بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_82111" align="alignleft" width="375"] الوفد اللبناني المفاوض مع وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الاعمال زينة عكر قبل توجهه الى الناقورة.[/caption]بعدما كان خلاف الترسيم حول الحدود البحرية مُنحصر طوال السنوات الماضي بين لبنان واسرائيل فقط، إذ بالخلاف يتحوّل إلى لبناني ـ لبناني وذلك في ظل إصرار "الثنائي الشيعي"، (حزب الله وحركة أمل) على أن يكون الوفد تقنياً على غرار مفاوضات سابقة، في وقت فرضت إسرائيل رفع مستوى الوفد المفاوض من تقني إلى سياسي. بعدها دخل رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب على خط الخلاف أيضاً، باعتباره أن قرار تأليف الوفد من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مخالف للمادة 52 من الدستور، التي توجب الاتفاق مع رئيس الحكومة خلال التفاوض لعقد المعاهدات الدولية وإبرامها.
الحدث التاريخي وفتور بين الحلفاء
في حدث تاريخي، ولّد فتوراً بين أهل الخط السياسي الواحد وتحديداً بين "الثنائي الشيعي" ورئاسة الجمهورية، عُقدت الاسبوع المنصرم، الجولة الأولى من مفاوضات ترسيم الحدود الجنوبية بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي في إجتماع وُصف بالبروتوكولي الاستكشافي، برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية للبحث في ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، أكدها حضور مساعد وزير
[caption id="attachment_82114" align="alignleft" width="445"] مقر"اليونفيل" في الناقورة حيث جرت المفاوضات.[/caption]الخارجية الاميركية "دايفيد شنكر" في الناقورة. وفي حين حُدّد 26 الجاري موعداً للجولة الثانية، وتركّزت المفاوضات وفق المعلومات على العناوين التي وردت في بيان بعبدا حول الترسيم البحري وفق خط "بوليه- كومنب" والدراسة التي اعدتها قيادة الجيش . وفيما كان يُفترض أن يكون الحدث الاسبوع الماضي منوطاً فقط بالاستحقاق الحكومي خصوصاً بعدما أدار الرئيس سعد الحريري مُحرّك التأليف على خط المشاورات التي كان بدأها مع الكتل النيابية، إلّا أن الرياح البحرية العاتية والآتية عبر ملف الترسيم والمُحمّلة بالخلافات، فرضت نفسها بقوّة على الساحة الداخلية، الأمر الذي زاد من التعقيدات بين الحلفاء، وتحديداً بين "الثنائي الشيعي" ورئيس الجمهورية ميشال عون تُرجمت في بيان مُشترك لـ"الثنائي" رأى أن تشكيل الوفد اللبناني بالصيغة التي وردت، وضمّه لشخصيات مدنية مخالفٌ لاتفاق الاطار ومضمون تفاهم نيسان (ابريل) 1996، وأنه يخرج عن قاعدة التفاهم. وطالب البيان بالعودة فوراً عن هذا القرار وإعادة تشكيل الوفد بما ينسجم مع اتفاق الإطار.
هكذا جرت عملية التفاوض
يسأل البعض حول طبيعة التفاوض وكيف تم بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، وعمّا إذا كان دار حديث مباشر بينهما، أم ان النقاش قد تم عبر وسطاء من "اليونيفل" كما درجت عليه العادة خلال السنوات الماضية. وفي المعلومات أن مفاوضات الترسيم قد جرت داخل خيمة كانت أنشئت منذ فترة وجيزة خصيصاً لهذا الاجتماع مقابل القيادة الرئيسية لقوات الطوارئ الدولية في الناقورة، وتحديداً في القاعة التابعة للكتيبة الإيطالية التي تشهد اجتماعات اللجنة الثلاثية برعاية الأمم المتحدة. ومن حيث الشكل جلس الوفد اللبناني مقابل الوفد الإسرائيلي، وقد اعتمدت اللغة الانكليزية في الاجتماع وتحدّث الوفد اللبناني بالعربية مع ترجمة فورية للغة الانكليزية وكذلك الأمر بالنسبة إلى الوفد الإسرائيلي.
[caption id="attachment_82112" align="alignleft" width="375"] ترويكا الرؤساء : ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب.. خلاف حول التفاوض والترسيم[/caption]وبحسب المعلومات، فقد اثارت الصورة التذكارية بلبلة في جلسة التفاوض، حيث اصرّ الجانبان الاميركي والاسرائيلي على ضرورتها في حين رفض الجانب اللبناني، قبل ان يتم حسم الجدل بشأنها باتخاذها من دون الوفد اللبناني، في حين اشارت معلومات اخرى الى ان صورة فوتوغرافية التقطت للمجتمعين حول الطاولة المربعة في الناقورة.
وفي الاطار، ألقى رئيس الوفد اللبناني للتفاوض العميد الركن بسام ياسين كلمة شكر فيها للولايات المتحدة الأميركية الصديقة القيام بدور الوسيط وإعلانها النيّة على بذل قصارى جهدها للمساعدة على تأسيس جو ايجابي وبنّاء، والمحافظة عليه في إدارة هذه المفاوضات. وأوضح ان لقاءنا سيُطلق صفّارة قطار التفاوض التقني غير المباشر، ويُشكل خطوة أولى في مسيرة الألف ميل حول ترسيم الحدود الجنوبية، وانطلاقاً من مصلحة وطننا العليا نتطلع لأن تسير عجلة التفاوض بوتيرة تمكننا من إنجاز هذا الملف ضمن مهلة زمنية معقولة.
حجم المساحة موقع الخلاف بين الطرفين
كما هو معروف، فإن الخلاف بخصوص الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، يتركّز على المنطقة الاقتصادية، وبشكل خاص "البلوك 9" الذي يضم حقول غاز طبيعي في البحر الأبيض المتوسط، والذي تبلغ مساحته نحو 850 كيلو متراً مربعاً. ووفقاً لما قالته نُقل الاسبوع الماضي عن مصادر اسرائيلية، فإنّ الخلاف يتركز في أقل من 2 في المئة من المياه الاقتصادية لإسرائيل، ونحو 3 في المئة من المياه الاقتصادية للبنان. وتقدَر مجمل مساحة المياه الإقليمية اللبنانية بنحو 22 ألف كيلومتر مربع، فيما تبلغ المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل 854 كيلومتراً مربعاً.
ما هو مسار ترسيم الحدود البرية؟
[caption id="attachment_82113" align="alignleft" width="439"] فخ مزارع شبعا المحتلة.[/caption]في تقدير موقف للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، نشره الأسبوع الماضي، توقف عند وجود مسارين لترسيم الحدود أحدهما لترسيم الحدود البرية استناداً إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701 لعام 2006، وثانيهما لترسيم الحدود البحرية. وأشار إلى أن لبنان وإسرائيل اعتمدا منذ عام 1949 الحدود الدولية بين فلسطين ولبنان كخط للحدود بينهما، مضيفاً أنه بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من لبنان عام 2000، رسم خبراء الأمم المتحدة "الخط الأزرق" بين لبنان وإسرائيل بناءً عليه.
وأوضح تقدير الموقف أن هذا الخط استند إلى خريطة بمقياس رسم صغير وضعتها بريطانيا وفرنسا، وثُبِّتَت على الأرض بعلامات جغرافية تغيرت معالمها خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، ما أدى إلى بروز خلاف بخصوص هذا الخط. وتعامل لبنان معه كخط انسحاب، لا كخط حدود نهائي، وتحفّظ على 13 نقطة حدودية اخترق فيها الخط الأزرق الحدود اللبنانية لمصلحة إسرائيل. أما إسرائيل، فقد تعاملت معه بوصفه خطَّ حدود نهائياً.
ومتابعة لملف الترسيم البحري، يتبيّن من خلال الدراسات المُعدّة وتصاريح كبار السياسيين، وجود خلاف على النقطة الأولى في البر، الفاصلة بين الطرفين على شاطئ البحر في رأس الناقورة، في وقت تضع تل أبيب نقطة الحدود الأولى على الشاطئ إلى الشمال من النقطة التي يضعها لبنان. وفيما تنسجم النقطة الأولى التي وضعها لبنان مع الخرائط البرية للحدود بين الطرفين، فإن النقطة التي وضعتها إسرائيل لا تستند إلى أي مستند قانوني. من هنا يُعتبر الاتفاق على هذه النقطة غايةً في الأهمية، لأنه بناءً عليها سيجري ترسيم الحدود البحرية الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة للطرفين، وفق تقرير المركز العربي.
خليفة: هنا تكمن خطورة الترسيم
المؤكد أن موضوع ترسيم الحدود هي قضية أساسية لكل دولة وتحديداً للبنان ولدولة اسرائيل، في هذا الإطار يؤكد الباحث التاريخي الدكتور عصام خليفة أن الحدود بالنسبة إلى لبنان هي مُرسمة،
[caption id="attachment_82110" align="alignleft" width="436"] الدكتور عصام خليفة يحذر من الفخ الاسرائيلي.[/caption]ولدينا كل الاتفاقيات التي تثبت ذلك ولكن بعد اتفاقية الهدنة أعيد ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل وبالتالي النقاش الذي يدور الآن هو لتثبيت ترسيم هذه الحدود. أضاف: إن لبنان لا يفاوض على القرارات الدولية والحدود مرسمة دولياً، وبالنسبة لمزارع شبعا فهي حدود لبنان مع سوريا، وهي مرسمة بين الطرفين وهناك خرائط موقعة من قبل خليل الخطيب عن سوريا ورفيق الغزاوي عن لبنان، ولدينا الاتفاق الموقع بين البلدين بتاريخ 27-3-1946، وبالتالي لبنان لديه وثائقه التاريخية واحداثياته في البر.
وتابع خليفة: اما النقاش بين لبنان واسرائيل فسيدور حول رغبة الاسرائيلي بتغيير الحدود، يعني اسرائيل من جهة وقعت مع لبنان على خريطة ترسيم الحدود عام 1949 أمّا الآن فاسرائيل تريد تغيير الحدود المعترف بها دولياً والمفاوضين يعرفون ذلك. ورأى أن اخطر نقطة في المفاوضات هي رأس الناقورة، اسرائيل وتبعاً للخط الازرق غيرت خط نقطة رأس الناقورة وارتفعت 30 متراً شمالاً لأنه اذا بقينا على نقطة رأس الناقورة فالخط البحري ينزل عمودياً باتجاه الجنوب، اما مع الارتفاع 30 متراً فالخط يرتفع شمالاً اي باتجاه منطقة المياه اللبنانية لتحصر الصراع في منطقة 850 متراً، وبالتالي المفاوض اللبناني سيطبق القانون الدولي في مجال البحار.