تفاصيل الخبر

باسيل أمام اعتماد استراتيجية سياسية جديدة يعوّض فيها ما خسره خلال الأعوام الثلاثة الماضية!

10/01/2020
باسيل أمام اعتماد استراتيجية سياسية جديدة يعوّض فيها ما خسره خلال الأعوام الثلاثة الماضية!

باسيل أمام اعتماد استراتيجية سياسية جديدة يعوّض فيها ما خسره خلال الأعوام الثلاثة الماضية!

 

يرى عدد من المحللين السياسيين، وشخصيات سياسية أيضاً، ان رئيس <التيار الوطني الحر> الوزير جبران باسيل سيواجه بكثير من الواقعية خروجه من الحكومة لأول مرة منذ العام 2008 حيث حل وزيراً في كل الحكومات التي شكلت في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، وصولاً الى عهد عمه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، خصوصاً انه لم يكن وزيراً عادياً، بل يلتقي الكثيرون على تسميته <سوبر وزير> نظراً للدور الذي لعبه في الحكومات التي شارك فيها لاسيما في الأعوام الثلاثة الأخيرة. فالحكومة التي يرأسها الدكتور حسان دياب لن تحمل في صفوفها الوزير باسيل وإن كانت ستضم بعضاً من <ملائكته> الذين سماهم في الحكومة تحت عنوان <الاختصاصيين> كما فعل غيره من رؤساء الأحزاب والكتل المؤثرة في مجلس النواب التي رشحت الرئيس دياب لتشكيل الحكومة العتيدة. ويرى المحللون انه لن يكون سهلاً على الوزير باسيل تقبل هذا التراجع في مسيرته السياسية بحيث سوف يتفرغ الى ممارسة دوره النيابي من جهة، ومسؤولياته الحزبية من جهة أخرى، سواء من خلال ترؤسه <تكتل لبنان القوي> أكبر كتلة برلمانية (26 نائباً) أو من خلال ترؤسه <التيار الوطني الحر> الذي شهد في الآونة الأخيرة تمدداً على مستوى الجمهورية كلها. صحيح ان باسيل سوف يتقبل هذا الواقع الجديد على مضض، لكن الصحيح أيضاً ان غياب دوره المباشر في مجلس الوزراء سيحاول تعويضه من خلال ممارسته المعارضة عند الاقتضاء من جهة والموالاة عند الحاجة من جهة أخرى، لكن كل ذلك لا يمكن أن يعوضه التأثير المباشر الذي كان له في مجلس الوزراء ومن خلال الرئيس عون الذي كان يتجاوب مع توجهاته وخياراته السياسية والوزارية والادارية...

قد يكون من الصعب في الوقت الراهن تحديد حجم الخسائر السياسية التي مني بها الوزير باسيل خلال الفترة الماضية، لكن الواضح ان وجوده في المقدمة دائماً عرّضه للاستهداف السياسي حيناً والشعبي حيناً آخر، من دون أن يعني ذلك ان دوره انتهى أو يكاد، وفق ما يعتقد خصومه في الشارعين المسيحي والاسلامي على حد سواء، لأن أي دور في الحياة السياسية اللبنانية لا ينتهي بسهولة، بل سيشهد تراجعاً يمكن أن يعود ليتقدم بعد حين، وإن كان هذا التقدم، بالنسبة الى الوزير باسيل، ليس مضموناً بنسبة كبيرة، لأنه يرتبط بالتحولات في السياسة والأمزجة الشعبية على حد سواء ناهيك بما يمكن أن يحصل من تطورات في المشهد السياسي في لبنان والمنطقة التي تنام وتصحو على حدث يعاكس ما كان عليه بالأمس. وما يقال عن الوزير باسيل يقال عن غيره من السياسيين اللبنانيين المحنكين والمخضرمين، سواء من لا يزال منهم على قيد الحياة، أو من الذين رحلوا بعدما تركوا بصمات لافتة في الحياة السياسية اللبنانية.

نكسة أصابت طموحاته الرئاسية؟

خصوم الوزير باسيل، الذين تكاثروا في الآونة الأخيرة، يعتبرون ان طموحاته الرئاسية أصيبت بنكسة كبرى نتيجة تراجع دوره وعدم مشاركته في الحكومة العتيدة، لاسيما وانه كان قادراً من خلال موقعه الوزاري المهم في وزارة الخارجية والمغتربين، ان يتواصل مع مراكز القرار في دول العالم وينسج علاقات تساعده على الوصول الى الموقع الأول في البلاد خلفاً للرئيس عون عند انتهاء عهده بعد ثلاث سنوات. إلا ان غيابه عن الحكومة سيفقده هذه الميزة لأن دوره السياسي، وإن كان فاعلاً ومؤثراً، لا يمكن أن يكون بحجم دوره في ما لو كان وزيراً يتسلم حقيبة الخارجية. ويعتبر خصوم باسيل ان الامكانات الكبيرة التي وفّرها الرئيس عون لصهره لن تعود ممكنة في الآتي من الأيام، أو هي ستتراجع قياساً الى ما كانت عليه قبل التطورات الأخيرة في البلاد وعلى مدى الأعوام الثلاثة التي انقضت، علما ان وجود الرئيس عون في السدة الرئاسية سيبقي للوزير باسيل القدرة على التدخل في كل المواضيع الأساسية، مباشرة أو مداورة، وسيستطيع الاستمرار في تقديم الخدمات التي كان يوفرها لمناصريه من خلال مجموعة مدراء عامين ومسؤولين <زرعهم> في الادارات والمؤسسات العامة من خلال التعيينات التي تحققت خلال العهد الحالي. إلا ان المقربين من الوزير باسيل يعتبرون ان <الطموح الرئاسي> المشروع والمبرر ليس هو وحده الهدف الذي يسعى باسيل الى تحقيقه، لأنه يعتبر ان <التفرغ> للعمل النيابي والحزبي سوف يبقيه في الواجهة من دون الحاجة الى مناصب وزارية التي غالباً ما كانت تحول دون اهتمامه المباشر بالتيار والتكتل، وسيكون على الوزير باسيل اعتماد استراتيجية جديدة في العمل السياسي تمكنه من المحافظة على <مكتسبات> سياسية حققها خلال الأعوام الماضية، ترتكز خصوصاً على التقرب أكثر من القاعدة، والمحافظة على شبكة العلاقات الدولية التي نسجها خلال وجوده في المواقع الوزارية كافة، ولاسيما في وزارة الخارجية منذ بداية عهد الرئيس عون.

كذلك يرى خصوم الوزير باسيل انه على المستوى السياسي، يواجه باسيل <عزلة> مع معظم الأحزاب اللبنانية نظراً لطبيعة المواقف التي اتخذها من جهة، ولعدم محافظته على الحد الأدنى من التواصل مع الأحزاب اللبنانية الأخرى. ذلك انه يعاني مسيحياً من طلاق كامل مع <القوات اللبنانية> بعد التبدلات التي حصلت منذ <تفاهم معراب> وحتى اليوم. كما يشكو من انقطاع في العلاقة مع تيار <المردة> ورئيسه الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية الذي ساءت العلاقات معه بشكل لافت، وصارت انتقادات فرنجية لـ<الوزير الصهر> أكثر من عادية لاسيما وانها لامست الشق الشخصي في كثير من الأحيان. أما مع الكتائب فالوضع ليس أفضل بكثير خصوصاً ان باسيل حال في حكومتين متتاليتين دون تمثيل الكتائب فيهما، إضافة الى انقطاع التواصل مع الرئيس أمين الجميّل ونجله النائب سامي الجميّل رئيس الحزب، على رغم ان التقارب في العمر بين الرجلين يمكن أن يساعد في التفاهم حول أمور كثيرة على نحو أسهل مما أن يكون بينه وبين الرئيس الجميّل الأب. وما يقال عن الأحزاب المسيحية يقال أيضاً عن الأحزاب الاسلامية، ذلك انه باستثناء العلاقة التي تربط باسيل بحزب الله وبأمينه العام السيد حسن نصر الله وكبار المسؤولين في قيادة الحزب، فإن العلاقة مع حركة <أمل> ورئيسها الرئيس نبيه بري ليست صافية دائماً ولا تزال رواسب الحملات التي تعرض لها الرئيس بري من الوزير باسيل نفسه وأنصار <التيار الوطني الحر>، يتردد صداها لدى القاعدتين العونية و<الأملية>، وبالتالي من الصعب أن تكون الطريق الى تعاون بين <أمل> و<التيار الوطني الحر> بقيادته وأركانه <سالكة وآمنة>، والتجارب كثيرة في هذا المجال، ويرى معنيون بالشأن السياسي ان لا ثقة ثابتة بين الرئيس بري والوزير باسيل على رغم بعض التقدم الذي تحقق في العلاقة بين الزعيمين الشيعي والماروني إلا انه لم يصل الى المستوى المنشود.

من <الزواج الماروني>... الى الطلاق!

 

أما مع تيار<المستقبل> فإن العلاقة انتقلت من مرحلة <الزواج الماروني> الى مرحلة الطلاق بشهادة كل من يستمع الى الرئيس الحريري أو الوزير باسيل حول مصير التنسيق الذي كان قائماً بين الرجلين وبات التباعد الكامل عنوان العلاقة بينهما. وإذا كان الوزير باسيل  قد راهن في وقت من الأوقات على تعاون مستدام مع الرئيس الحريري، إلا انه في الأشهر الماضية <اكتشف> ان هذا التعاون لم يكن سوى وهماً، وان التباعد بينهما فعل فعلته ولا مجال للعودة الى الوراء، في الوقت الراهن على الأقل. وبديهي أن تكون العلاقة بين الوزير باسيل وبقية القيادات السنية بديلاً عن العلاقة مع الرئيس الحريري قياساً الى ما يمثله الحريري من ثقل على الساحة السنية.

وعلى الصعيد الدرزي، فإن كل المحاولات التي بُذلت من أجل حصول تقارب بين باسيل ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي والوزير السابق وليد جنبلاط قد باءت بالفشل ولم يعد هناك بين الرجلين أي <حائط عمار>، وهذا الوضع انسحب على العلاقة بين باسيل والنائب تيمور جنبلاط على رغم اللقاء الذي جمع باسيل وتيمور في اللقلوق خلال الصيف الماضي والذي قيل يومها انه أسس لعلاقة جديدة بين الحزب التقدمي و<التيار الوطني الحر>. صحيح ان لباسيل علاقات جيدة مع النائب طلال ارسلان والوزير السابق وئام وهاب والمكونات الدرزية الأخرى، إلا ان ذلك لا يكفي حتى تكون علاقته مع الطائفة الدرزية جيدة وواعدة...

ويتضح مما تقدم ان باسيل سوف يجد صعوبة في إعادة وصل ما انقطع بينه وبين الحريري وجنبلاط وفرنجية وجعجع، ما يعني عملياً تكوين جبهة سياسية وازنة ضده ستقف سداً منيعاً في وجه طموحاته المستقبلية على رغم ان جزءاً من العلاقات السياسية يستند الى المصالح المتبادلة، لكن هذه المصالح تبقى ما دون رئاسة الجمهورية التي سيكون من الصعب على هذه القيادات أن تتبنى دعم باسيل للحصول عليها.

ويرى المتابعون ان الوزير باسيل سوف يحتاج الى فترة غير قصيرة ليتمكن من تبريد الاحتقان الشعبي الذي تكوّن ضده، عن حق أو من غير حق، والذي ازداد في مرحلة ما بعد 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، على رغم انه أبدى كل استعداد للتحاور مع <الحراك الشعبي> لكنه لم يلق التجاوب المطلوب. ويضاف الى <بعد الناس> عن باسيل لأسباب مختلفة قد لا تكون كلها محقة، غياب العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة الأميركية لاسيما وانه سافر الى واشنطن مرات عدة خلال الأعوام الثلاثة من دون أن يلتقي بأي مسؤول رفيع لاسيما نظيره وزير الخارجية <مايكل بومبيو>. أما علاقاته مع دول الخليج فتحتاج أيضاً الى إعادة صوغها على نحو أفضل مما هي عليه اليوم، فيما تقابل ذلك علاقة جيدة مع الدول الأوروبية ولاسيما مع فرنسا والمانيا وبريطانيا ومع روسيا والصين، يمكن أن تعوض تردي العلاقات مع واشنطن ودول الخليج.

 

هل يستسلم باسيل للواقع المستجد؟

يقول الذين يعرفون رئيس <التيار الوطني الحر> انه لا يستسلم بسهولة لهذه المتغيرات السياسية الداخلية والخارجية، وهو قادر على استعادة بعض ما خسره خلال الأعوام الماضية لأنه الى جانب عناده المشابه لعناد عمه الرئيس عون، يستطيع أن يصحح الرماية والأداء والتفاعل مع الذين بعدوا عنه ــ أو أبعدهم هو ــ بحيث يتمكن من إعادة بعضهم إليه، كما يستطيع إعادة نسج علاقات مع الذين اختلف معهم وذلك من خلال خطة تحرك جديدة يبدل فيها باسيل من أسلوبه ــ أو يعدّله على الأقل ــ فيعيد لملمة الأوراق التي تبعثرت هنا وهناك ويبني من جديد واقعاً مختلفاً يبقيه الرقم الصعب في المعادلة السياسية اللبنانية خلال عهد الرئيس عون... وفي ما بعد العهد!