بقلم صبحي منذر ياغي 

هذا ما ورد في نص أعلنه وزير الخارجية البريطانية «آرثر جيمس بلفور» يوم 2 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1917 إلى اللورد «ليونيل وولتر دي روتشيلد» يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، كانت السبب في ولادة مأساة شعب هُجّر من أرضه قسراً ليعيش في غربته مرارة التهجير والعذاب والقهر. هذا الوعد المشؤوم منح أرضاً لشعب بلا أرض، فكان سبب المأساة الفلسطينية التي تحوّلت الى قضية مقدسة آمن بها كل الأحرار والشرفاء في العالم بأسره.

تقسيم فلسطين

ويوم 29 تشرين الثاني /نوفمبر 1947 وفي اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبناء على طلب الدولة المنتدبة بريطانيا، قررت هيئة الامم إنهاء الانتداب وتقسيم فلسطين الى دولتين: عربية ويهودية، وتدويل منطقة القدس (أي جعلها منطقة دولية لا تنتمي لدولة معينة ووضعها تحت حكم دولي). وقد وافقت على القرار 33 دولة، بينما صوتت ضده 13 دولة، مقابل امتناع عشر دول عن التصويت، فيما طالب مندوبو الدول العربية بإبطال هذا القرار معتبرين انه كان قراراً مجحفاً بحق الشعب الفلسطيني ومخالفاً لميثاق الأمم المتحدة.

أولى ردات الفعل العربية كانت بقرار صدر عن الهيئة العربية العليا برئاسة مفتي فلسطين الشيخ أمين الحسيني باعتبار يوم 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 يوم حداد.

إعلان دولة اسرائيل

ويرى الدكتور صلاح الهواري انه في يوم 14/5/1948 وعشية انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، أصدر مجلس الدولة الإسرائيلي المؤقت إعلان قيام دولة إسرائيل على القسم المخصص لها من الأرض الفلسطينية في قرار التقسيم. وبعد إحدى عشرة دقيقة من هذا الإعلان، قامت الولايات المتحدة الأميركية بالاعتراف بالدولة الصهيونية المقامة قسراً وظلماً على أرض فلسطين العربية. في الخامس عشر من أيار/ مايو 1948، دخلت الجيوش العربية النظامية إلى فلسطين لتبدأ أول حرب عربية - صهيونية بين الدول العربية والكيان الصهيوني المصطنع، في محاولة لمساعدة شعب فلسطين والقضاء على المشروع الصهيوني الهادف إلى قضم وطنه وأرضه.

واضاف: لم تشارك الجيوش العربية بكامل عددها وعدتها في الحرب وإنما شاركت بقوات محدودة من: مصر، وسوريا، ولبنان، والعراق، والأردن، واليمن، والسعودية. دخلت الجيوش العربية السبعة الحرب ولم تكن خططها ولا استعداداتها ولا محاور عملياتها ولا تمركزها وانتشارها وحركتها في الحد الأدنى من المستوى المطلوب لتلك الحرب.

والدكتور الهواري يرى المهزلة من خلال تعيين الجامعة العربية <غلوب باشا> قائد الجيش الأردني قائداً عاماً للجيوش العربية في فلسطين وهو ضابط بريطاني، مما يسّر لبريطانيا المعرفة التامة بخطط الجيوش وتحركاتها.

القاوقجي وجيش الإنقاذ

في بداية عام 1948، كان قد تشكل جيش الإنقاذ العربي بقيادة المجاهد فــوزي القاوقجــي ( ابـــــن طــــرابلس الفيحـــــاء) وتكونت وحــــــدات جيش الإنقاذ من ثمانية أفواج: فوج اليرموك الأول، فوج اليرموك الثاني، فوج اليرموك الثالث، فوج حطين، فوج الحسين (الفوج العراقي)، فوج جبل الدروز، فوج القادسية، إضافة الى أربع سرايا مستقلة غير تابعة لأي فوج، عدد أفرادها حوالى 450 عنصراً. وبحلول كانون الثاني/ يناير 1948، كانت منظمتا <الأرغون> و<شتيرن> قد لجأتا إلى استخدام السيارات المفخخة، ففي 4 كانون الثاني/ يناير، جرى تفجير مركز الحكومة في يافا ما أسفر عن مقتل 26 مدنياً فلسطينياً. ومقابل ذلك، قام مقاتلون فلسطينيون في آذار/ مارس 1948 بنسف مقر الوكالة اليهودية في القدس مما أدى إلى مقتل 11 يهودياً وجرح 86 شخصاً.

يوم 12 نيسان/ أبريل 1948، أقرت جامعة الدول العربية بإرسال الجيوش العربية إلى فلسطين، وأكدت اللجنة السياسية أن الجيوش لن تدخل قبل انسحاب بريطانيا المزمع في 15 أيار/مايو.

ونشبت حرب 1948 في فلسطين بين كل من المملكة المصرية ومملكة الأردن، ومملكة العراق وسورية، ولبنان، والمملكة العربية السعودية من جهة، والمليشيات الصهيونية المسلحة في فلسطين من جهة أخرى والتي تشكلت من العصابات <البلماخ> و<الارغون> و<الهاغاناه> و<الشتيرن>، اضافة إلى عدد من المتطوعين اليهـــــود من دول عدة.

وأبدى مجاهدو فلسطين والمتطوعون العرب في جيش الإنقاذ ضروباً من التضحية والبطولة مقابل العصابات الصهيونية التي كانت مزودة بأحدث الأسلحة وتلقت أفضل التدريبات في معسكرات الجيش البريطاني الذي كان يحتل فلسطين باسم الانتداب، علاوة على وقوف القوات البريطانية وحتى يوم انسحابها بتاريخ 14/5/1948 إلى جانب اليهود في مواجهة الثوار وتسهيل عملياتهم الهجومية على المدن والقرى الفلسطينية.

ويؤكد مسن فلسطيني يدعى مصطفى حسن من الذين عايشوا النكبة خلال حديث مسجل له بتاريخ 12/3/1980 ان القوات البريطانية ساهمت في تضييق الحصار على القرى العربية ومنعت وصول السلاح والذخائر الى العرب، وشاركت في اعتقال الكثير من الشباب وفي مساعدة اليهود، وعصابات <الهاغاناه> اليهودية التي أمعنت في القتل والنهب والمجازر في عدد من القرى العربية.

إعلان الكيان الغاصب

في الساعة الرابعة بعد الظهر من 14 ايار /مايو، أعلن المجلس اليهودي الصهيوني في تل أبيب <أن قيام دولة إسرائيل سيصبح ساري المفعول في منتصف الليل>. وقد سبقت هذا الإعلان تشاورات بين ممثل الحركة الصهيونية <موشيه شاريت> والإدارة الأميركية، ونشر الرئيس الأميركي <هاري ترومان> رسالة الاعتراف بإسرائيل بعد إعلانها ببضع دقائق. أما الاتحاد السوفياتي، فاعترف بإسرائيل بعد إعلانها بثلاثة أيام. وأسفر الإعلان عن دولة إسرائيل عن بدء الحرب بينها وبين الدول العربية. ويوم 26 أيار/ مايو 1948، أنشئ جيش الدفاع الإسرائيلي بأمر من <دايفيد بن غوريون> رئيس الحكومة الإسرائيلية الموقتة.

قوات عربية

وأرسلت مصر الى فلسطين عشرة آلاف جندي تحت قيادة اللواء أحمد علي المواوي. أما الاردن فقد ضمت قواته 4,500 جندي. وكانت القيادة العامة لـ<غلوب باشا> ومركزها مدينة الزرقاء، بينما أرسلت المملكة العراقية في 29 نيسان/ ابريل قوة عسكرية إلى شرق الأردن تضم 2,500 عنصر بقيادة العميد محمد الزبيدي.

.. وسورية ولبنانية

وتألفت القوات السورية من 1,876 عنصراً بقيادة العقيد عبد الوهاب الحكيم. اما الجيش اللبناني، فقد ضم كتيبتي مشاة تضم حوالى 450 جندياً، وتجمعت عند الحدود اللبنانية الجنوبية بقيادة العميد فؤاد شهاب ( قائد الجيش ثم رئيس الجمهورية اللبنانية فيما بعد).

.. والمملكة العربية السعودية

أمر الملك عبد العزيز آل سعود وزير الدفاع السعودي بإرسال فرقة سعودية للجهاد في فلسطين خلال 24 ساعة. وتوجهت الدفعة الأولى بالطائرات فيما أرسلت بقية السرايا بالبواخر وقد عين لقيادة فرقة الجهاد السعودية الأولى العقيد سعيد بيك الكردي ووكيله القائد عبد الله بن نامي وبلغ عدد ضباط وأفراد الفرقة قرابة الثلاثة آلاف. وباشرت القوة السعودية القتال جنباً إلى جنب مع القوات المصرية وكانت المعركة الأولى للجيش السعودي في <بيت حانون> على بعد 9 كلم من غزة شمالاً.

العصابات الصهيونية

بلغت أعداد منظمة <الهاغاناه> في ربيع عام 1947 بحسب المصادر الرسمية الإسرائيلية قرابة 45,300 عنصر، من بينهم أعضاء <البالماخ> البالغ عددهم نحو 2,200 مجند. وحينما بدأت التعبئة في أعقاب قرار التقسيم، انضم إلى <الهاغاناه> نحو 30 ألف مجند من يهود فلسطين و20 ألف آخرين من يهود أوروبا، وحينما اندلعت الحرب في فلسطين ارتفعت أعداد <الهاغاناه> في الأسبوع الأول من حزيران/ يونيو 1948 إلى نحو 107,300 نتيجة لرفع سن التجنيد إلى 35 عاماً، ما أضاف نحو 12 ألف مجند زيادة على أعداد <الهاغاناه>.

وصلت الجيوش العربية من مصر وسوريا والعراق والأردن والسعودية ولبنان إلى فلسطين، وهاجمت القوات العربية المستعمرات الصهيونية المقامة في فلسطين، وهاجمت القوات المصرية تجمعي <كفار داروم> و<نيريم> الصهيونيتين في النقب. كانت أقوى الجبهات وأهمها هي الجبهة الأردنية - الاسرائيلية، فقد عبرت ثلاثة ألوية تابعة للجيش الأردني نهر الأردن إلى فلسطين في 16 ايار/ مايو 1948 وسقط الحي اليهودي بأيدي القوات الاردنية في 28 أيار / مايو 1948، ومن ثم خاض الجيش الأردني ثلاث معارك كبيرة وهي: <معركة باب الواد>، معركة <اللطرون>، ومعركة <جنين>.. واستطاع الحفاظ على القدس والضفة الغربية كاملة مع انتهاء الحرب وكانت خسائر الاسرائيليين في هذه المعارك ضخمة، وقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي ومؤسس إسرائيل <دايفيد بن غوريون> في حزيران/ يونيو عام 1948 امام الكنيست: <لقد خسرنا في معركة <باب الواد> وحدها أمام الجيش الأردني ضعفي قتلانا في الحرب كاملة>.

ويؤكد الباحثون انه كان هناك حوالى خمسين ضابطاً بريطانياً يخدم في الجيش العربي الأردني الذي كان على درجة عالية من التدريب. وكان الجيش العربي الأردني ربما أفضل الجيوش المتحاربة من الناحية التكتيكية حيث عانت باقي الجيوش من ضعف شديد في اتخاذ القرارات الحاسمة على المستوى الإستراتيجي.

بطولة لبنانية في معركة المالكية

وعلى الجبهة الشمالية، تمكن الجيش اللبناني من احتلال <المالكية> و<قَدَس> في الجليل الأعلى جنوب الحدود اللبنانية، وأحرز الجيش بطولات لافتة استشهد خلالها النقيب محمد زغيب ابن بلدة يونين - قضاء بعلبك.

واستمرت المعارك على هذا النحو حتى تدخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وفرض وقفاً لإطلاق النار في 10 حزيران/ يونيو 1948 وحظر تزويد أي من أطراف الصراع بالأسلحة ومحاولة التوصل إلى تسوية سلمية.

الا ان جيش الإنقاذ واصل عملياته العسكرية في منطقة الجليل. وتم تحديد الهدنة لمدة 4 أسابيع. وفي 8 تموز/ يوليو 1948، استأنف الجيش الإسرائيلي القتال في جميع الجبهات رغم محاولات الأمم المتحدة لتمديد مدة الهدنة. واتخذت المعارك مساراً مختلفاً وتعرضت القوات العربية لسلسلة من الهزائم واستطاعت إسرائيل فرض سيطرتها على مساحات واسعة من أراضي فلسطين التاريخية. وانتهت المعارك يوم 21 تموز / يوليو بعد أن هدد مجلس الأمن بفرض عقوبات قاسية على الجوانب المتقاتلة.

الهزيمة

قبل العرب الهدنة الثانية التي كانت اعترافاً بالهزيمة. وانتهى القتال في 7 كانون الثاني/ يناير 1949 بعد استيلاء الجيش الإسرائيلي على معظم منطقة النقب وتطويق القوات المصرية التي كانت مرابطة حول الفالوجة في النقب الشمالي. وبعد نهاية القتال بدأت مفاوضات في جزيرة <رودس> اليونانية بإشراف الامم المتحدة بين إسرائيل من جانب وكل من مصر والأردن وسوريا ولبنان من جانب آخر. وتم التوقيع على اتفاقيات الهدنة الأربع بين 24 شباط/ فبراير و20 تموز/ يوليو 1949.

احتلال فلسطين وحلم الدولة

جرى احتلال فلسطين، وبعدها تمكن القائد الرمز ياسر عرفات من حمل القضية الفلسطينية الى المحافل الدولية، فوقف في مجلس الامن عام 1974 مخاطباً المجتمع الدولي: <.. أتوجه إليكم بأن تمكنوا شعبنا من إقامة سلطته الوطنية المستقلة، وتأسيس كيانه الوطني على أرضه. لقد جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون وبندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.. .. سيادة الرئيس، الحرب تندلع من فلسطين والسلم يبدأ من فلسطين>

حلم الدولة الفلسطينية ما زال يدغدغ أحلام الفلسطينيين، وها هو الرئيس الفلسطيني محمود عباس يعلن في رسالته لمناسبة يوم الاسير في 18 نيسان/ ابريل 2012: <.. . وسنعود لندق باب الأمم المتحدة من جديد للاعتراف بدولة فلسطين على الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة عام 1967، فأرضنا ليست متنازعاً عليها بل هي حقنا والتي لا بد أن نبني عليها دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس>.