تفاصيل الخبر

باميلا زينون: قمت بواجبي كممرضة وكان همي إنقاذ أرواح الأطفال الثلاثة مهما كلّف الأمر

30/12/2020
باميلا زينون: قمت بواجبي كممرضة وكان همي إنقاذ أرواح الأطفال الثلاثة مهما كلّف الأمر

باميلا زينون: قمت بواجبي كممرضة وكان همي إنقاذ أرواح الأطفال الثلاثة مهما كلّف الأمر

بقلم وردية بطرس

[caption id="attachment_84335" align="alignleft" width="111"] تغيرت النظرة الى دور الممرضين والممرضات في ظل وباء الـ"كورونا".[/caption]

 هي بطلة بكل ما في الكلمة من معنى، وتلك الصورة التي تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في لبنان والعالم عقب انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب (أغسطس) الماضي ستبقى محفورة بأذهان الناس لأنها قالت الكثير عن أصعب اللحظات التي عاشتها... إنها الممرضة باميلا زينون التي أنقذت أرواح ثلاثة أطفال حديثي الولادة في قسم عناية الأطفال في مستشفى الروم حيث احتضنتهم لكي يظلوا بحالة من الدفء وأخرجتهم من وسط الدمار، إذ كان همها الوحيد إنقاذ حياتهم مهما كان لأنها تعتبر الرضع مسؤوليتها وفقاً للقسم الذي أقسمته حين تخرجت. باميلا زينون لن تنسى تلك اللحظات الصعبة اذ عاشت حالة من الصدمة لأنها وكما حال زملائها في المستشفى لم يعرفوا ماذا يجري، ولكن بالنسبة اليها كان همها انقاذ الأطفال مهما كلّف الأمر وبالفعل نجحت بفضل شجاعتها حتى إنها لم تلحظ أنه كان هناك مصور التقط لها صورة وهي تحتضن الأطفال الثلاثة لتصبح حديث الناس في لبنان والعالم، وعندما رأت باميلا الصورة لم تتذكر على الاطلاق نظراً لفظاعة المشهد داخل المستشفى ولكن بالحقيقة تلك الصورة كانت بألف كلمة... لقد استحقت باميلا عن جدارة ان تختارها مجلة "فايننشال تايمز" من بين 20 شخصية نسائية مميزة لعام 2020، وتعليقاً على الصورة التي اُلتقطت لها قالت باميلا: لم ولن أنسى ما جرى عند الساعة السادسة و 8 دقائق في ذلك اليوم المشؤوم.

الممرضة باميلا زينون والتجربة الصعبة

 "الأفكار" أجرت مقابلة مع الممرضة الشجاعة باميلا زينون التي آمنت بمهنة التمريض وهي تستحق منا كل التقدير كممرضة قامت بواجبها بأصعب لحظات حياتها من جهة وكلبنانية أوصلت اسم لبنان الى العالم كله من جهة أخرى ونسألها:

* مضى أربعة أشهر على انفجار مرفأ بيروت فهل ما زلت تشعرين بالخوف نظراً لهول الكارثة التي حلّت بمدينة بيروت وخصوصاً في مستشفى الروم حيث تعملين في قسم عناية الأطفال؟ وهل استطعت ان تتخطي تلك الفترة الصعبة التي عشتها؟

- كانت فترة صعبة جداً منذ وقوع الانفجار ولم تمر بسهولة، ففي الشهر الأول عانيت من قلة النوم اذ لم أنم بشكل جيد، ومرت فترة كنت اشعر بالخوف، وطبعاً يظل هناك شعور بالخوف أنه قد يقع انفجار آخر او يحصل أمر ما نعيش الخوف نفسه الذي عشناه في الرابع من آب (أغسطس) الماضي وبالتالي الشعور بالخوف أمر طبيعي نظراً لهول الكارثة التي وقعت في ذلك اليوم. وفي مكان العمل أي في المستشفى كلما جلسنا كممرضين وعاملين نتحدث عن ذلك الانفجار اذ لا نتوقف عن الكلام عما حصل لنا في ذلك اليوم. لا شك أنني الآن أشعر بحال أفضل مقارنة مع الفترة الاولى من وقوع الانفجار، ولكنني لا أزال أخاف اذا صدر صوت قوي مثلاً على الطريق او في أي مكان أمر فيه وما شابه، مع العلم أنني لم أكن أشعر بذلك قبل ذلك الانفجار الكبير، ولكن خفّ قليلاً هذا الشعور مقارنة بالفترة الأولى من وقوع الانفجار.

يوم الانفجار أصعب يوم بحياتي

[caption id="attachment_84337" align="alignleft" width="141"] باميلا زينون: أفتخر بأن يُذكر اسمي كلبنانية من ضمن 20 شخصية نسائية مميزة لعام 2020.[/caption]

* من أين تستمدين قوتك لمواصلة عملك كممرضة بعد تلك الصدمة التي تلقاها معظم الناس وخصوصاً الطاقم الطبي والتمريضي في مستشفى الروم من جهة وفي ظل انتشار وباء الـ"كورونا" في البلد؟

- على الصعيد الشخصي يمكن القول إن يوم الانفجار كان أصعب يوم في حياتي، والآن كل شيء يحصل أراه أمراً بسيطاً او سهلاً، مثلاً من قبل كنت أشعر بالقلق بسبب أمور تتعلق بالعمل أو على الصعيد الشخصي وما شابه أما الآن فاختلف الأمر لأنني عشت أمراً أصعب وأقوى، وكل الأحاسيس التي شعرت بها لم أتوقع أنني سأشعر بها يوماً ما اي الخوف والرعب اذ لم يسبق لي أنني شعرت بهذا الخوف. انما طبعاً الآن أصبحت الأمور أسهل علينا لا بل ندعم بعضنا البعض كممرضين وممرضات أثناء العمل، فاذا شعر أحدنا بالتعب يقوم الآخر بمساعدته في العمل اي نتشارك بكل شيء لنخفّف عن أنفسنا.

* وماذا عن أهلك فهل لا يزالون قلقين عليك بعد تلك التجربة الصعبة التي عشتها يوم الانفجار؟

- بعد الانفجار أصبح الأمر مختلفاً ، حيث زاد خوف وقلق أهلي عليّ أكثر لأن ما عشته كان صعباً ومخيفاً، ولكن أيضاً زاد دعم أهلي لي كممرضة، طبعاً كانوا يدعمونني بالأساس منذ أن اخترت مهنة التمريض ولكن بعد الانفجار أشعر بذلك أكثر من قبل. وأذكر أمراً هنا أنه أول فترة من وقوع الانفجار عندما كنت أتوجه من غرفة الجلوس الى المطبخ كانت أمي تنهض من مكانها وتسير الى جانبي من شدة خوفها علي لتشعر بأنها الى جانبي.

* وبماذا يشعر ذووك عندما يشاهدونك في المقابلات التلفزيونية المحلية والعالمية كممرضة ذاع صيتها في العالم كله كونها بطلة أنقذت أرواح ثلاثة أطفال وبأنك خُلقت لتكوني ممرضة؟

- للأسف عندما يسأل الناس أحدهم ماذا ستتخصص ويكون الجواب التمريض يستخفون بالأمر ويقولون له لماذا لا تدرس اختصاصاً آخر. بالنسبة لأهلي فمنذ البداية حظيت بدعمهم وبأن اختار الاختصاص الذي أريده، وبعد وقوع الانفجار تأكدوا أكثر بأنني ولدت لأصبح ممرضة. فطالما أنني اخترت مهنة التمريض وسعيدة بهذا العمل، فهم أيضاً يشعرون بالسعادة والفخر وبأن اختياري للتمريض كان صائباً.

التواصل مع والدة الأطفال الثلاثة

[caption id="attachment_84336" align="alignleft" width="444"] الصورة التي غزت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.[/caption]

* وبعد مرور أربعة أشهر على انقاذك للأطفال الثلاثة هل تتواصلين مع ذويهم وتطمئنين عليهم؟ وبماذا تشعرين تجاههم؟

- طبعاً الأطفال الثلاثة يعنون لي الكثير لأنهم كانوا معي بأصعب مرحلة بحياتي. صدقيني الأطفال الثلاثة لعبوا دوراً ايجابياً بالنسبة الي لأنه ربما بدونهم لما استطعت ان أنهض من مكاني وسط الدمار والخراب الحاصل في المستشفى، اذ قلت في تلك اللحظة ماذا سأفعل لأن الانفجار كان كبيراً جداً، ربما كنت قد وصلت الى مرحلة أقول لنفسي سأغلق عيني وسأموت ولكن بسببهم ومن أجلهم استمددت القوة منهم ونهضت مسرعة وبذلت ما بوسعي لانقاذهم مهما كلّف الأمر، وحتى عندما خرجت من المستشفى ورحت أمشي على الطريق لأوصلهم الى مكان آمن وعندما كنت أشعر بالتعب والارهاق كنت أنظر اليهم وأقول لنفسي من أجلهم سأواصل المشي وهذا ما حصل. وبين الحين والآخر اتصل بوالدة الأطفال وأطمئن عليهم، اذ أسأل عنهم دائماً وبدورها ترسل لي والدتهم صورهم.

نظرة الناس الى مهنة التمريض تغيرت

 

* ربما في السابق لم يكن يّلقى الضوء على دور الممرض وأهمية مهنة التمريض بينما اليوم وفي ظل وباء الـ"كورونا" اختلفت النظرة الى مهنة التمريض فما رأيك؟ والى أي مدى أصبحت هذه المهنة محط اهتمام وتقدير لأن الممرضين هم في الصفوف الأمامية لمواجهة الفيروس ؟

- هذا صحيح لقد تغيرت النظرة الى دور الممرضين والممرضات في ظل وباء الـ"كورونا" وخصوصاً بعد الانفجار الكبير الذي وقع في بيروت، وبالتالي لم يعد الناس يستخفون بمهنة التمريض اليوم كما كانوا يفعلون في السابق اذ كان لدى الناس من قبل مفهوم خاطىء عن العمل التمريضي، وبأن الشخص الذي لا يقدر ان يتخصص بمهنة او يدرس اختصاصاً ما بامكانه ان يعمل كممرض او ممرضة بينما الحقيقة مغايرة تماماً لأن الممرض يلعب دوراً مهماً. بالنسبة الي سأكمل الماستر وأطمح لنيل شهادة الدكتوراه في اختصاص التمريض أي يمكن ان يتقدم الشخص بهذه المهنة لأنها ليست مهنة محدودة، وبالتالي ألاحظ أن نظرة الناس الى العمل التمريضي تغيّرت، ولقد رأوا ذلك بأنفسهم كيف أن الممرض يواجه اليوم وباء الـ"كورونا" بشجاعة وعزيمة، وبأن مهنة التمريض مهمة ومن هذا المنطلق بدأنا نأخذ حقنا كأشخاص اختاروا هذه المهنة... ولغاية الآن عندما يراني الأهل في قسم عناية الأطفال في المستشفى يقولون في الحال ألست انت من أنقذت الأطفال الثلاثة يوم الانفجار، ويقولون لي نحن محظوظون لأنك تهتمين بأطفالنا الآن وطبعاً هذا يسعدني كثيراً عندما أرى الناس يقدّرون عملنا وجهودنا في مهنة التمريض وبذلك أكون قد منحت طاقة ايجابية لهم.

 

الشعور بالفخر لاختيارها من بين 20 شخصية نسائية لعام 2020

[caption id="attachment_84338" align="alignleft" width="334"] باميلا والأطفال الثلاثة.[/caption]

 

* ماذا يعني لك أن تختارك مجلة "فايننشال تايمز" من بين 20 شخصية نسائية مميزة لعام 2020؟

- طبعاً سررت بذلك وبأن الرسالة وصلت للعالم كله، والجهد الذي بذلته أعطى نتيجة الا هو بالمرتبة الأولى انقاذ أرواح الأطفال الثلاثة. وثانياً شعرت بالفخر كممرضة وليس على الصعيد الشخصي أن أوصل الصورة الجميلة عن عطاء الممرضة في هكذا ظروف صعبة وقاسية، وعلى صعيد لبنان كبلد أستطعت ان أوصل اسم لبنان لأنه بالنهاية ما قمت به هو واجبي كممرضة وبذلك استطعت رفع اسم لبنان عالياً وبطريقة جميلة في الخارج.

* كيف تم التواصل معك؟

- بداية اتصلت مجلة "فايننشال تايمز" بمستشفى الروم وأعلمتها بأن المجلة تود اجراء مقابلة معي بعدما تم اختياري من بين 20 شخصية نسائية مميزة لعام 2020، والمستشفى من جهتها وافقت وزوّدت المجلة برقم هاتفي من ثم اتصلت بي لتعلمني بالأمر وبهذه الطريقة تم التنسيق ما بين المجلة والمستشفى وبالفعل اتصلت المجلة وأجرت معي المقابلة.

* هل تشعرين بمسؤولية كبيرة بعدما أصبحت مثالاً للممرضة الشجاعة وبأنك قد تصبحين قدوة للشباب والصبايا الذين يودون ان يدرسوا التمريض ويعملوا في هذا المجال؟

- أفتخر بأن أصبح مثالاً للشباب الذين يودون دراسة التمريض ومزاولة المهنة لأنني أحب أن أساعد في هذا الخصوص، وأحاول أن أشرح للناس بأن مهنة التمريض عمل مهم ومميز وبالتالي أحاول ان أظهر الصورة الجميلة عن هذه المهنة.

* مؤخراً هاجر عدد كبير من الأطباء والممرضين الى الخارج فما رأيك وهل تفكرين بالأمر؟

- أولاً أحزن أن أرى زملاء من الطاقم الطبي والتمريضي يهاجرون الى الخارج لأنني على الصعيد الشخصي أرى أنه اذا أردت السفر الى الخارج فلن أفعل ذلك الآن لأن لبنان في هذا الوقت بالذات بحاجة الينا كممرضين وممرضات وأطباء، واذا فكرت بمغادرة لبنان فلن أقدم على ذلك الا بعدما يصبح الوضع مستقراً وطبيعياً وليس الآن وهو في حالة ضعف وعجز. للأسف اذا استمرت هجرة الأطباء والممرضين سيصبح الوضع الصحي في لبنان أسوأ خصوصاً في ظل جائحة الكورونا، وبالأساس عدد الممرضين في لبنان ليس كبيراً فكيف الحال اذا هاجر عدد كبير منهم الى الخارج.

* وهل تنصحين بتوجيه الشباب لدراسة التمريض لا سيما اذا واجهنا نقصاً في هذا الخصوص من جهة ولأن هذا الوباء لن يكون الأخير ويجب ان نكون مستعدين للأوبئة التي ستصيبنا؟

- أشجع هذا الجيل بأن يدرس الاختصاص الذي يحتاج اليه البلد. فعلى سبيل المثال إذا كان لبنان يحتاج للممرضين او أطباء فعليهم ان يختاروا دراسة التمريض والطب، ولكن بالدرجة الأولى عليهم ان يختاروا المهنة التي يحبونها لأنهم اذا لم يحبوا مهنة لن يبرعوا بها، ففي النهاية حب المهنة هي التي ستوصل الشخص الى مكان مهم في هذه الحياة وليس الألقاب او المراكز وما شابه.