في الوقت الذي تعاود فيه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الأسبوع المقبل سماع إفادات <الشهود السياسيين> في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، حيث من المفترض أن تكون هناك شهادات توصف بـ<المهمة والحاسمة»، حسم الأمين العام للأمم المتحدة <بان كي مون> <الجدل غير الظاهر> الذي نشأ في أروقة الأمم المتحدة حول عمل المحكمة، وما إذا كان من الضروري التمديد لها ثلاث سنوات أو أقل، فقرر التمديد للمحكمة ثلاث سنوات إضافية تنتهي في نهاية شباط/ فبراير 2018.
ورغم أن قرار <بان كي مون> أحيط بسرية تامة في نيويورك، وفي غيرها من المناطق الخاضعة لإشراف الأمم المتحدة، إلا أن الوضع اختلف في لبنان، حيث تلقت الأوساط السياسية خبر التمديد للمحكمة من دون أن يكون للدولة اللبنانية الدور البارز في التفاوض مع الأمم المتحدة كما ينص نظام إنشاء المحكمة. وهكذا <مان> رعاة ولادة المحكمة منذ سنوات على الدولة اللبنانية وقرروا التمديد ثلاث سنوات إضافية خلافاً لمضمون المادة 21 من الاتفاق المعقود بين الأمم المتحدة ولبنان والتي تفرض التشاور مع لبنان قبل إصدار القرار.
وفيما أكدت مصادر وزارية لـ<الأفكار> ان موضوع التمديد للمحكمة الدولية لم يطرح على مجلس الوزراء ولا تمت مناقشته في جلسات عمل وزارية مقتضبة بين الرئيس تمام سلام وعدد محدود من الوزراء، أظهرت المعطيات المتوافرة ان ما تنص عليه المادة 21 من الاتفاق <حول التشاور بين الطرفين> بعد مضي 3 سنوات على بدء عمل المحكمة، تقلص الى رسالة وجهها <بان كي مون> الى الرئيس سلام حملت تاريخ آخر يوم في العام 2014، أبلغ فيها سلام أنه <قرّر> التمديد لمدة ثلاث سنوات بناء على توصية من رئيس المحكمة القاضي <دايفيد باراغوانت>. وتبعاً لذلك، تشير رسالة <بان كي مون> الى ان التمديد سيتم للقضاة المعنيين وكبار الموظفين. وأشارت المصادر الوزارية الى أن الأمر لم يتجاوز <إعلام> الرئيس سلام بالتمديد، بعدما كان الأمين العام للأمم المتحدة قد أطلعه في رسالة سابقة على تقرير موجز حول عمل المحكمة والحاجة بالتالي الى تمديد ولايتها. وقد تضاربت المعلومات حول رد الرئيس سلام، فثمة من قال انه أبلغ <بان كي مون> موافقة الحكومة على التمديد من دون العودة الى مجلس الوزراء، ومنهم من قال إن سلام تريث في الجواب مع ما يحمل هذا التريث من موافقة ضمنية.
موافقة من دون مجلس وزراء!
ويكشف المتحدثون عن جواب أرسله الرئيس سلام الى <بان كي مون> متضمناً الموافقة على أن الرئيس سلام لم يشأ أن يعرض الموضوع على مجلس الوزراء على أساس أن لبنان ملزم بالتمديد كون قرار إنشاء المحكمة متخذاً على أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لاسيما وأن طرح مثل هكذا موضوع على المجلس سيسبب جدلاً مستجداً في ظل انقسام الوزراء بين مؤيدين ومعترضين، ولا مصلحة بالتالي لإثارة هذا الملف الحساس من جديد، بل ترك الأمور تأخذ الإطار نفسه الذي يتم خلال تمويل دفع حصة لبنان في موازنة المحكمة الدولية، حيث تتنوع موارد الصرف، ثم تتوقف جزئياً لتُستأنف من جديد بعد فترة.
غير أن مصادر وزارية من 8 آذار أكدت ان العادة درجت منذ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثانية على دفع لبنان في موازنة المحكمة الدولية من دون العودة الى مجلس الوزراء رغم الموقف المعروف لغالبية هذه القوى من المحكمة الدولية، وكانت هذه القوى <تغض الطرف> عن هذه المسألة لئلا تزيد الاحتقان والتشرذم اتساعاً. وعليه ستتقبل هذه القوى ما آل إليه موضوع التمديد للمحكمة من دون العودة الى مجلس الوزراء للأسباب نفسها المتصلة بتسهيل عملية التمويل، غير أن ذلك لا يعني - حسب المصادر نفسها - استمرار الموقف نفسه من المحكمة، إضافة الى طرح تساؤلات حول مسارها، لاسيما وانها تنهي في شهر شباط/ فبراير المقبل عامها السادس من دون أن يُسجل أي تقدم ملموس وفعلي في كشف هوية قتلة الرئيس الشهيد ورفاقه، أو الجهة المحرضة والأخرى المنفذة. وفي رأي المصادر نفسها ان مهلة 6 سنوات ليست قليلة، وبالتالي كان يُفترض أن يتم تحقيق إنجازات عملية، لأن الإجراءات الشكلية التي تتخذها المحكمة غير كافية، فضلاً عن أن مسار المحاكمات يوصي بأنها ستستغرق سنوات لتنجز مهمتها... هذا إذا توصلت الى نتائج حسية، لاسيما وان <الشهادات السياسية> التي باشرت المحكمة السماع إليها قبل مدة، اعتبرها قانونيون انها <انحرفت> بالمحاكمة الى جهات غير تلك التي تحدث عنها القرار الظنـــي الـــذي صــدر قبل مدة وأشار إلى وجود خمسة متهمين متوارين ينتمون الى حزب الله، في حين صبت <الشهادات السياسية> على دور النظام السوري في جريمة الاغتيال.
تقارير لتبرير الملايين
وتوقعت مصادر متابعة ان يطلب عدد من الوزراء في مقابل عدم الدخول على خط طلب موافقة لبنان أو عدم موافقته على التمديد، الحصول على تقارير مفصلة حول <إنجازات> المحكمة التي تحققت منذ إنشائها لـ<تبرير> الملايين من الدولارات التي صرفها لبنان لتمويل المحكمة ولا يزال ينوي صرفها للغاية نفسها، لأنه من غير الجائز أن يدفع المكلف اللبناني ضرائب تذهب مباشرة الى صندوق المحكمة الدولية وتصرف على القضاة والعاملين فيها... من دون وضع المسؤولين اللبنانيين في صورة ما يجري من تطورات. إلا أن المصادر المتابعة نفسها رأت أن مطالب الوزراء هؤلاء <لن تقدم ولن تؤخر> على مسار العلاقات بين لبنان الرسمي والمحكمة الدولية منذ أن تكرس التمويل اللبناني في موازنة المحكمة الدولية وهو البلد المعني الوحيد بإنشائها، لاسيما وأن الملاحظات التي كانت قد أُبديت سابقاً على نظام المحكمة وظروف عملها وشروطه إلخ.. ذهبت كلها سدى، ولم تؤثر على استمرار المحكمة وبداية المحاكمات الغيابية للمتهمين الخمسة.