تفاصيل الخبر

باريس منزعجة من التأخير في تفعيل ”سيدر“ ومن تجاهل بيروت لبت القرض الميسّر للجيش اللبناني!

28/06/2019
باريس منزعجة من التأخير في تفعيل ”سيدر“  ومن تجاهل بيروت لبت القرض الميسّر للجيش اللبناني!

باريس منزعجة من التأخير في تفعيل ”سيدر“ ومن تجاهل بيروت لبت القرض الميسّر للجيش اللبناني!

 

على رغم الحراك شبه الدائم للسفير الفرنسي في بيروت <برونو فوشيه> ولقاءاته مع المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، والمواقف التي يطلقها أمام الإعلام وفي الحلقات الموسعة، إلا ان كل ذلك لا يعني ان العلاقات اللبنانية ــ الفرنسية ... بخير، لا بل العكس هو الصحيح، لأن سُحب من الضباب تغطي سماء هذه العلاقات التي تزداد يوماً بعد يوم، بصرف النظر عن الكلام الآتي من فرنسا، مباشرة أو مداورة، عن تمسك الرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون> بخيار دعم لبنان ومساعدته على تجاوز المحن التي تواجهه في المجالات كافة.

وتروي مصادر ديبلوماسية ان للجانب الفرنسي أكثر من سبب للانزعاج الذي ينتابه من لبنان، وقد حاول السفير <فوشيه> التعبير عنها بأسلوب ديبلوماسي لم يحجب ــ على رغم حرفيته وخبرته ــ ما يتجاوز العتب الفرنسي. ويأتي في مقدمة أسباب ردة الفعل الفرنسية، ما يسمونه في باريس <مماطلة غير مبررة> في التعاطي مع توصيات مؤتمر <سيدر> الذي رعته باريس وشكلت خلية عمل خاصة لمتابعته برئاسة السفير دوكين الذي كان يفترض أن يأتي الى بيروت، لكنه تريث في المجيء تعبيراً عن هذا الانزعاج الفرنسي الذي يعكسه السفير <فوشيه> في لقاءاته. وفي هذا السياق، تقول المصادر الديبلوماسية ان الرئيس <ماكرون> وضع <كل ثقله> لإنجاح مؤتمر <سيدر> الذي خرج بالتزامات فاقت الـ11 مليار يورو، وانتظر المستثمرون الذين يتمتعون بتغطية دولهم وضماناتها لتشجيعهم على الاستثمار، أكثر من سنة من دون أن تقدم الحكومة اللبنانية على أي خطوة اصلاحية من تلك التي أوصى بها <سيدر>، لا بل على العكس، فقد تصاعدت الحملات على الفساد الذي طاول موظفين كباراً وقضاة وشخصيات اجتماعية، وتأخر اقرار الموازنة في مجلس الوزراء أولاً، ولن تقر في مجلس النواب قبل منتصف شهر تموز (يوليو) المقبل. وتعرقل تنفيذ العديد من الاجراءات التي وعد رئيس الحكومة سعد الحريري خلال ترؤسه الوفد اللبناني الى <سيدر> باتخاذها في إطار الاصلاحات المنشودة وفي مقدمها عدم تلبية الشروط المفترض أن توضع لضمان الشفافية في إقامة مشاريع البنى التحتية ومنها الكهرباء والاتصالات، وتعيين الهيئات الناظمة التي يفترض أن تُشكل كي تشرف على تنفيذ المشاريع على أساس انها ستتألف من أهل اختصاص وليس من مسؤولين سياسيين.

وتبدي المصادر نفسها استغرابها الشديد حيال عدم تشكيل الهيئات الناظمة التي لا تحتاج إلا لقرارات من مجلس الوزراء، لأن الدول المانحة في <سيدر> أكدت انها لن تشجع على الوفاء بالتزاماتها ما لم تكن الهيئات الناظمة مشكّلة للاشراف على تنفيذ المشاريع وإبقاء التلزيمات بعيدة عن نفق العمولات وسوء التنفيذ. وقد وصل اعتراض بعض الدول الى البنك الدولي الذي دعا الدول المانحة الى اجتماع لم تتم تلبيته بحماسة، الأمر الذي أحدث أزمة ثقة قد تدفع بالكثيرين الذين أعلنوا في السابق التزامهم الاستثمار في لبنان، الى الانكفاء مجدداً، ما يؤدي عملياً الى خفض قيمة الأموال التي ستُمنح للبنان على شكل قروض ميسرة. وهنا ــ تقول المصادر ــ يكمن الدور الفرنسي لتفعيل عملية صرف الأموال، ما حمّل الجانب الفرنسي مسؤولية معنوية ومادية في آن تجاه المشاركين في <سيدر> الذين أبلغوا المعنيين انهم <سيدققون> بكل التفاصيل وسيرصدون مسار العملية الاصلاحية، وان كانت خجولة، وسيكون تدقيقاً <صارماً> بالتزامن مع بدء تنفيذ المشاريع لتلافي تكرار ضياع الأموال في سياسة هدر العمولات...

قرض الـ400 مليون يورو للجيش!

 

أما القضية الثانية التي تزعج الفرنسيين، فهي تتعلق بعدم إبداء لبنان أية <حماسة> لاستئناف البحث في تفاصيل القرض الذي سبق لباريس أن أعلنت عنه خلال مؤتمر <روما ــ 2> لدعم الجيش والقوى المسلحة اللبنانية، والتي تبلغ قيمته 400 مليون يورو. وتقول المعلومات المتوافرة لـ<الأفكار> ان الجانب الفرنسي انتظر طويلاً البت فيه من دون أن يلقى أي نتيجة لا من السلطة السياسية ولا من السلطة العسكرية. وآخر الروايات المتصلة بهذا القرض تشير الى ان الجانب العسكري اللبناني لم يبد حماسة لمضمون هذا القرض، وهو يفضل عدم الدخول فيه حالياً تحت عنوان <التقشف>، علماً ان الجانب الفرنسي يقول إن القرض طويل المدى ويمكن تسديده على سنوات بفائدة رمزية. وفي هذا الإطار نقل عن وزير الدفاع الياس بوصعب قوله ان القيادة العسكرية اللبنانية لم تحسم بعد خياراتها حيال القرض الفرنسي المتوقع، مع وجود مخاوف من زيادة الأعباء على قيادة الجيش على رغم ما أصاب موازنتها من تراجع عن الاعتمادات التي كانت مرصدة منذ العام 2016. إلا ان المصادر الديبلوماسية لا ترى ما يبرر تصرف الجانب اللبناني لاسيما وان السلاح الفرنسي موجود داخل الترسانة العسكرية اللبنانية ويمكن تعزيزه بمعدات مثل تلك التي كان يفترض أن تغطي كلفتها مبادرة الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز لو لم يتم تجميدها على رغم الاعتراضات التي برزت في حينه ولم يعرها الجانب السعودي أي اهتمام.

 

<دوكين> ــ <لودريان> ــ <ماكرون>

 

وإذا كان السفير <دوكين> ينتظر بلورة المشهد اللبناني في مرحلة ما بعد اقرار الموازنة، كي يأتي الى بيروت ويكرّس التفاهم المتجدد اللبناني ــ الفرنسي، فإن وزير الخارجية الفرنسية <جان ايف لودريان> لن يزور لبنان أيضاً للتمهيد لزيارة الدولة التي يعتزم الرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون> القيام بها، قبل أن يعطيه السفير <دوكين> <الضوء الأخضر> لجهة الانطلاق بمشاريع <سيدر> والاصلاحات المرتقبة على غير صعيد. وبالتالي فإن زيارة الرئيس <ماكرون> مؤجلة حتى إشعار آخر، والمعلومات أشارت الى ان ثمة مخاوف لدى باريس من أن يكون الجانب اللبناني يريد من خلال موقفه <المماطل> إرضاء الجانب الأميركي الذي يقدم الخبرات وحلقات التدريب للجيش اللبناني، فضلاً عن المعدات والذخيرة التي تصل تباعاً الى بيروت. وتقول المصادر الديبلوماسية ان باريس تتساءل عن الأسباب التي تدفع بعدد من المسؤولين السياسيين اللبنانيين الى تأجيل حسم موضوع القرض الفرنسي الميسّر، فلا تجد ما يبرر مثل هذا التصرف الذي انعكس على محطات أخرى من محطات التعاون اللبناني ــ الفرنسي.

في ضوء ما تقدم، تطرح المصادر الديبلوماسية أسئلة كثيرة عما يمكن أن يقوم به لبنان لتصويب العلاقة مع الجانب الفرنسي الذي لا يستثني في <عتبه> الرئيس الحريري الذي يعتبر الفرنسيون انه لم يعمل على نحو يتجاوب فيه مع المطالب الفرنسية، وفضّل أن تسير الأمور من دون ضوابط وفي ذلك خسارة للبنان الذي يحتاج راهناً الى كل الدعم الفرنسي والأوروبي خصوصاً انه مقبل على استحقاقات دقيقة لا يمكن للبنان أن يكون وحده فيها. وفي هذا السياق يقول وزير بارز مقرّب الى مواقع القرار، ان العلاقة مع الفرنسيين لن تتجه على عكس ما تشتهيه سفن الفرنسيين، وان نقاط التلاقي بينهما أكثر بكثير من نقاط التباعد. ويتوقع في هذا المجال أن تكون هناك مبادرة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تصب في إطار <تبديد> الضباب الذي اعترى العلاقات اللبنانية ــ الفرنسية قبل حلول موعد اجازات الديبلوماسيين الفرنسيين في الأسبوع الثاني من شهر تموز (يوليو) المقبل بالتزامن مع العيد الوطني الفرنسي في 14 منه.