تفاصيل الخبر

”بوتين“ يمسك بالمقص الجغرافي ويقول: الأمر لي!  

23/06/2016
”بوتين“ يمسك بالمقص الجغرافي ويقول: الأمر لي!   

”بوتين“ يمسك بالمقص الجغرافي ويقول: الأمر لي!  

بقلم وليد عوض

francis-hollande---1

مخيف الى أبعد حد هذا الدفق الجديد للنازحين السوريين الى لبنان، ووصول رقم النزوح حسب احصائيات الأمم المتحدة الى مليون ونصف مليون نازح، وهو الرقم الوارد في السجلات، أما الرقم الآخرالمتمثل في النزوح السوري عند الأقارب فحدث ولا حرج!

ومبعث الخوف من ضخامة هذا العدد ان الحرب السورية قد تطول وتتجاوز الثلاث والأربع سنوات، وصولاً الى الذكرى المئوية لاعلان دولة لبنان الكبير صيف 1920، وفي هذه الأثناء تشتعل لعبة التوطين وتروج مقولة <العودة الطوعية للنازحين السوريين> التي وردت على لسان أمين عام الأمم المتحدة <بان كي مون>. وسيترك <بان كي مون> منصبه في الأمم المتحدة بعد ولايتين لا ثالث لهما، ويترك بعده في سجلات أكبر حكومة أممية لعبة التوطين.

ولا يمكن الاتكال على بعض القوى العالمية الكبرى في صد عملية التوطين. فلكل من هذه القوى همومها ومشاغلها. وهذه انكلترا التي كانت عام 1917 طرفاً في اتفاقية <سايكس ــ بيكو> التي عبثت بالخريطة الجغرافية، وأدت الى ولادة دولة لبنان الكبير، وولادة دولة شرقي الأردن برئاسة الملك عبد الله بن الحسين الأول، مأخوذة منذ أمس الخميس بالاستفتاء على بقائها أو عدم بقائها في منظومة الاتحاد الأوروبي، وإذا جاء الاستفتاء لصالح الخروج من الاتحاد، فسوف يجد اقتصاد بريطانيا نفسه مكشوفاً، وتنتشر البطالة بين عشرات آلاف البريطانيين المنتفعين من الوجود البريطاني في الاتحاد الأوروبي، ويتحول الأمر الى انتحار.. اقتصادي.

ويأتي مقتل النائبة العمالية البريطانية <جو كوكس> المؤيدة للبقاء البريطاني في منظومة الاتحاد الأوروبي بمثابة جرس انذار للذين يؤثرون البقاء في هذا الاتحاد على المغادرة. ومن الطائرة قال رئيس وزراء بريطانيا <دايفيد كاميرون> للصحافيين المرافقين ان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يشبه القفز من الطائرة، أي لا عودة إليها من جديد.

وفرنسا صاحبة التوقيع الثاني في اتفاقية <سايكس ــ بيكو> بقلم سفيرها في لبنان <جورج بيكو> مشغولة هي أيضاً بهمومها ومشاكلها، وأول هذه المتاعب صدامها مع تنظيم <داعش> بعد مجزرتي صحيفة <شارل ايبدو> والمسرح الفرنسي الذي بلغ عدد ضحاياه مئة وعشرين قتيلاً. وتجدد هذا العنف بمقتل شرطي وصديقته مؤخراً على يد متطرف اسمه العروسي عبالة.

والشاغل الأمني في فرنسا يوازي الشاغل السياسي المتمثل في معركة الرئاسة خلال ربيع 2017 المقبل، ويتواجه فيه الرئيس الاشتراكي <فرانسوا هولاند> مع الرئيس السابق <نيقولا ساركوزي> رئيس حزب <الجمهوريون> ورئيس الوزراء السابق <آلان جوبيه> الذي جعلت منه الاستطلاعات كوكباً درياً في معركة الرئاسة برغم دخوله سن الثانية والسبعين، وزعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف <مارين لوبان>.

<بوتين> على الأبواب!

putin-assad-getty---2

وانشغال <هولاند> بمعركة الرئاسة، ومعه رصيد الحزب الاشتراكي الذي جعل منه الرئيس الراحل <فرانسوا ميتيران> حجر الرحى في السياسة الفرنسية، يضعه أمام مفترق تاريخي، فإما أن يرفع علم الحزب الاشتراكي، أو ينزله عن السارية لمصلحة رفع علم آخر.

و<هولاند> يريد أن يوظف كل الفرص الممكنة في تلميع صورته الرئاسية في انتخابات ربيع 2017، بما في ذلك الاهتمام بالشغور الرئاسي في لبنان، ولذلك يرسل في مطلع شهر تموز (يوليو) المقبل، وربما قبل ذلك، وزير خارجيته <جان مارك ايرولت> الى بيروت، لبحث آخر المستجدات في معركة الرئاسة، ومعه اسم العماد ميشال عون إذا توفرت له جلسة النصاب البرلماني، لأنه الأقرب الى إنهاء هذا الشغور الرئاسي المعيب.

وبذلك تكون فرنسا قد حافظت على دورها التاريخي في لبنان، من زمن الجنرال <شارل ديغول> الذي اقام في بيروت عند منطقة المصيطبة ردحاً من الزمن، واكتست الشوارع في بيروت بأسماء <جورج كليمنصو>، و<جورج بيكو>، و<هنري غورو> في منطقة الجميزة، و<ماري كوري>، واستذكرت نفوذها في زمن الانتداب. ولكن الرياح في لبنان تجري بما لا تشتهي سفن <هولاند> و<ايرولت>. فالأميركي عاد للدخول على الخط في لبنان بعدما كان قد سلم هذا الدور لفرنسا وبريطانيا.

وهل نسينا قبل ذلك عودة الدب الروسي الى المياه الدافئة، عبر سوريا، وانتصاب قامة الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> مع عبارة <الأمر لي>؟ فالحرب السورية لن تضع أوزارها إلا إذا بصم الرئيس <بوتين> على ذلك بالعشرة، ورفع إبطه حيال الرئيس بشار الأسد، بحيث لا يعود مصراً كل الاصرار على بقائه في السلطة وان كان يريد له خاتمة غير دموية، في حين ان قوى بالجملة في المنطقة لا ترى لذهاب الأسد حلاً إلا بدخول جيوش برية الى سوريا لإسقاط النظام، وقيام مرحلة انتقالية جديدة، وهذا ما يجعل موسكو هدفاً لطلاب البحث عن صورة المستقبل في المنطقة، بدءاً من رئيس وزراء اسرائيل <بنيامين نتانياهو> والرئيس التركي <رجب طيب أردوغان> الذي لم يعد يجد مفراً من الاتفاق مع الرئيس <بوتين> على حماية الحدود التركية ــ السورية الشمالية، بعدما تفاقمت موجة النزوح السوري هرباً من مدافع الأسد وطائرات <السوخوي> الروسية.

<تسونامي> النازحين!

وطبيعي أن يكون للرئيس التركي <رجب طيب أردوغان> دور مدروس بعناية في أي تغيير جغرافي. فهو يستذكر جيداً الحاق لواء الاسكندرون السوري بتركيا أواخر الثلاثينات، بعدما أضاعت تركيا امبراطوريتها العثمانية في الحرب العالمية الأولى. وفي هذا الباب يشد <أردوغان> رباطه مع الاتحاد الأوروبي، ليصيب عصفورين بحجر واحد: الأول ضمان عدم حصول أي تغيير جغرافي في الحدود التركية مع سوريا، والثاني ضمان فرصة دخول الاتحاد الأوروبي، لأن لتركيا وجهاً أوروبياً، الى جانب وجهها الآسيوي، والحالتان تحتاجان الى معركة طويلة وصبر جميل.

وككل حرب لا بد لبعض البلدان، مثل سوريا والعراق، أن تدفع ثمن التغيير الجغرافي، وها هو العراق يعاني الآن من موجة نزوح جديدة نتيجة المعارك الضارية في الموصل، بعدما وصل عدد النازحين ــ كما تقول النائبة عن محافظة نينوى انتصار الجبوري ــ الى خمسين ألف نازح ونازحة.

منطقة برسم التغيير، والدور الرئيسي في هذا التغيير هو للرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> أمام رئيسين أشرفت شمسهما على المغيب هما <أوباما> و<هولاند>، وحرارة التغيير تأتي بعد حرارة الطقس التي وصلت في لبنان الى أربعين درجة، وهي حالة خليجية لم النازحين---3يتعود عليها اللبنانيون.

ولأن المثل يقول <عند تغير الدول احفظ رأسك>، فالمطلوب من اللبنانيين أن يحفظوا رؤوسهم من عاصفة التغيير. ومن حظ هذا البلد انه حتى الآن ما زال الواحة الغنّاء في جهنم المنطقة. فالسياحة عنده عالية الأرقام نسبياً مستفيداً من حوادث العنف والتفجير في تركيا، والأحداث المؤسفة في مصر، مع تطلع لبنان الى دور مصري يستذكر دور السفير اللواء عبد الحميد غالب الذي كانت فيلاه تقوم مكان الأرض التي شيّد عليها مبنى بنك لبنان والمهجر. والسفير المصري محمد بدر الدين زايد رجل طيب وخلوق، ولكنه مستقيل من أي دور سياسي في لبنان، وليس قوة مؤثرة مثل عبد الحميد غالب ولا حتى مثل السفير عادل الخضري، واللبنانيون متمسكون بالتواصل مع جمهورية مصر العربية على كل المستويات.

قبس من الفاتيكان!

فمن هو السند الحقيقي للبنانيين؟

إنه البابا <فرانسيس>، زعيم الكنيسة الكاثوليكية، ومنه يشع دور فرنسا، برغم مشاغل فرنسا ودور مستشارة ألمانيا <أنجيلا ميركل>، ولكن السند الحقيقي للبنانيين هم اللبنانيون أنفسهم. فحيال هذا <التسونامي> من النازحين والنازحات، رغم كل الاعتبارات الانسانية في التعامل معهم، هناك خوف من وصول الوضع اللبناني الى مصير الباخرة <تيتانيك> عام 1912. وفي صلب الجسد اللبناني تخفق روح الصمود والاستمرار في مواجهة الصعاب بدءاً من متانة السياسة المالية والمصرفية التي يعتمدها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف، وتعتبر صمام الأمان للاقتصاد اللبناني، وحسبنا من دليل ثبات الليرة اللبنانية على سعرها اليومي، وعدم تعرضها للاهتزاز.

لكن كل هذه الايجابيات لا تلغي ضرورة أخذ الحذر وعدم النوم على حرير، بل النوم بعين مغمضة وعين مفتحة، لأن المؤامرة أقوى من الجميع.

وما سوء الظن إلا من حسن.. الفطن!