفئة السياسية التي لم تحصل على الأكثرية الشعبية في المجلس التشريعي، لكي تمتلك شرعيتها في الحكم، وهذا لا يعني أن المعارضة ليس لها دور في هذا المجال، بل على العكس لديها دور مماثل للأكثرية، وأحياناً قد يكون دورها أهم من السلطة، ذلك لأن السلطة تكون مشغولة باهتمامات وأعمال متنوعة وتوزع نشاطاتها في الاتجاهات كافة، على عكس المعارضة التي دورها يقتصر على متابعة ومراقبة ما تقوم به السلطة، ولكن ليس انطلاقاً من مفهوم <التزريك> بالسلطة بل انطلاقاً من معايير تعتبرها أساسية في حياة الإنسان.

والمعركة بين المعارضة والموالاة قائمة على المنافسة في تنفيذ القانون وعلى تأمين المصلحة العامة، في المقابل ثمة صراع بين السلطة والتسلط. مثلاً فالمعارضة سابقاً كانت متمسكة بأفكار منها ما هو مقدس، وفي مكان آخر كانت بالسلاح، وكانت تحاول فرض الهيمنة بدعم من قوى خارجية، لكن اليوم أصبحت هذه المعارضة أهم أركان الحكم وركائزه، ومع هذا فهي ما زالت مُحاربة من الداخل والخارج ويتم وضعها في خانة الإرهاب والإستهداف الدائم، وهذا يؤكد أن التسميات بالنسبة إلى الفريق الحاكم اليوم، هي مجرد أوصاف لا يُمكن أن تمحو العقوبات عن <حزب الله> ولا يُمكن أن تُشرّع سلاح المقاومة في وجه العدو الإسرائيلي، وذلك لأسباب تتعلق بالضغوط التي تُمارس ضد لبنان الذي أصبح أبعد ما يكون عن مفهوم المعارضة في الدول الحديثة، وهذا يعود إلى افتقاد الروحية الديموقراطية الداخلية أولاً، وإلى عدم تقبّل الخارج وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، الدور الذي يلعبه الحزب في الحياة اللبنانية، وداخل المؤسسات الرسمية حيث أن له نواباً ووزراء، يُمكن لهم أن يكونوا قوة وازنة في أي حلف، سواء في المعارضة أو في الموالاة.

 

من يجرؤ؟

من بين الأحزاب اللبنانية المتمثلة في السلطة، وحده المجتمع المدني الممثل حالياً في المجلس النيابي الجديد بنائب واحد هو بولا يعقوبيان حجز مقعداً له في صفوف المعارضة، والأرجح أن اللجوء الى هذه الصفوف ينسجم مع المثل القائل <مجبر أخاك لا بطل>، وان كان الهدف المعلن والصريح له هو الاطاحة بهذه الطبقة ككل للحلول مكانها وتقديم تجربة سياسيّة جديدة رائدة سيكون على اللبنانيين أن يحكموا عليها. لكن ما يطمح اليه هذا المجتمع شيء والواقع شيء آخر تماماً، بحيث أن السبيل الوحيد للاطاحة بهذه الطبقة هو الاطاحة بالنظام السياسي القائم، وهل من يتجرأ على ذلك.

في لبنان لا طعم لأي معارضة لا يكون رئيس الحزب <التقدمي الإشتراكي> وليد جنبلاط أحد أفرادها، وهو لطالما شكّل عصب المعارضات منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، من هنا كان خروجه من فريق <14 أذار> بمنزلة القشّة التي قصمت ظهر البعير وهذا ما سبق أن أكده النائب السّابق فارس سعيد بقوله إنّه عندما خرجت أصوات مسيحيّة دعمت رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السّابق وليد جنبلاط في حادثة قبرشمون، لم تكن في حسابها تشجيع جنبلاط على الإنتقال الى المعارضة، انما لتخفيف محاصرة حزب الله له وللتأكيد أنّ المسيحيين ليسوا كلهم عونيّين. ليعود ويقول: حتى ولو عاد الى المساكنة معه فالمواجهة ليست بالضربة القاضية، انما بالنقاط.. وليد بيك... مايسترو.

تدل الوقائع في لبنان على ان الأمور جميعها تسير باتجاه لا يعكس النيات المُعلنة، فكل المؤشرات تؤكد أن ما بعد السيء هو الأسوأ، وأن رياح الإخفاقات باتت هي التي تضرب آمال المواطنين الذين ورغم اللدغات الكثيرة التي تعرضوا لها على مر السنين، ما زالوا ينشدون أحلامهم المستقبلية ويُعوّلون على إحداث تغييرات وحتى لو لا تتوافر لهم الفرصة سوى مرة واحدة كل أربع سنوات، ومع هذا فهم يقعون في كل مرة في الحفرة ذاتها، ومع هذا ما زالوا على ثقة أنهم سيخرجون ذات يوم، من فقرهم البيئي والإجتماعي والإقتصادي. لكن أين يُمكن لهذه الآمال أن تصرف، في ظل سياسات تُساعد على تعزيز الهدر والفساد وتمنع محاسبة المُرتكب، وتُجيز للمتقاعص أن يُعاد انتخابه مرة ومثنى وثلاث، طالما أنه يستحوذ على <ثقة> رئيسه أو قائد الحزب الذي يتبع له، أو زعيم الطائفة التي ينتمي اليها.