تفاصيل الخبر

أين المصلحة الإقتصادية في الإبقاء على قانون السرية المصرفية؟

13/02/2015
أين المصلحة الإقتصادية في الإبقاء على قانون السرية المصرفية؟

أين المصلحة الإقتصادية في الإبقاء على قانون السرية المصرفية؟

بقلم خالد عوض

رياض-سلامةربما يكون محظوظاً من لا يملك المال. بعد فضيحة مصرف الـ<HSBC> السويسري وثبوت ضلوع أكثر من مئة ألف شخص في إحدى

أكبرفضائح تهرب من الضرائب في التاريخ ينظر المرء ببعض السخرية إلى أصحاب كل هذه الثروات الذين لا يعرفون ماذا يفعلون بمالهم، فيهربون به من <جنة> ضريبية إلى أخرى مع العلم أن حياتهم وحياة أحفاد الكثيرين منهم ستنتهي قبل أن يجف ربع هذه الثروات. كلام كثير قيل وسيقال عن الخديعة البنكية التي ساعدت أصحاب ثروات من كل أصقاع الأرض على إخفاء أموالهم عبر شركات وهمية في <بنما> والجزر العذراء البريطانية. ولكن الملفت في اللائحة هو وجود حوالى ٣ آلاف لبناني فيها تشكل المبالغ التي يملكونها ما يقارب الخمسة مليارات دولار أي حوالى خمسة بالمئة من مجموع الأموال المكتشفة في هذه الفضيحة. واللبنانيون هم الأكثر عدداً بين كل العرب ويأتون في المرتبة الحادية عشرة عالمياً من حيث العدد وفي المرتبة الثانية عشرة من حيث مجموع الأموال.

ليس غريباً أن تحاول المصارف السويسرية مساعدة أصحاب الثروات على التهرب من الضرائب من خلال السرية المصرفية، وليس مستغرباً أن يكون هناك آلاف اللبنانيين بين أثرياء العالم. الجديد هو كيف يجمع التهرب من الضرائب تاجر المخدرات والسياسي ورجل الأعمال في بوتقة واحدة. فاللائحة تضم الملوك والأمراء والرؤساء وأصحاب النفوذ السياسي وممثلين ومغنين ورياضيين الى جانب العديد من اختصاصيي تبييض الأموال السوداء في العالم ورؤوس مافيات عالمية في تجارة السلاح والمخدرات والجريمة المنظمة. سرقة الدولة جمعت تاجر المخدرات بالسياسي والمبيض بالحاكم. ربما يكون هذا التلاقي مجرد صدفة مصالح مالية ولكنه بالتأكيد يدل على الكثير من أوجه الشبه في أساليب جمع المال بين الغني المتخفي والمجرم المعروف. الإثنان متهمان بنية إخفاء المال، ومن الصعب وجود أسباب مقنعة لتبرير إخفاء الثروة عن الناس.

ليس هذا ما يهم في فضيحة <HSBC>. المهم أنها يمكن أن تكون الضربة القاضية على السرية المصرفية عالمياً و...لبنانياً.

إتفاق إنهاء السرية المصرفية بين أهم دول العالم في طريقه إلى التنفيذ الكامل في 2018، حتى سويسرا أعلنت أنها ستلحق بركب أكثر من ٤٠ دولة، من بينها السعودية والإمارات، وقعت تفاهماً لتبادل المعلومات حول الحسابات المصرفية إبتداء من 2017. السرية المصرفية أصبحت من الماضي والكل يتسابق على الخروج منها.

 عندما اقترح السياسي الكبير الراحل ريمون اده قانون السرية المصرفية عام 1956بعد زيارته لسويسرا، كان هذا حجر الأساس لمكانة مالية وإقتصادية استثنائية للبنان جعلت منه مقصداً لأموال الشرق والغرب على مدى ربع قرن. كما كان حافزاً مهماً لما يسمى <المبادرة الفردية اللبنانية> التي تحولت إلى المحرك الإقتصادي الأهم في البلد. اليوم وبعد ستين سنة من اقراره، أصبح هذا القانون عبئا ًعلى لبنان بل ربما يكون سبباً من أسباب الفشل الإقتصادي المستمر الذي نعاني منه.

raymond_eddeهناك عدة أسباب تجعل السرية المصرفية من دون أي فوائد حقيقية اليوم:

1- القوانين الدولية من عقوبات إلى تعقب للإرهاب والتي على لبنان أن يلتزم بها تجعل التطبيق الحقيقي للقانون مع باقي دول العالم هشاً جداً.

2- تطور تكنولوجيات التجسس تجعل السرية المصرفية في لبنان معرضة للخرق في أي وقت رغم كل الإحتياطات المكلفة التي تتخذها المصارف. كما أن سرقة المعلومات الرقمية من الداخل كما حصل في <HSBC> السويسري أمر ممكن جداً في القطاع المصرفي اللبناني رغم كل الإجراءات الاحترازية لذلك.

3- نمو الودائع البنكية مرتبط بتحويلات اللبنانيين وبمستوى الفوائد المرتفع جداً في البلد نسبة إلى الدول المجاورة ولم  يعد له صلة بقانون السرية المصرفية.

4- تطور الفساد في لبنان مرتبط إلى حد كبير بقانون السرية المصرفية. لولا هذا القانون لفكر المسؤولون السياسيون والإداريون مئة مرة قبل أن يقدموا على عمل فيه إساءة إلى المال العام. كما أن ازالته تعبد الطريق أمام قانون <من أين لك هذا> الذي أصبح البلد بأمس الحاجة إلى إخراجه من الملفات.

5- التمسك بقانون السرية المصرفية يزيد من شكوك الدول الغربية في سلامة النظام المصرفي اللبناني وقد رأينا ذلك من خلال إجراءات ضد عدة بنوك لبنانية في السنوات الماضية. من المفيد جداً للبنان أن يفك الإرتباط بين تورط مصارفه بالإرهاب وقانون السرية المصرفية. وفي عام 2017 ستتجه الأنظار بعين الريبة والمحاسبة إلى دول مثل لبنان ما زالت تتمسك بالسرية المصرفية.

6- إقتصاد لبنان بحاجة إلى المبادرة الجماعية وليس الفردية. وإذا كانت السرية المصرفية وراء إنطلاق اللبنانيين كأفراد في شرق العالم وغربه فهي اليوم آفة مالية تعرقل المبادرات الجماعية وتمنع الشفافية التي أصبحت عنصراً مهماً من النجاح التجاري والإقتصادي.

لو كان ريمون إده موجوداً اليوم بيننا، لربما قال ان السرية المصرفية حققت المطلوب منها وأكثر وحان الوقت للنظر أبعد منها. بقاء السرية المصرفية اليوم يعكس الفراغ القيادي والريادي في لبنان وبين سياسييه وكم أن البلد يفتقر الى متبصرين أمثال العميد الراحل.