تفاصيل الخبر

بري يستعد لـ «تدوير الزوايا»... وسلام لاتخاذ «القرار الصدمة» وعون يقاطع الحوار والحكومة... لكنه لا ينسحب منهما!

23/10/2015
بري يستعد لـ «تدوير الزوايا»... وسلام لاتخاذ «القرار الصدمة»  وعون يقاطع الحوار والحكومة... لكنه لا ينسحب منهما!

بري يستعد لـ «تدوير الزوايا»... وسلام لاتخاذ «القرار الصدمة» وعون يقاطع الحوار والحكومة... لكنه لا ينسحب منهما!

b20151018011844 لن يكون من السهل على الرئيس نبيه بري بعد عودته من رومانيا وسويسرا، إعادة أجواء الوئام الى طاولة الحوار التي تنتقل الأسبوع المقبل الى مقر الرئاسة الثانية في عين التينة بدلاً من ساحة النجمة، إلا إذا عاد من جنيف بـ<أفكار خلاّقة> يتمكّن من خلالها بإقناع أطراف الحوار بأن استمرار اللقاء الأسبوعي على طاولة مستديرة ولو من دون نتيجة، أفضل بكثير من التباعد الذي يلقي بظلاله السلبية على ما تبقّى من استقرار أمني في البلاد بعدما صار الاستقرار السياسي في خبر كان!

كذلك لن ينجح الرئيس تمام سلام في إقناع المشاركين معه في <حكومة المصلحة الوطنية> بإعادة الحياة الى مجلس الوزراء بعدما انضم حليفه الأبرز تيار <المستقبل> الى لائحة المهددين بالاستقالة من الحكومة التي تبدو أصلاً في حالة <تصريف أعمال> بعد تعطّل جلساتها وعدم الوصول الى حلول نهائية لأزمة النفايات، حتى يلتئم مجلس الوزراء تحت <رعايتها> ولو لمرة واحدة. وإذا كان الرئيس سلام يوحي لزواره بأن لا حل أمامه سوى الاستقالة بعدما سُدّت كل السبل في وجه إحياء السلطة التنفيذية، فإن الوصف الذي أطلقه الرئيس بري من رومانيا على الحكومة بأنها <محروقة> جعل رئيسها يفقد الأمل في إمكانية الحصول على مزيد من جرعات الدعم من رئيس مجلس النواب الذي عليه، على ما يبدو، أن يتفرغ الى حماية طاولته الحوارية من السقوط هي الأخرى في نفق التعطيل... وبذلك جارى الرئيس بري شريكه في <الثنائية الشيعية> حزب الله في التأكيد على أن الحكومة دخلت موتاً سريرياً، ولا بدّ من التركيز على الحوار - كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. أما في الرابية فالأمر انتهى وفشلت <التسوية> التي كان يُعمل لها من خلال ترقية ثلاثة ضباط بينهم العميد شامل روكز الى رتبة لواء، و<حُرّر> رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون من كل الالتزامات السابقة، وبدأ <معركة> جديدة في مواجهة العاملين على عزله وإخراجه من المعادلة وإبعاده نهائياً عن قصر بعبدا، وهي معركة ستكون قاسية وطويلة ولا <هدنات> فيها على غرار ما حصل خلال العامين الماضيين، وذلك بعدما لم يعد لدى العماد عون ما يخسره أو يضطر لـ<التفاوض> عليه... حتى لا يقول لـ<المساومة> عليه!

هذا المشهد السياسي القاتم الذي ستغرق البلاد فيه أكثر فأكثر خلال الأسابيع المقبلة، لم يكن مفاجئاً للأوساط السياسية اللبنانية التي حذرت في معظمها من مغبة إسقاط <التسوية> التي عمل عليها أكثر من طرف وتطلّبت جهوداً واتصالات ولقاءات ومساعدات داخل لبنان وخارجه وتوافر لها <الدعم الديبلوماسي> المناسب، ولعلّ الأجواء لدى المرجعيات السياسية المعنية تؤكد الوصول الى طريق مسدود حكومياً ينسحب على مجلس النواب الذي التأم لإعادة تركيب هيئة مكتبه وانتخاب رؤساء وأعضاء اللجان النيابية، من دون أن <يحلم> رئيسه بجلسة تشريعية واحدة، فكيف بجلسة لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية؟!

 

سلام <متألّم> لاستهدافه وتعطيل الحكومة

 

فزوار السرايا الحكومية يخرجون بانطباع خلاصته أن الرئيس سلام لم يعد قادراً على التحمّل أكثر في ظل <تعنّت> القيادات السياسية ورفضها القبول بالحد الأدنى من التعاون للاهتمام بشؤون البلاد والعباد، ما يرتد سلباً على شخص الرئيس سلام الذي يتعرض يومياً للانتقادات السياسية والشعبية الحادّة على رغم عدم مسؤوليته عن الخلافات التي تعصف بالكتل السياسية التي تتشّكل الحكومة من ممثلين عنها. ولعلّ أكثر ما يؤلم رئيس الحكومة - كما صارح زواره الأسبوع الماضي - هو استهدافه شخصياً وتحميله مسؤولية ما يحصل في البلاد وعدم مساءلة المسبّبين الحقيقيين للحالة المزرية التي وصل إليها عمل السلطة التنفيذية. ويضيف الرئيس سلام بكثيرمن الحسرة والألم أنه لم يعد في وسعه <تغطية> الجهات السياسية التي تعمل ليل نهار على ضرب مؤسسات الدولة وهيبتها نتيجة التجاذبات الحادة التي تعيشها، وإذا كان قبوله بالبقاء في السرايا كان لحماية هذه المؤسسات والسعي الى إنقاذ الوضع المهترئ، فإن استمرار وجوده في رئاسة الحكومة من دون أي تجاوب مع جهوده ومساعيه، لن يعطي أي نتيجة، واستقالته ستكون <صدمة> يمكن أن تُعيد السياسيين المختلفين الى جادة الصواب فيسارعون الى إنقاذ ما تبقّى من <السفينة> التي تغرق تدريجياً.

وفيما يدرك الرئيس سلام ان استقالة حكومته لن تغير شيئاً في الواقع السياسي القائم مع غياب رئيس للجمهورية يقبل هذه الاستقالة ويصدر المراسيم المتممة لذلك، يعترف أمام زواره بأن الدعوات التي توجه إليه للبقاء في منصبه من سياسيين لبنانيين ومسؤولين عرباً وأجانب، فضلاً عن النداءات الصادقة من <الأوادم> في هذا البلد، هي التي تجعله <يضبط نفسه> ويعطي إمكانية قبول السياسيين بعودة الحياة الى الحكومة، فرصة جديدة ليس متأكداً أنها قد تحقّق خطوات إيجابية، لكنه في المقابل يرغب في أن <يصبر> قليلاً مع التأكيد بأن <للصبر حدود>!

عون: معركة تحقيق الشراكة الكاملة

أما في الرابية، فالمشهد مختلف بعد انهيار <تسوية الترقيات> التي كان قبِل بها العماد عون وأسقطها علانية تحالف الرئيس السابق ميشال سليمان وحزب الكتائب، وسراً تيار <المستقبل> والرئيس فؤاد السنيورة، لأن ما أعلنه <الجنرال> في اليوم الأخير لخدمة العميد شامل روكز قبل إحالته على التقاعد في الشهر الجاري، من <أن لا عودة الى الحكومة قبل تعيين قائد جيش جديد ومجلس عسكري جديد، ونحن نمثل الأكثرية المسيحية ويحق لنا تعيين قائد الجيش>، هو الذي يحدّد مسار وزراء تكتل التغيير والإصلاح مع حلفائهم في حزب الله، لاسيما وان العماد عون قرر المضي في معركته لتحقيق <الشراكة الكاملة> في السلطة والتي باتت هدفاً مسيحياً استراتيجياً، خصوصاً أنه يعتقد بأن خسارته ستنعكس سلباً على الدور السياسي للمسيحيين بشكل عام في لبنان، بعد الخسارة الفادحة التي مُنِي بها المسيحيون في الدول العربية التي تشهد قتالاً ضارياً استهدف الوجود المسيحي بشكل مباشر. وفيما يؤكد العماد عون لزواره أن وزراء <التكتل> عموماً، ووزراء التيار الوطني الحر خصوصاً، لن يستقيلوا من الحكومة، كما لن يستقيل النواب من مجلس النواب على رغم عدم الاعتراف بشرعيته الدستورية، على قاعدة أنه <محكوم علينا> البقاء في المجلس النيابي وفي الحكومة، يشدد في المقابل على أن الذين أسقطوا <التسوية> هم تيار <المستقبل> والرئيس سليمان و14 آذار الذين يضعهم في <خانة واحدة> لأنهم اشتركوا في <مناورة كاذبة> وفي <توزيع للأدوار في ما بينهم>.

وعندما يسأل زوار العماد عون عما قصده في أن مرحلة الانسحاب من الحكومة والمجلس، ستكون واردة، يؤكد بأنه لن يستمر في تلقي الصدمات الواحدة تلو الأخرى ويقابل ذلك <باستيعاب مؤامرة بعد أخرى>، وهو سينتفض وتتغير العلاقة وقد تصل الى الصدام الذي (ألمح) إليه في مقابلته التلفزيونية عشية مرور ربع قرن على إخراجه من قصر بعبدا. ويرى العماد عون أن <الشراكة الحقيقية> لا تكون فقط بـ<شراكة الزبالة> كما يريد خصومه، فإما أن تكون الشراكة كاملة وفي كل شيء... وإما لا شراكة. وفي ترجمة عملية أولى لهذا الموقف سيغيب العماد عون شخصياً عن طاولة الحوار الأسبوع المقبل لأن لا جديد يقوله للموجودين الى الطاولة، إذ هو حدّد السقف الذي لن يتنازل عنه، وعلى الآخرين أن يحددوا مواقفهم، لذلك سيبقى في الرابية ويوفد إما الوزير جبران باسيل أو النائب إبراهيم كنعان، والاثنان يعرفان - حسب العماد عون -  السقف الذي حدّده ويتصرفان على هذا الأساس. أما المشاركة في جلسات مجلس الوزراء، فهي غير واردة في حساب العماد عون الذي قال كلمته عن الحكومة... ومشى!

وبينما يشدّد <الجنرال> أمام زواره على أن لا قانون للانتخابات النيابية إلا على أساس النسبية، يؤكد أيضاً أن مطالبته بـ<الرئيس القوي> لا <الرئيس الدمية> تعني أنه باقٍ في المعركة الرئاسية ولن يتراجع <إذ لا مساومة في الموضوع الرئاسي>، <فأنا من يمثل المسيحيين وأنا الأجدر في أن أكون في قصر بعبدا>!

وما لا يقوله العماد عون صراحة، يلمسه زوار الرابية من أن <الجنرال> المتمسك بترشحه غير المُعلن رسمياً، يراهن على أن التطورات الإقليمية المتسارعة خصوصاً في سوريا وقريباً في العراق، قد تحدث تبدّلاً جذرياً في الواقع السياسي يمكن أن يحمله الى سدّة الرئاسة خصوصاً أنه يجزم أمام زواره بأنه يرفض أن يكون شريكاً في اختيار الرئيس العتيد، أو أن يكون ناخباً كبيراً، فهو لن <يُخدع> مرة ثانية، بعد الذي حصل في الدوحة عام 2008.

المشنوق هدّد بالاستقالة... ونصر الله رفض الابتزاز

نهاد-المشنوق

وفيما كانت الأوساط السياسية ترصد باهتمام أو بازدراء واستياء إعلان العماد عون أن الذين أفشلوا <التسوية الثلاثية> (الترقيات العسكرية وتفعيل مجلس الوزراء وعودة التشريع الى مجلس النواب) سيدفعون الثمن غالياً، وأن الحكومة لن تقف على أرجلها من جديد، أتى الخطاب الذي ألقاه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مع الذكرى الثالثة لاستشهاد اللواء وسام الحسن ليرسم علامات استفهام إضافية حول مستقبل الحكومة والحوار مع حزب الله بعد التهديد الذي أعلنه بالاستقالة من الحكومة والحوار على حدٍ سواء خصوصاً أن الوزير المشنوق كان يعكس بذلك موقف الرئيس سعد الحريري، وجاء في توقيت دقيق بعد تعطيل <التسوية> التي كان يُعمل لها، ما يدل على أن الموقف المتجاوب مع هذه التسويات الذي عبّر عنه الوزير المشنوق في إحدى الجلسات الحوارية مع حزب الله، لم يكن نهائياً، وأن فريق <الصقور> داخل <التيار الأزرق> بزعامة الرئيس فؤاد السنيورة تغلّب على <فريق الحمائم> الذي كان الوزير المشنوق أحد أبرز وجوهه. وعلى رغم أن الوزير المشنوق لم يتطرق في كلمته الى الحوار في مجلس النواب، إلا ان إشارته الى الحوار مع حزب الله وعدم التزام الحزب بتنفيذ الخطة الأمنية في البقاع واستمرار الفلتان الأمني وضع هذا الحوار على سكة <التعليق>، لاسيما بعد ردين: الأول، تقني من الوزير حسين الحاج حسن اعتبر فيه أن التقصير في تنفيذ الخطة الأمنية يتحمّل مسؤوليته وزير الداخلية وفريقه، ملوّحاً الى إمكانية نشر محاضر جلسات الحوار في عين التينة <ليعرف الرأي العام على من ألقى وزير الداخلية المسؤولية عن عدم تنفيذ الخطة الأمنية وتبيان الحقيقة للناس>. أما الرد الثاني، فكان سياسياً وحادّاً صدرعن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم الأحد الماضي وخاطب فيه تيار <المستقبل> رافضاً أن <يمنّ> أحد على حزب الله بالحوار أو المشاركة في الحكومة، وقال: <إذا شعرتم أنكم محرجون أو متفضلون علينا وعلى غيرنا في بقائكم بالحكومة.. فالله معكم>. كذلك قال السيد نصر الله لـ<المستقبل> انه يرحّب بكل من يريد التحاور <ومن يرغب بالرحيل الله معو>، لأن الحزب يرفض <الابتزاز>، وأن القيادة ستعيد النظر في هذا الحوار>. فيما أكد السيد نصر الله على أن الحزب لم يغطِ أحداً في البقاع أو غيره، ودعا الأجهزة الأمنية الى أن تقوم بدورها، <وستلقى كل المساعدة منا في تنفيذ الخطة الأمنية>.

وبدا واضحاً من موقف الوزير المشنوق الذي تحدث عن <كلام معسول> و<حبر على ورق> و<وعود في الفضاء> في معرض حديثه عن عدم التزام حزب الله بالخطة الأمنية في البقاع، وكذلك من رد السيد نصر الله الذي سمى الأشياء بأسمائها من دون أي تلميحات، أن الأمور ذاهبة الى تصعيد سياسي يتناغم مع المناخات التصعيدية التي برزت في مواقف العماد عون، ومن دون أن يصل الى حدّ إسقاط الحكومة التي قال عون انه محكوم بالبقاء فيها على رغم أدائها <المتعثر>، بل بالعكس يريد المحافظة عليها <من أجل مصلحة البلد>، ولأن البديل <هو الانهيار>، فيما اعتبرت مصادر في <المستقبل> أن كلام الوزير المشنوق هو <تحذيري> لأن قيادة <المستقبل> لم تتخذ قراراً بالانسحاب من الحكومة أو من الحوار مع حزب الله، وأن الكلام الذي قيل في ذكرى اللواء الحسن، هو من باب <شدّ العصب> .

في المقابل تقول مصادر في 8 آذار ان تيار <المستقبل> أراد الرد على العماد عون وحزب الله معاً في مسألة تعطيل الحكومة ليقول انه لن يقبل <الابتزاز> هو أيضاً وأنه مستعد للانسحاب من الحكومة والحوار مع حزب الله في وقت واحد. وربطت هذه المصادر بين موقف الوزير المشنوق وما قاله مستشار الرئيس الحريري النائب السابق غطاس خوري في مقابلة تلفزيونية من ان السعودية لن تفاوض إيران <إلا بعد سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء>، ما يؤشر الى أن ردة فعل <التيار الأزرق> حيال حزب الله، تنطلق من المعادلات الإقليمية وليس من الحسابات اللبنانية صرفاً...

 

مهمة بري في <تدوير الزوايا>

في أي حال، تعتبر مصادر سياسية مطلعة ان الوصول الى هذا الحدّ من المواجهة و<الصدام السياسي> بين العماد عون والسيد نصر الله من جهة، وبين تيار <المستقبل> وبعض فريق 14 آذار من جهة ثانية، يدل على المدى الذي بلغه التأزّم في الوضع السياسي مع غياب أي آفاق لمخارج مقبولة من الجميع، ما يجعل مهمة الرئيس بري العائد من جنيف رئيساً بالإجماع للاتحاد البرلماني العربي للمرة الثانية، محفوفة بالمخاطر، لاسيما إذا تعثرت عملية <تدوير الزوايا> التي يجيدها عادة رئيس مجلس النواب، لكنه يحتاج هذه المرة الى تجاوب الأقطاب المشاركين (ولن يكون معهم العماد عون) الذين وإن لم يقدموا حلولاً عملية وفعالة، فإن مجرد وجودهم الى طاولة الحوار ولو من أجل <عصف فكري> أو <تبادل آراء>، أفضل بكثير من بقائهم خارجها ريثما تتيح التطورات الإقليمية تفاهماً ما، علماً أن كل المعطيات تشير الى أن المواجهة في سوريا ستطول وأن الحل السياسي سيتأخر لكنه آتٍ بعد <توازن> على الأرض ترسمه الطائرات الروسية جواً، وتحالف الجيش السوري وحزب الله وإيران... براً. أما الحوار السعودي - الإيراني فهو معطّل حتى إشعار آخر!