بقلم صبحي منذر ياغي
<يا أبناء جبل العرب>... عبارة وردت في الخطاب الذي القاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أثناء زيارته لمحافظة السويداء عام 1958 إبان الوحدة بين سوريا ومصر، من على شرفة السراي الحكومي لتصبح الاسم الدائم لما كان يعرف بـ<جبل الدروز>، أو <جبل حوران>.. وهو جبل يقع في جنوب سوريا، وهو عبارة عن امتدادات جبلية تمتد في محافظة السويداء. انه جبل المجاهد سلطان باشا الاطرش أبرز الذين خاضوا المعارك ضد الانتداب الفرنسي ومن صانعي استقلال سوريا.
لا يمكن الحديث عن جبل العرب دون القاء الضوء على تاريخ اميره سلطان باشا الاطرش القائد الوطني والمجاهد الثوري العربي، وكان القائد العام للثورة السورية الكبرى عام 1925 ضد الانتداب الفرنسي وأحد أشهر الشخصيات الدرزية في العصر الحديث.
عرف سلطان باشا الاطرش بوطنيته وشجاعته ورفضه لتجزئة سوريا، وكان أول من رفع علم الثورة العربية على أرض سوريا، قبل دخول جيش الملك فيصل. في تموز/ يوليو 1920، جهز سلطان باشا الأطرش قوات كبيرة لملاقاة الفرنسيين في ميسلون، لكنه وصل متأخراً بعد انكسار الجيش العربي واستشهاد القائد يوسف العظمة وزير الدفاع السوري في بلدة <ميسلون>. عارض سلطان باشا إنشاء الدولة الدرزية عام 1921 وقبل ذلك وبعده عارض بشدة الانتداب الفرنسي.
الثورة العربية الكبرى
في 7 تموز/ يوليو 1922، بدأت علاقة سلطان تسوء مع الفرنسيين بعد اعتدائهم على التقاليد العربية في حماية الضيف، حين اعتقلوا أدهم خنجر وهو لبناني عاملي اشترك في عملية محاولة اغتيال الجنرال <غورو> واحتمى بدار سلطان باشا الأطرش هرباً من الفرنسيين. بعد هذه الحادثة، جهز سلطان قوة من رجاله واشتبك مع الفرنسيين في معركة تل الحديد 1922. وبتاريخ 23 آب/ أغسطس عام 1925، أعلن سلطان باشا الأطرش الثورة رسمياً ضد الفرنسيين، فانضمت دمشق وحمص وحماه ونواحيها إلى الثورة، وقاد الأطرش العديد من المعارك الظافرة ضد الفرنسيين، كان أبرزها: معركة الكفر ومعركة المزرعة في 2 آب/ أغسطس 1925، ومعارك الإقليم الكبرى، ومعركة صلخد، والمسيفرة، والسويداء وغيرها.
توفي سلطان باشا الأطرش عام 1982 بسبب أزمة قلبية، وحضر جنازته أكثر من مليون شخص، وأطلق اسمه على شوارع وبنايات عدة في بلاد الشام.
جبل العرب في عين العاصفة
احتل اسم جبل العرب أو منطقة السويداء وسائل الاعلام في الفترة الاخيرة، نتيجة المخاوف من انتقال كرة النار الى تلك المنطقة التي تعتبر ذات غالبية من أبناء الطائفة الدرزية الكريمة، وبسبب المجزرة التي طالت أبناء من هذه الطائفة عند «قلب اللوزة» في جبل السمّاق التابعة لريف إدلب. وصارت العين على هذه المنطقة التي يتوقع ان تكون <في عين العاصفة> في الفترات المقبلة، كون السيطرة عليها من قبل المعارضين السوريين تفتح الطريق امامهم للوصول الى العاصمة دمشق.
هذا الوضع المتشنج دفع بأبناء وفاعليات وزعماء الطائفة الدرزية في سوريا ولبنان، وحتى فلسطين وباقي دول المهجر الى التحرك، ورفع الصوت لإبعاد شر الفتنة وشبح الحرب عن هذه المنطقة التي اتصفت بتعايشها وأمنها وسلامها. وانقسمت الاصوات بين من دعا الى قيام الدروز بتأييد الثورة ورفضهم ان يكونوا متراساً أو خطاً دفاعياً عن نظام في طريقه الى الزوال والسقوط، وبين من طالبهم بالوقوف صفاً واحداً أمام جحافل المسلحين والدفاع عن أرضهم وعرضهم وشرفهم.
وفي ظل هذا الجو المتوتر، تستمر الاشتباكات وتتواصل في محيط مطار الثعلة العسكري الذي يبعد 15 كلم عن مدينة السويداء، والذي مازال تحت سيطرة الجيش السوري.
المشهد الميداني
وفي هذا الصدد، رأى الزميل كمال ذبيان انه كان لسقوط اللواء 52 في الجيش السوري المتمركز في درعا بمواجهة العدو الاسرائيلي صدمة معنوية لدى أبناء محافظة السويداء ذات الاغلبية السكانية من طائفة الموحدين الدروز، لكنه لم تكن ضربة قاضية وفق مصادر سياسية مطلعة على الوضع العسكري في جنوب سوريا، وان المعارك في محافظة درعا بين الجيش السوري والمسلحين من الجماعات الارهابية بدأت منذ اندلاع الازمة السورية، وفي الحرب هناك كرّ وفرّ، تقدم وتراجع، دون ان يعني ذلك انه لن تكون لسيطرة المسلحين على اللواء 52 انعكاسات سلبية نفسية ومعنوية، اضافة الى تبدل في ميزان القوى العسكري.
ولا ينكر ذبيان ان ما حصل في درعا تردد صداه في محافظة السويداء التي يعيش أهلها قلقاً على المصير، وقد هالهم ما حصل في بلدة «قلب اللوزة» عند جبل السمّاق التابع لريف إدلب، بحق اخوانهم وأقاربهم من الموحدين الدروز الذين ذبح منهم حوالى 40 مواطناً بين شيخ وطفل وشاب، حيث شحنت النفوس في بلدات جبل العرب، وعبأتهم هذه المجزرة ليحملوا السلاح ويطلبوه، ليدافعوا عن وجودهم، وفق ما تقول المصادر التي لا تصف الوضع في محافظة السويداء بالمأساوي، ولا توافق من يروّج انها ستسقط في أيدي الارهابيين أو ان الاهالي بدأوا بالنزوح عنها أو غير ذلك من تناقل اخبار غير صحيحة.
اما عن الوضع في السويداء، فقد اكد ذبيان في هذا المجال انه اختلف عما كان عليه قبل أشهر وان القيادة السورية تتجاوب مع العميد المتقاعد نايف العاقل وتزود «درع الوطن»الذي يضم حوالى 30 الف مقاتل بالسلاح ومن كل الأنواع، وان التنسيق قائـم بين قيادة الجيش السوري وقيادة «درع الوطن» الذي هو بمنزلة «الجيش الشعبي» الذي يقاتل الى جانب الجيش السوري مما يؤكد على ان الاوضاع تتحسن وتتحصن، والمناخ الشعبي يميل الى التفاؤل مع وجود قلق لدى أبناء بلدات محافظة السويداء، لكن الاستنفار والجهوزية وتعاضد الاهالي هي التي تسيطر في المنطقة التي دخلت فعلياً في المعركة بعد سنوات من الاسترخاء، فأصبح الخطر التكفيري على الابواب، مما حفّز الاهالي على ان يهبوا الى السلاح ويطلبوه للدفاععن النفس.
أمر اليوم ... الدرزي
السويداء أصبحت في قلب المعركة بعد ان كانت خارجها أو على اطرافها كما تقول المصادر التي تشير الى ان مشايخ العقل الثلاثة في الجبل هم الذين أصدروا «أمر اليوم» للأهالي كي ينخرطوا في المعركة ضد التكفيريين، وما شجعهم أكثر على هذا القرار ان من يدعوهم الى الحياد وعدم التورط مع النظام السوري لم يوفر الحماية لأهالي جبل السمّاق في ريف ادلب، وان مصير أبناء محافظة السويداء لن يكون أفضل مما لحق بدروز «قلب لوزة»، عبر قتلهم من قبل عناصر «جبهة النصرة» التي هي و«داعش» وجهان لعملة واحدة من التكفير والارهاب، ولن تكون محافظة السويداء خارج الصراع مع التكفيريين.
والسويداء في خارطة الصراع هي في موقع استراتيجي، بوابة الجنوب الى دمشق ولن يسمح النظام بسقوطها لأنه يسقط معها، وهي بالنسبة له خط أحمر سيدافع عنها، وبدأ يدرس الثغرات التي حدثت ليسدها، وان الرئيس السوري بشار الاسد يوليها الاهمية، ويعطيها من وقته ويتواصل مع أصدقاء وحلفاء له في سوريا ولبنان لتقديم ما تحتاجه لتعزيز صمودها.
جنبلاط ارسلان وهاب: قلق متناقض
أوساط في قوى 14 آذار اعتبرت ان المشهد الدرزي بات يتصدر واجهة الاحداث الداخلية بعد ارتكاب <النصرة> مجزرة ضد دروز بلدة <قلب اللوزة>، في ريف إدلب وذهب ضحيتها عشرون شهيداً، وعدد كبير من الجرحى. وكان لافتاً استمرار الانقسام الدرزي في لبنان حول التعامل مع ملف السويداء ودروز سوريا في ظل تمسك النائب وليد جنبلاط بضرورة وقوف الدروز ضد النظام السوري، ومصالحة النصرة أو ثوار سوريا، كما يقول، فيما يتمسك النائب طلال ارسلان ورئيس تيار التوحيد العربي وئام وهاب بضرورة الدفاع عن السويداء وسوريا داعيين الدروز الى حمل السلاح.
وفي هذه الاجواء، عقد المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز اجتماعاً دعا فيه الى الهدوء والتعقل، وقاطع الاجتماع النائب طلال ارسلان، علماً ان المجلس المذهبي يطغى عليه اللون الجنبلاطي الشامل. كما دعا جنبلاط بعد الاجتماع الى الهدوء، قائلاً: لا حل في سوريا بوجود الاسد وانه سيقوم باتصالاته لمعالجة ما حصل في بلدة <قلب اللوزة> مكرراً ان الحادث فردي. فيما أعلن النائب طلال ارسلان من عاليه موقفاً واضحاً داعياً الى إبعاد المزايدات السياسية عن الظروف الحاضرة معلناً دعمه للمقاومة والجيش العربي السوري الذي يدافع عن السويداء ولم يتخل عنها، مؤكداً ان كل متطاول على السويداء سيدفن فيها. اما رئيس تيار التوحيد العربي وئام وهاب، فنظم مناصروه تظاهرة في باحة دار الطائفة الدرزية، وبالتوازي مع انعقاد المجلس المذهبي دعوا فيها للثأر لدروز ادلب وضرورة التسلح للحفاظ على دروز السويداء، وسلموا الشيخ نعيم حسن مذكرة حملت مطالبهم.
وعلم ان اتصالات جرت بين القيادات الدرزية أدت الى ضرورة تخفيف التوتر والاحتقان على الارض، والى صدور مواقف هادئة بعد اجتماع المجلس المذهبي الدرزي وان هــــذه المـــواقف اعلنها جنبلاط والشيخ حسن شيخ عقل الموحدين الدروز.
النظام السوري واستغلال المجزرة
من جهة أخرى، فإن النظام السوري واصل استغلال جرائم ترتكبها فصائل معارضة مسلحة باسم <الثورة>، ويؤكد ريان محمد ان أصداء جريمة ريف إدلب بحق مواطنين سوريين من الطائفة الدرزية في قرية قلب اللوزة على أيدي مسلحين من <جبهة النصرة> هيمنت على التطورات في جنوب سوريا الذي يتحول يوماً بعد آخر إلى مساحة خالية من قوات النظام، وسط ارتفاع حاد في التوتر المذهبي في المنطقة، وقصف يستهدف للمرة الأولى مدينة السويداء نفسها، وحملات تحريض مذهبية من سياسيين ودينيين لبنانيين وسوريين دروز حلفاء لحزب الله وللنظام، بالتزامن مع حملات تجييش وتسلح في السويداء تنذر بالأسوأ.. في ظل استنفار عدد كبير من أهالي السويداء خوفاً من دخول الفصائل المقاتلة بلدة الثعلة، حيث يتجمع أعداد من أبناء المحافظة المسلحين، وسط دعوات موالية من لبنان وسوريا، مثل رئيس حزب <التوحيد العربي> اللبناني الوزير السابق وئام وهاب، لشباب المحافظة للالتحاق بالقوات النظامية، متحدثين عن نية الفصائل المسلحة باجتياح السويداء.
إلا ان ناطقاً باسم فصيل مسلح معارض في محافظة درعا جنوبي سوريا اكد أن هدف فصائل المعارضة في المعارك التي تخوضها منذ أيام شرق درعا هو استكمال السيطرة على آخر معاقل للنظام في المحافظة، نافياً أن تكون محافظة السويداء المجاورة ذات الغالبية الدرزية هدفاً لتلك الفصائل.
وأوضح الناطق الرسمي باسم حركة <المثنى الإسلامية> في درعا حسين أبو شيماء إن خطة فصائل المعارضة المختلفة لهجومها الذي تشنه منذ أيام في درعا هي السيطرة على آخر معاقل للنظام فيها وعلى رأسها مدينة درعا (مركز المحافظة)، إضافة إلى المواقع العسكرية المنتشرة على طول الطريق الدولي الرابط ما بين المحافظة والعاصمة دمشق.
وحول إمكانية توجه الفصائل المسلحة في درعا ذات الغالبية السنية للهجوم على محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، نفى الناطق ذلك قائلاً: <ان ذلك التوجه غير موجود نهائياً، وان توجه المعارضة للسيطرة على مطار <الثعلة> في ريف السويداء يأتي ضمن هذا الإطار، وليس المقصود منه التوجه للهجوم على المحافظة الجارة>.
وترى أوساط انه خلال سنوات الصراع الأخيرة في سوريا، شهدت العلاقات بين أهالي درعا المعارضين للنظام وسكان السويداء من الدروز توتراً في أوقات متقطعة خلال الشهور الماضية جراء اتهامات وجهت الى الدروز بالتعاون مع قوات النظام السوري ضد فصائل المعارضة في محافظة درعا، إلا أن ذلك التوتر لم يتحول إلى صراع، بعكس هذه الايام التي تشهد ارتفاع اصوات ودعوات من بعض الجهات في المحافظة للالتحاق بالقوات المسلحة النظامية، عاملين على تضخيم مخاوف الأهالي من محيطهم لاعبين على وتر الطائفية على رأسهم أحد مشايخ عقل الطائفة حكمت الهجري، المعروف بارتباطاته الأمنية، حيث أصدر بياناً منفرداً عن الرئاسة الروحية للطائفة يدعو فيه <كل قادر على حمل السلاح إلى التوجه إلى شعب القوات النظامية للالتحاق بها>، قائلاً إنه <تلبية لنداء الوطن والواجب وتوجهات سيادة الرئيس بشار حافظ الأسد.... نتوجه بالنداء الوطني والديني لجميع أبنائنا للتوجه إلى شعب تجنيدكم على أن تكون خدمتكم العسكرية ضمن حدود محافظة السويداء التي يتهددها الخطر الداهم والإرهاب المحدق بنا>.
وفي السياق نفسه، اتخذت مجموعات مسلحة ووجهاء محليون في السويداء، منهم الأمير شبلي الأطرش وقائد ميليشيا <شيوخ الكرامة> الشيخ وحيد البلعوس مواقف معاكسة لما يذهب إليه النظام السوري وحلفاؤه على قاعدة البقاء داخل حدود السويداء والاكتفاء بالدفاع عن النفس في حال التعرض لهجوم عسكري. ووجه البلعوس نداءً إلى جميع الوحدات المقاتلة في المحافظة شدد فيه على الاستعداد الكامل لأي طارئ قد يحدث، والالتزام بما قلناه بعدم خروجنا بعد حدود الجبل ولو متراً واحداً، ونهيب بباقي شباب الجبل المدنيين عدم الخروج للقتال خارج حدود الجبل والالتزام مع رجال الكرامة بموقفهم الوطني، وإن كان لا بد من الحرب، فعليكم بحماية حدود الجبل، فهو بحاجة لكم في هذه الأوقات أكثر من أي وقت مضى...
فأي مصير ينتظر <جبل العرب> الذي شكل فيما مضى رمزية الثورة العربية والتضامن القومي في زمن تشهد فيه المنطقة مؤامرات التجزئة والتقسيم والتفتيت؟
الجواب في حضن... المستقبل الآتي.