تفاصيل الخبر

بري أصاب عصفورين بحجر واحد: أبقى سلامة وأشرك المجلس في المفاوضات مع صندوق النقد!

18/06/2020
بري أصاب عصفورين بحجر واحد: أبقى سلامة وأشرك المجلس في المفاوضات مع صندوق النقد!

بري أصاب عصفورين بحجر واحد: أبقى سلامة وأشرك المجلس في المفاوضات مع صندوق النقد!

 

[caption id="attachment_78825" align="alignleft" width="375"] الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب في الاجتماع الرئاسي الثلاثي[/caption]

هل مرّ "قطوع" إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على خير، أم أن ما حصل يوم الجمعة الماضي في لبنان هو تأجيل المواجهة مع الحاكم الى موعد آخر، وهل صحيح أن الاقتراب من سلامة هو خط أحمر اقليمي دولي من غير المسموح تجاوزه مهما كانت الاعتبارات، ولأيـة أهداف كانت "همروجة" إقالة الحاكم طالما يعرف المعنيون أن سلامة "محصن" بما فيه الكفاية ومحاولة إقالته مغامرة غير معروفة النتائج؟ لقد عاش لبنان يومي الخميس والجمعة الماضيين حالة هستيرية، سياسية ومالية كادت ان تؤدي الى وضع غير مسبوق، لولا المعالجة المسؤولة التي اطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري وتجاوب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتراجع رئيس الحكومة حسان دياب عن خيارات كانت ستدفع لبنان نحـو المجهول. وبالعـودة الى وقـائع هذين اليومين تظهر ان  "اوركسترا" منظمة كانت تقف وراء أحداثهما لــ "قلب  الطاولة" على من فيها وإدخال البلاد في نفق لن يكون من السهل الخروج منه، نتيجة التراكمات السلبية من جهة، والتداخل بين الازمات من جهة اخرى. فقد أفاق اللبنانيون على معلومات تم ضخها في اماكن عدة من البلاد، بان سعر صرف الدولار سيصل الى ستة الاف ليرة لبنانية، وأن الصيارفة امتنعوا عن تسليم الورقة الخضراء. ثم راحت الاشاعة تكبر وتتوسع مع وصول الدولار الى سبعة الاف ليرة، مع العلم بأن كل المعطيات المالية وحركة السوق أكدت أن لا صحة لهذه الاشاعات وأن الدولار لم يتجاوز سقف الاربعة الاف ليرة لبنانية. وعلى رغم صدور النفي تلو الآخر لهذه المعلومات، راحت الشائعات تشق طريقها في المناطق اللبنانية و"تستنهض" حركة احتجاج واسعة في طرابلس وبيروت، رافقتها اعمال شغب وتحطيم مؤسسات ومصارف ومتاجر، ما حوّل منطقة الوسط التجاري الى ساحة حرب حقيقية بين القوى الامنية والعسكرية من جهة، وعناصر الشغب الذين اخترقوا صفوف المتظاهرين السلميين فانسحب هؤلاء وبقي المشاغبون يمعنون تخريباً واحراقاً وتحطيماً.

ولقيت القوات الامنية في بادىء الامر صعوبة في ردع هؤلاء، لكنها تمكنت بعد طول عناء من دفعهم خارج بيروت، في وقت كان المشهد نفسه يتكرر في طرابلس بين الجيش والمتظاهرين. فالرئيس حسان دياب  قرأ المشهد على انه يستهدف الحكومة لتحميلها مسؤولية ما يجري، في حين ان "دولته" يرى المسؤولية في مكان آخر.... على حاكم المصرف المركزي رياض سلامة الذي امتنع عن ضخ دولارات في السوق المالية لكبح جماح ارتفاع سعر صرف الدولار، اضافة الى ان الكيمياء لم تتم بين الرجلين منذ اليوم الاول لدخول دياب السراي الكبير، ولكل طرف تفسيره لاسباب انقطاع هذه الكيمياء... اول خطوة كانت الغاء دياب مواعيده يوم الجمعة والدعوة الى جلستين لمجلس الوزراء، واحدة قبل ظهر اليوم التالي في السرايا، والثانية بعد الظهر في قصر بعبدا، والغاية من الجلستين الخروج بقرار واحد وهو إقالة حاكم مصرف لبنان التي تلقى لدى رئيس الجمهورية تأييداً لأن الرئيس عون منزعج هو الآخر من أداء سلامة وكذلك رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، فضلاً عن ان فريق المستشارين الماليين بين السرايا وبعبدا يريد ازاحة الحاكم لأسباب مختلفة بعضها شخصي.... وانتشر خبر "اقالة" سلامة كالنار في الهشيم ووصل الى المصيلح حيث كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري انتقل لتمضية عطلة نهاية الاسبوع في منزله، فبدأت الاتصالات لمواجهة هذا "التطور الخطير" الذي سيؤدي بالبلاد الى مكان مجهول لتنتهي فجراً الى قرار واحد لا ثاني له: ممنوع إقالة رياض سلامة. مرة جديدة أخطأ المراهنون على اقالة سلامة وتيقنوا ان هذا الخيار لن يجد الصدى الايجابي لدى الرئيس بري الذي يدرك ان خطوة الاقالة لها تداعيات سلبية على الاوضاع الاقتصادية، تضاف الى الواقع الدراماتيكي لهذه الاوضـاع، فتبدّل السيناريو اذ عوضاً عن ان "يقيل" مجلس الوزراء سلامة، دعاه الى الحضور الى السراي ومعه "عراب" الحلول المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم ، وانضم في وقت لاحق رئيس جمعية المصارف سليم صفير ووفد من نقابة الصرافين. في الجلسة الصباحية "فش" عدد من الوزراء خلقهم بالحاكم وقالوا كلاماً كبيراً عن مسؤوليته في ما يجري، وارتفع صوت اكثر من وزير ووزيرة، لكن ما كتب كان قد كتب ولا مجال لاقالة الحاكم، بل على العكس لا بد من التفاهم معه على الحلول. في هذه الاثناء كانت الاتصالات بين السرايا وقصر بعبدا تزايدت وفتح خط مع المصيلح تقرر في نهايتها ان يعقد اجتماع رئاسي ثلاثي يكرّس اتفاقاً على معالجة الوضع المالي ولجم تصاعد الدولار، في مقابل طي صفحة "اقالة" سلامة من منصبه. فانتقل بري من المصيلح بطائرة هليكوبتر الى قصر بعبدا وكان اللقاء الثلاثي الذي سبق الجلسة الثانية لمجلس الوزراء. وقائع من اللقاء الرئاسي الثلاثي [caption id="attachment_78826" align="alignleft" width="375"] حاكم مصرف لبنان رياض سلامة..هل مرّ قطوع إقالته؟[/caption]

 خلال اللقاء الرئاسي الثلاثي طرحت مسألة الدولار وضرورة معالجتها كي لا تكون الوقود التي تشعل حــــرباً جديدة بدت طلائعها في الليلة السابقة في بيروت وطرابلس، وتطرقت  "الترويكا" الرئاسية الى دور حاكم مصرف لبنان خصوصاً بعد "الحوار غير الودي" الذي دار بين عدد من الوزراء وسلامة في جلسة السراي... كان واضحاً من الحديث ان الرئيس بري حاسم في موقفه ولن يتراجع في القبول باقالة الحاكم وأن المطلوب استيعاب الوضع لعدم تفاقمه لاسيما وأن الحاكم لا يملك دولارات كثيرة لضخها في السوق لأنه لم يبق في احتياطه سوى 22 مليار دولار يريد ان يؤمن فيها دعم شراء المشتقات النفطية والطحين والقمح والمستلزمات الطبية وغيرها من حاجات الصناعيين والتجار الذين يبحثون عن الدولار "بالسراج والفتيلة"... وان ثمة اجراءات اخرى يمكن اعتمادها لتهدئة السوق والحد من ارتفاع سعر الدولار قياساً الى الليرة اللبنانية. وبدا واضحاً من خلال احاديث الرؤساء  الثلاثة ان ثمة مشكلة شخصية بين الحاكم وكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ينبغي تذليلها، صحيح ان مهمة التذليل لم تكن صعبة مع الرئيس عون، الا انها بدت صعبة جداً مع الرئيس دياب الذي شكا من عدم تواصل الحاكم معه وعدم مبادرته لزيارته في السراي دورياً لأنه لا يأتي الا اذا دعي للحضور، وكذلك شكا دياب من عدم تعاون سلامة مع فريقه الاستشاري وغيرها من الامور التي وجدها الرئيس بري غير جوهرية ولا تشكل سبباً كافياً لاقالة الحاكم، فرأى ان طي صفحة الاقالة هو الخطوة السليمة وبعدها تبحث بقية الحلول، متعهداً بأن يقنع سلامة بزيارة السرايا دورياً وبالعمل لعدم تصاعد الدولار وبقائه بين 3800و3200 ليرة كحد اقصى من خلال حركة لمصرف لبنان تتراوح بين التدخل في السوق من جهة وضبط حركة الصيانة والمصارف من جهة اخرى. وتضيف المعلومات ان بري اثار خلال اللقاء الرئاسي الثلاثي مسألة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي مركزاً على اهمية توحيد ارقام الخسائر وعدم تحميل المودعين اية مسؤولية في المعالجة المرتقبة للاوضاع المالية المتردية. ورأى بري ان ما قامت به لجنة التقصي المتفرعة من لجنة المال والموازنة والتي يرأسها النائب ابراهيم كنعان، توصلت الى نتائج ملموسة بالتعاون مع اطراف الازمة، اي وزارة المال وحاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف، ويفترض ان تعاون فريق التفاوض من خلال الارقام التي توصلت اليها والتي تختلف عن ارقام لجنة التفاوض وما اتفق عليه في اجتماع بعبدا المالي قبل اسبوعين، واخذ النقاش حول "رعاية مجلس النواب" لعملية التفاوض مع صندوق النقد حيزاً قبل ان "يحسم" الرئيس بري المسألة معطياً للجنة النيابية حيزاً واسعاً من "رعاية المفاوضات". وخرج الرئيس بري من الاجتماع "مطمئناً" الى ان "قطوع" اقالة سلامة مرّ بسلام، وحرص ان يعلن ذلك من خلال مخاطبة الاعلاميين مباشرة من قصر بعبدا، وهو نادراً ما يفعل ذلك خلال زياراته الى القصر، فــ "زفّ" للبنانيين ان سعر الدولار سيتراوح بين 3800 ليرة نزولاً ليصل الى 3200 ليرة من خلال تدخل مصرف لبنان في السوق، وأجاب على سؤال حول وضع الحاكم سلامة بأن الظروف تفرض الحاجة الى الجميع وليس الاستغناء عنهم! وكرس بري في تصريحه "رعاية" مجلس النواب للتفاوض مع صندوق النقد من خلال الارقام التي توصلت اليها لجنة تقصي الحقائق.

طي صفحة الاقالة

 وما إن غادر بري قصر بعبدا حتى التقى بالحاكم سلامة عند المدخل وانتحى به جانباً واطلعه على اجواء اللقاء الثلاثي والحلول التي تم التوصل اليها متمنياً عليه التجاوب مع الحلول المقترحة، وارسل بري الى الرئيس عون من قال له إن الحاكم "وافق" على الاقتراحات وإن شاء الله خير! وانعكس "التفاهم" حول بقاء الحاكم على وجهي الرئيس عون والرئيس دياب خلال لقائهما مع سلامة في اثناء  قسم النواب الجدد للحاكم، اليمين امام رئيس الجمهورية، وتلا حفل القسم الجلسة الثانية لمجلس الوزراء التي غاب عنها سلامة ليستمر "الهجوم" عليه من بعض الوزراء استكمالاً لما حصل في جلسة السرايا... إلا أن هذا الهجوم لم يسفر عن شيء يمس الحاكم اذ كان قرار المجلس انشاء خلية ازمة لمتابعة الوضع النقدي وتطور سعر الدولار تضم عدداً من الوزراء والحاكم سلامة والمدير العام للامن العام.... ولأن مركز الخلية هو في السرايا فقد ضمن الرئيس دياب ان يرى سلامة كل يومين!.

ومع انتهاء جلسة مجلس الوزراء، طويت صفحة  اقالة سلامة وإن كان بعض الوزراء ابدى "حماسة" لمتابعة أداء الحاكم و"معاقبته" إن هو أخلّ مجدداً بتعهداته. وهو ما تجاوزه الرئيسان عون ودياب من دون التعليق عليه وأعطيا الوزراء المعترضين "ترضية" بالاسراع في التدقيق من قبل شركتين دوليتين بارقام المصرف المركزي والذي تقرر منذ اكثر من شهر ونصف الشهر ولم يبدأ بعد في انتظار الاتفاق مع شركتي التدقيق KPMG  و " كرول". حصيلة يوم الجمعة الطويل كانت موضع تقييم سياسي أجمع على اعتبار ان الرئيس بري نجح في تصويب البوصلة، وأن حزب الله، الذي كانت له تحفظات على أداء سلامة وسمح لانصاره بالتظاهر ليل الخميس في الضاحية الجنوبية ومهاجمة الحاكم، لم يشكل رأس حربة للاطلاحة بسلامة تاركا الخوض في مهمته بعدها من المستحيلات في المدى المنظور على الاقل، من دون ان يسقط من حسابه ان هناك ضرورة لتوجيه رسالة ضاغطة لئلا يفقد السيطرة على جمهوره. ورأت المصادر ان بري نجح من خلال تحركه في رسم حدود للحكومة والحكم على السواء، وقالت إن دعوته للقراءة في كتاب واحد في مخاطبة صندوق النقد الدولي برعاية المجلس النيابي، التي جاءت مقرونة بتشكيل خلية ازمة، برئاسة وزير المال غازي وزني، لمتابعة الوضعين المالي والنقدي، لقيت موافقة من عون ودياب، وقال إن ما تحقق في هذا الخصوص أوقف الاداء المرتبك المتخبط للحكومة. وبكلام آخر، فإن بري استرد زمام المبادرة، وأعادها الى البرلمان الذي سيتولى مهمة التوصل الى مقاربة موحدة للارقام المالية التي سيجري على اساسها التفاوض مع صندوق النقد، اضافة الى أنه أعاد تعويم دور وزارة المال لوقف تعدد الرؤوس في استقراء الحلول لانقاذ الاقتصاد من التدهور، وبالتالي اوقف التنافس بين المستشارين. وبذلك يكون بري قد اصاب عصفورين بحجر واحد: ضمن بقاء الحاكم في موقعه، وأشرك مجلس النواب في عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي ولو من خلال توحيد الارقام. وكشفت مصادر متابعة أن الرئيس بري ابلغ الرئيسين عون ودياب أن اقالة سلامة لن تفي بالغرض بل ستؤزم الوضع اكثر اضافة الى صعوبة اختيار بديل له وأن الاستعجال في اقامة حفل قسم اليمين لنواب الحاكم الجدد ليحلوا محل سلامة بعد اقالته، كان في غير محله، لأن بري ليس في وارد القبول بأن يتولى النائب الاول للحاكم المحامي وسيم منصوري القيام بمهام الحاكم لأنه لا يريد أن يتحمل ممثله في حاكمية مصرف لبنان مسؤولية الواقع المالي المهترىء، إضافة الى عدم قدرة مصرف لبنان على تحقيق المعجزات في الظروف الراهنـة.