بقلم وردية بطرس
صاحبة المبادرة المتخصصة في الفنون الجميلة رولا يوسف: الكتاب يتضمن 150 لوحة رسمها ونفّذها أولاد بيروت المتضررون من انفجار مرفأ بيروت والتي ستتحول الى بطاقات بريدية
[caption id="attachment_82843" align="alignleft" width="375"] أطفال يشاركون في مبادرة بوك أوف بيروت.[/caption]الرسم وسيلة للتعبير يعرفها الطفل في مراحل نموه الأولى، فإذا أُعطيت الطفل ورقة وقلماً، فإنه يقوم في الحال برسم خطوط بطريقة ما، تعبّر عن شيء معين من وجهة نظره. فالرسم كوسيلة للتعبير عند الطفل يسير في خطوط متوازية مع باقي وسائل التعبير وهي اللغة واللعب، وهو يحاول باستعمال هذه الوسائل التعبيرية الثلاث: اللغة واللعب والرسم، ان يصل الى مستوى الكبار وأن يسترعي انتباههم، وهو بذلك يعبّر عن الصور كما يتصورها، وكما ترمز اليه من خلال ذاته، فقد يرسم خطاً، واذا سألناه ماذا رسمت فيقول إنه بحر، ومرة أخرى يقول إنه شجرة ومرة ثالثة يقول إنه باب. وقد ينتبه الوالدان أو لا ينتبهان الى أن الطفل يعبّر بالرسم أيضاً عن مكونات نفسه كثيراً، في وقت أكّد خبراء التربية والاختصاصيون النفسيون أن رسومات الانسان التي يكررها عموماً تعني شيئاً ذا دلالات على ما يجول بخاطره او يخالج مشاعره وينطبق ذلك على الطفل أيضاً. وفي حين أنه لا يجب أن تمر رسومات الأطفال على الوالدين مروراً عابراً الا
[caption id="attachment_82844" align="alignleft" width="375"] الرياضة حاضرة.[/caption]أنه لا يجب التدقيق في جميع رسومات الطفل، أي أن الرسومات التي تلفت الانتباه بتكرارها واصرار الطفل على جميع تفاصيلها هي ما يجب على الوالدين دراستها والتدقيق في مغزاها. ولقد استخدم الطبيب النفساني "كريستوفر هاسينغر" رسومات الأطفال في اجراء تقييم نفسي على مدار 10 سنوات لمجموعة مختلفة من الأطفال والمراهقين، لتفسير انفعالات الطفل وفهم ما يخفيه، وبناءً على تقييمه هذا حذّر الآباء والأمهات من اهمال رسائل الأبناء للآباء التي تظهر بغير وعي في رسومات الأطفال، خصوصاً اذا تكررت ولكن ذلك مبني على ما يشاهده الطفل وما يعايشه.
والطفل الذي يعيش حياة مستقرة بظروف ايجابية قد يرسم لوحة فيها بيت جميل مكتمل التفاصيل وشمساً صفراء مبتسمة وأقواس قزح، بينما نظيره الذي يعيش ظروفاً سلبية وحياة غير مستقرة سيرسم بيتاً أشبه بالسجن وشمساً غائمة او غير مكتملة في طرف اللوحة، والافراط في استخدام لون واحد قد يشير الى الاكتئاب او
[caption id="attachment_82845" align="alignleft" width="444"] ترفع بيديها علامة النصر والبسمة على ثغرها.[/caption]الغضب او المخاوف العصبية، والمشاكل النفسية وغيرها.
وما عاشه اللبنانيون في الرابع من آب (أغسطس) الماضي لحظة الانفجار في مرفأ بيروت من خوف وهلع وغضب ترك أثراً كبيراً في نفوسهم ، حيث ان الكثيرين منهم لا يزالون تحت تأثير الصدمة خصوصاً في المناطق المحيطة بالانفجار، وطبعاً كان التأثير على الأولاد كبيراً لا بل سبّب لهم حالة من الصدمة والخوف، اذ سبق ان أفادت منظمة "اليونيسف" أنه نحو 100 ألف طفل لبناني تأثروا بكارثة انفجار المرفأ ، وقد سبّبت الفاجعة لنصفهم أمراضاً نفسية مثل التبّول اللاإرادي والأحلام المزعجة، وعدم القدرة على النوم بالاضافة الى نوبات الغضب. ولأن الرسم وسيلة يعبّر فيها الطفل عن أفكار ومشاعر، أطلقت المتخصصة في الفنون الجميلة والفنون التطبيقية رولا يوسف وهي وصاحبة دار النشر "Yzness" لاصدارات الأطفال "Book of Beirut" (اخراج فني وتطبيق عملي)، وهي عبارة عن حركة فنية جديدة تقوم على تنظيم ورش تعبيرية وابداعية، بهدف توفير مساحة آمنة مجانية لكل
[caption id="attachment_82846" align="alignleft" width="376"] رولا يوسف هذا الكتاب هو بمثابة جواز سفر لهؤلاء الأولاد لكي يعلموا الناس أنهم موجودون.[/caption]طفل، للتعبير عن أفكاره وعواطفه والتواصل معها بحرية. سيتضمن الكتاب 150 لوحة، رسمها ونفذها أولاد بيروت المتضررون من انفجار المرفأ، والتي ستتحول بدورها الى بطاقات بريدية، طبعت عليها بصمة هؤلاء الأطفال، مرفقة برسالة صغيرة من القلب يتوجهون بها الى العالم. وبهدف جمع كل هذه الرسومات يتم دعوة أطفال بيروت للمشاركة في ورشات عمل فنية أسبوعية تمتد على مدى 3 ساعات تقريباً بحضور اختصاصيين نفسيين لمحاولة اكتشاف المشاكل والصعوبات النفسية التي يمر بها كل طفل بعد الانفجار من خلال الرسم
[caption id="attachment_82848" align="alignleft" width="444"] لوحة الفرح[/caption]والألوان التي سيختارونها. وأُقيمت الورشة الفنية الأولى في حديقة قصر سرسق – الأشرفية من الساعة العاشرة صباحاً حتى الساعة الواحدة بعد الظهر. وشارك في هذا النشاط ثلاثون طفلاً من بيروت بحضور أهلهم الذين التقوا باختصاصية نفسية متخصصة بمعالجة الأطفال والتي أجابت عن أسئلتهم ومخاوفهم، كما شاركوا بنشاطات فنية عدة وعبّروا بالرسم والفن والألوان عما تعجز الكلمات عن تعبيره.
وكتاب "Book of Beirut" سيبصر النور في نهاية العام وسيُباع في لبنان والعالم العربي والعالم أجمع، ليعود ريع أرباحه المادية لمساعدة العائلات التي تعجز عن متابعة تعليم أطفالها وارسالهم للمعالجة لدى اختصاصيين نفسيين، وتنظيم ورش عمل فنية مجانية لجميع أطفال لبنان وليس فقط لأطفال بيروت. ومبادرة "Book of Beirut" بصدد التحضير لورشات عمل فنية في الأسابيع المقبلة، فلمن يرغب بمشاركة أولاده يمكنه التواصل مع فريق العمل عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
رولا يوسف وإطلاق المبادرة الفنية
[caption id="attachment_82851" align="alignleft" width="376"] ويرسمون الأمل بعد انفجار المرفأ.[/caption]ولنعرف أكثر عن هذه المبادرة الفنية تحدثت "الأفكار" مع صاحبة المبادرة المتخصصة في الفنون الجميلة والفنون التطبيقية رولا يوسف وسألناها:
* كيف انطلقت مبادرة "Book of Beirut" ولماذا؟
- ذكّرني انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب (اغسطس) الماضي بطفولتي لأنني ولدت وترعرت خلال الحرب، وكان الفن هو الوسيلة التي سمحت لي بالتعبير عن مشاعري بحرية وتضميد جروح الحرب. بالنسبة للمبادرة فلقد قررت عقد العديد من ورش العمل الفنية لأطفال بيروت لمشاركة العالم ما يشعرون به الأطفال ورؤيته من خلال مجموعة مؤلفة من 150 بطاقة بريدية في مختارات كتاب فني قاموا برسمها. وأمنيتي من خلال هذا الكتاب أن يكتب الأطفال الآخرون على بطاقاتنا البريدية لأطفال لبنان، ويبادلونهم المشاعر ويخلقون جسراً من الصداقة من خلال الفن والابداع. أما قوة الكتاب فهو أن الفن دواء طبيعي لا بل هو الشفاء، لأن الفن والعواطف لا ينفصلان، ولدينا القدرة على تغيير واقعنا من خلال الفن حتى تصبح عواطفنا فرحاً وأملاً في المستقبل. ورسالة الكتاب هي اغاثة للطفولة البريئة التي تنقرض ليس فقط في لبنان لا بل في العالم أجمع، ورسالة أمل تؤكد أن لبنان لم يمت وسينبض من جديد بقلوب أطفال هم حاضره ومستقبله وسيحملون في طيّاته الطاقة الايجابية والمحبة والبراءة.
الهدف من الكتاب وريع أرباحه
[caption id="attachment_82849" align="alignleft" width="166"] مبادرة Book of Beirut وفرح الطفولة.[/caption]* ما الهدف من هذه المبادرة وأهميتها في هذا الوقت الصعب الذي يمر به الأطفال في لبنان خصوصاً المتضررين من انفجار مرفأ بيروت؟
- الهدف من هذه المبادرة هو أولاً: خلق مساحة للشفاء الجماعي لاكتشاف والمساعدة في علاج او تخفيف أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. ثانياً: البدء بحركة فنية جديدة من أجل التأثير الايجابي على الأطفال وتضعهم في ديناميكية ايجابية تساعد في الكشف عن الفردية في المجتمع. ثالثاً: جمع الأموال لدعم تعليم الأطفال واقامة ورش عمل فنية مجانية على الأراضي اللبنانية، لجميع الأطفال وتقديم جلسات العلاج بالفن للأطفال المحتاجين.
* سيصدر الكتاب في نهاية العام وسيعود ريع أرباحه لمساعدة العائلات التي تعجز عن متابعة تعليم أولادهم وارسالهم الى اختصاصيين نفسيين، فما أهمية ذلك؟
- سيُباع الكتاب في نسخته الرقمية وأيضاً بنسخة غير متصلة بالانترنت، وسيتم الترويج له باعتباره الهدية المثالية لا سيما الى المغتربين اللبنانيين في جميع أنحاء العالم لدعم أطفال بلدهم. وسيُستخدم الربح المكتسب من الكتاب للأمور التالية: أولاً الترويج لمكتبة مسلية متنقلة، بما في ذلك أنشطة فنية مجانية وجلسات العلاج بالفن لجميع الأطفال المحتاجين والقيادة في جميع أنحاء البلاد على مدار العام، ودعم تعليم الأطفال من خلال تطوير نظام أساسي تعليمي ترفيهي مجاني عبر الانترنت يشمل جميع الأطفال لمنحهم الدعم وتثقيفهم من خلال سرد القصص المرئية ودروس ورش العمل الفنية والابداعية والموارد والنصائح المجانية لحياتهم اليومية "الثقافة الجديدة للمدرسة، مدرسة الحياة".
[caption id="attachment_82850" align="alignleft" width="444"] مشاركة جماعية في الرسم.[/caption]* كيف كانت الورشة الفنية التي أُجريت في حديقة قصر سرسق في الأشرفية؟ وكم بلغ عدد الأطفال الذين شاركوا فيها؟
- لقد أقمنا هذين الحدثين ولاقى كل منهما نجاحاً، وكان الأولاد سعداء وشعروا أنهم مرتاحون كثيراً أولاً لأن المكان الذي أقمنا فيه هذا النشاط كان في الطبيعة. ثانياً طريقة تعاملنا معهم وكيف استقبلناهم ، حيث شعروا أنهم مهمون لأننا نهتم بهم ونقول لهم إن صوتهم ورسالتهم لهما معنى. كما أنهم فرحوا كثيراً عندما علموا ان الرسومات التي سيرسمونها ستُوضع في كتاب سيكون سفير الطفولة وكل واحد منهم ستكون لديه هوية في هذا الكتاب. فهذا الكتاب رحّالة وهو بمثابة جواز سفر لهؤلاء الأولاد لكي يعلموا الناس أنهم موجودون، وأنهم عانوا من هذا الانفجار، وأن رسوماتهم سيراها الكثير من الناس في الخارج، اذ كما تعلمين هناك الانتشار اللبناني في الكثير من دول العالم. والأهل كانوا سعداء وأحبوا كيف أن اولادهم كانوا مندمجين ولا أحد من الأهالي طلب رقماً هاتفياً لأنهم كانوا مطمئنين بأن أولادهم يشاركون في هذه الأنشطة، وتشعرين أيضاً كم أن الأولاد بحاجة الى الفن في حياتهم وبحاجة لأحد يسمعهم اذ لا يريدون أكثر من ذلك.
وأضافت:
- وما يثير الدهشة أكثر ان اي ولد لم يكتب بطريقة سلبية ، حيث ان كل الأولاد يؤمنون بلبنان ويريدون ان تعود بيروت كما كانت جميلة وان تستعيد ضحكتها. وهذا الأمر جعلنا نشعر بفرحة كبيرة ، إذ عندما ترين الأولاد الذين عانوا من هذا الانفجار يطالبون بالاهتمام الايجابي بمدينة بيروت فهم يمنحوننا فسحة أمل، وهذا الأمر أسعدنا كثيراً.