بقلم عبير انطون
الفنانة منال ملاط: آثار العلاج بالأشعة على وجهي والتي كنت أخاف منها لما أنظر الى المرآة تحولت نقطة قوتي وأقول اليوم: ربحت المعركة..
[caption id="attachment_85700" align="alignleft" width="200"] التجارب تملأ الفنان.[/caption]آخر ما شاهدناها به على الشاشة كانت مشاركتها في أغنية وكليب "بيروت أمي" للفنان جان ماري رياشي، وفيها ظهرت منال كما دائماً، متألقة، مميزة بصوتها القوي، وبشخصية تتمتع بالكثير من الرقي الذي يجذب المشاهد، ولو من خلف الشاشة.
نجمة "أرابزغوت تالنت" التي بدأت الغناء باكراً، تحمل خليطاً من تونس وفرنسا ولبنان، وقد فاجأت متابعيها باعلانها منذ اسابيع الشفاء من سرطان الجيوب الأنفية بعد سنة من المعاناة بصمت، وخضوعها لثلاث عمليات وثلاثين جلسة علاج بالاشعة، وقد داهمها المرض في أصعب الأوقات، مع انفجار بيروت وجائحة "كورونا" حتى شعرت انه كانت للناس سنتهم المشؤومة، ولها سنتها الخاصة، وقد تركت ندوباً عميقة ستعمل منال على جعلها تشفى أكثر بعد. كيف، وما خطتها الى ذلك؟
في لقاء "الأفكار"مع منال كان حديث بغاية الصراحة بدأناه بالسؤال:
- آخر ما رأيناك فيه من أعمال كانت اغنية "بيروت أمي" والتي شاركت بها مع باقة من الفنانين الشباب. في تلك الفترة، هل كنت على علم بمرضك؟
تسجيل "بيروت امي" أتى بعد اسبوع على إجراء اول عملية لي، ولم اكن اعرف بأمر السرطان في الجيوب الانفية، اما الكليب فقد صورناه قبل اسبوع من العملية الثالثة، وحينها كنت اصبحت على علم بحالتي، وبأنني سأخضع لعملية ثالثة، ومن بعدها لثلاثين جلسة علاج إشعاعي من دون تقطّع، إلا أنني اصررت على هذا العمل الفني، وذلك اولاً حتى أشغل نفسي وأركز على ما يجعلني أشعر بالقوة وبأنني على قيد الحياة، مايأخذني بعيداً عن الوضع الذي كنت فيه.
- كان ذلك بمثابة علاج نفسي لك؟
بكل تأكيد.عرفت بأنه ينتظرني ما هو اصعب، وأنني لن استطيع أن أغني او أصور وأحمد الله أنني استطعت إنهاء هذا المشروع، لأنه كان يهمني شخصيا.
-وجان ماري والمشاركون هل كانوا على علم بما تمرين به؟
[caption id="attachment_85706" align="alignleft" width="144"] منال كل الألوان.[/caption]لا، لم يكونوا على علم بالأمر.
- عادة كيف تتلقين الصدمات؟ وكيف تواجهينها؟
لا اعتقد ان اي انسان مبرمج على تلقي الصدمات، والصدمة بتعريفها هي أإمر مفاجئ، وغير جميل ولا منتظر. وشخصياً، مررت بثلاث صدمات متتالية بدءاً من العام 2019 بعد التهاب العصب البصري الّذي جعلني أفقد بصري الأيمن جزئياً، تشخيص الذئبة، ونقص المناعة الذاتية ، وسرطان الجيوب الأنفية. وأي من هذه الصدمات الثلاث لم يكن وقعها خفيفاً ، والثالثة يمكنني وصفها بأنها كلية إذ إنني حتى اليوم احاول ان استوعب ما حدث.
-ولم تكن هناك اية اشارة لما يضايق او يزعج؟
لا، وهنا تكمن اهمية الكشف المبكر وعدم الاهمال. الصحة هي فعلاً تاج على رؤوس الاصحاء وهي الأغلى في هذه الدنيا. لقد دخلت لاجراء عملية "لحميّة" في انفي، اذ كنت اعاني من صعوبة في التنفس، وكنت اؤجل الامر، علماً انني منذ صغري كنت اعاني من الحساسية والـ "سينزويت" بشكل شبه دائم، وبالمصادفة مع دخولي لاجراء العملية تبين معي ما تبيّن.
- لماذا قررت عدم كشف الخبر في البداية، وبعد الشفاء قررت الكلام؟
لم اكن حاضرة للحديث في الموضوع قبلاً، خاصة وانه امر شخصي جداً، من خصوصياتي ولا اطلع به على الاعلام. كما انني كنت خائفة وبقي الأمر في نطاق الحلقة الضيقة للاهل والاشخاص القريبين جداً. لم أفكّر مطلقاً في أنني سأفصح عن هذا، لكنني شعرت بالحاجة إلى مواجهته وقبوله. ذات يوم قلت في نفسي: إن من بين الامور التي مدّتني بالقوة حتى لا استسلم كانت قصص وحكايات الناس الابطال الذين استطاعوا ان يتغلبوا على المرض.هذا ما كان يعطيني دفعاً وفكرت، انه بما انهم استطاعوا ان ينتصروا فإنني انا ايضاً استطيع. صدقاً اقول، شعرت بمسؤولية تجاه غيري، وأردتها رسالة امل وتوعية. لقد تفاجأت لماذا كتبت الـ"بوست" عن المرض وشفائي منه بعدد من هم بحاجة من جانبهم ان يحكوا، ان يعبروا ويشاركوا من جانبهم التجارب الصعبة التي يمرون بها. العام 2020 السوريالي على الجميع وخاصة على اللبنانيين كان خاصاً جداً لي، وشعرت بنفسي معزولة. ولا أحد يستطيع ان يفهم هذا الوضع الا اذا مر به.
[caption id="attachment_85702" align="alignleft" width="167"] بكرا أحلى.[/caption]-فعلاً، وسط انفجار المرفأ، التعبئة والحجر مع جائحة الـ"كوفيد 19" ووجودك بين المستشفيات والعيادات من ساعدك في هذه المرحلة، وكيف عشتها؟
كنت كل يوم كنت امر بمختلف الحالات النفسية التي يعرفها الانسان من قوة وامل الى ضعف وانكسار وخوف..ما ساعدني كان الدعم من الاهل والاصحاب. في البداية كان همّ نقل الخبر الى الاهل اكبر من هم نفسي او مرضي. بعدها كنت امام خيارين: اما اغرق واستسلم، او اتشبث بالارادة للنهوض، والارادة القوية هي التي تتغلب على المرض.صرت اركز على ما يساعدني، فأدير نفسي بطريقة جيدة. اشتغلت على ذاتي، وقمت بالكثير من اليوغا، وتمارين التنفس. رحت اقرأ أكثر واركز على الامور الايجابية . فمناعتي كانت منخفضة واعيش كل يوم خوف التقاط الكورونا وسط العيادات والمستشفيات.
- اي صور او مشاهد او حتى اغاني حلوة استعدتها، وكانت تخطر على بالك هذه الفترة؟
انكببت اتفرج على صور من الأسفار والاوقات الجميلة التي كنت اقوم بها قبل ان يغير الـ"كورونا" مسار حياتنا. في الموسيقى كنت استمع الى كل شيء واركز على الاغاني الخاصة التي أحضّرها. إذ كان من المفروض ان اصدرالبومي الاول، و بسبب الظروف ما تمكنت من ذلك. بمساعدة اصحابي وزملائي استطعت ان اركز على الاغاني، كما انني كتبت الكثير ومنها ما تحول اغنيات . كفنانة كنت موجودة على مواقع التواصل وانشر صوراً على علاقة بما ما كنت اشعر به. وفي اليوم الاخير من العلاج بالاشعة في الواحد والعشرين من كانون الثاني انزلت الصورة، والندوب تغطي وجهي. انا الفنانة التي تهتم كثيراً بأي مظهر أطلّ. قررت ان انزل الصورة كما هي. هذه الاثار التي تركتها الاشعة على وجهي والتي كانت تخيفني لما أنظر الى المرآة تحولت نقطة قوة. هي تخبرني بأنني ما زلت هنا، على قيد الحياة وانني شفيت، كاملة وحرّة، تاركةً خلفي أحد أكثر الفصول تحدّياً في حياتي.
أوجه شبه...
- عشت الأوجاع وآثار الندوب نفسها التي عاشتها بيروت جراء انفجار المرفأ وكأن تلازماً او تشابهاً بين ما عانيت منه انت النجمة الجميلة، وبين بيروت اللؤلؤة الجريحة ، والتي لها غنيت "بيروت أمي"..
تماماً. البارحة صدرت "ريميك" لاغنية "بيروت أمي"، وفيها مقطعان كتبت كلماتهما باللغة الانكليزية. اذكر انني كنت جالسة على الشرفة بعد اسبوعين من الانفجار وكتبت وعبرت عما في داخلي والحالة التي امر بها ، وأعبر بالوجع ذاته عما الم ببيروت واصابها. وانا على يقين ان كثيرين شعروا بما شعرت به تجاهها وعبروا بالطريقة التي يعرفونها، وانا طريقتي كانت الكتابة .
[caption id="attachment_85704" align="alignleft" width="333"] عانت بصمت..[/caption]- هل خشيت على صوتك وبخاصة ان السرطان اصابك في الجيوب الانفية؟
طبعاً.هي منطقة حساسة جداً قربية من الاوتار الصوتية، وقريبة من العيون. هذا السرطان ليس منتشراً بشكل كبير وهو نادر نوعاً ما، الا اننا بتنا نسمع عن حالات اكثر واكثر من الاطباء. من هنا ضرورة الكشف المبكر الذي أشجع عليه. شعرت انه يمكنني من خلال منصاتي ان اكون الرسولة الذي تحمل رسالة التوعية والامل فأساعد غيري .
- هل خطرت ببالك تجربة اليسا مع السرطان ايضاً وهي عبرت عنه بأغنية وكليب؟
اكيد. اليسا من هؤلاء الناس الذين أدوا دوراً ملهماً. لقد مروا بالتجربة وانظروا ما احلاهم اليوم اكثر قوة من ذي قبل، وهم رمز لكثيرين.
-من كان ملاكك الحارس طوال هذه الفترة ؟
العائلة ،وأكثر من شخص، واختي بالطبع علماً انني لم ارها منذ سنة وشهرين وهي في ابو ظبي. حتى عن بعد كانت وكأنها الى جانبي ، فضلاً عن حلقة اصدقائي المقربين جداً.
- ما الخلاصة التي خرجت منها؟
بضحكة تجيب منال: الخلاصة طويلة حتما لكثرة الدروس التي استقيتها من هذه السنة. تعلمت الى اي مدى الحياة غالية وكل لحظة فيها مهمة بذاتها، فضلاً عن تلك القوة التي تجعلك ، كلما تشعرين بالاحباط وتقولين "ما عاد فيي"، تكتشفين انك تقومين من جديد وتستمدين ذلك الايمان ومن الارادة القوية.
- هل من سبب مباشر لهذا المرض؟
لا سبب مباشراً، مثله مثل مختلف انواع السرطانات الموجودة، او امراض نقص المناعة، ولا تزال هذه جميعها مدار أبحاث، واسئلة من دون اجوبة . بالنسبة ليس المهم طرح الاسئلة. انا نفسي طرحت الكثير من الاسئلة. لماذا انا؟ وماذا فعلت؟ وما هو السبب؟ الا ان هذا كله لا جدوى منه والمهم ان يبقى الأمل موجوداً فلا يكون المرض هو من يصنف المريض او يحدده.
-من فاجأك باتصاله بك؟
للصراحة تفأجات بكمية الناس المساندة. بالمحبة التي غمرتني بها، وما زلت حتى اليوم اجيب على الرسائل التي تلقيتها، من قريبين ومعارف ومن ناس لا اعرفهم ابداً، وهذا ما اثر بي خاصة من بادروني بالقول: اعطيتنا املاً!. هذا فعلاً كان غالياً على قلبي، كذلك الناس الذين عبروا لي انهم يمرون بالحالة الصحية عينها او انهم يتهيأون لاجراء الفحوصات لذلك.
خليط جميل...
[caption id="attachment_85701" align="alignleft" width="200"] الفنانة منال ملاط : التمثيل يبقى شغفي الثاني مع الغناء وقد اشتقت له جداً[/caption]- والدك لبناني، والدتك فرنسية، وولدت في تونس. ماذا اخذت من كل من البلدان الثلاثة؟
لقد ولدت في قرطاج، التي اخذت الاكل الطيب منها . فأنا أطبخ الاكل التونسي الشهي كما وتعلمت اللهجة التونسية الحلوة علما انني لم ازر تونس منذ مدة. اما من فرنسا، فتعلمت حب الموسيقى والفنون، وللبنان نصف القلب واكثر. هذه البلدان الثلاثة منها تشكلت هويتي الفنية، وقد كونتها من عناصرها المختلفة لذلك انا "بوليفالانت"، واغني بلغات اجنبية عدة كما اغني بالعربية طبعاً.
-ما الذي ننتظره منك فنياً ؟
سأعود الآن الى الكتابة وانتاج الاغاني. كان مفروضاً ان انزل البومي الذي اجلته بسبب ظروف البلد وتجربتي الخاصة. سأرتاح قليلاً ، وبمعونة الله آخر السنة يصدر البومي الاول مع نهاية العام الحالي.
-ماذا سيتضمن الالبوم؟
أغاني سبق واصدرتها مثل "بدنا نبيع" و"كل الالوان" من كتابة والحان انطوني خوري، وسيضم الالبوم ما هو من وحي التجارب التي مررت بها. "شقفة" كبيرة من حياتي ستكون في هذا الألبوم، خاصة ما عشته مؤخراً.
وستصورين منه ؟
اكيد. فإذا ما ضم ثماني او تسع اغان فإنني سأصور أربعاً او خمساً منه .
- وستكون الاغاني كلها باللغة العربية؟
الجزء الاكبر بالعربي لأول البوم لي. وقد يكون فيه تطعيم او تزاوج مع لغات اخرى.
-ومع اية شركة انتاج؟
انا انتج لنفسي مثل كثيرين.على امل ان أوقع مع شركة انتاج لاحقا.
- هل ستخضعين بعد لعلاجات؟
في السنوات الخمس الاولى ستكون المتابعة دائمة كل اول 3 اشهر، ومن ثم ستة، وبعدها مرة في السنة خاصة وان هذا المرض دقيق جداً.
-هل احتجت الى طبيب نفسي ؟
فكرت بالامر الا انني حاولت بقدر ما استطيع ان اقوم بـ "التأمل" وتمارين التنفس، كما ان لدي عدداً من الاصدقاء هم أختصاصيون نفسيون، وانا اشجع من يحتاج الى اللجوء لطبيب نفسي خاصة مع ما مررنا به في لبنان. هناك مرحلة المرض وما قبله، لكن هناك ايضاً المرحلة التي تليه ولهذه اهمية قصوى للخروج من الحالة النفسية. شخصياً افكر في السفر لفترة حتى ارتاح وانقطع عن اي تواصل مع ما حدث، واركن الى نفسي، وهذه الفترة ستكون لي بمثابة طي الصفحة للبدء مجددا .
-هذه التجارب تشكل خزاناً للتمثيل اين انت منه اليوم؟
"كتير حابة" ارجع عالتمثيل. التجارب تملأ الفنان. والتمثيل يبقى شغفي الثاني مع الغناء وقد اشتقت له جداً.