بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_81928" align="alignleft" width="333"] ثورة على الجوع.[/caption]على الرغم من الأزمات الصعبة التي يمر بها لبنان والتي تكاد تُهدد أُسس بنيانه في ظل الضائقتين الإقتصادية والمالية اللتين تعصف به، أو لجهة الأزمة السياسية الناجمة عن استمرار المراوحة في عملية تأليف الحكومة، يبقى ملف اللاجئين السوريين العالق منذ الحرب السوريةّ، والذي ينعكس بشكل كبير على الأزمة المعيشية والحياتية، مُعلّقاً إلى حين ترتيب أولويات الدولة إلى أن يأتي الدور الى هذا الملف لاستكمال مسيرات العودة الى مناطقهم وقراهم طبقاً للأصول المُتفق عليها مع المُجتمع الدولي.
أين خُطط العودة؟
منذ أن عصفت الأزمة الاقتصادية بلبنان وما تلاها من إنتشار فيروس "كورونا" وتمدده بشكل مُخيف، غابت الخُطط التي تُعنى بعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم وتحديداً تلك التي كان اقرّها مجلس الوزراء في تموز(يوليو) الفائت والتي تنصّ على التنسيق مع سوريا والدول المهتمة بشؤونهم، وذلك من دون ربط العودة بالعملية السياسية في سوريا. كما غابت أيضاً اللجنة التي شكّلها حزب الله من أجل اعادة النازحين الراغبين
[caption id="attachment_81931" align="alignleft" width="445"] نقطة عبور سورية.. الطريق ممنوع.[/caption]بالعودة الى بلدهم. والحقيقة أن ليس كُل ما يتعلق بهذا الملف هو نتاج السلطة الحالية الحاكمة، بل هو أيضاً من اختصاص النظام السوري الذي لم يُبدِ أي بادرة حسن نيّة تؤكد رغبته في عودة النازحين الذين هجّرهم على مدى السنوات الماضية، خصوصاً وأن معظم الاراضي السورية باتت مستقرّة وآمنة والجيش السوري يفرض سيطرته الكاملة على كبرى المدن والمناطق المحررة بعدما نجح بمساعدة حلفائه بدحر التنظيمات الارهابية.
واقع الحال، يؤكد انه مع تضاعف الضغوط الاقتصادية على اللبنانيين، فقد النازح السوري في لبنان الكثير من مقومات صموده، وحتى إمكان العيش مع عائلته، من هنا كان وما زال على السلطات الرسمية في لبنان الاستفادة من هذا الواقع من اجل اعادة تنظيم رحلات العودة الآمنة والطوعية وذلك برعاية واشراف الامن العام.وبالاضافة الى الاوضاع الاقتصادية والمعيشية السيّئة في لبنان، اعتبرت اوساط سياسية ان العودة اصبحت ملحة أكثر مع توسّع رقعة انتشار "كورونا" وتسلله الى مخيمات النازحين، علماً ان السلطات السورية تتعاطى بشيء من "الكيدية" في هذا المجال. فهي تصرّ على ان يجري السوريون الراغبون بالعودة الفحوص في مستشفيات لبنان، في حين انها تسمح للبنانيين الراغبين بالعودة من سوريا بالخروج من اراضيها من دون ان يخضعوا لفحوص" PCR".
طروحات وعراقيل والعودة نظرية لا تطبيقية
[caption id="attachment_81930" align="alignleft" width="399"] مخيمات اللاجئين في عرسال: اخرجونا من هنا.[/caption]في وقت ينتظر فيه اللبنانيون من دولتهم فتح النقاش مع الدولة السورية المتعلق بعودة النازحين، على مصرعيه، يُصر الزعماء اللبنانيون على اتباع طرق المواربة في طرح القضية بدل أن يحصروا نقاشاتهم في هذا الملف مع الدولة السورية. وعلى الخط نفسه، سار رئيس الجمهورية ميشال عون، فبعد استقباله الاسبوع الماضي وزيرة القوات المسلحة الفرنسية "فلورانس بارلي"، رأى إن القسم الأكبر من سوريا بات مستقراً والتوتر محصور في منطقة لا تشكل سوى 10 بالمئة من أراضيها،لافتاً إلى أن عمليات إعادة النازحين السوريين الراغبين في العودة من لبنان إلى سوريا مستمرة وبلغ عدد العائدين نحو 300 ألف نازح، لم تتبلغ السطات اللبنانية بتعرضهم لأي تضييق أوضغوط بعد عودتهم.
وشدّد الرئيس عون على قدرة لبنان على التفاوض مباشرة مع السلطات السورية لاستمرار انسياب عودة النازحين، مستغرباً إصرار المجتمع الدولي على عدم المساهمة في هذه العودة، وعدم تجاوب الأمم المتحدة مع طلب لبنان تقديم مساعدات عينية للنازحين العائدين إلى بلادهم وذلك بهدف تشجيعهم على العودة. لكن في حقيقة الأمر، فإن كلام عون يبدو في اكثر من مكان، مناف للحقيقة وهي ان النظام السوري أدار ظهره لمعظم المطالب التي كانت وضعتها السلطات اللبنانية في جعبته، ولعل أبرزها تلك المتعلقة بأمن العائدين وإسقاط المحاكمات عن الجزء الأكبر منهم، وذلك تسهيلاً لعودتهم إلى قراهم ومدنهم.
ومن ضمن عراقيل النظام أيضاً وأيضاً، إخضاع كل راغب بالعودة لفحص " PCR" يجري في الأراضي اللبنانية، ولا يسمح بأن تتجاوز مدته 18 ساعة، وإلا يعاد صاحب الفحص إلى الأراضي اللبنانية حتى لو تجاوز 18 ساعة بساعة واحدة. وبغض النظر عن حالة الارباك التي تسبب بها هذا التدبير في مستشفيات لبنان الحكومية بسبب حالة الفوضى التي حصلت في العديد من مستشفيات البقاع، جراء تهافت السوريين على الفحص، فإن هذا التدبير الأحادي، لا يميز بين نازح ومغترب أو سائح، وهو يشكل واحداً من أبرز العراقيل الابتزازية التي تمنع النازحين حتى من التفكير في العودة إلى بلادهم.
نفي من الداخل السوري
[caption id="attachment_81929" align="alignleft" width="530"] عمال سوريون بلا عمل في لبنان.[/caption]"الافكار" تواصلت مع شخصيات من الداخل السوري معنية بتأمين عودة النازحين السوريين من دول الجوار إلى بلادهم، وقد نفت بمجملها الإتهامات التي تُساق ضد الدولة السورية لجهة طريقة التعاطي مع العائدين. يقول أحدهم: هؤلاء أبناء الدولة السورية شئنا أو أبينا، وهم غادروا وطنهم هرباً من التهديدات والقتل من قبل الجماعات المتطرفة، واليوم وبعد استتباب الأمن في مناطقهم وتوفير الدولة الأمان، يحق لهم العودة إلى أرضهم ومنازلهم ومن دون منّة من أي جهة. وأوضحت شخصيات أخرى أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كانت أعربت أمام الجميع خلال تفقدها العديد من المناطق السورية عن تفاجئها بالأجواء الإيجابية التي شاهدوها خلال جولتهم على مناطق سورية كانوا حددوا زيارتها بأنفسهم من دون طلب الإذن من أي جهة. لذلك يجب أن نضع اختلاف وجهات النظر بيننا في إطار إيجابي بهدف إيجاد حل أمثل لعودة النازحين.
وحول المهلة الزمنية لإنجاز العودة، كشفت مصادر مقربة من الحكومة اللبنانية أنه لا توجد مهلة محددة كما انه لا يُمكن لأي جهة تحديد هذه المهلة، لكن ما هو مؤكد أن هناك ضغطاً كبيراً سيحصل في الفترة المقبلة لإنجاز هذا الملف، وقد بدأنا نلحظ هذا الضغط سواء من رجال السياسة ورجال الدين. وما نستطيع قوله إننا على السكة الصحيحة والوزارة المعنية كانت أعطت وبأمر من الوزير المختص شخصياً، الأوامر لإتمام هذا الملف بشكل إنساني بحت لا يخضع لأي اعتبارات لا سياسية ولا مذهبية إنما من المصلحة اللبنانية فقط. وأكدت أن عدد اللاجئين العائدين إلى البلاد بلغ نحو مليون سوري، غالبيتهم عادوا من لبنان.
كيف يتوزع اللاجئون السوريون في لبنان؟
[caption id="attachment_81927" align="alignleft" width="437"] تسجيل المغادرين مهمة شاقة للأمن العام.[/caption]المؤكد أن اللاجئين السوريين يُشكلون ثقلاً سكانياً في عدد من المناطق اللبنانية التي تنتشر فيها مخيمات اللجوء، ففي البقاع الأوسط على سبيل المثال وسلسلة جبال لبنان الشرقية التي تشمل منطقة عرسال تجاوز عدد اللاجئين السوريين عدد اللبنانيين. ويستقر عدد من السوريين في مخيمات اللجوء في منطقة البيرة وفي مزرعة جبل أكروم والعبدة وحلبا في عكار. كذلك فإن حوالى 59 في المئة من السوريين يعيشون في بيوت مستأجرة، بينما 17 في المئة يقيمون في مخيمات غير رسمية، و13 في المئة من السوريين يقيمون في مبانٍ غير مكتملة، بينما 6 في المئة يسكنون داخل المحال التجارية أو مرائب السيارات.
ومن عادة اللاجئين السوريين أن يقللوا كلفة السكن من خلال تشارك المساكن بين بعضهم، فحوالى 45 في المئة من المساكن التي يسكنها السوريون في لبنان تستضيف عائلات، بينما 25 في المئة من المساكن تستضيف عائلة واحدة، و7 في المئة من المساكن تستضيف ثلاث عائلات. في المقابل فإن حوالي 8 في المئة من المساكن تستضيف أكثر من أربع عائلات.
الضمانات أولاً
اليوم، مع بدء تطبيق "قانون قيصر" الأميركي حول سوريا، تبدو الأمور أكثر صعوبة على خط التنسيق مع النظام هناك. فبينما تريد الحكومة اللبنانية استثناءات أميركية تشمل من بينها قضية اللاجئين مع اعتبار الحكومة أن لبنان لا يستطيع انتظار الحل السياسي في سوريا خشية تكرار السيناريو الفلسطيني على أراضيه، فإن لا عودة جديّة للاجئين السوريين من لبنان الى ديارهم من دون ضمانات تتعلق باستمرار المساعدات الدولية الموفرة لهم في لبنان في حال عودتهم الى بلادهم، وسيتخذ مسار سلامتهم وعائلاتهم وقتاً طويلاً حتى يتم وقد يصطدم بعثرات كثيرة ومتنوعة.