تفاصيل الخبر

إيـهــــاب أحـمــــــد: المـشهـــد الواقـعــي لا يستهويـنـــي وأفــضّل إبـــراز جماليـــات التفاصيـــل فـي لوحتـــي الفنيــــة!

21/12/2018
إيـهــــاب أحـمــــــد: المـشهـــد الواقـعــي لا يستهويـنـــي  وأفــضّل إبـــراز جماليـــات التفاصيـــل فـي لوحتـــي الفنيــــة!

إيـهــــاب أحـمــــــد: المـشهـــد الواقـعــي لا يستهويـنـــي وأفــضّل إبـــراز جماليـــات التفاصيـــل فـي لوحتـــي الفنيــــة!

 

بقلم عبير انطون

من بيروت الى <هونغ كونغ> مرورا بباريس لم تكن رحلة الفنان التشكيلي ــ التعبيري إيهاب أحمد سهلة، فمشاها خطى كتبتها عليه موهبته. الخطوات لا زالت في البدايات لكنها واثقة ومدروسة.

في اللقاء مع <الافكار> دخلنا في اسئلة متشعبة، فصاحب <بيروت آرت ستوديو> لديه ما يقوله وسألناه اولا:

 ــ ماذا عن البدايات واكتشاف الموهبة؟

- منذ صغري وانا أرسم، حتى في حصص الصف. كنت عند <راهبات المحبة> وفي عمر العشر سنوات فزت بجائزة <فابيرانو>. كالكثيرين من الأهالي لم تؤخذ موهبتي على محمل الجد، وكان الاتجاه لدخولي اختصاصاً <بيطلعلك مصاري> كما يتردد دائما. اليوم العقليات تغيرت. تخصصت في <هوسبيتاليتي ماناجمانت> (ادارة الضيافة) وعملت في نطاقها. لكن، ومع مرور بعض الوقت، شعرت انني في غير مجالي، فقررت القيام بعمل جانبي على علاقة بما أحبه. تسجلت في الـ<تصميم الغرافيكي> في معهد واشتغلت به في شركة. في هذه الأثناء كنت ارسم من دون ان أعرض. بعد ذلك تخصصت في كلية الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية. وبما أن شغف الرسم وتعليمه يتملكانني، افتتحت <بيروت ارت ستوديو> وهو محترفي في شارع الحمرا.

ــ اذاً الرسم يطعم خبزا.. بخلاف ما كانوا يقولون؟

- خبزاً وأكثر شرط بعض الامور... لكن هذا الاستوديو افتتحته بعدما اوقفت الشركة التي كنت اعمل فيها عشرين موظفا استبدلوهم بأربعة. استثمرت التعويض الذي نلته نتيجة الصرف بهذا الاستوديو في منطقة هي محل جذب ونقطة مهمة ثقافيا. انطلقت منذ اربع سنوات بأربعة طلاب واصبحوا بعد اربعة أشهر ثلاثين طالبا. غالبيتهم يعرفون بي عبر وسائل التواصل، واعطي دروسي للمجموعة وكأنها خاصة، وقد نجح الأمر بناء على مرتكزين: شغفي بالفن والمضمون الجدي الذي اقدمه عبر برنامجي.

ــ هل يمكن لكل شخص أن يكون رساما ام هي <جينات> فنية؟

- يمكن للفرد فينا ان يملك الموهبة من دون ان يعرف، ومنهم من يبقون لسنوات يتعلمون الرسم ويتقنون مبادئه لكنهم ليسوا بفنانين. الموهبة هي نعمة من الله، طاقة معينة يمد الانسان بها. أنا مثلا أرى اللون، <أركبه> بعيوني وعقلي، تماما كما اللحن الذي يضج في رأس الموسيقي فيقوم بترجمته لنوتات على الورق. الأدراك البصري ليس واحدا عند الجميع وهذا كلام علمي. التقنية تخلق رساما ناقلا لما يراه، وليس فنانا. في الجامعة اللبنانية كانت زميلة لي امها رسامة وقد اكتسبت الرسم منذ صغرها فكانت بارعة في نقل الواقع لكنها في مجال الابداع والخلق لـ<لوغو> معين مثلا او لشعار تجاري لم تنجح... الفنان يبتكر لا ينقل.

هذه تجربتي..

 

ــ رسامون كثيرون ابدعوا من دون التخصص في المجال. الى اي مدى دخول جامعات فنية مهم؟

- مهم جدا. سأحدثك عن نفسي، عن نقلتي النوعية ما قبل الدخول الى الجامعة وما بعدها. قبلها كانت الهيكلية لعملي، بنية النص البصري ضعيفة نوعا ما والالوان <متيشرة>. بعد دخولي الجامعة وبعد القراءات والاطلاع من اوسع الابواب باتت لي خبرة كبيرة في ذلك واتقنتها.

ــ من أثر بك من اساتذتك؟

- الدكتور عباس مكي. تعلمت من خبرته الواسعة ولطالما قال لنا <وسّعوا الافق لا تحدوا أنفسكم بمدرسة فنية واحدة>. في عملي ارتكزت على هذا الأمر ورحت انوّع في المواد والخامات واطوعها.

ــ الا يفقدك ذلك هوية تكون خاصة بك؟

- هنا الصعوبة، ان اجعل لنفسي هوية مع تقنية جديدة ومن دون ان اكرر. لقد عملت في الحديد على الكانفا، والآن ادخل الـ<ستراس> على <السكوتش> او العكس ما يعطي تغييرات بحسب الضوء، كما انني لا استخدم الاكواريل دائما.. هذه حفنة من ادواتي (يطلعنا على اقلام يجعل بها ظلالا وطبقات.. الخ) هذه اللامحدودية، الفن المعاصر يعبّر عنها خير تعبير.

ويكمل إيهاب:

ــ أنا فنان مجرّب. خذي هذه مثلا (ننظر الى لوحة طبقتها الاولى كانفا والثانية من حديد). هذا الحديد كان خطا على الكانفا. وانا انظر اليه قلت في نفسي: لِمَ لا اجعله خطا أعلى من الكانفا؟ فكان الحديد ولوحتان في لوحة. فانا أيضا اعمل من خلال <بيروت ارت شوب> بالحديد على المفروشات او المنحوتات. كانت الفكرة من هذا الباب، والناس احبتها جدا.

ــ اذا اردت ان تعطي هوية لرسمك، ما يكون العنوان؟

ــ فنان تشكيلي تحت خانة التعبير التجريدي. انا متأثر بحركات فنية خرجت في نيويورك مثل جاكسون بولوك وغيره من الذين اشتغلوا على التعبير التجريدي. لا خطّ او لون واحداً انما الاشكال مقطعة، مكسرة قريبة نوعا ما من <بيكاسو>.

ــ الى أي مدى انت متأثر به؟

- <بيكاسو> غذى عقلي واحساسي جدا ولكن هناك فنانون كمثل <بول كلي> متأثر به اكثر..

ــ كم معرضا قدمت او شاركت به حتى الآن؟

- أنا مقل بالمعارض، لكن معرضي الأخير اعتبره الأهم بحياتي ومسيرتي حتى الآن. جميعنا سمع بـ<كاريه دارتيست> ومركزه الام في فرنسا وينتشر في 35 فرعا من حول العالم بينها واحد في بيروت. قصدته في أحد الايام، سائلا اياهم عن الطريقة لتقديم ملفي الى الفرع في فرنسا. لم يتشجعوا بداية خاصة انهم يعرضون لـ12 فنانا من حول العالم، فهل يثقون بالرسام اللبناني الشاب؟ أجابوني بأن من يقرر ّهم الفرنسيون. أخذت التحدي على عاتقي رغبة مني في الاساس بالحصول على نوع من تقييم لعملي، فتم قبولي كأول لبناني شاب عمله يستحق ان يعرض. لم يكن المسار سهلا، واستمرت المراسلات بيننا على مدى ثلاثة أشهر ارسل لهم <التابلوهات> وهم يجيبون، الى ان تم القرار بالطلب مني انجاز 40 لوحة بمقاسات مختلفة واعرضها في بيروت، لكنني تمنيت حتى لا اقول اشترطت ان اعرض ايضا في الخارج، فبيروت هي منطلق أساسي حتى أعرّف الجمهور المحلي على اعمالي، لكن يهمني الخارج وهذه الفرصة تأتيني لمرة في الحياة. وافقوا، وارسلت صورا عن لوحتين كبيرتي الحجم الى هونغ كونغ ، فأحبوا عملي جدا واسافر قريبا الى هناك لأعرض فيها من قبل <كاريه دارتيست>، أما في <كاريه دارتيست> فرع بيروت فقد عرضت في شهر أيار (مايو) وكان معرضا ناجحا جدا وتم بيع 9 لوحات.

ــ بثمن مرتفع جدا كما حال الكثير من اللوحات؟

- اللوحة تستحق ان يدفع ثمن جيد لاجلها. اقول لمحبي اقتناء اللوحات <ما تبخلوا بالفن>. أنا لا أقدم لهم منظرا طبيعيا او <ناتور مورت>. اسلوبي مختلف ويحمل من طاقتي الايجابية فيه، وانني أبقى لشهرين في 60 ــ 70 ساعة حتى انجزه. بحسب الغاليري <كاريه دارتيست> في فرنسا سعروا المتر بـ4 الاف دولار ومن يقصدني في بيروت أتفق معه.

ــ كيف حال السوق الفنية اليوم؟

- السوق ناشطة جدا. هناك وعي يزداد تجاه الفن وفي هذا العام كان هناك الكثير من المعارض مع القاء الضوء على المتاحف بينها مثلا متحف <نابو <في منطقة الشمال. على الفنان ان يدرك ما تتطلبه السوق وان يسوّق لعمله بالطريقة الصحيحة فيعتبره مجالا للعمل وليس هواية، شرط ان يكون مؤمنا بنفسه وبأن عمله سيصل الى الناس.

ــ البعض يعتبر الفن والمال نقيضين، وان الفنان لا يتقن فنون الفلوس والارقام. الى اي مدى الامر صحيح برأيك؟

- قد يكون صحيحا. شخصيا هناك من يعمل للترويج لاسمي ولوحاتي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. اعتبر نفسي الآن في بداية نجاحي وهدفي ان اعرض عملي لاكبر عدد من الناس. الغاليرهات في لبنان للاسف لا تصل الاعمال لها بالسهولة المعتقدة.

ــ وما السبب في ذلك؟

- لأن فنانين كثرا يقدمون ملفاتهم، وثمانين بالمئة منهم لا قيمة مضافة لعملهم <فيروح الصالح بعزا الطالح>..

ــ السوق الفنية، ماذا تتطلب وبماذا تتأثر؟

- هناك السوق الفنية في لبنان والأخرى في الخارج. السوق المحلي ضعيف جدا بسبب الأزمة الاقتصادية التي نعيشها، لكن في الخارج هناك طلب أكثر. أنا ابيع في السعودية ودبي وفرنسا وصولا الى أميركا. هناك سيدة كلمتني من نيويورك، لم تعرف بانني لبناني حتى، طلبت مني لوحةً معينة من ضمن اسلوبي واعطتني المقاسات بـ<الانش>، سألتها عن مكان عيشها فاذا بها من أميركا وتعرفت الى عملي عبر <انستغرام> <لقد بات العالم قرية واحدة مفتوحة على بعضها>.

 ــ كم لوحة رسمت منذ افتتاحك المحترف هنا؟

- سبعين بينها الكثير تم بيعها، خاصة الصغيرة منها، ومن ايار (مايو) حتى اليوم بعت مع <كاريه دارتيست> حوالى الأربعين لوحة.

ــ هل تجد تشجيعا من الفنانين لبعضهم البعض؟

- هناك نوع من عزلة أو هالة يضعها بعض الفنانين الكبار حول أنفسهم ما يجعل الفنان في اول طريقه يقوم بالبحث عن الأبواب التي يتعرف من خلالها عليهم. من جانبي، احاول كسر هذا الباب من خلال <انستغرام>، فاستفيد منه كمنصة لانسج شبكة علاقات مع الفنانين الكبار حتى اتعلم منهم او اقله اتعرف عليهم. منهم من يتجاوب ومنهم من لا يفتح المجال للتواصل.

ــ بعض الفنانين يعملون في معارض لهم على موضوع واحد من زوايا متعددة. ما رأيك بالامر؟

- شخصيا أفضَل ان أخرج من الفكرة الواحدة، واجد فيها نوعا من الروتين. لا يستهويني المشهد الواقعي وأفضّل ابراز الجماليات من شيء ما، ربما من خط او عنصر او حركة واحدة وابني عليه. انقل الجمال بالطبيعة بمن وما فيها. افككها وأعيد تركيبها. انا <ماكسيماليست> اي تكثيفي لا اترك مساحة.. لدي مشكلة مع المساحات الفارغة في اللوحة.

 

<ديو>؟... مع من؟

ــ ماذا عن العمل الفني الثنائي على لوحة واحدة. اين انت منه؟

- أحببت تجربة <ايمن بعلبكي ــ جان بوغوصيان> في هذا المجال وليت التجربة تتضاعف في لبنان علما ان الامر صعب لان هناك انانية الفنان وديكتاتوريته... يمكنني خوض التجربة مع فنان عمله قريب من عملي نوعا ما، فالفكرة هي ان يدخل اثنان في العمل لتتظهر حالة ثالثة جديدة ومختلفة.

ــ من تختار اسما معك لتجربة <الديو> هذه؟

- مانويلا غيراغوسيان ابنة بول غيراغوسيان. احب عملها وأشعر ان فيه الحس الطفولي وانا في جزء منه اعمل عليه بطريقة ما. الحياة نابعة من الطفولة.

 ويزيد ايهاب:

- تجذبني التفاصيل والرموز. أحب ان تتكون الدهشة عند المشاهد للعمل، ففي كل لوحة <كود> او <رمز> على الناظر الى اللوحة ان يفكه، ان يحلل.

ــ أي مكان للعرض عينك عليه؟

- غاليري مارك هاشم أو اجيال او غاليري صالح بركات. الأخيرة هي من الاجمل في لبنان والقيمون عليها محترفون في التحضير للفنان اقبل اطلاق معرضه، فيصل اليه والناس تعرف به، كما انها نقطة جذب للكثيرين من محبي الفن.

ويضيف ايهاب:

- ليتني اجد الـ<كورياتور> القائمين على ايصال الفنانين الى الغاليريهات المعروفة، فبعد بحث واطلاع تيقنت ان طريق الغاليري ــ الفنان ليست سهلة، وهناك اشخاص ــ مفاتيح مهتمهم ان يشكلوا صلة الوصل هذه. في الخارج العثور على هؤلاء الاشخاص سهل، اما هنا فالـ<آرت كوميونيتي> (المجتمع الفني) مقفل على نفسه ولا يسهل اختراقه.

ــ تحمّل فنك هدفا او رسالة، كيف تختصره؟

- أضحى العالم مشوها والنفسيات كذلك من كثرة الحروب والمآسي ما يترك انطباعات سيئة جدا. اعرف ان العمل الفني لا يمكنه التغيير مباشرة في المجتمع الا انه من خلال تراكم جماليات الفن وتخفيف البشاعة نخلق وعيا معينا، وهذه اهمية العمل الفني اكان مسرحا او موسيقى او فيلماً.

ــ ما هي عواصم الفن اليوم؟

- نيويورك، دبي، أبو ظبي، لندن وهونغ كونغ، والأخيرة تشهد وعيا وفورة فنية كبيرة.

ــ أين ترى الرسم بعد اربعين سنة مثلا؟

- الفن مرتبط بالمجتمع والتغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وبالعكس. ارى الرسم بعيدا عن الـ<كانفا> و<البرواز> وهذا بدأت ملامحه. من الأكيد انه سيتغير ولكن لا نعرف ما ستكون ضوابطه. برأيي سوف تؤثر عليه التكنولوجيا جدا، وستكون هناك ابعاد اخرى تدخلها اللغة الرقمية فيختفي نوعا ما الفن المباشر بمواده التقليدية. لن نرى فنانا يمسك ريشة والوانا لكنني اتساءل في هذا الصدد: الى اي مدى سيبقى الاحساس والانفعال الفني موجودين؟ فأحيانا انني اتخانق مع اللوحة!

ــ لأي فنانين تقتني لوحات في بيتك؟

- أنا <آرت كوليكتور> صغير املك لوحات لفنانين معروفين من اوروبا واندونيسيا بقدر ما تسمح الميزانية... في لبنان احب ان اقتني من لوحات حسين ماضي الذي يجذبني عمله وكذلك من اعمال الفنان السوري همام السيد الذي احب عمله ايضا.

ــ من هو فنان العصر اليوم؟

- <جان ميشال باسكيا> الموهوب جدا، هو اميركي ــ افريقي مات انتحارا بعمر الـ28عاما وكان يعيش في نيويورك... بيعت لوحته مؤخرا لميلياردير صيني بمليون و700 الف دولار تقريبا... لماذا هذا السعر؟ انها المزادات وعملها يشبه البورصة.