تفاصيل الخبر

أيـــــن اخـتـفـــــت مـذكــــرات صــــــائـب بــــــك؟

14/09/2018
أيـــــن اخـتـفـــــت مـذكــــرات صــــــائـب بــــــك؟

أيـــــن اخـتـفـــــت مـذكــــرات صــــــائـب بــــــك؟

 

بقلم المحامي عبد الحميد الأحدب

في هذا الزمن الكالح السواد الذي يعيشه لبنان ويسمّونه الزمن الرديء والذي وصل بوزير يقول بكامل قواه العقلية اذا ــ نقول اذا ــ يقول الوزير ان هذا العهد حقق في سنتين ما لم يستطع ان يحققه أي رئيس ولا اي عهد منذ الاستقلال، هذا نموذج عن المستوى العقلي لوزراء الزمن الرديء... <رحم الله شفيق سْتَيْتِيّه>.

لا نستطيع ان نعالج أنفسنا الا بذكريات من عظمائنا، ذكريات عن فؤاد شهاب وريمون اده وبشير الجميل وصائب سلام ورياض الصلح وحميد فرنجية وعادل عسيران وفيليب تقلا وشارل مالك الخ...

الأطباء ينصحون مرضاهم اليوم بأن لا يقرأوا صحف هذه الأيام ويعودوا الى الذكريات القديمة والصحف القديمة، فهذا دواء تبيعه المكتبات وليس الصيدليات! فالتاريخ الذي صنع الدول العظيمة عمّرها بذكريات بقيت خالدة ابدية من <لينكون> الى <غاريبالدي> الى <تشرشل> الى <ديغول> الى سعد زغلول الى <بسمارك> الى... الى...

اليوم نحن في لبنان نعيش في زمن <فيشي> و<بيتان> والأنكى اننا في زمن الفساد والنفايات والكهرباء والماء ومقاطعة استقبال امين عام الأمم المتحدة الخ... الخ... في هذه الأيام ظهر في كتاب للصحافي شكري نصرالله شاء ان يسميه <مذكرات قبل اوانها> والحقيقة انها مذكرات <لا أوان لها> عن ريمون اده وصائب سلام، وكان شكري قريباً من صائب بك كصحافي وقريباً من العميد كصحافي ليس اكثر من ذلك المكتوب في الكتاب، فشكري لم يكن رجل سياسة ولا رجل اعمال، بل كان صحافياً ممتازاً! هناك صحافيون من كبار المثقفين كغسان التويني وهناك صحافيون من كبار صحافيي العالم كسعيد فريحة وايضاً محمد حسنين هيكل الذي كان صحافياً وممارساً للسلطة ومثقفاً كبيراً، علي ومصطفى امين كانا ابرع صحفيين في العالم، احسان عبد القدوس كان صحافي <الفراش> كما سماه عبد الناصر! و... و... وشكري صحافي علاقات عامة، صاحب ودّ وصداقة متعرجة في أكثر الأحيان، ولكن شكري نصرالله يضع يده على الداء (داء الزمن الرديء) ليس في ما كتبه بل في ما لم يكتبه.

فشكري يروي نصف حكايات كثيرة ولكنه لا يتممها ويطرح أسئلة ولا يجيب عنها!

فهو كتب صفحات كثيرة كثيرة عن <النيفا> ثم عن املاءات صائب بك له عن ذكرياته ومذكراته، ثلاث سنوات وهو ينتقل مرتين في الأسبوع من باريس الى جنيف ثلاث ساعات قبل الظهر وثلاث ساعات بعد الظهر مع صائب بك يكتب ما يمليه عليه، وقد شاهَدْت بنفسي المذكرات مجموعة في ثلاثة مؤلفات بعد انتهاء صائب بك من املائها على شكري نصرالله.

وهذه الصفحات هي دواء هذا الزمن الرديء وفيها اسرار وبطولات ومواقف صائب سلام التاريخية في أيام العز! فأين هي هذه الصفحات؟

صائب بك كان يقول لي: ننتظر قليلاً قبل نشرها!

ثم سلمها الى <تمام> (الأمير خالد شهاب كما هي تسميته السياسية) فأين هي هذه المذكرات التي أفنى صائب بك عمره في كتابتها؟ ولماذا لا تُنشر لتأتي بلسماً على جراح هذا الزمن الرديء؟ والمذكرات هي ملك التاريخ وليست ملك المير خالد، وصائب بك كان ممن صنعوا تاريخ لبنان الجميل قبل ان تأتي اليه عصابة علي بابا، فأين هي هذه المذكرات؟ وهي ملك التاريخ وليس ملك المير خالد؟

سؤال يطرحه الضمير الوطني اللبناني ويلحّ سائلاً عن جواب! وهو جواب لم يأتِ به كتاب شكري نصرالله عن المذكرات التي <لا أوان لها>.

بعد ذلك ينتقل شكري نصرالله من حيث لا يريد، بل على عكس ما يريد، ليضع يده على الداء!! كيف وصلنا الى هنا؟ بعد فؤاد شهاب وريمون اده وبشير الجميل!!! يقول شكري نصرالله ان صائب بك انقذ مسيحيي بيروت من مذبحة كانت تُدبَّر لهم بعد مذبحة صبرا وشاتيلا وان صائب بك هو وحده الذي استطاع ان يأتي بأمين الجميل رئيساً للجمهورية، في اخطر الظروف!

هل يفهم اللبنانيون اليوم، لماذا وصل بهم الحال الى ما هم عليه؟ بدون شرح او تفصيل، من يفهم يفهم!!!

بعد ذلك ينتقل شكري الى العميد ريمون اده. وهو يروي حكايات بعضها خيالي عن فيصل أبو خضرا الذي جرب ان يحول التاريخ وبعضها يروي نصف القصة ويغفل اهم ما فيها مثلاً، في روما يروي ان العميد خرج من فندقه لتلبية دعوة عشاء أقامها على شرفه صديق لبناني، واستقل اول سيارة تاكسي فإذ هي سيارة مخابرات سورية خرجوا بالعميد الى خارج روما، وانهالوا عليه ضرباً مبرحاً وأدموه!!

والأهم، الأهم، الذي اغفله الكتاب الذي صدر في <غير اوانه> الجلسة التاريخية التي حدثت أربعة أيام قبل وفاة العميد وكنا على غداء حضره كثيرون بينهم شكري نصرالله نفسه، وحضر الغداء السفير جوني عبدو وحكمت قصير والسفير حسين الرمال الخ... وخلال احتفال الغداء هذا، وحين اكتمل العدد وبعد وصول العميد، رفع العميد كأسه ليقول حرفياً: <نخب الوطني اللبناني الأول فؤاد شهاب الذي صنع وطناً وصنع دولة> وطار صواب السفير جوني عبدو ليقول للعميد: <نسيت انك قلت ان الاخطار على لبنان ثلاثة الشهابية والشيوعية والناصرية>، فأجاب العميد: <غلطت وجيت صلح غلطتي!> لو تعاونّا مع فؤاد شهاب لكنّا أنقذنا لبنان الذي سقط سنة 1975.

ولا ينكر شكري نصرالله يوم طلب العميد ريمون اده من صائب بك تضامناً مع الاحرار المسيحيين ان يقاطع تمام سلام وكتلته الانتخابات النيابية التي نظمتها المخابرات السورية، وقاطعتها الأحزاب المسيحية وقتئذٍ! فتمهل صائب بك وقال للعميد <تركني فكر>! لأن تمام في بيروت، وحافظ الأسد يتعامل مع الذين يحترمهم بالضرب فكيف الذين يعارضونه؟

وكاد خلاف ينشب او نشب بين العميد في باريس، وصائب بك في جنيف..

إلى ان كان صبح نهار، اتصل بي صائب بك ليبلغني لأبلغ انه قرر التضامن والمقاطعة مع ريمون اده أي مقاطعة الانتخابات النيابية تضامناً وطنياً مع المسيحيين! وان تمام وجماعته سيسحبون ترشيحهم، قائلاً: بلغ صاحبنا، بأسرع من البرق. اتصلت بالعميد ابلغه الخبر السعيد، فسألني: <شو بدك اياني اعمل> (وكانت أيام جفاء قد مضت بين صائب بك والعميد) فاقترحت عليه ان يتصل بصائب بك ويحييه، ولكن العميد ذهب أكثر من ذلك.. اتصل بصائب بك ليقول له: ما بصائب الا صائب. وانسحب تمام وجماعته من الانتخابات تضامناً مع مقاطعة الأحزاب المسيحية..

وكتب يومذاك غسان التويني افتتاحية <النهار> بعنوان: <لو لم يكن في لبنان صائب سلام... ماذا كان يحصل؟>، وكان صائب بك يحمل في ذلك اليوم عدد <النهار> الذي فيه مقال غسان التويني وعلى بشائره سعادة لم اشاهدها كما لم أشاهده في يوم اسعد من ذلك اليوم ومعتزاً بموقفه أكثر من ذلك اليوم!

هذه اخبار كان على كتاب <مذكرات في غير اوانها> ان يذكرها ويفصّلها.