تفاصيل الخبر

أين ريمون إدّه؟

13/12/2019
أين ريمون إدّه؟

أين ريمون إدّه؟

بقلم المحامي عبد الحميد الأحدب

الثورة التي تعمّ لبنان بكامله والتي هي الأولى في تاريخ لبنان ليس لها قائد ولا قادة، وهذا سرّ قوتها وسرّ ضعفها!

ليس لها برنامج مفصّل، ولكنهم طرحوا عناوين: تشكيل حكومة من المستقلين عن الطبقة السياسية الفاسدة للخلاص من طبقة الفساد ومحاسبة الفاسدين واستعادة المال المنهوب وان تتبرأ من كل الطبقة السياسية التي حكمت منذ سنة 1982.

فيما الطبقة السياسية الفاسدة تقاوم بشراسة حتى انها خلافاً للدستور لم تباشر استشارات نيابية الزامية رغم انقضاء ثلاثة أسابيع على استقالة الحكومة.

ثورتنا ليست تاريخية في التاريخ اللبناني بل تاريخية في العالم وفي تاريخ العالم وقد بدأت الصحافة العالمية تتحدث عنها بإعجاب! ولكن، لكل ثورة تاريخ ولكل ثورة قدوة، لأن الأفكار إذا بقيت في الهواء فإنها تتبخّر بل هي بحاجة الى مرجع تاريخي طالما انه ليس لها قائد يقودها في الميدان.

إذا انتصرت الثورة بحكومة مستقلين فمن هم المستقلون وعلى أي مقاس تريد الثورة المستقلين عن الطبقة الفاسدة والحاكمة؟ حكومة من 14 وزيراً من 14 ريمون اده أقول... لماذا؟

الباحث المتجرد في تاريخ لبنان الحديث بعد الاستقلال يجد في ريمون اده وسياسته وتاريخه واعماله قدوة للثورة! فلماذا لا ترفع الثورة شعاراً لها: <ريمون اده>. ريمون اده عرف كيف ينشر الأمن في لبنان وبدون الدخول بالتفاصيل نشير الى قانون اعدام القاتل والى ملاحقته <التكميل> من كشفه، الى القبض عليه، الى الحكم بإعدامه، الى إعدامه في تظاهرة إعلامية شهدها الشعب اللبناني وبعد ذلك دبّ الأمن في لبنان ولم نسمع بضربة كفّ، الى ان كانت <اتفاقية القاهرة>. وكان ريمون اده الرجل الذي يعرف كيف يفرض الأمن، والرجل الذي يعرف كيف يتصدى لمخاطر الأمن الخارجية على لبنان، فهو الوحيد الذي تصدى لـ<اتفاقية القاهرة> وكانت رئاسة الجمهورية معروضة عليه على طبق من فضة، وكمال جنبلاط يقول له: انت مرشحنا ولكن تخلى عن حربك على <اتفاق القاهرة>... ولكن العميد كان يجيب ان <اتفاق القاهرة> هو حرب أهلية ولا يريد ان يكون رئيساً لجمهورية الحرب الأهلية.

ريمون اده أمّن ازدهار البلد، فهو الذي نجح في تشريع قانون السرية المصرفية التي جعلت الودائع في المصارف اللبنانية بحجم ودائع سويسرا، ولكن الطبقة السياسية الفاسدة بعد صفقة <البوما> سنة 1982 أفسدت السرية المصرفية، وبعد ان كانت المصارف حارس الازدهار اللبناني أصبحت بحاجة الى حراس لها يحمونها من المودعين!

وكان ريمون اده صاحب مشروع الزواج المدني يطرحه في كل مناسبة.

ريمون اده هو الذي أوجد قانون ايجار السكن الجديد ولم يعد عقد الإيجار ابدياً ويعطي التوظيف في البناء 1% بل حرر عقد الإيجار وحمى المالك والمستأجر في قانون يقوم على حرية التعاقد في البناء الجديد، فحوّل ألوف المغتربين أموالهم الى لبنان ليعمروه من جديد ونهضت مئات الأبنية الجديدة ونهضت بيروت عمرانية جديدة!

وتصدى اده للأطماع السورية وغادر لبنان وجسمه لا تخلو قطعة منه من رصاصة مرت قربها، رصاصة سورية او رصاصة كتائبية! وخدم لبنان من فرنسا أكثر بكثير مما كان سيخدمه لو بقي في لبنان لأن القتل عند المخابرات السورية وحزب الكتائب كان كأكل الفاكهة، حتى رفيق الحريري الذي ساير سياستهم اغتالوه لأن حجمه كبر أكثر مما يجيزه مقياس ارهابهم.

كان ريمون اده رجل الدبلوماسية اذ عرف كيف تكون له أحسن العلاقات مع عبد الناصر دون ان يحيد قيد أنملة واحدة عن مبادئه الاستقلالية!

وكان عبد الناصر معجباً به كما أكّد لنا محمد حسنين هيكل حين دعته الجالية اللبنانية في باريس لإلقاء محاضرة.

حتى حافظ الأسد حين دبّر خطفه في روما وخُطف الى خارج روما فإنه أمر بضربه دون قتله، وقال له رجال مخابرات الأسد: ان الرئيس يحترمك!

لم يتعاطَ مع الإسرائيليين! ولا عادى الفلسطينيين ليعود فيتآمر معهم كما فعل غيره!

كانت يداه أنظف من طهارة المعابد، وكان كل فاسد مرتشٍ لا يخشى الا ريمون اده الذي كان بالمرصاد لكل فساد او فاسد في الدولة، فهو تحول الى مدعٍ عام في قضية صواريخ <الكروتال> التي اشترتها الدولة وظل يلاحق اميل بستاني عبر القضاء - الذي كان يتسم بالنزاهة في ذلك الوقت - حتى هرب اميل بستاني الى سوريا!

كان الجنرال عون في باريس يطلب منا كل يوم لقاء العميد ريمون اده، ولكن العميد رغم انه أعلن انه نائب سابق عندما حلّ الجنرال ميشال عون البرلمان، غيّر موقفه حين اطلع على أوراق ووثائق، وطوال عشر سنوات من إقامة العميد ريمون اده والجنرال ميشال عون في باريس لم يلتقيا مرة، وكان العميد اده يقول لنا في كل مرة نطلب منه قبول زيارة الجنرال عون: هذا الرجل خطير عليكم وعلى استقلال لبنان، همّه الوصول وإذا وصل فالويل للبنان!

الثورة، حين يأتي أوان انتصارها وهزيمة الطبقة الحاكمة الفاسدة فان اول مطالبها حكومة مستقلين.

ما هو مفهوم المستقلين؟ أصحاب خبرة وأصحاب افكار ونظافة الكفّ وتجربة سياسية طاهرة من الولاء للخارج.

في تاريخنا قدوات مثل ريمون اده وفؤاد شهاب وبشير الجميل وحميد فرنجية وسليم الحص ورياض الصلح!

وزارة مستقلين من 14 وزيراً، فيها 4 ريمون اده و4 فؤاد شهاب و3 بشير الجميل وحميد فرنجية وسليم الحص ورياض الصلح على مقاسهم تماماً لكسب ثقة الثورة.  ولكن الثورة يجب ان ترفع منذ الآن في الشوارع صور الطاهرين المجربين أي القدوات أمثال ريمون اده وفؤاد شهاب وبشير الجميل ورياض الصلح وسليم الحص.

فبشير الجميل يوم انتخابه اصطلح البلد بدون ان يعلق مشنقة او يدخل أياً من الفاسدين في السجون، وكان الفساد يعم البلد وقتها، كل ما قاله عند انتخابه: <الحرامية مش راح اقبض عليهم، راح استرجع الأموال وعلق مشانقهم...>. فانتظم البلد.

تريدون حكومة استقلاليين عن الفساد... ولكن الوزراء يجب ان يكونوا مجربين ايضاً وذوي أفكار خلاقة ويجب ان تكون امامهم قدوة لإخراجنا من الجحيم الذي ادخلتنا به الطبقة الفاسدة الحاكمة وتجارب تثبت طهارتهم ونظافة كفهم على قياس ريمون اده وبشير الجميل وفؤاد شهاب.