تفاصيل الخبر

بديل التسوية.. جهنّم

23/09/2020
بديل التسوية.. جهنّم

بديل التسوية.. جهنّم

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_81344" align="alignleft" width="375"] الرئيس ميشال عون: أحذركم من جهنم.[/caption]

"إذا لم تتشكل الحكومة فإن لبنان يتجه الى جهنّم". أن يخرج هذا الكلام عن أي مسؤول لبناني، هو أمر طبيعي بالنسبة إلى كثير من اللبنانيين أو إلى معظمهم، كونهم يشعرون حقّاً بأنهم يعيشون في جهنّم قياساً مع طبيعة الحياة الصعبة في بلادهم، لكن أن يكون مصدره رئيس البلاد، لهو أمر كبير ويُنذر بكارثة وبعواقب أقل ما يُقال فيها، إن الموت هو المصير الحتمي لكل أبناء البلد.  كل هذا يدل بشكل قاطع، على أن المبادرة الفرنسية بشأن تأليف الحكومة، تحوّلت في الأيّام الماضية إلى مُجرّد أمنية، يتأرجح عليها اللبنانيين علّها تُنقذهم مما هم فيه.

بين حارة حريك وعوكر.. فتّش عن الخارج

هي معركة حامية الوطيس تدورُ رحاها على خطّ "حارة حريك ـ عوكر". معركة يمتزجُ فيها التّحجيم السياسي عن طريق فرض العقوبات مع قرار المواجهة، مع ما تتطلّبه هذه المواجهة من احتجازِ عملية تأليف الحكومة كرهينة، إلى حين تثبيت موعد رسمي للمقايضة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.

أمّا داخلياً، فالرئيس المُكلّف مصطفى أديب وبعد شهر تقريباً على تكليفه تأليف الحكومة، يبدو أنه مُكمّل في طريق التريّث لبعض الوقت عن الاعتذار وذلك بعد تدخّل مباشر من الاليزيه، الأمر الذي من شأنه أن يُعيد عملية التشكيل إلى المربع الأول لكن وسط بروز عوامل إيجابية إلى حدّ ما، قد تُفضي في نهاية المطاف إلى تشكيل حكومة يكون التوافق السياسي الداخلي أهم مرتكزاتها ولو من باب المصالح، إنطلاقاً من مَقولة "عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة"، والتي سيركن اليها الجميع، بهدفِ الحفاظ قدر الإمكان على تبقّى من مكتسبات للزعماء السياسيين.

على الجهة المقابلة للمعركة الحامية بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة وإيران من جهة

[caption id="attachment_81348" align="alignleft" width="442"] الرئيسان الفرنسي والايراني "ايمانويل ماكرون" وحسن روحاني .. التسوية في خطر.[/caption]

اخرى، مع ما تحمله العديد من الدول من مواقف مُتقلبة أو مُبهمة إلى حدّ ما وبغض النظر عن "اللعبة" الفرنسية التي يقودها الرئيس "إيمانويل ماكرون" السّاعي إلى تثبيت دور بلاده في المنطقة وإستعادة الدور الذي فقدته "الأم الحنون" خلال السنوات الماضية، ثمّة من يخرج من الفريق المناوئ لقوى الثامن من أذار، ليقول إن "الجمل بنيّة والجمّال بنيّة" بمعنى أن لبنان يُريد حكومة و"ماكرون" يُريد عودة فرنسا إلى دائرة التأثير في الشرق الأوسط، وايران تسعى إلى ترتيب أوراق المُفاوضات المُقبلة مع الأميركي.

لبنان الحلقة الأضعف

المؤكد أن هناك ثلاثة مسارات هي التي تتحكّم بمصير لبنان، لا توجد بينها نقاط تقاطع، وتسير عليها البلاد مُرغمة، وذلك عكس ما يدعيه البعض. تتألف المسارات هذه أوّلاً، من الرغبة الفرنسية باستعادة زمن وصايتها على لبنان وعدم تركه لقمة سائغة للتناتش الأميركي ـ الإيراني، وثانياً: من الجنوح الأميركي نحو استئصال كُل ما يُعيق عملية التوسّع الإسرائيلي في المنطقة وتحديداً من النقطة الأقرب الى الحدود مع اسرائيل، وهنا لا بد من مواجهة مع "حزب الله" والإيراني، وثالثاً: إصرار ايران على إيجاد قاعدة مُتقدمة لها على البحر المتوسط، هي لغاية اليوم لم ترَ في غير لبنان، بديلاً عن هذه القاعدة نظراً لقربها من إسرائيل.

وفي كل ما يحدث، يظهر بشكل جلّي، بأن الطرف الأضعف في هذه اللعبة أو على حلبة الصراع الإقليمية، هو لبنان الذي تعوّد منذ الأزل بأن يكون ساحة صدى لا ساحة فعل. وهذه المسارات جميعها، تؤكد أنه في اللحظة التي يتفق فيها الجانب الأميركي مع الجانب الإيراني، يُمكن ان تتشكّل حكومة لبنانية، مع حفظ دور ولو بسيط للجانب الفرنسي، لكن وسط تشدد إيراني بعدم الخضوع أو الإذعان بلغة محور "الممانعة"، للشروط الأميركية، أقله في العلن.

هل اقترب التأليف؟

[caption id="attachment_81345" align="alignleft" width="436"] الرئيس نبيه بري .. محرج أخاك لا بطل.[/caption]

في وقت يتحدث فيه فريق 8 أذار عن أن حلولاً في عملية التأليف سوف تظهر خلال الأيّأم القليلة المُقبلة، وأن "الثنائي الشيعي" سوف يحصل على مطالبه وتحديداً في ما يتعلّق بحقيبة المال، يقول مصدر سياسي واسع الإطلاع على ما يجري في كواليس التواصل الأميركي ـ الفرنسي ـ الايراني، إن الأمور ما زالت الى حد ما، مُعقدة في ظل إصرار "الثنائي" على الاحتفاظ بوزارة المالية أو بأن يُسمّوا هم الوزيرين الآخرين. وفي وقت كان الرئيس المُكلّف مصطفى أديب في وارد تقديم اعتذاره لرئيس الجمهورية، طُلب منه الفرنسي التريّث قليلاً، ريثما تتضح الصورة الخارجية بشكل أفضل.

ويُشير المصدر إلى أن الفرنسي لم يتلقَ بعد أجوبة من الإيراني حول المقترحات التي قدمها من أجل تذليل عقبة التأليف، هذا مع العلم أنه لا يوجد أمام الإيراني سوى الرضوخ لهذه الاقتراحات خصوصاً وأن حليفه في الداخل اللبناني (حزب الله) يُعاني كما يُعاني هو لمشاكل في بلاده خصوصاً بعد حادثة المرفأ والإتهامات التي رافقتها، وأيضاً نتيجة العقوبات التي تتزايد عليه وتُحاصره بشكل أوسع. ويُتابع: إن حزب الله ومن خلفه الإيراني، كانا وافقا على تسمية اديب لتأليف الحكومة لكسب مزيد من الوقت في اللعبة التي يخوضانها مع الأميركي خصوصاً وأن الموقف الإيراني معروف بأنه لن يعطي الأميركي ما يُريده او يطمح الى كسبه، وهو القائل إن لبنان كلّه في جيبه، وليس فقط الحكومة.

ويخلص الى القول: من هنا جاء موضوع العقوبات على الشخصيّة الشيعيّة علي حسن خليل على طبق من فضّة من أجل المماطلة في عملية التأليف، إلى حين أن تتبلور نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية بشكل أوضح، أو حصول "الحزب" على مكاسب ملموسة تُتيح له التربّع على عرش الحكومة والتصرّف فيها على هواه...

رسائل إيرانية الى حزب الله.. ماذا تضمنت؟

[caption id="attachment_81346" align="alignleft" width="359"] السيد حسن نصرالله والسيد علي الخامنئي ...وصلت الرسالة.[/caption]

في سياق النزاع القائم على حقيبة المال بين "الثنائي الشيعي" من جهة، وبين الرئيس المُكلف ومعه فريق سياسي كبير من حوله يُشاطره رأيه لجهة نزعها من الطائفة الشيعية، يكشف مصدر سياسي بارز مؤيد لفريق الرابع عشر من آذار عن معلومات خاصة تُفيد بأن تعليمات صدرت عن المرجع الديني الخامنئي الى قيادة "حزب الله" يوم الجمعة الفائت 18/9/2020 بتحويل كل المشاكل السياسية العالقة سواء في موضوع تأليف الحكومة أو في المواقف التي تتطلب مواقف حاسمة لجهة حلفاء الحزب في سوريا وإيران، إلى قضية رأي عام شيعي.

ويقول المصدر إن الخامنئي طلب من الحزب الاستعداد للمواجهات المقبلة بكل اشكالها تحت الستار الشيعي وخصوصاً في ما يتعلق بالسلاح. كما استرجعت رسالة الخامنئي محطات من التاريخ الاسلامي وتحديداً في ما يتعلّق بضرب العقيدة الشيعية من زمن الإمام الحسين بن علي الى المختار الثقفي مروراً بمجزرة "سبايكر" ثم مجزرة "قانا". ودعت الرسالة الى الاتعاظ من كل تلك الحقبات والتنبه لما يُعد لحزب الله وسلاحه.

كما شددت الرسالة على عدم تهميش دور رئيس مجلس النواب نبيه بري في هذه الفترة ومنحه دوراً في المواجهة السياسية في لبنان واطلاعه بشكل متواصل على المشاريع التي تستهدف شيعة لبنان أميركياً وعربياً. ويُضيف المصدر: هذا الكلام أكده رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط منذ أيّام عندما قال: "اتصلت بالحريري من باريس ولم يكن الاتصال إيجابيّاً، وبري قال لي إنّ هناك ضغطاً عليه بالنسبة لإبقاء وزارة الماليّة مع الطائفة الشيعيّة". وتابع: لا أميركا ولا إيران تريدان حكومة والعقوبات الأميركيّة لم تضعف حزب الله بل لبنان.

مناشدة الرؤساء.. هل تنفع؟

[caption id="attachment_81347" align="alignleft" width="430"] رؤساء الحكومة السابقون... أي دور في التعطيل؟[/caption]

رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي هدّد بـ"جهنّم"، يُدرك أن الوضع في لبنان قد تخطّى الحدود المعقولة وبات يحتاج إمّا إلى مُعجزة إلهية للخروج من محنته، أو إلى عقد اجتماعي جديد بين اللبنانيين أقله من أجل إيصال البلد إلى البرّ بانتظار أن يقضي الله أمراً كان مفعولا. من هنا كانت دعوته دول العالم إلى مساعدة لبنان لانتشاله مما هو غارق فيه وإلى تأمين العودة الآمنة للنازحين السوريين الى ديارهم لأن لبنان الذي يئن من وطأة الأزمات غير المسبوقة التي تثقل كاهله، لن يستطيع الاستمرار في استضافة أكبر عدد من اللاجئين في العالم نسبة الى عدد السكان.

أمّا بالنسبة الى الرئيس أديب الذي لا يُحسد على موقعه ولا موقفه، فقد ناشد كل الأطراف السياسية الداخلية التعاون، مُجدداً التأكيد على ضرورة تشكيل حكومة من الخبراء، بحيث تبدأ مهمة إخراج البلاد من الأزمات المتشعبة التي تتخبط فيها خصوصاً وأن لبنان لا يملك ترف إهدار الوقت وسط كم الأزمات غير المسبوقة التي يمر بها، مالياً ونقدياً واقتصادياً واجتماعياً وصحياً. وشدد على أن أي تأخير إضافي يفاقم الأزمة ويعمقها، ويدفع الناس نحو المزيد من الفقر، والدولة نحو المزيد من العجز، ولا أعتقد أن أحداً يستطيع أن يحمل ضميره مسؤولية التسبب بالمزيد من الوجع لهذا الشعب الذي عانى كثيراً ولا يزال.

هذا ما يقوله الفرنسي

اليوم وبعد مرور شهر تقريباً على تكليف أديب، بات الأمر يحتاج إلى جردة في ما إلتزم به حزب الله وما لم يلتزم به. لقد أعطى الفرنسيون إنطباعاً لكل من تواصل معهم، بعد إنتهاء مهلة الأسبوعين، أن حزب الله نكث بالإتفاق وأنه سيتحمل مسؤولية ذلك. وقبل ذلك حدّد الفرنسيون مآخذهم على الحزب، عبر رسالة تفصيلية، نقلها صديق مشترك إلى حزب الله، وأعقبتها زيارة قام بها في اليوم التالي مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله عمار الموسوي إلى السفارة الفرنسية حيث إجتمع مطولاً بالسفير "برونو فوشيه". وتقول الرواية إن الموسوي توجه الى السفير الفرنسي بمجموعة أسئلة، صبّت معظم أجوبتها لصالح الحزب، بدءاً من شكل الحكومة ونوعيتها وحجمها، وصولاً إلى الحقائب وحقوق الطوائف.

هناك تقول المصادر إن "ماكرون" أعطى إشارة واضحة إلى تجاوز موضوع حقيبة المالية على قاعدة إبقائها بيد الطائفة الشيعية، لكنه سارع إلى إقران موافقته باقتراح مفاده أن يُترك له شخصياً أمر تسمية هذا الوزير، وسرعان ما جاءه الجواب بعد إتصاله بالرئيس بري: ثمة صيغة نقترحها عليكم بأن نرسل لكم لائحة تضم عشرة أسماء وأنتم تختارون واحداً من بينها. في هذا السياق، يكشف مصدر نيابي في كتلة "الوفاء للمقاومة" لـ"الافكار" أن ثمّة "لعبة" خاضها رؤساء الحكومة السابقون بطلب أميركي ـ عربي، لإفشال التسوية بين حزب الله والجانب الفرنسي.