تفاصيل الخبر

إيران تريد مقاسمة الروس في سوريا كما تتقاسم العراق مع الأميركيين!

24/07/2017
إيران تريد مقاسمة الروس في سوريا  كما تتقاسم العراق مع الأميركيين!

إيران تريد مقاسمة الروس في سوريا كما تتقاسم العراق مع الأميركيين!

بقلم خالد عوض

trump-2

الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> حاول تنفيذ كل ما وعد به خلال حملته الإنتخابية ليحافظ على السمعة التي أراد بناءها لنفسه وهي أنه صادق. كل الوعود التي قام بها جاهد لتحقيقها وكأن تحقيق الوعود هو معدل قياس نجاحه الرئاسي.

وعود كثيرة أطلقها <ترامب>: إلغاء السياسة الصحية التي أقرها سلفه <باراك اوباما> والمعروفة بقانون الرعاية المستطاعة (Affordable Care ACT) أو <أوباماكير>؛ الذهاب إلى <الناتو> وحض دوله على مساهمة مادية أكبر فيه؛ منع رعايا دول إسلامية وعربية من الدخول إلى الولايات المتحدة؛ بناء جدار مع المكسيك. كل هذه الوعود ترجمها <ترامب> إلى مبادرات، منها فشل ومنها أخذ طريقه إلى التنفيذ ومنها قيد الدراسة... إلا وعد وحيد رغم أنه كان قاطعاً تماماً فيه عندما كان لا يزال مرشحاً: تمزيق الاتفاق النووي مع إيران. منذ أيام أعلن الرئيس الأميركي الذي لم يبخل بأي إنتقاد لاذع لهذا الاتفاق، أن إيران ملتزمة بالشق الذي يتعلق بها ولا داعي لمراجعة أي بند في الاتفاق، وحتى يغطي تراجعه، أعلن حزمة من العقوبات الرمزية ضد أشخاص وشركات قدموا مساعدة فنية أو مالية للحرس الثوري الإيراني، حتى أن بعضهم غير ايرانيين.

لماذا تراجع <دونالد ترامب> الذي يريد أن تصبح الولايات المتحدة عظيمة مجددا عن أحد أسهل وعوده نظريا؟ لأنه لا يتعلق بأي قضية داخلية؟

التفسيرات الآتية من الولايات المتحدة كثيرة، منها أن الاتفاق هو مع ست دول وليس مع الأميركيين فقط وإلغاءه من طرف وحيد سيتسبب بأزمة ديبلوماسية عالمية، ومنها أنه ليس هناك بديل عن الاتفاق يمنع إيران من متابعة تطوير إمكانياتها النووية التي وصلت إلى حوالى عشرين ألف جهاز طرد مركزي، وهناك تبريرات مختلفة حول ضرورة إعطاء فرصة أطول لإيران قبل الحكم على جديتها في تنفيذ الاتفاق. الملفت ليس تراجع <ترامب> بقدر خفوت صوت كل النواب الجمهوريين الذين اتهموا <اوباما> بشتى الإتهامات منها ما وصل إلى حد الخيانة لإقراره الاتفاق، أين هؤلاء اليوم بعدما كانوا يتنافسون في <شيطنة إيران>؟

من الواضح جدا أن الاتفاق النووي مع إيران هو استراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة، ليس فقط لأنه يتيح مراقبة <أعمال> إيران النووية - مع أن هذا السبب واهٍ لأن الكل يعلم أن إيران لن تستخدم القنبلة النووية لأسباب كثيرة أهمها دينية - ولكن الاتفاق يزيد من نفوذ الأميركيين عالميا وإقليميا، فالذين يعارضونه سيظلوا يلجأون إلى الأميركيين لتخفيف وطأته والذين يؤيدونه سيستمروا بإقناع الإدارة الأميركية بإبقائه.

ولمعرفة مدى التقارب الأميركي - الإيراني في العشر سنوات الأخيرة، بعيداً عن ضوضاء الهجمات الإعلامية والعقوبات الاقتصادية و<الشيطنة> المتبادلة، لا بد من النظر إلى العلاقة بين الطرفين في العراق.

مثال على التناغم هو التفاهم العسكري: إيران تملك الأرض من خلال نفوذها السياسي وولاء الحشد الشعبي لها، والولايات المتحدة تملك الجو من خلال اتفاقيات مع الحكومة العراقية تسمح لها باستخدام الأجواء putin العراقية من دون أي شرط.

هناك تقاسم واضح في النفوذ العسكري والاقتصادي وحتى السياسي بين الأميركيين والإيرانيين في العراق، والأدلة على ذلك بالأطنان، وربما يصح القول في علاقة إيران والولايات المتحدة أنه في حالات معينة يضطر الإنسان إلى التعامل مع <الشيطان>، فإيران لم تتعب من <شيطنة> الأميركيين منذ ١٩٧٩ وكذلك العديد من النواب الأميركيين لا يوفرون مناسبة إلا و<يشيطنون> إيران، لهذا يصح السؤال: إيران والولايات المتحدة قصة كره ايديولوجي أو قضية مصالح استراتيجية مشتركة...جداً؟

بعد نجاحها في التعامل الند للند مع دولة عظمى في العراق، تجرب إيران اليوم الموضوع نفسه مع روسيا في سوريا.

إيران ليست أبدا أقرب أيديولوجياً إلى روسيا ولكنها تتعامل معها بعيدا عن أي اعتبارات دينية ومن خلال حلف عسكري قوي عمره أكثر من عقدين.. وهي تسعى أن تحصل في سوريا مع الروس على ما حصلت عليه نفسه في العراق مع الأميركيين، أي تقاسم في النفوذ على الأرض وفي البحر، حتى لو ظل الجو بيد الروس ومعهم الأميركيون وفي بعض الأحيان الإسرائيليون.. ورغم أن التناتش لا يزال على أوجه بين كل الأطراف على الكعكة السورية إلا أن معالم تقاسم النفوذ بدأت تنجلي من خلال الترتيبات العسكرية على الأرض.

يبقى لبنان. إيران تعتبر أنه لها وحدها، ولو استراتيجيا، ولكن العبرة ستكون في تلزيم بلوكات النفط والغاز ومن سيحظى بحصة الأسد فيها، ومن هنا يمكن قراءة لبنان المستقبل وكيفية تقاسم النفوذ فيه، ولذلك هناك أطراف لها مصلحة أن تبقى قضية النازحين السوريين معلقة حتى ينتهي موسم التسويات.

من الواضح أن الخطاب الايديولوجي كان وسيظل الغطاء الإعلامي والتجييشي الضروري، لا أكثر ولا أقل. في النهاية المصالح الاقتصادية والنفطية هي التي تحدد سياسة الدول وأولها إيران، فمهما <ثورجت> أو <أسلمت> خطابها و<شيطنت> الغرب، تبقى سياسة إيران محكومة بالمصالح وليس بالمبادئ كما تصر أن تدعي.