بقلم سعيد غريب
بلد لا يعيش إلا على التسويات لا الحلول، هو بلد من دون أمل ولا رؤية ولا غد.
لبنان بلد لم يعش منذ ما قبل نشوئه سوى على فكرة حلوة، عجز عن تحويلها الى واقع وحياة بسبب استحالة الحلول.
والتسوية في المنطق العلمي هي كناية عن هدنة، إذا لم تكن بين حربين، فعلى الأقل بين أزمتين.
إن لبنان لا شبيه له على الأرض، شعبه يتوزّع على القارات الخمس أو الست، وقدمه تطأ كل أرض.
ومن قُدّر له أن يعيش خارج مساحته يمضي حياته مرتاحاً وليس سعيداً، ومن كُتِب له أن يبقى تحت شمسه يعيش سعيداً وليس مرتاحاً... إلا ان التطورات الأخيرة التي امتزجت فيها روائح <خيرات> الإنسان اللبناني بغسيله المنشور أصلاً على السطوح جعلته يخسر الراحة والسعادة وكاد أن يخسر نفسه لولا فسحة الأمل وإرادة الحياة.
ووجدت التسوية مكاناً لها في النفايات ومكباتها كما وجدت في كل الأوقات أرضية صالحة في كل الملفات ومع كل أصحابها.
وقصة التسويات في لبنان قديمة العهد، نكتفي بسرد البعض منها منذ إعلان دولة الاستقلال، إنعاشاً للذاكرة: في العام 1958، انتهت الثورة بشعار <لا غالب ولا مغلوب>، ولم تفضِ الى حل وختمت على زغل.
وفي العام 1969، أقفل ملف الوجود المسلح الفلسطيني من دون حل وبدأت عملية تسليح واسعة النطاق استعداداً للحرب.
وفي العام 1973، سُجلت المواجهة <البروفا> بين الفصائل الفلسطينية والجيش اللبناني، وختمت هي الأخرى على زغل.
وجاء الانفجار الكبير في العام 1975 لينتهي بعد خمس عشرة سنة على تسوية عرفت باتفاق الطائف، أو اتفاق الضرورة وفق تعبير الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين.
وفي خلال الحرب الطويلة، عرفت القوى المتحاربة محاولات عديدة للتوصل الى تسويات ولو موقتة حتى جاءت التسوية المفروضة من الخارج، تماماً كما جاءت الشرارة المفروضة هي الأخرى من الخارج.
والرئاسة اللبنانية الأولى لم تعرف منذ الاستقلال سوى التسويات في الاختيار، وبات الجميع يشعر بعد كل هذه <الترقيعات> بخطورة الساعات التي يمر بها لبنان، والخوف أن يدهمنا كلنا الوقت الضاغط.
وفي مسألة الإبقاء على لبنان يجب أن يكون الإجماع كاملاً وحول رئيس ستحظى به الجمهورية اللبنانية ربما وكما يقول عارفون في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر المقبل.
هذا الرئيس الآتي هو الآخر بتسوية من المطلوب أن يلتف حوله جميع اللبنانيين وهو لن يكون منتمياً الى أي من الأفرقاء، لأنه سيكون نواة لمشروع حل للمسألة اللبنانية، وليس مشروعاً لتسويات ملحقة؟!
وعليه، يمكن أن يؤسس للبنان جديد، نقي من رواسب الماضي والقيادات الماضية من خلال حمل الأسرة الدولية التي بدأت تبحث عن <رزقتها> في الاتفاق النووي بل الاتفاق على الدور الإيراني، من خلال حملها على التسليم بأن الشعب اللبناني له الحق في البقاء وفي الحياة حراً مستقلاً سيداً...
علامَ يقوم الحل؟
من المبكر تظهير الفيلم الدولي الجديد. ولكن التاريخ يعلمنا ان الملاحق السرية للاتفاقات الدولية الكبرى تأخذ وقتها قبل اكتشافها أو كشفها للملأ، وما هو ظاهر حتى الآن أن السياسي تقدم على النووي، وان المسألة هي في دور إيران السياسي في المنطقة وليس في دورها الأمني وخلفيته النووية.
وفي لبنان، يستمر الرئيس تمام سلام في أداء مهماته بالحد الأدنى بعد سلسلة الهزات التي ضربت الحكومة وكانت آخر تسوياتها ضبضبة النفايات.
وما لفتني في كل ما قرأته وسمعته وشاهدته طوال الأسبوع المنصرم تصريح للمستشارة الاولى للهيئة السويدية لحماية البيئة أدلت به قبل ثلاث سنوات وأعلنت فيه ان السويد تعيش حالة نقص في النفايات، لدرجة أنها قررت أن تستوردها من الدول المجاورة.
هل قرأ <أبطالنا> هذا التصريح؟ فليبادروا الى الاتصال بالسويد لعلهم يجدون روائح جديدة في الاستيراد والتوريد. ففي نفاياتنا كل ما تحتاجه السويد، كل ما هو مفيد وصالح وطيب لأن أبطالنا هنا لا يحتاجون إلا لرمي كل ما هو مفيد وصالح وطيب.
ســاعد يا رب شعب لبنان، وساعد <أبطاله> لا ليعرفوا مــا يحدث، بــــل ليعرفوا ما يفعلون أو أبعدهـــــم الى السويد!