بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_84558" align="alignleft" width="333"] البطريرك بشارة الراعي واللواء عباس ابراهيم .. تجدد الأمل.[/caption]
من المؤكد أن الأمور السياسية في لبنان تتشابك ببعضها البعض تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى المشاكل الصحية التي تختلط بين همّ المواطن وصحته وبين مصلحة السياسيين واستغلال أوجاع الناس. فعلى الرغم من مرور اكثر من شهرين على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، لا تزال العقبات تحول دون تحقيق هذه المهمّة، نظراً للتجاذبات بين أهل السلطة حيث ما زالت أولوية كل طرف، تحصيل أكبر عدد من المكتسبات، حتّى في ظل الأوضاع المأساوية والصعبة التي تمر بها البلاد بفعل انتشار وباء "كورونا" بشكل مخيف لدرجة أن المستشفيات ما عادت تتسع لاستقبال المصابين بما فيها الحالات الحرجة.
التأليف بين هم المواطن ومصالح السياسيين
ما زالت أجواء التشاؤم تُهيمن على المشهد السياسي في البلاد المتعلق بتأليف الحكومة، إذ إن كل الوعود السابقة بتحقيق هذا الاستحقاق، لم تكن سوى أوهام باعها السياسيون لشعبهم في ليلة تغلّبت فيها المصالح الشخصية والحزبية على ما عداها من هموم وأوجاع تتعلق بحياة الناس، وحتّى المبادرة الفرنسية التي كانت بمثابة الامل الأخير لولادة حكومة تُخرج البلاد والعباد من الواقع المُذري، طارت هي الأخرى على بساط المناكفات وضاعت في دهاليز السياسات المطالبات والمطالبات المضادة، وكأنه مكتوب على هذا البلد أن يبقى أسيراً بيد حكّامه ورهناً لأطماعهم التي لا تنتهي. والأنكى من هذا كلّه، أن هؤلاء "السلاطين" الذين يعيشون في بُروجهم العاجية والعالية، لم يخضعوا يوماً لصوت الضمير، صوت الشعب الذي يُكافح للبقاء على قيد الحياة، في وقت يُطوّع فيه هؤلاء الحياة لأنفسهم ولذريّتهم من بعدهم.
مرّة جديدة يتمسّك بالمواطن اللبناني بالأمل علّه يتمكّن، من رسم بعض ملامح السعادة على وجه عائلته، وآخر الآمال هذه، حكومة لا سياسية ولا مذهبية، بل حكومة اختصاصيين تُعيد لبنان الى سابق عهده وتستعيد مكانة العملة المحلية بعدما ابتلعها الدولار. وفي هذا الخصوص، ما زال التأليف عالق بين رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يُصرّ على الاحتفاظ بحقيبة الداخلية، وبين الرئيس المكلف سعد الحريري الساعي إلى إحداث بصمة جديدة في عمليات التأليف على قاعدة "الحقائب لخدمة البلاد وليس الأشخاص". وكان من الطبيعي ان تلاقي هذه المحاولات الرفض من قبل عون الذي يُصرّ على أن
[caption id="attachment_84559" align="alignleft" width="421"] السيد حسن نصرالله والنائب جبران باسيل ..فيتو اميركي وإهدار وقت فرنسي.[/caption]يتواصل الحريري مع كلّ الأفرقاء على قاعدة وحدة المعايير واحترام التوازنات النيابية.
بين عون والحريري.. من يقطف بذور النجاح؟
مصادر سياسية متابعة للشأن الحكومي، ترى أن الحريري يضع نصب عينيه مهمة اساسية وهي، حكومة مُنتجة من اختصاصيين غير حزبيين يتولى هو تسميتهم، أو أقله تسمية الوزراء المسيحيين، والشراكة مع الجانب الفرنسي الذي دخل على الخط للحصول على حصة وزارة وتحديداً وزارة الطاقة التي تهمّ الشركات الفرنسية على صعيدين، الاستثمار في بناء معامل الكهرباء والتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية.
وتشير المصادر نفسها إلى أن بين ما يسعى له الحريري وما يُطالب به عون، شنّت الولايات المتحدة الأميركية غارة سياسية على مهمّة التأليف من بوابة رفض مشاركة النائب جبران باسيل في أي حكومة بعد العقوبات التي صدرت بحقه، ومنع أي دور فاعل فيها لحليفه "حزب الله". وهذه الغارة أعادت مهمة التأليف إلى المربّع الأول، بحيث لم تعد الأولوية لتشكيل حكومة، إنما لمحاصرة فريق محدد ومنعه من حصد الحصص والحقائب الوزارية، بعد نجاح موسم زرعه في الانتخابات النيابية.
العامل الخارجي لمصلحة من؟
[caption id="attachment_84562" align="alignleft" width="358"] هذا ما يريده الشعب.[/caption]مصادر مؤيدة للرئيس عون ترى أن الرئيس الحريري ومعه الطرف الفرنسي كانا رسما موقفهما من ملف تأليف الحكومة على أساس انه في حال لم تتمّ الاستجابة لشروطهما في تشكيل الحكومة، فإنهما يستمران في لعبة تقطيع الوقت من الآن إلى انتهاء ولاية الرئيس الأميركي "دونالد ترامب"، وتسلم الرئيس الفائز في الانتخابات الأميركية "جو بايدن" مقاليد السلطة في البيت الأبيض في 21 الحالي واستكمال تشكيل فريق إدارته وتحديد طبيعة السياسة الأميركية الخارجية.
وتُضيف هذه المصادر أن هذا يعني أنّ العامل الخارجي هو السبب في منع تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة وفق الأصول المعمول بها في النظام البرلماني ودستور الطائف. وأنّ هذا العامل الخارجي، المتمثّل بالتدخل الأميركي السافر والمكشوف على خط التأليف وممارسة الضغوط بالحصار الاقتصادي والمالي والعقوبات، ما كان لينجح في عرقلة ولادة الحكومة، لولا أنّ بعض الأطراف اللبنانية وفي مقدّمهم الرئيس الحريري وتياره يرضخون لهذا الضغط الأميركي ويستجيبون للاملاءات الأميركية، ولو كان الأمر عكس ذلك لما تراجع الحريري في اللحظة الأخيرة عن اتفاقه مع الرئيس عون لتشكيل الحكومة، والذي كان بانتظار إسقاط أسماء الوزراء الاختصاصيين الذين سيتمّ تسميتهم من قبل الكتل النيابية.
إبراهيم يلفح اللبنانيين ببعض الأمل
[caption id="attachment_84561" align="alignleft" width="377"] الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري.. وفاق داخلي وصراع خارجي.[/caption]على خط التأليف نفسه، سبق ان أكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أن زيارته للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي كانت زيارة للتهنئة بالأعياد ومن الطبيعي أن يتم التداول في الشأن العام معه، وخصوصاً أن له ما له من اهتمام بهذا الشأن، وقال : لا أقول إن مساعي غبطة البطريرك قد أحبطت على الإطلاق، فهو مستمر في ما يقوم به في كل الاتجاهات وربما تكون الأعياد وغياب الرئيس الحريري عن لبنان جمدا هذا الحراك، وأنا أكيد أنه سيستأنف الحركة في الأيام المقبلة وبالاتجاهات المناسبة للمساعدة على الحلحلة. وأشار ابراهيم إلى انه في ما يتعلق بتشكيل الحكومة والكلام عن تباعد بين الرئيسين عون والحريري، فنحن لم نتجاوز بعد المعدل الزمني العام لتأليف الحكومات في لبنان، وليس الثلث المعطل أو الضامن هو العقدة على الإطلاق، إنما تبقى بعض التفاصيل وخصوصاً أن العمل يتم على حكومة اختصاصيين في بلد عز فيه الاختصاص بعيداً عن السياسة. أمّا بخصوص المبادرة الفرنسية، فأكد انها لا تزال قائمة بعناوينها الكُبرى، ومن المرجح بعد تأليف الحكومة أن تكون هذه المبادرة وعناوينها بوصلة البيان الوزاري وبالتالي بوصلة العمل الحكومي، وسيكون هذا التوجه عنواناً لإنقاذ لبنان من الوضع القائم الذي نتخبط فيه.
ضغط "كورونا" وتواقيع عون
[caption id="attachment_84560" align="alignleft" width="516"] فراغ حكومي رغم مرور أكثر من شهرين على تكليف الحريري.[/caption]مقابل التعطيل السياسي، يضغط فيروس "كورونا" بشكل أكبر على حياة اللبنانيين العالقين بين همّ المرض، وبين تأمين لقمة عيشهم في ظل الإغلاق الذي تواظب حكومة تصريف الأعمال على اللجوء اليه، كلّما استشعرت بخطر الوباء، لكن من دون أن توفّر الحد الأدنى من مقوّمات صمود الحياة اليومية، أقله تأمين حاجة الفقير الذي يسلك طريق المقومات من أجل تأمين قوت عائلته بعدما تقاعست الدولة عن القيام بأدنى واجباتها تجاه شعبها.
واللافت أن الرئيس عون وقّع صباح الثلاثاء الماضي الموافقة الاستثنائية بالاغلاق الكامل اعتباراً من الخميس 7 الجاري حتى صباح الاثنين في الأول من شباط (فبراير) المقبل، في اطار مواجهة انتشار "كورونا" في البلاد، وذلك بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال حسان دياب واللجنة الوزارية المكلفة متابعة داء "كورونا". كما وافق عون على اقتراح وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن ، توقيع العقد مع شركة "فايزر" لشراء اللقاحات اللازمة لوباء "كورونا" على أن تصدر الموافقة الاستثنائية بعد توقيع رئيس مجلس الوزراء.
وفي السياق، تستغرب مصادر معنية بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي في البلاد، تجاهل العمال المياومين في كل مرة تقرر السلطات المعنية الذهاب إلى قرار الإقفال التام من جديد، وسألت: من سيعوض على المتضررين من هكذا قرار في حال إقراره من جديد، لاسيما أن البحث هو في إقفال لمدة 3 أسابيع أو أكثر؟. وإذ أشارت هذه المصادر إلى أنه لا يمكن إجبار المواطنين على البقاء في منازلهم من دون تقديم التعويضات لهم، لافتة إلى أن هناك من أصر على فتح البلد على مصراعيه، خلال فترة الأعياد، من أجل قطاعات معينة، بينما اليوم يريد معاقبة جميع اللبنانيين في لقمة عيشهم.