بقلم جورج بشير
هل من بصيص أمل يوحي للبنانيين بأن نوابهم الذين تجاهلوا رأي الشعب وخالفوا الدستور وقواعد النظام الديموقراطي عندما مدّدوا لمجلس النواب مرتين سيتمكنون قريباً من انتخاب رئيس جديد للجمهورية يضع انتخابه حداً لحال الشغور الحاصلة منذ سنة في سدّة الرئاسة؟
حتى إشعار آخر، لا دلائل تشير الى أن المواقف السياسية المتصلّبة تزحزحت لتؤشر بأن التوافق على اسم الرئيس العتيد بات قريباً لأن مواقف الأطراف المعنية بالموضوع الرئاسي باتت معروفة من المراقبين، خصوصاً بالنسبة للمرشحين الموارنة البارزين، وبالتحديد لكل من الرئيس ميشال عون والدكتور سمير جعجع.
أما الأطراف الباقية سواء من تجمّع 14 آذار أم من تجمّع 8 آذار، ورغم وضوح مواقف بعض أطرافها، فإن البعض الآخر ما زال يركّز على ضرورة اتفاق الأطراف المسيحيين وبصورة خاصة الموارنة أولاً ليصار بعد ذلك الى أن يبني كل طرف على الشيء مقتضاه.
الرئيس سعد الحريري قال للعماد عون في نهاية الحوار الذي جرى بينهما في باريس <ان الطريق من الرابية الى معراب أقرب من الطريق من بيروت والرابية الى باريس>. ويبدو ان هذه الدعوة فعلت فعلها وإن في وقت متأخّر لتؤدي الى حوار بين فريقي الجنرال والحكيم نتجت عنه وثيقة <إعلان النيات> حول الأمور والمسلّمات الوطنية، تلتها زيارة الحكيم الى الرابية بعد الكلام الذي ردّده أكثر من عضو فاعل في فريق 14 آذار بأن على الحكيم والجنرال أن يتوافقا على مرشح، ومن يتوافقان عليه يتبناه الآخرون لأن عون وجعجع يملكان أغلبية نيابية، كل واحد بمفرده، تعتبر قاعدته السياسية والنيابية والشعبية تمثل الأغلبية الساحقة من المسيحين. لكن بعد أن زار جعجع عون في الرابية وانتشرت تحاليل تفيد بأنهما ربما توافقا في نهاية المطاف على واحد منهما، بدأ المراقبون يسجلون مواقف متفرقة من هذا السياسي وذاك تقول بما يشبه <الرسائل السياسية> بأنه ليس المهم أن يتوافق عون وجعجع على أحدهما كمرشح للرئاسة، بل المهم أن يوافق الآخرون على المرشح المختار لانتخابه. وتبيّن حسب مصادر سياسية مطلعة في فريق عون ان أطرافاً إقليمية لعبت دوراً في هذا التطور.
كيف للشعب أن يقول كلمته؟
الجنرال عون أعلن اقتراحاً اعتبره عملانياً يقضي باللجوء الى إجراء استفتاء شعبي رسمي يتناول المرشحين لانتخابـــات الرئاســــة، والأول الذي يفوز بــــأكثر الأصوات والذي يتلوه من المرشحين في الاستفتاء يعتبران مـــرشحين وحيدينللمنصب على النواب ان يختاروا أحدهما، ومن يفوز بالأغلبية يكون الرئيس.
طبعاً البعض اعتبر أن الاستفتاء ضد الدستور ولا مجال للأخذ بالاقتراح على هذا الأساس، لكن عون اتبع الاقتراح الأول باقتراحات شبيهة ومماثلة تؤدي الى النتيجة ذاتها، ولم تُقابل سوى بالمعارضة وبالإعلان من بعض القيادات السياسية <بأن على عون وجعجع ان يتوافقا على مرشح ثالث، وعندها يقول مجلس النواب والأطراف الأخرى كلمتهم>...
وتبين من خلال الموقف الأخير أن الأطراف السياسية المشار إليها ليست أصلاً في وارد التسليم بانتخاب أي من الاثنين (جعجع وعون) رئيساً، بل هي تتطلع الى مرشح ثالث من طينة الرئيس السابق ميشال سليمان، وربما هذا ما دفع بجعجع وعون وبعدهما سليمان فرنجية وسامي الجميل النائب الشاب المنتخب رئيساً جديداً لحزب الكتائب خلفاً للرئيس أمين الجميل، الى الإعلان صراحة وبصوت عالٍ <ان المسيحيين لن يقبلوا بعد اليوم بانتخاب رئيس غير قوي، اي ان يكون متمتعاً بقاعدة سياسية في مجلس النواب وشعبية من خارج المجلس>، لأنه مطلوب ان تكون أولى أوليات عهد هذا الرئيس العتيد وضع قانون جديد للانتخابات النيابية لتجري الانتخابات على أساسه يصحّح التمثيل ويؤمن صحّته وعدالته، أي استرجاع الثلاثين نائباً الذين يمثلون المسيحيين المسلوخين عمّن يمثلهم هؤلاء. وهذا ما يتعارض على ما يبدو مع مصالح أفرقاء سياسيين آخرين لهم باع طويل في انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية استفادوا أصلاً من المقاعد الثلاثين المخصصة للمسيحيين بموجب قانون الانتخاب الحالي الذي سنّ في أيام الوصاية السورية، وفي طليعة هؤلاء جنبلاط وبري والحريري وحزب الله، ويبدو ان حزب الله تنازل عن المقاعد المسيحية التي أمّنها له عهد الوصاية السورية بإبلاغه قراره هذا الى البطريرك الماروني الكاردينال الراعي وبإعلان ذلك على الملأ في بكركي.
هل من أمل في النهاية؟
بحّ صوت البطريرك الراعي، خصوصاً أيام الآحاد والأعياد وفي سائر المناسبات وبعد محادثاته مع ممثلي ورؤساء الدول، وهو يحذر من استمرار أزمة الشغور الرئاسي ويطالب بإلحاح السياسيين بالإقدام على انتخاب رئيس للبلاد ينهي عهد بلد بـ24 رأساً، وبعدم انتظار الخارج ليقرر عن اللبنانيين من ينتخبون رئيساً لهم... السنة الأولى مضت على سدة الرئاسة شاغرة، ولا حياة لمن تنادي وصوت البطريرك الراعي وكأنّه في صحراء.. ولعلّ ما آلم كل المصابين بشظايا الشغور الرئاسي وأزمة الاحتقان السياسي بين الأطراف المعنية هو انعدام المبادرات العربية والدولية التي بقيت في إطار التمنيات والقول الصريح <ان الأمر هو من اختصاص اللبنانيين، وان على اللبنانيين ان يقرروا ويحزمــــوا أمرهم ويثبتوا للعالم انهم مقتدرون وقادرون على حكم أنفسهم بأنفسهم>... لكن الذين يقولون هذا الكلام من الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة يعرفون سلفاً ان بعضهم يستوحي من الخارج قرار الداخل.
الحوار على ما يبدو مستمر ومتواصل بين القيادات المسيحية وبالتحديد تلك المعنية بالموضوع وسائر القيادات اللبنانية.
ويبدو كما تقول مصادر معنية ومطلعة لنا ان القيادات المسيحية المعنية توافقت فيما بينها على إجراء استفتاء يشمل أربعة آلاف عينة تمثل مختلف فاعليات المجتمع المسيحي والماروني في البلاد وتشرف على الاستفتاء وتجريه جهة غير مرشحة يعنيها الموضوع من الناحية الوطنية فقط، يرجح ان تكون بكركي والبطريرك الراعي بالتحديد على أن يتناول الاستفتاء موضوعين لا غير: <من تريد رئيساً للبنان من بين أربعة مرشحين، وهل تؤيد قانوناً جديداً للانتخابات النيابية؟>. ومن ينال أغلبية أصوات المستفتين يعلن الآخرون بالتكافل والتضامن دعم ترشيحه وانتخابه... وعلم أن أسماء المرشحين الأربعة في الاستفتاء هم: الرئيس أمين الجميل، العماد ميشال عون، والدكتور سمير جعجع، والوزير السابق سليمان فرنجية، وذلك لإنهاء أزمة الشغور الرئاسي.
المشاورات جارية بقوة في هذا الاتجاه، والطبخة موضوعــــة علــــى نـــــار حاميـــــــة ويـــــــرجّح المعـــدون لعناصرها نضوجها في وقت قريب... ولما سئل الجنرال عـــــون عمــــا إذا كان سيوافـــــق على نتيجة هذا الاستفتاء إذا فاز الدكتور جعجع بأغلبية المستفتين أجاب قائلاً: أنا سأعلن هذه النتيجة وأرشح الحكيم للرئاسة.