تفاصيل الخبر

أيـــن أصـبــــح الـيـســــــار فــــي لـبــــنـان ولـمــــن هـــي زعـامـتـــــــه؟    

10/07/2015
أيـــن أصـبــــح الـيـســــــار فــــي  لـبــــنـان ولـمــــن هـــي زعـامـتـــــــه؟      

أيـــن أصـبــــح الـيـســــــار فــــي لـبــــنـان ولـمــــن هـــي زعـامـتـــــــه؟    

بقلم علي الحسيني

الشهيد-جورج-حاوي-اليساري-الحاضر باستثناء التحركات المطلبية والاعتصامات التي تظهر بين الحين والاخر على الساحة المحلية كالدعوة الى إسقاط النظام الطائفي واقرار قانون انتخابي جديد والمطالبة بالزواج المدني والافراج عن بعض المناضلين من السجون، يبقى اليسار في لبنان اسماً على ورق مغيب عن الساحة السياسية او التداول به بشكل رسمي.

اليسار او اليساريّة عبارة عن مصطلح يمثل تياراً فكرياً وسياسياً يسعى لتغيير المجتمع الى حالة أكثر مساواة بين أفراده، ويرجع أصل مصطلح اليسارية الى زمن الثورة الفرنسية عندما أيد عموم من كان يجلس الى اليسار من النواب التغيير الذي تحقق عن طريق الثورة الفرنسية، ذلك التغيير المتمثل بالتحول إلى النظام الجمهوري والعلمانية مع العلم ان ترتيب الجلوس نفسه ما زال متبعاً في البرلمان الفرنسي.

وعبثاً يحاول اليوم اليسار اللبناني بكل فروعه ركوب الموجات الجديدة او ما يعرف بالمطالب السياسية الاساسية والتي غاب عنها لعقود من الزمن من دون ان يطور نفسه بشكل يجعله على تماس مع الاجيال الجديدة، ولذلك هو يبحث اليوم عن حل يمكن ان يعيد اليه بعضاً من بريقه، لكنه سرعان ما يجد نفسه منغمساً بشكل اكبر في مشاكله وانقساماته، حتى اصبح يوجد في لبنان اكثر من جهة تدعي تمثيلها الحصري لهذا الخط وحقها الحصري بنبش الذاكرة ودغدغة شعور اليساريين القدامى. والأسئلة التي تطرح نفسها هي: أين أصبح اليسار اليوم ومن هي الجهة التي تمثّله، وهل يوجد فعلاً يسار ام ان ما تبقى لا يتعدى الذكرى الجميلة ومبادئ مكتوبة حفظت داخل مستودعات؟

مروة: لا ضرورة لاستخدام كلمة شيوعي او اشتراكي

 

باختصار شديد للحالة اليسارية المتراكمة، يصح القول إن موقف اليسار بشكل عام أشبه بالعاجز عن توصيف أو تعريف مكامن الخلل في بنيته السياسية والفكريّة والإجتماعية ويضاف الى عجزه هذا عجز آخر هو تحديد الأسباب الفعلية التي اوصلته إلى هذا الوضع والاعطاب التاريخية التي منعته من التطور والاستمرار بنشاطاته الفكرية على اقل تقدير بدل ان يرتضي لنفسه بأن يصبح ملحقاً لهذا الفريق او ذاك او ان يتحول الى واجهة تعلق عليها طفيليات الأحزاب الكبرى. القيادي السابق في الحزب الشيوعي اللبناني والمفكر السياسي كريم مروة ميز بين قراءة اليسار للبنان الماضي وبين لبنان الذي نعيش في شروطه وظروفه الصعبة، فيقول ان اول ما ينبغي ان يتسلح به المناضل اليساري في هذا الزمن اللبناني الذي نحن فيه هو الفكر رغم ان لامتلاك الفكر شروطاً لا بد من احترامها أولها التعامل مع الفكر على انه ابن تاريخه وزمانه، فإذا كنت أعتبر ان على اليساري ان ينطلق من افكار <ماركس> ومن مشروعه العظيم لتغيير العالم باسم الاشتراكية، فعلى هذا اليساري ان يقرأ بدقة التغييرات التي احدثتها حركة التاريخ في أفكار <كارل ماركس> مثلما فعلت بكل فكر في التاريخ القديم والجديد.

ويعتبر المفكر السياسي اليساري ابن رجل الدين الشيخ أحمد مروة ان اليسار الجديد ليس نقداً عدائياً بل هو احترام للمتغيرات والتحولات التي حصلت واحترام الظروف الجديدة في بلدنا. هكذا يكون اليسار جزءاً حقيقياً من الوطن ومن قضاياه ومصالحه ويكون عضواً فاعلاً في المجتمع مع سائر القوى السياسية والاجتماعية من كل الاتجاهات. ومن هنا لم يعد هناك اي ضرورة لاستخدام كلمة شيوعي او اشتراكي واستبدالها بكلمة يساري لأنها أكثر تطابقاً مع مجريات الاحداث مع الاحتفاظ بجوهر فكر <كارل ماركس> وما يحمله من قيم وحقوق أساسية للانسان.

من الصفوف الامامية الى الهامشية

 

ومن خلال المرحلة الآنية التي نعيشها، يشير مروة إلى ان الواقع المفجع يدل على ان أحزابنا اليسارية قد فشلت مشاريعها وتحولت برغم نضالاتها وتضحياتها وإنجازاتها إلى قوى هامشية. وجميع الذين تصدوا في بلداننا والعالم لقيادة حركة التغيير بأسمائها وتياراتها ومدارسها المختلفة، اليسارية، الإشتراكية والشيوعية منها واليسارية القومية والليبرالية قد وقعوا في أخطاء فادحة انتهت بهم وبمشاريعهم إلى الفشل. ويدخل مروة بشكل أوضح إلى عمق أزمة اليسار العربي على وجه التحديد ليقول: ان اليسار عندنا لم يستطع أن يجدد نفسه ويدخل في عصر التحولات الكبرى وفي شروطها ببرامج جديدة وبأفكار جديدة وبأشكال نضال جديدة ولا ان يدخل في علاقة مدروسة ومحسوبة مع القوى المتضررة من رأس المال المعولم. لقد انهار الإتحاد السوفياتي وانهارت معه التجربة الاشتراكية برمتها بسبب الخلل الذي ساد وتفاقم ولم توجد القوى التي كان يفترض بها أن تحاسب وترافق وتحدث التغيير في الاتجاه الافضل والاصح مع شروط العصر ومع حاجات الناس.

خالد-حدادةنكسة انهيار الاتحاد السوفياتي

 

من نافل القول ان اليسار واجه في تاريخه الكثير من المحطات الحرجة، التي شكلت دافعاً لإعادة التفكير بمنطلقات وصيغ جديدة تتلائم مع المراحل الجديدة. ومن تلك المحطّات، صدمة المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي في 1956 والانقسامات التي حصلت فيه بين مؤيد لفكر <جوزف ستالين> ومنتقد له، مروراً بربيع <براغ> عندما حاول الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي أن ينتهج خطاً إصلاحياً لكن المحاولة انتهت باجتياح قوات <حلف وارسو> للبلاد بقيادة الاتحاد السوفياتي، فضلاً عن انهيار الاتحاد السوفياتي نفسه في أوائل التسعينات.

 مزرعاني: الحزب الشيوعي سقط على يد المجموعة الجديدة

ولكن هل لهذه المحطات أو الانكسارات كما يسميها بعض اهل اليسار في لبنان اي تأثير على اليسار عموماً الذي كان في إمكانه تطوير نفسه على غرار ما قام به حزب <سيريزا> اليساري اليوناني الذي فاز في الانتخابات الاخيرة بنسبة 35 في المئة بينما لم تتجاوز نسبة فوز الحزب الشيوعي اليوناني الثلاثة او الاربعة في المئة؟ نائب الامين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني سعد الله مزرعاني يرى ان اليسار يمر اليوم بمرحلة حرجة بسبب الانتكاسة الكبيرة التي اصابت الإتحاد السوفياتي في اوائل التسعينات إضافة الى سبب آخر هو ان هذا اليسار الذي كان يشكل امتداداً للإتحاد السوفياتي بقي يراوح مكانه في نطاق تجربته السابقة ولم يتمكن من صياغة برنامج جديد وأطر ومفاهيم جديدة على صلة بتطورات المرحلة وما يتخللها من عصر الاكتشاف والمعرفة. كما ساهم ابتعاد اليسار عن القضايا الاجتماعية وحركات التحرر الوطنية والعمالية في تراجع شعبيته لصالح القوى المهيمنة على القرارين الدولي والمحلي.

وبرأي مزرعاني ان اليسار اللبناني والحزب الشيوعي بشكل خاص واجه هذه التحديات او الأزمة ودخل في نقاش جدي وعميق مع بداية انهيار الإتحاد السوفياتي لكن هذا النقاش لم يتمكن من صياغة رؤية موحدة حول سبب انهيار الإشتراكية وانقسم المجتمعون بين فريقين احدهما يقول ان الاخطاء بسيطة مقارنة مع الانهيار، وبالتالي يمكن تصحيحها، والثاني اعتبر أن القوى الخارجية لم تكن لتنجح في مشروعها لولا الأخطاء الكبيرة التي رافقت مراحل التجربة الطويلة. والسؤال عن وضع اليسار اليوم يقود مزرعاني إلى إجابة وحيدة هي الحزب الشيوعي المعني الاول بالحركات اليسارية هو مشروع سقط على يد المجموعة الجديدة وذلك في ظل تعطيل المؤتمرات منذ ثلاث سنوات لغاية اليوم. وعلى اليسار كله إدخال تغيرات الى برنامجه لجهة حرية الفرد وتداول السلطة سواء داخل الحزب او في المجتمع.

انتقادات حاضرة

ولا يخلو الحديث مع مزرعاني من توجيه بعض الانتقادات لرفاق له اعتبرهم بأنهم أصبحوا على الضفة الاخرى. فعلى سبيل المثال يسأل مزرعاني عن العقيدة التي تجمع النائب السابق الياس عطا الله رئيس حركة اليسار الديموقراطي السابق برئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ضمن تركيبة معينة ويقول: أنا أفهم ان تحاور طرف لبناني من الند الى الند وأفهم أن تجمع بينهما أفكار تتعلق بطبيعة المرحلة الراهنة، لكن ما لا افهمه هو ان يصبح تابعاً له ويعيش تحت جناحيه لاسباب لم تعد اصلاً خافية على أحد.

القيادي-السيوعي-السابق-سعدالله-مزرعاني

مرتضى: النظام السوري همشنا

 

من جهته يسرد الكاتب السياسي والقيادي السابق في الحزب الشيوعي يوسف مرتضى في حديث المراحل التي مر بها الحزب الشيوعي خصوصاً واليسار اللبناني عموماً منذ السبعينات والتي عرفت بمرحلة النهوض العربي وحملت عناوين عدّة منها: الوحدة والقومية العربيّة وصولاً إلى شعار المطالبة بتحرير فلسطين وبروز حركة مطلبية للتغيير السياسي والاجتماعي في لبنان ويقول: لقد تميز الحزب الشيوعي اللبناني وهو العمود الفقري للحركات اليسارية في لبنان بخصوصية لبنانية لم تكن موجودة عند آخرين، واستطاع ان يؤسس مع الشهيد كمال جنبلاط الحركة الوطنية التي شكلت اطاراً واسعاً من التحالفات ضم الى الاحزاب شخصيات وطنية وتقدمية عديدة.

ويتابع مرتضى: تطور الحلف مع جنبلاط الأب ليضم لاحقاً منظمة العمل الشيوعي وأحزاب علمانية أخرى مثل حزب البعث العربي الإشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي حيث كان لهذا الحلف تأثير في الشارع ضمن إطار الحركة الوطنية.

عقاب الانتقاد الفصل او الطرد

ويضيف: كل إنجازاتنا جرى تجاوزها من قوى خارج اليسار خاصة بعد مرحلة انهيار الاتحاد السوفياتي الذي انعكس بدوره سلباً على موازين القوى التي ينتمي اليها اليسار اللبناني، وما زاد في الطين بلّة ان الوصي على لبنان (النظام السوري) بفعل اتفاق الطائف كان لديه برنامج سياسي لم يكن اليسار جزءاً منه، وأكثر من ذلك فقد اعتبر ان اليسار معيق لبرنامجه هذا، وبالتالي تم وضعه خارج الحل في الشقين العسكري والسياسي ومنع عليه بأن يكون صاحب موقع سواء في المجلس النيابي او في السلطة من خلال صيغ وتحالفات كان النظام يديرها بنفسه.

وعن سر انكفاء الشيوعيين في تلك المرحلة يجيب مرتضى: هذه الممارسات وغيرها بحق الحزب تحديداً بعد اتفاق الطائف كونت حالة من الاحباط لدى العديد من الرفاق استمرت لغاية اليوم، إضافة الى عوامل داخلية عدة لم يجرِ التعامل معها بمسؤولية من قبل قيادة الحزب لبلورة خيار يمكن اليسار من ان يكون لاعباً اساسياً في صلب الحياة السياسية بدل ان يكون على هامشها. ويعترف ايضاً بالاخطاء التي ارتكبت داخل الحزب الشيوعي الذي لم يستطع برأيه تخطي أزمته. <حاولنا في العام 1992 أن نقوم بمراجعة للتجربة السابقة وان ننتج برنامجاً جديداً للمرحلة الجديدة آخذين بعين الاعتبار التغيرات التي حصلت، لكن للأسف عجزنا مع الامين العام السابق للحزب الشهيد جورج حاوي عن التغيير في البنية الحزبية. وللأسف منذ انعقاد المؤتمر السادس ولغاية اليوم يتعامل البعض من قيادة الحزب الحالية بمنطق ان الانتقاد لمواقف القيادة يصنف عمالة وخيانة ما حول العمل الحزبي إلى عمل جهازوي أصبح العقاب على مخالفة رأي القيادة الفصل او الطرد>.

أين اصبحت المبادرة؟

منذ ثلاثة أشهر طرح الامين العام الحالي للحزب الشيوعي خالد حدادة مبادرة وصفها البعض بالجريئة كونها المرة الاولى التي يطرحها منذ توليه الأمانة العامة منذ عشر سنوات مع الاشارة الى ان النظام الداخلي لا يسمح له بالترشح سوى لدورتين ممدة الواحدة اربع سنوات. وعن هذه المبادرة يقول مرتضى الذي يقود منذ العام 2005 مع آخرين من رفاقه حركة تحمل اسم <حركة الإنقاذ للحزب الشيوعي>: نحن كحركة انقاذ في الحزب كنا أعلنا مواقف في مرات عديدة من أجل جمع الشيوعيين لكن القيادة لم تستجب. ونحن تعاملنا مع مبادرة حدادة بجدية تامة مع علمنا المسبق بأنها قد تكون ناجمة عن مأزق جديد تعيشه القيادة الحالية بسبب صراع داخلي حول انعقاد المؤتمر ومن هو الامين العام المقبل والقيادة المقبلة خاصة وانه في هذه الآونة برزت قوى معارضة جديدة داخل الحزب طالبت حدادة بالاستقالة والاسراع بتحديد عقد المؤتمر. وبالتالي نحن من جهتنا نتعامل مع المبادرة بحسن نيّة بغض النظر إن كانت مناورة لتأجيل عقد المؤتمر أم لا وذلك من دافع حرصنا القيادي-يوسف-مرتضى-الحركة-الاصلاحيةعلى تجميع الشيوعيين كمقدمة لتجميع قوى اليسار من أجل حمل لواء التغيير في لبنان لمواجهة التحديات الراهنة التي يعيشها.

 

بماذا رد نصرالله

 على حاوي؟

وفي معرض حديثه عن المقاومة ضد اسرائيل يكشف مّرتضى عن لقاء كان جمعه الى جانب الشهيد جورج حاوي مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في العام 1998 لطرح فكرة او مبادرة الغرض منها تأمين غطاء وطني للمقاومة بعدما فشلت فكرة تأسيس سرايا المقاومة من تحقيق هذا الهدف. وعن هذه المبادرة يقول: المبادرة جاءت بعدما كان الحزب الشيوعي وأفرقاء في جبهة المقاومة الوطنية منعوا من العمل المقاوم وجرى تجفيف ينابيع تمويلها بقرار سياسي اقليمي ودولي ومحلي ايضاً ما جعل المقاومة تأخذ منحى مذهبياً بعد انحسار عملها بـحزب الله. وكانت فكرة المبادرة تنطلق من إعطاء بعد وطني مجدداً للمقاومة خشية ان تبقى طائفية ومذهبية وان تتحول الى عامل انقسام في البلد بدل ان تكون عامل توحيد له. ولمنع سقوطها بهذا الفخ اقترحنا على نصر الله يومئذٍ إنشاء مجلس أعلى للمقاومة يضم كل الافرقاء والاحزاب الذين شاركوا في العمل المقاوم بالإضافة الى شخصيتين مارونيّتين هما النائب الراحل نسيب لحود والوزير السابق جان عبيد لكنه أجاب: عليكم ان تسألوا السوري أولا اذا كان يوافق على ذلك.

غرفة إنعاش بإشراف أصولي!

أزمة اليسار في لبنان مستمرة ولم يجد القيمون على مسيرة الاحزاب التي تحمل الفكر اليساري اي حل يرضي جمهورهم اذ ان كل ما تمكنوا من فعله حتى اليوم هو محاولتهم البقاء على قيد الحياة ولو داخل غرفة انعاش يشرف عليها أطباء متخصصون في الحركات الاسلامية قد ينتمي بعضهم الى الحالة الاصولية.