بقلم وليد عوض
قضية لبنان الآن ذات أجنحة عالمية، لحماية الطائر الفريد الذي هو وطن العيش الوطني. وحسناً فعل الرئيس تمام سلام في <ميونيخ>، من خلال مشاركته في مؤتمر <الأمن الدولي>، حين فتح نافذة اتصالات مجزية مع وزير خارجية فرنسا <لوران فابيوس>، ووزير خارجية روسيا <سيرغي لافروف>، ووزير خارجية إيران <محمد جواد ظريف>، ووزير خارجية مملكة البحرين الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، ووزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد.
ومع كل وزير من هؤلاء كان له حديث مطول ونقاط فوق الحروف، والهاجس دائماً هو لبنان. وكان الاجتماع بكل وزير إلتقاه يفضي الى نهاية سعيدة، مثل الوعد الذي أطلقه أمامه وزير خارجية فرنسا <لوران فابيوس> بأن الأسلحة التي قامت المملكة العربية السعودية بتمويلها بمبلغ 3 مليارات دولار سوف تصل الدفعة الأولى منها مع مطلع نيسان (ابريل) المقبل، دون أن تكون كذبة نيسان على الخط. ولكن وزير الخارجية الفرنسية لم يوضح ما إذا كانت في هذه الدفعة الأولى من الأسلحة الفرنسية طائرات <غازيل> المتفوقة في مهمات المطاردة.
مع <سيرغي لافروف> وزير خارجية روسيا، كان هناك حديث عن سلاح روسي لم يتحدد، كما كان هناك علامة استفهام من الوزير الروسي حول الشغور الرئاسي في لبنان، بعدما مضى عليه ثمانية أشهر، وقال إن روسيا حريصة على استقرار لبنان، وآية هذا الاستقرار مجيء رئيس جديد الى قصر بعبدا. ولم ينس <لافروف> طبعاً الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> للقاهرة بعد يومين من مؤتمر <ميونيخ> واعلانه التنسيق مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في حل مشاكل المنطقة، ومنها الشغور الرئاسي في لبنان!
وقد لا يكون لبنان طبقاً رئيسياً في محادثات الرئيسين سيسي و<بوتين>، وان هم سوريا و<داعش> واليمن والعراق وليبيا هو الذي كان له مكان الصدارة، ودائماً من خلال البحث في وسائل مواجهة الارهاب. فكما ان للسلطات المصرية شاغلها الأمني في جنوبي سيناء، كذلك للسلطات الروسية شاغلها الأمني في <الشيشان>، وبدحر الارهاب في منطقة الشرق الأوسط طريق الى قصقصة جوانح الارهاب الآتي من الشيشان.
إلا ان الرئيس السيسي لم يرض بتغييب الموضوع اللبناني عن المباحثات مع الرئيس <بوتين>، بالنظر لماضي العلاقة الوثيقة بين مصر ولبنان من زمن الرئيس جمال عبد الناصر، طيب الله ثراه، مع الأخذ في الاعتبار ان فتح الباب أمام رئيس جمهورية جديد في لبنان حق من حقوق الموارنة بناة لبنان الكبير عام 1920، والمسيحيين على العموم، ولا بد أن ينعكس ذلك على أطياف المجتمع القبطي في مصر. ولكن الى أي مدى كان هناك اهتمام بالملف الرئاسي اللبناني؟ ذلك لم يكن واضحاً ولا يملك أحد معلومات حوله.
ولا كلمة من وزير خارجية إيران
ثالث وزراء الخارجية الذين التقاهم الرئيس تمام سلام في <ميونيخ>، كان وزير خارجية إيران <محمد جواد ظريف>، وإيران هي مربط الفرس في حلبة انتخابات الرئاسة اللبنانية. وقد حاول الرئيس سلام بكل ما يملك من شطارة ومهارة في استقراء الموقف الإيراني، إلا ان <محمد جواد ظريف> ظل ملتزماً بالخط الذي رسمه الرئيس <حسن روحاني>، وهو ان إيران لا تختار رئيساً للبنان، بل تدعم كل ما يختاره اللبنانيون ولاسيما المسيحيون أصحاب الكرسي الأول في لبنان، وهذا يعني ان المسيحيين إذا اختاروا للرئاسة العماد ميشال عون، فإن إيران لا تملك سوى الموافقة والدعم. وهذا ما ذهب إليه محمود قماطي قطب المكتب السياسي لحزب الله حين قال بعد لقائه ميشال عون: نحن مع الترنيمة التي تقول: <راح نبقى هون مهما العالم قالوا/ ما منترك عون ولا منرضى بدالو>.
والحظ الرئاسي للعماد ميشال عون مرهون الآن بتنازل يأتي من الدكتور سمير جعجع مرشح قوى 14 آذار للرئاسة. وتنازله لزعيم التيار الوطني الحر لا يملكه هو شخصياً، بل يجب الرجوع فيه الى قوى 14 آذار، خصوصاً وأن بين هذه القوى من أعلنت اعتراضها على مجيء ميشال عون الى قصر بعبدا. وإذا كان الدكتور سمير جعجع سيتنازل عن ترشيحه، فالأولى به أن يتنازل لشخصية من قلب قوى 14 آذار تملك حيثية وطنية مثل الرئيس أمين الجميّل، أو الوزير بطرس حرب. وهذا ليس واضح الصورة حتى الآن.
وثمة من المراقبين من يتعاطى مع الملف الرئاسي اللبناني على أنه ثنائي إيراني ــ سعودي من جهة، وثنائي بين إيران وحزب الله من جهة ثانية، بمعنى أن يظل حزب الله على موقفه بأن الاستحقاق الرئاسي اللبناني قرار مسيحي أولاً، وذلك بانتظار ما تسفر عنه المحادثات الأميركية ــ الإيرانية التي أبدى الرئيس الأميركي <باراك أوباما> يوم الاثنين الماضي استعداد الولايات المتحدة لتمديد فترة المباحثات حول الملف النووي إذا لم تكتمل شروط الوصول الى حل هذا الربيع.
كما كان لافتاً قول <أوباما> في السياق نفسه انه لا يظن بأن التخصيب النووي الإيراني يتجاوز الأغراض السلمية الى انتاج قنبلة نووية، وفي هذا التصريح ترضية للمفاوض الإيراني فلا يكون بعيداً عن التنازلات!
وإذا أعطيت المباحثات الأميركية ــ الإيرانية مسحة جديدة من الزمن، فهذا الأمر يعني ان اسم الرئيس اللبناني الجديد لن يظهر في الأفق قبل حزيران (يونيو) المقبل.
وليس على اللبنانيين إلا أن يصبروا على ما أصابهم. وكان نائب رئيس القوات اللبنانية جورج عدوان صريحاً عند باب كنيسة مار مارون ظهر الاثنين الماضي عندما أبدى خشيته من أن يتعود اللبنانيون على دولة بدون.. رئيس!
اطمئنوا على لبنانيي الخليج
ولم يكن هم المنتشرين اللبنانيين في دول الخليج بعيداً عن مباحثات الرئيس سلام في <ميونيخ> مع كل من وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة، ووزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد.
وكان وزير خارجية البحرين سعيداً بأن يسمع من الرئيس سلام ان ما قاله أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بحق مملكة البحرين إنما يمثل رأي حزب الله، ولا يمثل الدولة اللبنانية، برغم وجود وزيرين للحزب في المكون الحكومي، وأن لبنان، برغم عدم وجود سفير لمملكة البحرين في بيروت، حريص على تبادل أفضل العلاقات مع المملكة الخليجية. وبالمقابل سمع الرئيس سلام من الوزير البحريني أعطر الكلام عن الجالية اللبنانية في البحرين، وأنها جالية ملتزمة بالقانون وأخوة البلدين فلم يصدر عنها أي تصرف مسيء الى هذه الأخوة والشراكة العاطفية، ولذلك فلتطمئن الحكومة اللبنانية على أن اللبنانيين العاملين في مملكة البحرين، هم مثل أشفار العيون.
خامس وزراء الخارجية الذين جالسهم الرئيس تمام سلام في <ميونيخ> كان وزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد. وحين يكون حديث مع مسؤول إماراتي رفيع مثل الشيخ عبد الله، فلا بد أن تكون محاربة الارهاب ثالثهما، كيف لا ودولة الإمارات هي التي زودت الأردن مؤخراً بمقاتلات جوية من نوع <أف 15>، برغم انسحابها من التحالف الجوي الدولي ضد <داعش>. فلكل دولة حساباتها في مثل هذا الموضوع. وقد أبدى الشيخ عبد الله كل استعداد لدى دولة الإمارات لتقديم كل ما يطلبه لبنان، بما في ذلك السلاح المتطور. كما بعث الشيخ عبد الله في نفس الرئيس سلام الطمأنينة والسكينة بالنسبة للبنانيين المقيمين في دولة الإمارات، ولاسيما في أبو ظبي ودبي، ويعتبرون أهم جالية لبنانية بعد الجالية اللبنانية في المملكة السعودية حيث يزيد عددها عن مئتي ألف لبناني.
بالمنظار البعيد
وهكذا حمل الرئيس سلام المنظار الخاص بالعلاقات الخارجية للبنان وهو يشارك في مؤتمر <ميونيخ>. والرؤية من بعيد أحياناً أهم من الرؤية من قريب، فقد أيقن رئيس وزراء لبنان أن لبنان ليس وحده في خندق مكافحة الارهاب، والحرب ضد <داعش>، وأن هناك وعداً من الإمارات بالتوسط هي ودولة قطر لإنهاء ملف العسكريين اللبنانيين المحتجزين عند تنظيمي <داعش> و<النصرة>. ولكل من الدولتين ثقله في مثل هذا الموضوع.
ومثلما أبدى النائب جورج عدوان خشيته من أن يتعود اللبنانيون على دولة من دون رئيس، كذلك يبدي مراقبون بالجملة خشيتهم من أن يتعود اللبنانيون على مسألة احتجاز العسكريين اللبنانيين فيطول أمدها، وتتفاقم تداعياتها بالرغم من المسعى الأمين والصادق لمدير الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، بالتنسيق مع سوريا، للوصول بملف الأسرى العسكريين اللبنانيين عند <داعش> والنصرة الى خاتمة سعيدة.
وتبقى شجون الداخل مثل الزوبعة التي أثارها نائب عكار خالد الضاهر إثر اللغط الذي تناول إنزال شعار <الله> المرتفع في شارع عبد الحميد كرامي، حيث دعا الى أن يشمل نزع الرموز تمثال يسوع الملك في جونية، ونحمد الله على أنه تراجع عن هذا الكلام والعودة عن الخطأ فضيلة.
وهكذا يبقى قدر تمام سلام أن يمشي بين الأشواك، ويصطدم بالعوسج، ولكنه بقوة الصبر والاحتمال التي يتسلح بها من الخالق عز وجل، لا بد أن يفتح كوة في آخر النفق، والكوة اسمها رئاسة الجمهورية.