تفاصيل الخبر

بانتظار ساعي البريد مـــــن يصنــــع الـــــرئيس وأي رئـيـــــــــس نريـــــــــــــــد؟

02/05/2014
بانتظار ساعي البريد  مـــــن يصنــــع الـــــرئيس وأي رئـيـــــــــس نريـــــــــــــــد؟

بانتظار ساعي البريد مـــــن يصنــــع الـــــرئيس وأي رئـيـــــــــس نريـــــــــــــــد؟

يطل علينا الاستحقاق الرئاسي في ظروف اقليمية بالغة الدقة، إذا لم نقل في منتهى الخطورة، فهل سينعم لبنان بانتخاب رئيس جديد؟ وما هي مواصفات هذا الرئيس؟ ومن هو الناخب الأول وصاحب القرار النهائي بانتخاب رئيس جديد أو بتسمية هذا الرئيس؟

قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، علينا العودة قليلاً الى تاريخنا المعاصر وماضينا القريب لنكتشف ان ما من رئيس حتى الآن انتخب حقاً في البرلمان أو صنع في لبنان.

عام 1943 ترشح إميل إده بتأييد معلن من فرنسا المنتدبة مقابل بشارة الخوري، بدعم خفي إنما غير خجول من بريطانيا العظمى. وبما أن التوازن بالنفوذ كان إلى حدّ ما متقارباً بين الدستوريين والكتلويين، فلم يكن بد من <بيضة القبان> التي كانت دائماً وحتى مطلع السبعينات <النافذ العربي> والذي كان في حينه  <مصر الملك فاروق>، ورئيس حكومته مصطفى النحاس باشا، الذي أوحى وأوصى زعماء المسلمين بالشيخ بشارة الخوري فانتخب رئيساً.

بقي الغرب الناخب الأول في عام 1952 وتبدل النافذ العربي بعد ثورة 23 يوليو في مصر إلى سوريا أديب الشيشكلي. فأيد الإنكليز ترشيح كميل شمعون والفرنسيون حميد فرنجية . وقررت سوريا أديب الشيشكلي تأييد شمعون فأتى <فتى العروبة الأغر> رئيساً حتى عام 1958، وترك الرئاسة في 23 أيلول/ سبتمبر من ذلك العام بعد ثورة دامية كان وراءها النافذ العربي الجديد الذي هو جمال عبد الناصر دون منازع.

أخبرني الراحل الكبير المغفور له العميد ريمون إده في أكثر من لقاء معه في باريس أن السفير الأميركي <روبيرت ماكلنتوك> زاره في منزله عند منطقة الصنائع، مبادراً إلى القول بالإنكليزية: تهاني الحارة فخامة الرئيس... وأثناء تناوله طعام الغذاء مؤكداً تأييد أميركا التي قد أمست ممثلة للغرب مكان فرنسا وانكلترا، بعد أن أجبرهما <ايزنهاور> على الانسحاب من قناة السويس بعد عدوان 1956 وبالتالي تقليص نفوذهما في المنطقة بأسرها.

وصل ساعي السفارة الأميركية مسرعاً على دراجة أثناء الغداء وسلّم السفير برقية مستعجلة تقول  له: <لا  تعطِ أي وعد للسيد إده، فقد اتفق عبد الناصر وروبرت مورفي على تأييد اللواء فؤاد شهاب>.

عام 1964 نام الأمير عبد العزيز شهاب رئيساً وفي الغد وفي اجتماع <الكارلتون> الشهير، تقرر انتخاب شارل حلو في اليوم التالي. وتبيّن أن <الكرسي الرسولي> دعمه وسوّق لإنتخابه في واشنطن والقاهرة معاً.

أخبرني السياسي الراحل السيد محمد صفي الدين أنه زار الرئيس فؤاد  شهاب داخل منزله في جونيه بعد إنتخاب شارل حلو، وسأله ببراءة عن سبب عدم تأييده للأمير عبد العزيز، فقاده الرئيس الراحل إلى النافذة المطلة على البحر وقال له : <يا سيد إن رئيس لبنان لا ينتخب هنا... بل هناك> مشيراً إلى ما وراء البحر.

ويخطئ الكثيرون بتأكيدهم أن الرئيس الراحل سليمان فرنجية هو الرئيس الوحيد الذي <صنع في لبنان> إشارة للصوت الواحد، ويجهلون أنه قبل ذلك بعام أي عام 1969  حصلت فضيحة طائرة <الميراج> وبطلها العميد والملازم الأول في حينه محمود مطر. وغضب الاتحاد السوفياتي غضباً شديداً من المكتب الثاني خصوصاً والشهابية عموماً.  وكان الزعيم الراحل كمال جنبلاط القريب جداً من الشهابيين والصديق الأقرب إلى موسكو في آنٍ، قد أُحرج فقسّم أصوات نوابه الثمانية بين المرشح الياس سركيس وسليمان فرنجيه. فهل نعود للتذكير بالصوت الواحد، الذي نُسب إلى أكثر من نائب واحد؟ وبعد أن كان <بالوتاج> العقيد كابي لحود يؤكد تفوق الياس سركيس بأكثر من سبعة أصوات؟

بعد عام 1970 وبعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، أصبح النافذ العربي رئيس سوريا حافظ الأسد وأصبح هو الناخب الأول، مع ضرورة موافقة الغرب الممثل بواشنطن، انتخب الياس سركيس عام 1976 بتأييد سوري مطلق وموافقة أميركية.

عام 1982 اختلطت الأوراق الإقليمية بصورة دراماتيكية، فدخلت إسرائيل العاصمة اللبنانية وانتخب الراحل بشير الجميل رئيساً رغم إرادة سوريا، وثم اغتيل قبل تسلمه الرئاسة . وانتخب شقيقه الرئيس امين الجميل انقاذاً من الفراغ ورغم إرادة سوريا المنهكة من الاجتياح الاسرائيلي . وجاء عهد امين الجميل مثقلاً بالأحداث: انفجار <المارينز> والقوات الفرنسية عام 1983 وصراع الاخوة الأعداء في الكتائب والقوات عام 1985، والصراع الدامي بين <أمل> وحزب الله عام 1987، وقبلها حرب العلمين، وما تلا ذلك من فراغ رئاسي وحربي <التحرير> و<الإلغاء> ... إلى اتفاق الطائف. ورغم أن المبعوث الأميركي <ريشارد مورفي> قد أنذر بالفوضى، إذا لم يتم إنتخاب مخايل الضاهر فقد حصل اتفاق الطائف وانتخاب رينه معوض على مباركة أميركية وعربية وموافقة سورية.

من قتل رينه معوض ؟ لا أحد لديه قرينة أو ادلة حتى هذه الساعة...

استعجل الرئيس حسين الحسيني بتحديد جلسة لإنتخاب خلف للرئيس رينه معوض قبل مراسم دفنه. وطلب بإلحاح موافقة الرئيس حافظ الأسد على خيار النواب الموارنة المستقلين وبكركي لانتخاب الياس الهراوي. وتؤكد الوقائع أنه لو أجّل لجلسة عدة أيام فقط لجاء جان عبيد رئيساً وكان قد وصل برفقة رفيق الحريري إلى دمشق، فكان جواب الرئيس الراحل حافظ الأسد بما معناه <سبق السيف العذل>، وأن سوريا أعطت كلمتها للرئيس الحسيني وانتخب الياس الهراوي في شتورا في تشرين الثاني/  نوفمبر عام 1989.

كان التمديد للرئيس الهراوي مذلاً إلى حد فاقع. ففي غداء في منزله في زحلة حضره الرئيس الشهيد رفيق  الحريري وعبد الحليم خدام ونواب وزعماء... وقف خدام سائلاً: <شو رأيكم بالتمديد ثلاث سنوات؟> فصفق الحاضرون وحصل التمديد...

وحده العماد اميل لحود  تقرر انتخابه قبل أشهر وليس آخر ساعة. ففي غداء جمعنا في دمشق مع اللواء السوري محمد ناصيف في آب/ أغسطس 1998، بحضور الصديق الراحل الرئيس نصري لحود، وعدد من الأصدقاء، قال المضيف للرئيس نصري ان أخاكم العماد لحود سيصبح رئيساً للجمهورية. كلام رسمي من مسؤول كبير وقبل ثلاثة أشهر من الإنتخاب. قبل اطلالة عام 2007، أي قبل خمسة أشهر من انتخابه، تعرض قائد الجيش العماد ميشال سليمان لحملات مغرضة من بعض النواب وقال أحدهم في وسائل الإعلام انه موظف، ولا يحق له التحدث بالسياسة. يومئذٍ كتبنا مقالاً في جريدة النهار دفاعاً عن الجيش وقائده وبعنوان <الجيش وقسم الصامت الأكبر> ترك أثراً ايجابياً واعتمده الجيش <تعميم رقم 1».

يتحدثون عن 7 أيار وبرأيي هو نتيجة لـ 5 و 6 أيار. ولولا 7 أيار لما كان هنالك <اتفاق الدوحة> ولولا ذلك الاتفاق، لما أتى العماد سليمان رئيساً وقد نجح في إطفاء نار الفتنة .

بناءً لما تقدم، واحتراماً للواقع والحقائق التاريخية، فإن انتخاب الرئيس في لبنان يتم غالباً في الساعة الأخيرة وبناء على توافق دولي واقليمي. فمن سيكون الرئيس العتيد في ظل صراع المحورين؟ وهل ان التقارب الأميركي - الإيراني سيترجم إلى تقارب إيراني - سعودي؟... وما هو دور سوريا؟ فصحيح أن الدور السوري انحسر إلاّ أنه لا يزال مؤثراً. الجواب على هذه الأسئلة صعب حالياً وسابق لتأكيده رغم أننا على حافة الاستحقاق.

أما أبرز مواصفات الرئيس المرتجى من اللبنانيين :

- رئيس يسعى إلى تطبيق اتفاق الطائف الذي أمسى دستوراً، ويحترم هذا الدستور قبل الحديث عن تعديله و تصويبه أو إلغائه.

- رئيس يكون لكل لبنان وليس أميراً لطائفته.

- رئيس يسعى لإقامة الدولة المدنية، وأول دعائمها قانون انتخاب عصري نسبي ينتج مجلساً تمثيلياً حراً. أول قرارته تكوين سلطة قضائية مستقلة عادلة، يخضع لها الكبير قبل الصغير، والقوي قبل الضعيف، وتقتلع غابة الفساد من جذورها، وقد أضحت أغصانها وارفة، فارعة.

- رئيس يعيد بناء المؤسسات.

- رئيس يرئس السلطات كافة (كما ينص الدستور) وليس عضواً في <ترويكا> كحكومة البوسنة والهرسك.

الشعب يريد رئيساً يُمثّل، يحتضن المظلومين والمهمشين ، إلى أية طائفة انتموا.

فهل يتحقق الحلم بانتخاب رئيس يكون صانعاً لا صنيعة، يحقق الأمن والرغيف والدواء، يحاسب <الأربعين حرامي> ويقفل المغارة ويدخل التاريخ؟

لنأمل ونتمنى ونحلم.