تفاصيل الخبر

بلدة بريح طوت آخر جرح من جراح الحرب الأهلية!

23/05/2014
بلدة بريح طوت آخر جرح من جراح الحرب الأهلية!

بلدة بريح طوت آخر جرح من جراح الحرب الأهلية!

  IMG_8358المتتبع للامور السياسية يمكنه ان يلاحظ الخصائص التاريخية للقاء بريح الذي يحمل في طياته مجموعة من المعاني، لا سيما ان تتويجه في قصر المختارة، دار الزعامة الجنبلاطية، يؤكد على الاهمية الاستثنائية لهذه التظاهرة، وكونها تأتي في هذا التوقيت المفصلي من حياة الجمهورية اللبنانية.

كما ان حضور رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ومعه كبار المسؤولين في الدولة، قبل اسبوع من نهاية ولايته، الى الشوف، يحمل مجموعة من الرسائل، لعلَّ ابرزها اشارته الى المكانة المُتقدمة التي يحتلها الشوف في تاريخ لبنان. ففيه كانت عاصمة الامارة إبان حكم المعنيين والشهابيين في بعقلين ودير القمر، وهو يحتضنُ المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية في قصر بيت الدين. ولهذا القصر التراثي حكايات مُتعددة عن الخصومة الجبلية، وعن التلاقي في آن معاً.

ولا يخفى عن احد، انه وبالعودة الى التاريخ، نرى ان التعاون بين الدروز والموارنة كان فعالاً، لكونه على المدماك الاساس في تأسيس الكيان اللبناني، ولكن سوء الاقدار، والتنافس، وأحياناً <قِلة الدبار>، والتدخلات الخارجية، اشعلت حروباً بين الطرفين، كانت قاسيةً بعض الاحيان، لاسيما في العام 1860، وفي اعقاب الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العامين 1982 و1983، وحصلت فتنة دامية ما زالت بعض ارتداداتها تخدُش المشاعر حتى اليوم، ولكن للأسف لم تحصل مصالحات بُعيد فتنة العام 1860 كما حصل بعد انتهاء حرب الجبل في تسعينات القرن الماضي. ولكن الالتقاء بين الشرائح الاجتماعية للفريقين كان واسعاً، فهما يحملان عادات اجتماعية واحدة، ويعيشان بنمطية تقاليد متقاربة، وكلاهما يتميزان بشكيمة رجولية مُتماسكة، واعتاد افراد الطائفتين على سمات التسامح الديني الى حدودٍ واسعة، فأصبح افراد الديانتين في القرى المُتداخلة يزورون مقامات وكنائس الفريق الآخر في المناسبات والاعياد المختلفة.

لم تحصل اية مصالحات باستثناء زيارة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير المختارة في 3 آب/ اغسطس 2001، حيث عُقدت مصالحة تاريخية في الجبل كان لها وقعها الكبير على المواطنين، وقد اسست هذه المصالحة لمرحلة سياسية جديدة، غلب عليها طابع العودة الى التمسك بالفكرة اللبنانية التي كادت ان تُطيح بها بعض التدخلات الاقليمية.

ما سرّ ... بريح؟

IMG_6771

بقي من ملف المصالحات العالقة في الجبل بلدة بريح الشوفية التي تضم خليطاً من المسيحيين والدروز، وفيها حصلت احداث قاسية ساهمت في تأجيجها قوات الاحتلال الاسرائيلي اثناء غزوها للبنان. وأبناء القرية يتعاونون، ويتواصلون مع بعضهم منذ فترة طويلة، وقد اعدت وزارة المهجرين الترتيبات اللازمة لإتمام العودة ايام الوزير اكرم شهيب وايام الوزير السابق علاء ترو، وتمَّ توقيع الاتفاق بين الفريقين بحضور رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط في قصر بيت الدين، صيف العام 2012.

احتفال بريح ولقاء المختارة في هذا الوقت يُكرِّسان الاتفاق بين الفريقين، ويستكملان المصالحة التي عُقدت في العام 2001، والمشاركة الواسعة فيها من المرجعيات الروحية اللبنانية كافة، ومن القوى السياسية المختلفة، ويؤكدان اهميتها التاريخية، ويؤشران الى قرار راسخ عند اللبنانيين بعدم العودة الى الاقتتال فيما بينهم، لاسيما ان لقاء اليوم يأتي في اجواء فوضى مشحونة، فيها دماء على جدران الدساكر المجاورة.

ولقاء الشوف بحضور الرئيس ميشال سليمان في هذا التوقيت فيه شيء من الرضاء على ادائه الوطني المتوازن، خصوصاً ان سليمان تعاطى بحكمة واضحة مع الملفات الخلافية بين اللبنانيين، من دون ان يُفرِّط بالثوابت الوطنية، ولا بالالتزامات العربية والدولية للحكومة اللبنانية، وكان محايداً وموضوعياً في القضايا الاساسية، دون ان يُشهر العداء تجاه اي طرف لبناني، بما في ذلك حزب الله.

للاطلاع على اهمية هذا اللقاء ومدى تقبل الاهالي لفكرته، زارت <الافكار> بريح وقابلت الاهالي والقيمين على المصالحة، حاورتهم وجاءت بالتحقيق الآتي:

IMG_6834  

واشار ابن بريح جهاد خليل الى ان لقاء الشوف اليوم يُذكِّر بمصالحة <وستفاليا> في العام 1648، مع الفارق الكبير في الحجم وفي الموضوع، ولكن مصالحة <وستفاليا> ختمت حرب المئة وخمسين عاماً بين الاوروبيين، وتحديداً بين الكاثوليك والبروتستانت، وحصلت في 17 ايار/مايو، وأسست لمرحلة من النهوض والمدنية في اوروبا. امَّا لقاء الشوف الذي يعقد في اليوم ذاته، فيختم بالدرجة الاولى حرب المئة وخمسين عاماً بين المسيحيين والدروز، وهو يدل على بدء مرحلة من التعاون المدني الراقي بين الشرائح الاجتماعية اللبنانية التي انهكتها الحروب.  ويتابع خليل:

 - الجبل والشوف يشهدان اليوم حدثاً مهماً يتمثل بالمصالحة والعودة التي جرت في بلدة بريح الشوفية وهي استكمال للمصالحة التاريخية التي حصلت في المختارة في صيف 2001 بين البطريرك صفير وجنبلاط. وخطوة اليوم إنجاز كبير يرعاه ويحضره الرئيس ميشال سليمان والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وجنبلاط، لافتاً الى أن الحضور دليل على الأهمية الاستثنائية لهذا الحدث الذي يختتم فيه آخر جرح من جراح الحرب الاهلية الاليمة، ويؤكد على أن العيش المشترك قدر لا يستطيع الجبل ولبنان التخلي عنه لانه في صلب وجوده وكيانه ويبقى الحصن المنيع في وجه التطرف والتقوقع والجهل.

انتظرنا ثلاثين عاماً

IMG_6764  

اما كارلا عدوان، فاعتبرت ان هذا اللقاء كان من الضروري حدوثه من قبل، فللأسف ثلاثون عاماً بقيت فيها بريح غريبة عن أرضها، ثلاثون عاماً واهالي بريح يدورون في حلقة التهجير، ثلاثون عاماً لم ينهوا جرحاً فُتح في الحرب وظلّ ينزف في السلم تهجيراً واليوم وعلى الرغم من الترحيب بهذا اللقاء يبقى لدينا حذر كبير، فحجر كنيسة البلدة سيوضع و<بيت الضيعة> سيُدشّن، لكن بناء الثقة ضروريّّ أيضاً. كثير من القرارات بقيت حبراً على ورق وكي لا ينسحب هذا الأمر على قصّة بريح، تبقى العبرة بتنفيذ المصالحة الحقيقية على أرض واقع يحفظ الحقوق والكرامات.

وتتابع عدوان:

- ولكن ما يهم ابناء بريح ان قضيتهم تتجه اليوم نحو الحل. فبعض العراقيل وجدت لها الحلول، وهذا ما ساعد في انتاج الحل.

وعن معضلة التعويضات، لا سيما ان ابناء بريح طالبوا مراراً برفع المبلغ عن 30 مليون ليرة، رفضت عدوان الكشف عن المبلغ الذي اتفق عليه اليوم، واكتفت بالقول: <جرى اتفاق معين على حصص محددة، في شكل يضمن حقوق كل العائلات>.

وتتابع عدوان:

IMG_6766  

- نحن نريد ان نأكل العنب لا ان نقتل الناطور، وما يهمنا مصلحة بريح الوطنية، ونأمل في ان يساهم يوم 17 ايار في تحقيق المصالحة الحقيقية.

- بعد ان تم هدم <بيت الضيعة> ووضح حجر الاساس لبناء كنيستيّ مار جرجس ومار الياس اللتين تهدمتا خلال معركة الجبل، بدأ الارتياح المسيحي واعقبه الاتفاق على تقديم التعويضات للمهجرين بما يكفي حاجاتهم لاعادة بناء بيوتهم المهدمة. وهذا الاتفاق عاد ليصبح عنواناً بارزاً في اطار التعايش المسيحي - الدرزي بعد إعلان النائب جنبلاط ومن بكركي تحديداً أن ملف بريح سينتهي قريباً وبمباركة من سيّد بكركي ورئيس الجمهورية.ونتجول بين ارجاء بلدة بريح لنسمع الاهالي يرددون جميعاً الاقاويل نفسها:

اما السيد جاد خليل عضو لجنة العودة الى بريح، فأكد ان نزع المخالفة، أو ما سمّاه البعض بالاعتداء هو بداية صفحة جديدة، فالأهالي سيعودون إلى قريتهم وسيعيدون إعمار منازلهم لأننا نريد أن نعيش كالسابق، فصفحات الحرب قد طويت من دون رجعة. الكل مقتنع انه لا بد من التعالي على الجراح وتناسي الماضي، وما اعلنه النائب جنبلاط برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وكل المعنيين اكبر دليل على ضرورة انجاز هذا الملف نهائياً. ويتابع خليل: لا يفترض فتح ملف

IMG_8374

المفقودين والمتاجرة بدم الشهداء على اعتبار ان اهالي المفقودين انفسهم قد وقعوا وثيقة وفاة اقاربهم و سلّموا امرهم للمختار والفاعلين الذين لهم الصلاحية الكاملة في التصرف، وأنا من الذين فقدوا بعض اهاليهم وأقاربهم ولن اسمح لأحد بالمتاجرة بدم شهدائنا، لأننا المعنيون الوحيدون في هذا الملف. نحن نبارك هذه الخطوة ولن نقف حجرة عثرة امام هذه المصالحة. ان الاعمار بيد الله ونحن نسلم أمرنا لهذا الواقع، ومن غير المسموح المزايدة على وجعنا.

ويضيف خليل:

- اكتفينا من وجع الماضي وكلنا مقتنعون بضرورة فتح صفحة جديدة والعيش بكرامة. صحيح ان التأخير في بت ملف بريح كان رهن بعض التعديات إلا ان إزالة بيت الضيعة شكلت نقلة نوعية في المصالحات. وعن فكرة البقاء والاستقرار في بريح، يقول خليل: <سنعود بالطبع إلى بلدتنا وسنعيش فيها ولا مشكلة لدينا مع أحد ما دمنا قد استرجعنا حقوقنا. لقد اصبح هناك وعي حول اهمية هذه المصالحة وطي صفحة الحرب الى الابد>. ويضيف قائلاً: <وزارة المهجرين ستتعاطى معنا كما تعاطت مع سائر المهجرين العائدين، ويبدو انها أخذت في الاعتبار ان التعويضات التي دفعت سابقاً تختلف عن اليوم، فالمبلغ اليوم لا يخولنا بناء منزل>.

IMG_8390

اما عن الاقتراحات التي تمّ تقديمها للجنة المكلفة بالملف يجيب خليل:

- لقد طالبنا بتعديل التعويضات بحيث يعطى للمتزوج مبلغ 90 مليون ليرة وللأعزب 30 مليون ليرة، ويبدو ان الاقتراح المقدم من قبلنا قد اخذ بعين الاعتبار.

وننتقل داخل ارجاء بريح لنلتقي بريهام العلي وهي زميلة كارلا عدوان، ريهام شددت على ان علاقتها طوال فترة التهجير كانت ممتازة مع اصدقائها من الطائفة المسيحية، وبالتالي هي ترحب بالمصالحة بين ابناء المنطقة الواحدة وتؤيد فكرة الحياة المشتركة بين ابناء الطائفتين واعتبرت ان خير دليل على قبول الاطراف لفكرة التعايش هو كلام البطريرك وكلام جنبلاط اللذين اكدا على ضرورة ختم الجرح الاخير من حرب الآخرين على ارضنا.

وبدورها اعتبرت سارة ابو شقرا انه قد آن الاوان لطي صفحة قديمة وفتح صفحة جديدة مبنية على التسامح والتعايش بين ابناء المنطقة الواحدة وعلينا كأبناء بريح العمل على تعزيز المصالحة فنحن ابناء منطقة واحدة.

اما علاء زين الدين فموقفه مشابه لموقف سارة وريهام، فقال: <منذ هذه اللحظة علينا كأبناء بريح، موارنة ودروز، العمل سوياً لمصلحة بريح ومصلحة ابنائها من دون تفرقة بين مسيحي ودرزي>.