تفاصيل الخبر

أزمة النفايات تعود الى الواجهة من جديد

30/08/2019
أزمة النفايات تعود الى الواجهة من جديد

أزمة النفايات تعود الى الواجهة من جديد

رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي:

سلوك السلطة اللبنانية في معالجة ملف النفايات يجب ان يتغير خصوصاً بعد توالي الفشل في كل الخطط التي وضعتها وزارة البيئة والحكومات المتتالية!

بقلم طوني بشارة

ما ان تصل الى مشارف القرى والبلدات حتى تستقبلك نفايات بالجملة بأشكال واحجام مختلفة، نفايات تفوح منها رائحة الفساد السياسي من جهة، ورائحة التجاذبات والاقتتال على الحصص والصفقات والنسب العائدة من مشاريع المطامر والمحارق ومعامل الفرز من جهة اخرى، تجاذبات تدفعك لطرح تساؤلات عديدة علك تجد أجوبة لها .

فما السبب الرئيسي لعودة ظاهرة النفايات الى الواجهة من جديد؟ ألم يكن الوقت كافياً لايجاد حل لها؟ وما قضية المطامر والمحارق افلا يمكن اعتمادها كحل مؤقت؟ وعن أي سياحة نتكلم وماذا عن وعود التنمية المستدامة وفعاليتها في ظل استفحال قضية وجدت حلاً لها في اقل الدول تطورا؟ وماذا عن حلم لبنان كوطن للجمال في ظل انتشار ظاهرة النفايات والتلوث؟

الخولي والكارثة!

أسئلة عديدة للإجابة عنها التقت <الأفكار> رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي الذي أفادنا بأن الأرقام والمؤشرات الخاصة في الوضع البيئي في لبنان صادمة وتؤشر الى حجم الكارثة البيئية التي يتخبط فيها البلد، فلبنان الخامس على لائحة العالم للبلدان الاكثر تلوثا للبيئة. وبالأرقام، فإن كل فرد مقيم في لبنان ينتج يومياً نحو كيلوغرام من النفايات، ما يعني أن الكمية الإجمالية تصل في اليوم الواحد إلى 4 آلاف طن أي 1,381 مليون طن سنوياً، وأن المواد العضوية تشكّل 51 بالمئة من إجمالي النفايات، فيما 17 بالمئة من الكرتون و10 بالمئة بلاستيك و9 بالمئة زجاج إضافة إلى الحديد، ثياب ونفايات أخرى. أما النسب الخاصة بطرق معالجة النفايات فهي التي تعكس الواقع المرير الذي يعاني منه اللبنانيون، فـ48 بالمئة من النفايات تنقل إلى مطامر صحية، وتصل النسبة في المكبات العشوائية إلى 36 بالمئة، فيما نسبة إعادة التدوير هي 8 بالمئة فقط، وكذلك الأمر بالنسبة للتسبيخ أو ما يُعرف بالتخمير الهوائي للمواد العضوية.

ــ هل تعتبر المواطن ومن خلال سلوكه البيئي شريكاً أساسياً في هذه الازمة؟

- علينا ان نعترف بأن اللبنانيين يمارسون عادات اجتماعية، تنتج كميات كبيرة من النفايات منها الأغذية التي ترمى رغم أنها لا تزال صالحة للاستهلاك، إذ نستهلك كميات أكبر من المنتجات النباتية والخضار والفواكهة بحيث يمكن تخفيف النفايات عبر تغيير السلوك الإستهلاكي الذي يرتبط بسلوك اللبنانيين وعاداتهم المتراكمة، وذلك من خلال ترشيد الإنتاج والتخفيف من توليد النفايات واعتماد مبدأ الاقتصاد الدائري الذي يعتبر أمراً ضرورياً لمستقبل بيئي ــ اقتصادي مستدام.

 

إعادة التدوير والمسؤولية المشتركة!

 ــ اشرت الى السلوك الاستهلاكي والاقتصاد الدائري، فماذا عن إعادة التدوير؟

- في السياق ذاته لا بد من الإشارة بان استعادة المواد وتثمينها هي خيار الإدارة المفضل لجميع النفايات المنزلية والتجارية والصناعية، كما إن إعادة التدوير هي نشاط ذو قيمة مضافة لمجتمعنا يساعد على خلق وظائف خضراء تعزز الاقتصاد المحلي.

 وإن إعادة التدوير مسؤولية مشتركة تتطلب مشاركة المواطنين وتعاون جميع أصحاب المصلحة <المستهلكين والموردين ومستهلكي المواد الخام ومصنعي وموزعي المنتجات ومقدمي البنية التحتية لإعادة التدوير وجميع الإدارات المحلية والمركزية.

ــ وماذا عن قضية النفايات الصلبة؟

- مما لا شك فيه ان مسألة النفايات الصلبة مسألة شائكة ومعقدة في لبنان، وهي تحتاج الى اهتمام يتخطى وزارة البيئة ليصل الى التوافق اللبناني المتمثل بالرؤساء الثلاثة والحكومة اللبنانية ورؤساء الاحزاب في آن، وطرق حلها تتفاوت النظرة لها بين الخبراء والمعنيين فالإفتراضات كثيرة بين معامل ومطامر وحرق، وكلها حلول تتطلب قرارات سياسية ضامنة للتنفيذ، من هنا نرى بأن طريق المعالجة لهذه النفايات أمر صعب، ولكنه ممكن في حال رفعت الحكومة مسألة الاهتمام الى درجة الطوارئ البيئية وجعلت وزير البيئة منسقا بين مختلف هذه القوى وليس مقررا، خصوصا ومع الاسف أن ملف معالجة النفايات اتخذ ابعاداً مناطقية وفي بعض الاحيان طائفية، وبالتالي علينا الاعتراف بأن اي معالجة لهذا الملف تحتاج الى هذا الاجماع الوطني.

ــ هل الحكومة تعتمد الخيارات المثلى لمعالجة الأزمة؟

- نحن نرى بأن سلوك السلطة اللبنانية في معالجة ملف النفايات يجب ان يتغير خصوصا بعد توالي الفشل في كل الخطط التي وضعتها وزارة البيئة والحكومات المتتالية، وعلى الدولة اللبنانية اتباع خارطة الطريق التي وضعتها في قطاع النفط والغاز وبالتالي عليها تعيين هيئة ناظمة لادارة النفايات مهمتها إعداد رؤية شاملة وسياسة عامة ومشاريع وخطط طويلة ومتوسطة المدى في كل ما يتعلق بشؤون معالجة النفايات واقتراح الخطوات التنفيذية لتطبيقها ومراقبة التنفيذ ووضع الخطط والتراخيص والمعايير والشروط المطلوبة في هذا القطاع، وعلى المجلس النيابي مواكبة هذه الهيئة في تشريع القوانين المطلوبة بدءاً من احترام الاتفاقيات البيئية الدولية النافذة ومعاقبة الخروقات.

 

الحل وإنهاء المحاصصة!

 

ــ وما الحل في ظل الصفقات الحاصلة؟

- يجب الضغط لإقرار التشريعات البيئية الضرورية لإدارة النفايات الصلبة وخلق حوافز اقتصادية للتخفيف من إنتاج النفايات وإعادة تدويرها، ومن جهة اخرى يجب اصدار قوانين من شأنها تعزيز الشفافية في هذا القطاع لابعاد الشكوك التي تعتريه من صفقات وحصص موزعة بين اركان السلطة، وعلى السلطة الانتقال الى هذا الحل عبر مرحلة انتقالية يتم فيها فتح دورة تراخيص لشركات دولية خبيرة ومتخصصة في التكنولوجيا المعقدة التي تحتاجها خصوصا في مجال المحارق إذ ليس لدينا الخبرة ولا القدرة على ادارتها بشكل جيد في معالجة النفايات، بعد ان يتم تحديد الاماكن المبدئية المؤهلة لفرز ومعالجة هذه النفايات، وعلى السلطة اللبنانية ان ترعى توزيعاً مناطقياً على مستوى المحافظات او الاقضية، وعلى الشركات الدولية القيام بتقييم الاثر البيئي وفقا للقانون سيما وان عندنا قانوناً من اشد القوانين المتشددة للبيئة، على ان تتحمل البلديات واتحادات البلديات في الفترة الانتقالية مسؤوليتها وتقوم بالفرز من المصدر وتخمير المواد العضوية وإعادة تدوير ما يمكن تدويره ويبقى عشرون بالمئة من النفايات منها نفايات إلكترونية تحتاج الى اعادة تصدير ونفايات العوازل يمكن ضغطها، وعلى كل اتحاد بلديات وقضاء ان يختار المواقع الاقل ضررًا لتخزين النفايات بها خلال ستة اشهر طوال الفترة الانتقالية ريثما يتم تسليم الشركات الدولية مهمة إنشاء معامل للفرز والتسبيخ والطمر الصحي او محارق.

ــ وماذا عن دور الشركات الدولية والمحارق وهل من طريقة لانهاء قضية المحاصصة حتى بالنفايات؟

- اننا نشدد على ان حل مشكلة النفايات في لبنان يكمن في خطة شاملة لإدارة النفايات الصلبة وتطبيق استراتيجية مستدامة وخطة تنفيذية لإدارة هذا القطاع، بالاعتماد على أسس تشاركية وأسس الإدارة المتكاملة للنفايات التي تبدأ بالتخفيف من إنتاجها أولاً، ثم إعادة استعمالها، وإعادة تدويرها وتصنيعها، واسترداد الطاقة منها، وتنتهي بالتخلص النهائي عبر التقنيات المناسبة للواقع الوطني والتي تحترم المعايير البيئية الوطنية والعالمية وتبدأ بإعادة تدوير النفايات، وبالتخفيف من الاستهلاك مع الاعتماد على إعادة التدوير والمعالجة البيولوجية على ان يكون الاعتماد جزئياً على المحارق للتخلص من النفايات، شرط ان تعتمد خطة الطريق هذه بحيث تتولى الهيئة الناظمة لادارة النفايات الرقابة على الشركات الدولية الملتزمة وعلى ان تستكمل الأطر المؤسساتية والتشريعية لضبط الية معالجة التخلص من النفايات اضافة الى عمل المحارق، وهذا الامر من شأنه ان ينهي اسلوب المحاصصة بين السياسيين الذي اعتادوا عليه، وعلى الحكومة الالتزام بالأهداف المحددة في مسودة الاستراتيجية الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، خصوصا بما يتعلق بالحد الفوري من الرمي والحرق العشوائي للنفايات، وتحديد النسبة القصوى للطمر الصحي بـ20 بالمئة بحلول 2030، وتفعيل التخفيف وإعادة الاستعمال والفرز من المصدر، والتحضير للمرحلة الثانية أي إعداد مناقصات المعالجة وتلزيمها.

ــ وهل من الممكن الاستفادة اقتصاديا من النفايات؟

- علينا ان نغير نظرتنا الى النفايات من كارثة بيئية الى كيفية الإستفادة الإقتصادية منها عبر التخفيف من إنتاج النفايات واستعادة المواد وتثمينها وهذا هو خيار الإدارة المفضل لجميع النفايات المنزلية والتجارية والصناعية، كما ان إعادة التدوير هي نشاط ذو قيمة مضافة لمجتمعنا يساعد على خلق وظائف خضراء تعزز الاقتصاد المحلي وهو مسؤولية مشتركة تتطلب مشاركة جميع أصحاب المصلحة من مواطنين مستهلكين وموردين ومستهلكي المواد الخام ومصنعي وموزعي المنتجات ومقدمي البنية التحتية لإعادة التدوير وبمشاركة جميع الإدارات المركزية والمحلية من جهات رسمية وبلديات، وعلى الحكومة اعتماد خطة مستدامة تبدأ بالتخفيف من إنتاجها أولاً، ثم إعادة استعمالها، وإعادة تدويرها وتصنيعها، واسترداد الطاقة منها، وتنتهي بالتخلص النهائي عبر التقنيات المناسبة التي تحترم المعايير البيئية الوطنية والدولية، واي تأخير في إيجاد الحلول المناسبة يبقي البلد ككل متوجهاً إلى المزيد من التدهور البيئي والصحي..