تفاصيل الخبر

إيران تدفع ثمن خروجها من الدولار!

11/05/2018
إيران تدفع ثمن خروجها من الدولار!

إيران تدفع ثمن خروجها من الدولار!

 

بقلم خالد عوض

Trump-593

الحدث المؤثر في الأسبوع الماضي ليس انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة إحياء العقوبات عليها، اذ ان هذا الأمر كان متوقعا إلى حد كبير ويأتي أولا في إطار تعزيز <دونالد ترامب> لصورته الداخلية، التي تهتز بفضائح متعددة، بأنه رجل يفي بإلتزاماته الإنتخابية ولا يكذب على الأميركيين. وثانيا الخطوة تندرج في الوهج التفاوضي الذي يريد <ترامب> أن يذهب به إلى كوريا الشمالية قريبا عن طريق بعث رسالة واضحة إلى الرئيس الكوري الشمالي بأن الولايات المتحدة بقيادة <ترامب> مستعدة للضرب بيد من حديد كل من يهدد مصالحها.

الحدث كان إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي <بنيامين نتنياهو> عن وثائق سرية تؤكد أن إيران كانت تقترب من إنتاج السلاح النووي. كلام <نتنياهو> لم يكن مقنعا لأن الوثائق تعود إلى ما قبل دخول إيران في الاتفاق، كما أنه لم يثبت أن إيران كانت تطور أسلحة نووية بل أنها اقتربت من تخصيب اليورانيوم بشكل يسمح لها بإنتاج السلاح. ولكن ليس كل ذلك مهما. الخطير في الأمر هو كيف تمكن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي <الموساد> أن يدخل إلى منطقة <شهر آباد> جنوب العاصمة الإيرانية <طهران> في اواخر كانون الثاني (يناير) الماضي ويستخرج من مستودع في منطقة صناعية عشرات آلاف الملفات التي تزن مئات آلاف الكيلوغرامات وينقلها أولا إلى مبنى آخر ثم يرسلها منه إلى إسرائيل في الليلة نفسها.

كذب رئيس وزراء إسرائيل في كل ما قال حول <إثباتات> تطوير إيران السلاح النووي ولكنه لم يكذب عندما أعلن عن أكبر عملية سرقة معلومات في تاريخ <الموساد>. حوالى مئة عنصر من المخابرات الإسرائيلية كانوا في طهران ضمن عداد المنفذين واستطاعوا الدخول والخروج من المستودع بالملفات ونقلها إلى إسرائيل خلال أقل من ٢٤ ساعة. مع العلم أن إسرائيل كانت ترصد المستودع منذ شباط (فبراير) من العام الماضي عندما علمت أن إيران تنقل وثائق مهمة إليه. الإختراق الإسرائيلي بالغ الأهمية لأن المستودع كان تحت حراسة الحرس الثوري الإيراني ولأن الوثائق والملفات المسروقة من خزنات المستودع هي أصلية وليست نسخاً.

وزير الاستخبارات الإسرائيلية <إسرائيل كاتز> قال أنه لم يصدق أن الموساد بإمكانه إتمام عملية كهذه في قلب العاصمة الإيرانية عندما عرضت عليه منذ سنة. في المقابل ألقت السلطات الإيرانية القبض على عدة أشخاص متورطين مؤكدة أن عقوبتهم يمكن أن تصل إلى الإعدام. كل ذلك يؤكد أن إيران مخترقة، وقد تكون إسرائيل هي أيضا عرضة لنشاط جهاز المخابرات الإيراني التابع لوزارة الاستخبارات الإيرانية <الفاجا> (VAJA) ولكن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي عن العملية في هذا التوقيت هو رسالة إلى إيران بأن عليها التفكير مليا قبل الدخول في حرب مع إسرائيل، فعندما يدخل <الموساد> إلى قلب طهران وينقل كماً من الوثائق إلى إسرائيل عرف متى حفظت وأين وكيف، فإن ذلك يعني الكثير. هذا إلى جانب المعلومات التي تحصل عليها إسرائيل باستمرار من الداخل السوري حول نشاط الحرس الثوري هناك وتحركاته العسكرية خارج إطار الحرب السورية... لا بد أن تحقق إيران إنجازاً شبيها، على الأقل نوعا وأهمية، داخل إسرائيل حتى يحصل الرئيس الصينيالتوازن الاستخباراتي الذي هو ضرورة استراتيجية قبل قرار الحرب. لذلك فإن الطرفين دخلا في حرب استخباراتية بلا هوادة لا بد وأن تتظهر في المرحلة المقبلة. حرب كهذه لن يكون حزب الله اللبناني بعيدا عنها.

قرار الرئيس الأميركي الإنسحاب من الاتفاق النووي متعدد الأهداف. أولا هو يضغط على إيران اقتصاديا لتقريبها من الانهيار المالي، اذ ان الاستثمارات المتواضعة التي أتت إلى إيران إبان الاتفاق ستنسحب بسرعة فيما العملة الإيرانية مستمرة في الهبوط مما سيطيح بحاكم البنك المركزي الإيراني ولي الله سيف الذي أعلن منذ اسابيع أن إيران ستلجأ إلى اليورو في كل تعاملاتها وتستغني عن الدولار. هكذا إعلان سرّع في قرار الرئيس الأميركي بالنسبة للاتفاق النووي. الأهم أن الرئيس الإيراني حسن روحاني لن يستطيع القيام بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية وسيضطر إلى مسايرة التيار المتشدد المعارض أساسا للإنفتاح الاقتصادي الذي كان من المفترض أن يؤمنه الاتفاق. وفي الوقت نفسه يضغط <ترامب> على الصين وروسيا والحلفاء الأوروبيين للحصول من إيران على إلتزامات أكبر في ما يختص ببرنامجها <الباليستي> وتمددها في المنطقة من اليمن إلى لبنان. وأخيرا يحاول الرئيس الأميركي معاملة كوريا الشمالية وإيران بالمثل أي أن التفاوض مباشرة مع الولايات المتحدة هو السبيل إلى الخلاص مع أنه في الحالة الإيرانية هو الطريق إلى انهيار النظام.

إيران يمكن أن تعلن استمرارها في كل برامجها من دون الإهتمام بالقرار الأميركي. هي اعطت ٤٥ يوماً لباقي اطراف الاتفاق لإثبات أنهم مستمرون معها به. ولكن الجميع يعلم أن هكذا اتفاق لا قيمة له من دون الراعي الأميركي لأنه حتى لو جاهرت الحكومات الأوروبية بالتزامها به فان القطاع الخاص الغربي لن يجرؤ على القيام بأي عمليات تغضب الأميركيين ويمكن أن تجر إليه عقوبات أو حتى تلويحاً بها. الكرة مجددا في الملعب الصيني، فإلى أي مدى يمكن أن تتغاضى الصين عن خطوة <ترامب> وتستمر بالتعامل مع إيران؟ هي لا زالت تعالج العقدة الكورية الشمالية وتترقب المفاوضات الأميركية المباشرة بين <ترامب> و<كيم يونج أون>. فجأة يرمي عليها <ترامب> أجندة معقدة جديدة اسمها إيران، فإلى متى ستستمر الصين بطأطأة الرأس مع الولايات المتحدة والتطلع إلى برنامجها الاقتصادي وطريق الحرير من دون الالتهاء بعقبات <ترامب> الجيو - سياسية؟ وهل تنكفئ عن استيراد الغاز والنفط الإيراني خوفاً من سكين العقوبات الأميركي؟ سعر النفط تجاوز السبعين دولاراً وهو في مسار تصاعدي يؤذي الصين، فإلى متى ستصبر؟

 <ترامب> وضع العالم كله أمام معضلة واضحة المعالم: إلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة استخدام قوتها الاقتصادية والمالية لفرض أجندة تجارية على كل العالم؟ هذا هو السؤال المطروح اليوم أمـــــــــــــــــــــــــــام الصين وروسيا وحتى الأوروبيين. <ترامب> هو <كاوبوي> القرن الواحد والعشرين الذي يستخدم منطق القوة بوقاحة مفرطة. المشكلة أنه طالما أن الدولار لا يزال العملة الأولى في العالم فيمكن لـ«ترامب> أن يفعل ما يشاء... ومن دون حساب!