تفاصيل الخبر

بعثة صندوق النقد الدولي:أسئلة تنتظر أجوبة وتجارب سابقة لا تشجع!

13/05/2020
بعثة صندوق النقد الدولي:أسئلة تنتظر أجوبة وتجارب سابقة لا تشجع!

بعثة صندوق النقد الدولي:أسئلة تنتظر أجوبة وتجارب سابقة لا تشجع!

 

 

[caption id="attachment_77952" align="alignleft" width="375"] صندوق النقد "كريستالينا جورجيفا "[/caption]

مع وصول وفد صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع الى بيروت لمباشرة التفاوض مع الحكومة اللبنانية لطريقة المساعدة على مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمر بها لبنان، يبدأ العد العكسي لمسيرة يتوقع المراقبون أن تأخذ وقتاً نظراً للتعقيدات التي ترافق هذه الأزمة في مختلف وجوهها، وبديهياً أن يبدأ لبنان مع بدء المفاوضات مع الصندوق، مرحلة جديدة تهدف في النهاية الى عقد اتفاق برنامج تمويل تقدر قيمته بـ10 مليارات دولار أميركي، بالتوازي مع الشروع في تنفيذ خطة "التعافي المالي والاقتصادي" التي اقرتها الحكومة والتي ستعتمد صيغتها النهائية في ضوء ملاحظات المؤسسة الدولية والمرجعيات والجهات المحلية المعنية بالتشريع والتنفيذ وادارة النقد والمصارف على مدار السنوات الخمس المقبلة.

 وتأتي مباشرة بعثة الصندوق لعملها في لبنان، بعد إشارة ايجابية أولى وردت على لسان رئيسة الصندوق "كريستالينا جورجيفا" خلال الاتصال الذي أجرته مع رئيس الحكومة حسان دياب والتي اعتبرت فيه اقرار الخطة في مجلس الوزراء "خطة مهمة الى الأمام"، ما أشاع أجواء متفائلة بامكانية تسريع الوصول الى اتفاق والحصول على الدفعة الأولى من الدعم والمقدر بـ3مليارات دولار قبل نهاية 2020، ما يخفف جزئياً من نقص العملات الأجنبية والأعباء التقليدية على الاحتياطات التي يمكن استخدامها لدى البنك المركزي.

وتقول مصادر قريبة من صندوق النقد الدولي لـ"الأفكار" إن مسؤولي الصندوق يطرحون أسئلة عدة حول قدرة الدولة اللبنانية على الالتزام بالبرنامج الاصلاحي الشامل، خصوصاً ان تجارب الماضي لم تكن مشجعة مقارنة مع الفرص الدولية التي أتيحت للبنان منذ باريس 1 و2 و3، ثم من خلال اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان في باريس في كانون الأول (ديسمبر) 2018. وتضيف المصادر نفسها ان السلطات اللبنانية مدعوة الى التمييز بين التعامل مع الدول كما كان يجري سابقاً، وبين التعامل مع صندوق النقد الدولي، لأن الدول تجاوبت مع طلبات لبنان في السابق وقدمت مساعدات وإعانات، في حين ان صندوق النقد يؤمن التمويل على دفعات قياساً الى تقدم الحكومة في تنفيذ البرنامج الذي سيتم الاتفاق عليه مع وفد الصندوق. وفي تقدير المصادر نفسها ان ثمة أسئلة أساسية سوف يطرحها الوفد تتوزع على معرفة الآتي:

أسئلة وهواجس!

ــ أولاً: مدى توافر التغطية التشريعية والقانونية للاجراءات التي اتخذتها الحكومة في الخطة التي وضعتها، لاسيما بعدما توافرت معلومات عن وجود اتجاه الى ادخال تعديلات في مجلس النواب على الخطة كان أول الغيث منها، ملاحظات اللجنة النيابية التي شكلت لدرس برنامج الحكومة ومدى توافقه مع النظام الاقتصادي الحر الذي درج عليه لبنان بموازاة النظام الديموقراطي البرلماني المعتمد في الحياة السياسية. ولعل هذا السؤال له ما يبرره ــ في رأي المصادر نفسها ــ عندما يطلع القيمون على الصندوق مباشرة أو عبر ممثليهم في بيروت على مواقف بعض الكتل النيابية ورؤساء الأحزاب والفاعليات السياسية والتي تُلقي ظلالاً من الشك حول جهوزية الحكومة لتنفيذ ما التزمت به في البرنامج الاصلاحي الذي وافقت عليه.

ــ ثانياً: مدى التزام الحكومة الأرقام التي وزعت عن "الفجوة" المالية التي قيل انها موجودة في حسابات مصرف لبنان، وذلك في ضوء التناقض الذي برز بين أرقام حاكم مصرف لبنان، والأرقام المدرجة في خطة التعافي المالي التي أقرها مجلس الوزراء والتي تشير الى ان الخسائر الاجمالية بلغت177 تريليون ليرة لبنانية والتي تصبح 121 تريليون كخسائر صافية إذا ما احتسبت بعض موجودات المصرف. وهذه الخسائر موزعة على حافظة الاوراق المالية الحكومية لدى المصرف والخسائر المتكبدة في موجوداته مع الإشارة الى ان الأرقام حتى 15 نيسان (ابريل) الماضي اعتمدت على فرضية توضيحية لصافي رأسمال متبقي يبلغ ناقص 3,9 مليار دولار أميركي (14 تريليون ليرة) أو نحو 15 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي، وعلى افتراض ان تعديلات التقييم على جانب الخصوم من الميزانية العمومية تشكل احتياطيات دائمة مقيمة بالدولار الأميركي (10,4 مليار دولار أميركي) وعلى اقتراضات أجريت على معايير إعادة هيكلية الدين العام.

ــ ثالثاً: مدى التزام الحكومة الاصلاحات الادارية والمالية التي أعلنتها لاسيما وانما كان يحصل في السابق لا يشجع على الاطلاق لأن الاصلاحات كانت تصطدم في كل مرة بذهنية لدى القيادات السياسية اللبنانية متباعدة عن أي فكر اصلاحي أو تغييري مع استمرار موجة الفساد التي بدأت تتظهر تداعياتها خلال الأسابيع القليلة الماضية خصوصاً بعد ملابسات فضيحة الفيول المغشوش الذي استُقدم الى بيروت لتشغيل معامل انتاج الكهرباء الأرضية والبواخر.

ــ رابعاً: مدى استجابة المجلس النيابي وكتله الرئيسية لاقرار القوانين التي سترسلها الحكومة تباعاً لاسيما بعد بروز مواقف معترضة وأخرى تطالب بادخال تعديلات على البرنامج الحكومي الاصلاحي، بالتزامن مع شكاوى نيابية عن عدم "استشارة" المجلس النيابي قبل اقرار الخطة، وتسجل المصادر نفسها عدم صدور ترحيب "واضح وجلي" بعمل صندوق النقد الدولي ومهمته المتوقعة في لبنان، بل على العكس سُجل صدور مواقف اعتراضية وتشكيكية بعمل صندوق واتهامه بالسعي الى "السيطرة" على القرار اللبناني في مقابل الحصول على مساعدات من الصندوق. وأكثر ما توقف عنده المسؤولون في الصندوق كان ما صدر عن نواب "كتلة الوفاء للمقاومة"، ومن ثم عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على رغم انه لم يقطع الطريق كلياً على عمل الصندوق، بل وضع ضوابط يعتبرها أهل الصندوق "شروطاً مسبقة" لم تجر العادة بأن يقبل مثلها القيمون على الصندوق.

رضا المركزي والمصارف!

[caption id="attachment_77951" align="alignleft" width="387"] رئيس الحكومة حسان دياب.. حكومته مطالبة بالتزام الإصلاحات المالية والإدارية[/caption]

ــ خامساً: مدى "رضا" المصارف اللبنانية والمؤسسات المالية عن الخطة التي تفرد مساحة واسعة لما سمته بالخسائر المتوقعة للقطاع المصرفي اللبناني والتي قدرت بنحو186 تريليون ليرة لبنانية، ما دفع بأن تتضمن الخطة فصلاً خاصاً على إعادة هيكلة النظام المصرفي بالتزامن مع إعادة هيكلة مصرف لبنان. ويتضح من الجداول التي أرفقت بالخطة الاصلاحية ان الخسائر الاجمالية المقدرة بـ186 تريليون ليرة، هي في الواقع 154 تريليون ليرة لأن في قاعدة رأسمال المصارف المالية هناك 31 تريليون ليرة لبنانية يجدر احتسابها عند البحث في إعادة هيكلة المصارف، واستطراداً هيكلة القطاع المالي العام للدولة.

وأشارت المصادر نفسها الى ان فريق صندوق النقد الدولي مهتم أيضاً باستيضاح الخيارات المتاحة أمام لبنان من أجل التخفيف من الخسائر لاسيما وان في البرنامج نقاطاً عدة في هذا المجال منها تعبئة الموارد من قبل الحكومة من خلال استعادة الأموال المنهوبة عبر العمل القانوني الذي بدأت به الحكومة، واسترداد الودائع التي تم تهريبها من لبنان ما يعتبر انتهاكاً لضوابط رأس المال (الكابيتال كونترول) والأرباح المفرطة التي دفعتها المصارف خارج لبنان على مدى السنوات الخمس الماضية، وعوائد الهندسة المالية، إضافة الى استعادة الفوائد المبالغ فيها التي دفعتها المصارف للمودعين، واستخدام بعض أصول الدولة (الأراضي والعقارات والمؤسسات المملوكة من الدولة)، واستيعاب خسائر مصرف لبنان عبر تطبيق الـ"Boil in" على ودائع المصارف وشهادات الايداع في البنك المركزي، اضافة الى صافي الخسائر التي تتكبدها المصارف والتي يُحتمل أن تؤدي الى نقل ملكية المصارف الى المودعين، واستخدام العقارات والأراضي المدرجة في ميزانيات المصارف بقيمتها السوقية واستعمال أصولها الأجنبية الموجودة، واستخدام العقارات المملوكة من المصرف المركزي بقيمتها السوقية، إضافة الى خيارات أخرى سيتم تحديدها في المستقبل.

تعويم سعر صرف الليرة!

وتوقعت مصادر صندوق الدعم الدولي ان تكون مسألة "تعويم" سعر صرف الليرة من قائمة الأولويات التي سوف تطرحها البعثة مع المسؤولين المعنيين في لبنان في ظل تراجع امكانات مصرف لبنان في الحفاظ على سياسة الاستقرار النقدي التي اعتمدت سعراً ثابتاً للدولار منذ نحو 25 عاماً. وفي رأي المصادر نفسها ان مسألة إعادة هيكلة القطاع العام تبدو أكثر تعقيداً في خريطة الطريق الاصلاحية ضمن اتفاقية الدولة والصندوق وسط معلومات عن امكانية تخلي الفريق الدولي عن المطالبة بتحجيم هذا القطاع الذي يزيد عن 350 ألف موظف ومتعاقد وتبلغ نسبة كلفته 40 بالمئة من الموازنة العامة، ونحو 73 في المئة من الانفاق الأولي. وفي المقابل سوف يطلب وفد الصندوق ان تتضمن الاصلاحات المرتقبة إعادة النظر في نظام التقاعد ونهاية الخدمة لأن الكلفة لهذين الأمرين كبيرة نسبياً وتجاوزت القدرة المالية للدولة اللبنانية على تحملها. وسجلت مصادر الصندوق عدم مشاركة مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة في اعداد الخطة الحكومية ما أثار سلسلة تساؤلات عن الهدف من إبعاد الحاكم عن الخطة التي تحمل في معظمها عناوين مالية وترتبط الاصلاحات فيها بجزء كبير منها بعمل مصرف لبنان ومسؤولياته. كذلك سجلت المصادر اعتراض جمعية المصارف على الخطة وعملها على انجاز خطة بديلة تتناغم مع مطالب الكتل النيابية سوف تسلمها الى وفد الصندوق أو ترسلها مباشرة الى الادارة المركزية للصندوق. ومعلوم ان جمعية المصارف وصفت الخطة الحكومية بأنها غير اقتصادية، بل محاسبية فضلاً عن عدم دستوريتها. وترى الجمعية ان الخطة ستواجه تحديات قانونية من شأنها أن تؤدي الى أحكام قضائية تحجب جوانب حاسمة فيها، وبالتالي ــ ترى الجمعية ــ أنه لا يمكن تنفيذ خطة مشكوك في  قانونيتها بأي طريقة ممكنة. وفي حساب الجمعية ان  المصرف المركزي هو ملك الدولة  ويجب عليها هي أن تعيد رسملته، إذ لا توجد في كل الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي اي سابقة لإعادة رسملة البنك المركزي من قبل المصارف أو المودعين فيها.

في أي حال، يقول عاملون مع صندوق النقد الدولي ان البعثة ستقول للمسؤولين اللبنانيين انها غير معنية بالاقتراحات للخروج من الأزمة، بل تشخيصها وتحديد مسبباتها وفق وجهة نظر الصندوق وليس وفق وجهة نظر لبنان، ذلك ان مرحلة التنفيذ يمكن أن تُعدل في الداخل كما في الخارج، لكن التشخيص هو محور الاهتمام، وردود الفعل الدولية كانت ايجابية من بينها ردة فعل البنك الدولي ومصارف أميركية، لكن ردود فعل الصندوق ستبقى غير مبكرة ،إذ ستأخذ البعثة وقتها في الحصول على الاستيضاحات التي تراها ضرورية، وعلى الأجوبة عن الأسئلة التي سوف تطرحها في سبيل تكوين صورة شاملة وكافية عن الوضع المالي والاقتصادي اللبناني، ومدى جدية الدولة اللبنانية، بكل مؤسساتها، في تنفيذ خطة التعافي المالي في زمن معقول ومقبول قياساً الى تجارب الماضي!