تفاصيل الخبر

”بنك الغذاء اللبناني“: رصيده مساعدات غذائيّة وعينيّة.. وفوائده مُعمّمة على الوطن كله!

13/12/2019
”بنك الغذاء اللبناني“: رصيده مساعدات غذائيّة وعينيّة.. وفوائده مُعمّمة على الوطن كله!

”بنك الغذاء اللبناني“: رصيده مساعدات غذائيّة وعينيّة.. وفوائده مُعمّمة على الوطن كله!

بقلم عبير انطون

مع جرس الانذار الذي يدق مختلف البيوت والعائلات والجمعيات اللبنانية، ومع فقدان اكثر من 160 الف شخص عمله بحسب ما أشارت اليه إحدى مؤسسات الإحصاء في دراسة نشرتها قبل أيام (بغض النظر عن دقّة الأرقام المنشورة)، ومع انتشار التعليقات والفيديوهات التي توصّف الحالة الصعبة وبينها لمسؤولين لبنانيين يبشرون فيها بـ<المجاعة>، وبـأننا مقبلون على ايام صعبة جدا، حتى ان الغني سيضحي فقيرا (كما في فيديو النائب ميشال معوض مثلا)، ومع تكرار حالات الاحتراق او الانتحار التي قد يكون ضيق الحال أحد أسبابها، ظهرت حالات من التكاتف والالتفاف بين اللبنانيين لتقاسم <الخبزة والزيتونة>، فكانت لافتة مثلا مبادرة بعض محلات الحلويات في فتح أبوابها لمن يريد قطعة حلوى مجانا في هذه الايام المرة، ومنهم من دعا من فرنه الى <منقوشة> طازجة من دون ثمنها، وصولا لمساعدات اكبر وأكثر شمولية بينها ما يقدمه مثلا <بنك الغذاء اللبناني> الذي يعمل كوسيط بين مقدمي الغذاء والجمعيات الخيرية والمنظمات الانسانية من شمال لبنان الى جنوبه عبر اتفاقيات وتشبيك مع جهات موثوقة في القطاعين العام والخاص من خلال اطعمة ومواد تخضع لافضل معايير الجودة وسلامة الغذاء، وتقديمها للمحتاجين.

فما هي مبادرات <ليبانيز فود بنك> العضو في شبكة بنوك الطعام الاقليمية؟ وما الذي يقدمه للبنانيين بعد ان أضحوا على خصام مع كل ما يتعلق بالبنوك المصرفية وتدابيرها؟ وكيف تُعمَم فوائده على مختلف المناطق كما على منطقة عرسال الاسبوع الفائت؟

مع منسقة المشروع في <بنك الغذاء اللبناني> باتسي جرّوج كان وقوف <الافكار> عند مختلف التفاصيل والحاجات..

فان كان القضاء على الجوع في العام 2020(اليوم تم تمديد هذا الهدف للعام 2035) الذي نحن على عتبته هدفاً أساساً في عمل <بنك الغذاء اللبناني>، فان الاحداث الاخيرة في لبنان جعلت البند يتراجع ليتقدم آخر عليه أكثر الحاحا ويقضي بتأمين لقمة العيش والقضاء على الجوع في المدى الآني والمنظور. فبعد ان كنا كلبنانيين نعتقد بأن الجوع بعيد عنا نسبيا وهو يرتع في مجاهل افريقيا او بعض الدول المعدومة او النامية، ها نحن نتلمّسه اليوم في عقر دارنا مع الاوضاع الصعبة التي يمر بها بلدنا.

 في هذا الاطار، وتحذيرا من تفاقم الاوضاع الصعبة وسط عدم قدرة الكثيرين من اللبنانيين على مقاومتها أطلق السيد وليد معلوف، وهو عضو في <بنك الغذاء اللبناني>، الصرخة لمساعدة هذا البنك الذي تم تأسيسه في العام 2011 ليتمكن بدوره من ان يساعد. يقول معلوف ان ما قبل انتفاضة 17 تشرين كانت الاحصاءات تشير الى انه من 29% الى 37% من الشعب اللبناني يعيشون تحت خط الفقر اي بمعدل 4 دولارات في اليوم للشخص الواحد وهو مبلغ منخفض جدا للعيش يوميا في لبنان، اما بعد 17 تشرين فقد ارتفعت النسبة لتصل ووفقا لاحصاءات منظمات دولية الى 50 % ممن هم دون خط الفقر، ما يعتبر انذارا كبيرا وحدثا تاريخيا لم يسبق ان عرفه لبنان الا قبل مئة عام وأكثر.

 وانطلاقا من هذا الانذار بوجوب التعاون، توجهت الاسبوع الماضي شاحنة مساعدات من وسط بيروت الى منطقة عرسال تلتها منطقتا صيدا وصور. عنها حدثتنا منسقة مشروع <بنك الغذاء اللبناني> باتسي جرّوج مفصّلة:

- قمنا بمبادرة عرسال، وتم الاتصال والتنسيق مع جمعيات لا تتوخى الربح في المنطقة لتوزيعها. هذه المبادرة اطلقت شرارتها الفاجعة التي هزت بلدة عرسال بانتحار السيد ناجي الفليطي وهذه المنطقة البقاعية تعتبر <منكوبة>. كذلك، فإن الوضع الاقتصادي المزري وارتفاع نسبة الانتحار في مختلف المناطق اللبنانية أوجبا منا التحرك السريع. صحيح اننا ومع الاختصاصيين نؤكد بأن الضائقة المعيشية وحدها لا تكون سببا للانتحار، الا انها تؤخذ بعين الاعتبار، ليصبح مد يد العون والمساعدة امراً ضرورياً خاصة في مثل هذه الظروف.

وتضيف باتسي:

- وبمساعدة لنا من قبل صاحب شاحنة نقل وفرها لنا، استقرّت الشاحنة في ساحة الشهداء ليومين حيث يسهل الوصول اليها من مختلف المناطق اللبنانية، وأطلقنا حملة المساعدة عبر المواد الغذائية الأولية من ارز وعدس وما الى هنالك فضلا عن الثياب والاغطية وانطلقنا بها عند الواحدة ظهرا الى عرسال. وعبر احدى السيدات التي تتواصل مع من يعرفون العائلات المحتاجة جرى توزيعها. ولا افشي سرا في القول ان هذه الأزمة الاقتصادية جعلت بعض العائلات تفتقد حتى للحاجات الغذائية الاولية والأساسية. ونحن كجمعية، ولأبعاد اجتماعية وإنسانية تتجاوز تأمين اللقمة فقط، تهمنا المساعدة حتى تبقى العائلة متماسكة. فهناك من يتقاضى نصف راتبه، وهناك من صرف من عمله تماما. هذا من جهة، ومن جهة أخرى ارتفعت نسبة الغلاء بشكل فاحش ما زاد الوضع تعقيدا وصولا الى عدم قدرة البعض على تأمين ثمن ربطة خبز او كيلو من الأرز. وفي هذا الاطار، نحن نخشى أن يتجه من لا يستطيع تأمين المأكل لعائلته الى السرقة او الانحراف، من هنا فإننا نجهد لتأمين الحد الأدنى ليبقى الامن الاجتماعي قائما... هناك أشخاص كانوا يعملون سابقا في عملين او اكثر ليعيلوا عائلاتهم، اما اليوم ففرصة عمل واحدة غير مؤمّنة.

تعاطف قبل الاعياد..

وعن هوية المساعدين واذا ما كانوا افرادا ام جمعيات ام شركات، تقول باتسي ان هناك الكثير من الافراد والموظفين، وهناك الشركاء الذين تم العمل معهم منذ تأسيس البنك على جمع الاطعمة الزائدة في المطاعم والفنادق، وشركات تنظيم الحفلات، بالإضافة الى المخابز ومحال الحلويات ومستوردي ومصدري الخضار والفواكهة ومصانع المواد الغذائية، وأيضاً متعهدي الحفلات وفاعلي الخير..

 ويذكر هنا ان البنك استطاع منذ تأسيسه إطعام نحو ثلاثة آلاف لبناني وأحياناً أكثر يومياً وكل يوم من السنة تحت شعار <معا ضد الجوع>، كما انه تعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية في أكثر من محطة.

 وعما اذا كان المقتدرون <يخبؤون> موادههم الاولية كمؤن لايام يخشونها أكثر سوادا أم انهم يساعدون <بما في الجيب ليأتي ما في الغيب> تجيب باتسي بان ارتفاع الاسعار كان له فعله في هذه الأزمة فتراجعت المساعدات، ولا يمكن التغاضي هنا عن موضوع ارتفاع الاسعار بشكل كبير، ففي حين كان <صندوق الاعاشة> وهو يضم عشرين نوعا من المواد الاساسية يكلف حوالى العشرين دولارا مثلا، بات يكلف اليوم نحو الاربعين. لكن، في هذه الفترة تحديدا التي تسبق زمن الاعياد، ومع ارتفاع الصرخة اكثر، يصلنا عدد لا بأس به، كما هناك الكثيرات من السيدات المتطوعات اللواتي يطبخن في منازلهن بمعدل عشر حصص مثلا فنستلمها من البيوت ونوزعها على المحتاجين، والامر سيان بالنسبة للمواد الغذائية والاغطية والثياب.

الاسكان أثر ايضا..

 

العائلات التي تلقى المساعدة جميعها لبنانية تجيب المنسقة ردا عن سؤالنا، ففي هذه الظروف، تبقى للّبنانيين الأولوية المطلقة.

 اما عن فقدان بعض المواد من الأسواق، فيحاول المساعدون عبر <بنك الغذاء> استبدالها بأخرى متوافرة.

وحول المورد الكبير الذي كانت تؤمنه السوبرماركت والحفلات والاعراس لـ<بنك الغذاء> بعد اتفاقات مع القيمين عليها بان يعود ما يزيد عنها للبنك وتوزيعه على المحتاجين، فان هذا بحسب باتسي تراجع ايضا بشكل كبير. فلناحية الاعراس ادى ايقاف قروض الاسكان الى تراجع الاعراس ونادرا ما يصلنا الطعام جرّاء حفلات الزفاف. وبالنسبة للسوبرماركت فان غلاء الاسعار جعلها تضع المواد القريبة الانتهاء في مدة صلاحيتها في عروض مغرية للمستهلكين حتى تستفيد منها بدلا من رفدنا بها كما كان يحصل سابقا. وقبل اندلاع الثورة كنا نحاول العمل مع بعض النواب على مشروع تستفيد من خلاله الشركات التي تمدنا بالمواد الاساسية التي يقترب انتهاء صلاحيتها، وذلك عبر استرداد القيمة المضافة التي تدفعها عند شرائها.

وحول مساعدات تصل لـ<بنك الغذاء> من خارج لبنان، تجيب باتسي بانهم كـ<بنك للغذاء> يحاولون ان يتواصلوا مع اللبنانيين في الخارج وتصلهم بعض المساعدات اما عبر تحويلات او نقدا يرسلونها لنا مع أشخاص قادمين الى البلد او عبر البنوك والـ<اونلاين>. وهنا نلمس ان ردة الفعل سريعة في هذه الفترة ربما لان الصرخة تعلو جدا وقد صلت للقمة فيما التعاطف موجود.

أما أكثر المناطق حاجة، فهي جميعها، تقول المنسقة مع اشارة اكبر الى مناطق الشمال والبقاع والنبعة وسن الفيل وضواحي بيروت. وبعد عرسال ستكون خارطة الطريق الى الشمال من طرابلس صعودا حتى عكار والى الجنوب أيضا.

 لا يقدم <بنك الغذاء> مساعدات نقدية، جراء الخوف، والكلام لباتسي، من أن <تستخدم في غير وجهتها الصحيحة>. لكن إن توجه الينا احد المساعدين بمبلغ نقدي فاننا نتحرى عن افضل وجهة لاستخدامه مع العائلة او الشخص المحتاج وقد يكون ذلك من خلال تأمين دواء معين لفترة او رعاية طبية عبر جمعيات اخرى لا تتوخى الربح، كما نعمل أحيانا على ايجاد رعاية من احدى العائلات الميسورة لحالات خاصة ولفترة محددة بحسب قدرتها.

ولمّا كان بين أهداف <بنك الغذاء> حين تأسيسه في الـ2011 الوصول الى <صفر> جوع في لبنان مع حلول العام 2020، تقول باتسي بانه حتما سيتم تأجيل هذا الهدف ولو أن خطانا مستمرة لبلوغه.

 وعن احصاءات يمكنها تزويدنا بها عن عائلات في فقر مدقع، تجيبنا بأن اي احصاء تم او نشر قبل 17 تشرين الاول لا يعكس حقيقة الواقع اليوم وسيكون بعيدا عن الوضع على الأرض فعليا.

سنّو: نحمل جبلا... 

 

 من ناحيته وفي شريط مصور له عبر موقع <بنك الغذاء> يشدد رئيس <بنك الغذاء اللبناني> السيد كمال سنو ان المساعدة واجبة في هذا الظرف:<لقد اطعمنا ثلاثمئة الف لبناني ونحن فخورون بذلك واستطعنا ان نؤسس لسوبرماركت مجاني ومطعم مجاني في بيروت ونأمل ان نتوسع الى مناطق اخرى وهذا لن يبقى حلما. لكننا اليوم في هذا الظرف الصعب جدا من المفروض أن نساعد بعضنا البعض.. ممنوع ان ينتحر شخص لبناني بسبب وضعه... على اللبناني ان يساعد <بنك الغذاء> باية طريقة اكانت مادية ام غذائية ام عينية فنحن لوحدنا لا يمكننا ان نحمل <جبلا>.

 ولطالما ردّد سنّو أن <بنك الغذاء اللبناني> يمثّل <ثقافة عدم إهدار الطعام> فـ<تقليل الإهدار يعني القضاء على الجوع>، إذ أن الدراسات تُظهر أن <متوسط الجوع في العالم ١٢ بالمئة بينما بلغ متوسط نسبة الإهدار على المستوى العالمي ٤٢ بالمئة>. وكان اوضح في شهر ايار (مايو) الماضي أن <بنك الغذاء> وسعياً منه إلى تعزيز المساءلة والصدقية تجاه القطاعين العام والخاص والنفاذ إلى أكبر فرص من التمويل، انضمّ إلى برنامج للجودة مخصّص للجمعيات الخيرية، وتعاقد مع احدى الشركات العالمية لتدقيق الحسابات سنوياً منذ العام 2015، وبادر إلى تأسيس <الاتحاد اللبناني للغذاء> في اذار 2018 مع الأمم المتحدة، وهو يتضمن تفاهماً مع منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) ومع برنامج الغذاء العالمي للتوعية في شأن إهدار الطعام.

كذلك، كان سنّو قد سبق ان أعلن عن إطلاق حملة بدء مشروع إنشاء ستة مطاعم لـ<بنك الغذاء اللبناني>، بينها اثنان في بيروت وواحد في كل من زحلة وطرابلس وعكار وصور، موضحا ان هذه المطاعم ستعمل على توفير وجبات ساخنة طوال اليوم مجاناً لكل محتاج بكل احترام وكرامة، ومشيرا الى ان كلفة تجهيز المطعم الواحد تبلغ 20 ألف دولار عدا عن المواد الأولية للطهو.

 ونذكر في الختام ان من بين برامج <بنك الغذاء> برنامج <مونة> (كناية عن علب تحتوي على برغل وحمص ومعكرونة وسكر) والعمل على تنفيذ مشروع في الأرياف تحت عنوان <قرية خالية من الجوع> من خلال تبني الشركات الكبرى أو البنوك قرية أو أكثر من أجل مساعدة أبنائها المحتاجين والعمل على تأهيل وتطوير الفرد ليحصل على غذائه بنفسه.

كذلك، فقد تم ايضا بناء معمل في البقاع لتصنيع الأحزمة ومعمل في عكار لتصنيع الليف، وحققت هذه المعامل الأهداف المرجوة ومن أهمها تشغيل اليد العاملة في تلك المناطق، إضافة الى حملات التوعية الخاصة بترشيد الإستهلاك الغذائي.