تفاصيل الخبر

أية مبادرات لدعم الثقافة في لبنان ؟...

15/07/2020
أية مبادرات لدعم الثقافة في لبنان ؟...

أية مبادرات لدعم الثقافة في لبنان ؟...

بقلم عبير أنطون

 

المستشارة في وزارة الثقافة الخبيرة لين طحيني قساطلي: قريباً خلاصة إنتاجية القطاع الثقافي بالأرقام بالنسبة للاقتصاد اللبناني،وهذه أبرز الأولويات اليوم!

[caption id="attachment_79526" align="alignleft" width="282"] الألعاب الفرنكوفونية[/caption]

 عقب نداء مؤثر أطلقه الأسبوع الفائت نحو 1500 موسيقي، بينهم المغني وكاتب الأغاني "إد شيران" وفرقة "رولينغ ستونز"، ناشدوا فيه السلطات إنقاذ أوساط الحفلات الموسيقية في بريطانيا من الانهيار، أصدرت بريطانيا بياناً أعلنت فيه تخصيص أكبر استثمار لمرة واحدة في القطاع الثقافي البريطاني، وقيمته ملياري دولار لمساعدة المسارح ودور العرض الفنية وسواها من المؤسسات الثقافية على تجاوز الآثار السلبية الناجمة عن أزمة "كوفيد 19" المستجد، وذلك لدعم المتاحف والمواقع التاريخية إضافة إلى الشركات العاملة في مجال الحفلات الموسيقية الحيّة والسينما المستقلّة، ما يشكّل حبل إنقاذ لمؤسسات ثقافية وتراثية مهمة في كل أنحاء البلاد، تضررت بصورة كبيرة من الجائحة.

 قراءة الخبر أحالتنا على السؤال: ماذا عن لبنان والقطاع الثقافي فيه ؟ هل من مبادرات في مجاله ؟ ما هو أبرزها ؟ وما المسائل التي يجب أن تحظى بالاولوية اليوم ؟

 الأسئلة توجهنا بها الى الخبيرة في الشؤون الثقافية السيدة المميزة لين طحيني قساطلي، والتي عملت ولا تزال كمستشارة في وزارة الثقافة فكانت معها جولة واسعة على الشؤون الثقافية وعلى دخولها شخصياً في هذا المعترك حتى أضحت واحداً من الوجوه البارزة في مجاله، تحرص باستمرار على إبراز دور لبنان الحضاري، وتقديمه للداخل والخارج بالصورة التي يستحقها. كذلك استطلعنا منها ايضاً مشاركتها في مبادرة "لبنان الغد" Lebanon of tomorrow والتي شكلت نقطة الانطلاق في حوارنا معها. فسالناها :

*ما هي مبادرة " لبنان الغد" وابرز اهدافها ؟

ـ هي كناية عن تجمع لوجوه لبنانية أرادت أن تساعد وتدعم بقدر الامكان من الناحية الانسانية كما في القطاع الصحي، وتتفرّع عنها فروع مناطقية، كانت بداية ثمارها في الأشرفيّة مع Ashrafieh of Tomorrow ومن ثم في طرابلس ومختلف المناطق اللبنانيّة ولن توفّر المساعدات والنشاطات منطقة أو طائفة فهي ساندت حتى الآن مئات العائلات اللبنانية في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة ، كما أنها بعيدة عن السياسة لتلامس الإنسان الذي سيُبنى لوطن الغد ، وتضم الجمعية عدداً من الوجوه المعروفة واعلاميين وفنانين وممثلين ورياضيين وغيرهم ، فيختار  كل شخص منهم منطقة وعدداً من العائلات كي يواكبهم لدعمهم في تخطي هذه المرحلة.

* علاقتك بالأشرفية مميزة . ما السبب وأنت لست منها ؟

ـ صحيح . فوالدي من دير القمر، وأنا ربيت خارج بيروت في منطقة الرابية المتنية. أحببت  الأشرفية "من بعيد" وقبل أن أسكن فيها . ففي سن يافعة ، يبحث الواحد منا عن منطقة تملؤها الحياة، وقصدت جامعة القديس يوسف فيها قبل أن اكمل دراستي في الخارج. في الأشرفية تجسيد فعلي لما يسمونه في الفرنسية Vie de quartier فكل شيء قريب وبالمتناول، والروابط الحلوة تجمع ما بين السكان. تذكّرني بباريس التي عشت فيها فترة طويلة. ولما تزوجت استقررت في الأشرفية، فهي تشبهني في أكثر من ناحية إذ تحتضن كل ما أحبه ، المتحف والمسرح والبيوت التراثية الفريدة. الاشرفية لي فيها قصة وتحمل تاريخاً مؤلماً في الكثير من محطاته .فجدتي تسكن في الاشرفية قرب ساحة ساسين وكنت اقصدها مع كل نهاية اسبوع. أذكر يوم زرتها ودوى الانفجار الذي أودى بالضابط وسام الحسن، وكان حينها مفاجئاً، وكنا على بعد 50 متراً منه حيث اندلعت النيران وعلا الصراخ. عشت حظات عاطفية قوية جداً.

* هل درست فنون الإعلام والتواصل في الجامعة ؟

ـ في اليسوعية حزت شهادة الحقوق والدراسات العليا، وأكملت في فرنسا في مجال  العلاقات الدولية كما ودرست الإعلام  في جامعة السوربون .

* ما الذي أرجعك الى لبنان، هل سافرت بقصد الدراسة فقط ؟

ـ عدت لسببين، أولهما شخصي، وآخر مهني. الأول أنني كنت في باريس وخطيبي حينها كان يعيش في اميركا، وقرر العودة بعد 18 عاماً وأقنعني بذلك، كما وأنني حظيت بفرصة عمل في القصر الجمهوري حينها. فأنا كنت أعمل في "فرانس 24" ولم تكن لدي خبرة مهنية في لبنان.

* وكيف كانت التجربة في القصر الرئاسي؟

ـ اعتبرها تجربة حلوة على الرغم من صعوبتها، وهي اتاحت لي التعرف على القطاع العام في لبنان، وهذا ليس سهلاً خاصة وأنني آتية إليه من قطاع خاص في فرنسا. يمكنني القول إنني اصبت بنوع من الصدمة في الفترة الأولى. ومع الوقت قمنا بسفرات عديدة مع فخامة الرئيس ميشال سليمان حينها وتعرفت على الكثير من الشخصيات واكتسبت خبرات مهمة.

[caption id="attachment_79529" align="alignleft" width="399"] من "ليلة المتاحف"[/caption]

* ما كان عملك الأساسي في القصر، وكيف رُشحت له ؟

 ـ عملت كخبيرة في مكتب الاعلام. لم أكن أعرف أحداً في الرئاسة في لبنان. صودف أنه لما  كنت أعمل في "فرانس 24" أجريت حواراً مع الرئيس سليمان قبل أن يتولى الرئاسة وكان حينها قائداً للجيش، ورتب الأمر الصحافي فيليب ابي عقل الذي تربطني به صداقة لا زالت قائمة. وبعدما انتخب العماد سليمان رئيساً للجمهورية، وأردت التواصل معه من جديد لإجراء لقاء فعرض علي فيليب، وهو يعرف أنني أنوي العودة الى لبنان، أن اعمل في مكتب الرئيس، على أن اتقدم كغيري بسيرتي الذاتية. فقُبلت كخبيرة في مكتب الإعلام  وعملت مستشارة مع السيدة الاولى وفاء سليمان على الكثير من المسائل الاجتماعية والثقافة، في حين أنني كنت اعمل في "فرانس 24" أكثر على المسائل الدولية وجلت العالم ولي تقارير من ليبيا والجزائر وغيرهما العديد.

وتكمل لين :

ـ وحين انتهى عقدي كمستشارة مع انتهاء العهد الرئاسي، ولما كنت بدأت العمل على مشروع "ليلة المتاحف"، انجزنا الليلة الاولى وعرفت نجاحاً كبيراً ، فاستمررت مع وزير الثقافة حينها روني عريجي الذي رحب بالفكرة وعملت معه كمسشارة واستمررت حتى اليوم مع معالي الوزير عباس مرتضى.

* على أن تتولي هذه الوزارة يوماً ؟

 تضحك لين وتجيب:

ـ لست أدري إن كان ذلك طموح أي منا في وزارة ميزانيتها متواضعة جداً، ومهمتها كبيرة في إبراز صورة لبنان وانجاز مشاريع مهمة تتطلب رصد ميزانية لها. في ميدان الثقافة  دور مهم جداً يلعبه بلد مثل لبنان، والثقافة فيه ترتبط بالجذور والهوية والدور، وفيه مواهب تطلب الى زوايا العالم الاربع ، كما أن له مردوداً اقتصادياً مهماً جداً ، لكن للاسف وفي كل الحكومات تترك وزارة الثقافة حتى النهاية وكأنها "جائزة ترضية"،علما أنه في مؤتمر "سيدر" لحظ مبلغ جيد للمجال الثقافي مع جهود حثيثة للوزير غطاس خوري في هذا المجال.

* لنفترض أن الفرصة سنحت أي مشروع تصرين عليه ؟

 ـ سبق وتم اطلاق استراتيجية وزارة الثقافة ، ونحن اليوم نقوم بمشروع مهم جداً بالتعاون مع "المعهد الفرنسي  في لبنان" و"الوكالة الفرنسية للتنمية" طلبنا فيه دراسة من "معهد  باسل فليحان المالي" هدفها معرفة انتاجية  القطاع الثقافي بالأرقام بالنسبة للاقتصاد اللبناني   وبشكليه المباشر وغير المباشر وما يحركه في العجلة اقتصادية وقد أدخلنا في الدراسة أيضا قطاعي تصميم المجوهرات وتصميم الأزياء التابعين لوزارة الاقتصاد كإبداع لبناني.   فعلى سبيل المثال لا الحصر ، نحن لا نعرف كم يؤمن قطاع السينما من فرص عمل ، وما اثره في  تنشيط الدورة الاقتصادية  في المنطقة التي يتم التصوير فيها ..هذه الدراسة تمكننا في مرحلة ثانية مع وكالة التنمية الفرنسية وبعض المؤسسات الدولية الحديث عن مساندة  هذا القطاع من خلال الدعم التقني او المالي . ولهذه الدراسة جانب آخر مهم  يتمثل في تطوير القوانين الضريبية التي تتعاطى مع هذا القطاع . ففي فرنسا مثلاً، يحظى من يدعم القطاع الثقافي بتخفيض ضريبي . إنه في الوقت الحاضر المشروع الاهم  للبنان في القطاع الثقافي. فنحن بحاجة الى ارقام حتى "نبيع" المشاريع ونقنع اشخاصاً ومؤسسات وسفارات وبلداناً بأهمية الاستثمار فيه، او حتى اقناع الدولة بزيادة موازنة الثقافة ، وبالمناسبة أضحت هذه "صفراً" لجهة ما يمكننا أن نقدمه من مساعدة للجمعيات ، وقد تجاوزت هذه المساعدات في العام 2018 مثلاً المئة جمعية .كنا نساعد بـ800 مليار ليرة الجمعيات  المعنية بالقطاع الثقافي.

وتضيف لين :

[caption id="attachment_79527" align="alignleft" width="160"] حفل جوائز الفيلم اللبناني[/caption]

ـ الى جانب الدراسة التي حدثتك عنها انتهينا من استبيان "سونداج" الذي قمنا به بالتعاون مع المعهد الفرنسي وهو من يتولى تحويله الى ارقام ونسب، حتى نقف عند حقيقة الآثار البليغة التي تركها اجتياح "الكوفيد 19" لعالم الثقافة وحقيقة الخسائر التي عرفها اصحاب هذا المجال، وبشكل خاص في المسرح واعتقد أن النتائج ستنشر مع انقضاء فصل الصيف، لنقف عند سبل دعمه في مرحلة تالية .

* بغير الدراسة والاستطلاع ، ما الذي ترينه ملحاً ايضاً؟

ـ الكونسرفاتوار في المقام الأول. فهو مدرسة الوطن للموسيقى، ويشكل الواجهة الانسانية المهمة جداً للوزارة ويرتاد فروعه المختلفة ما يفوق الستة الاف تلميذ يدرسون موسيقى بشكل شبه مجاني (300 الف ليرة سنوياً) ، فضلاً عن ضرورة إيلاء الاهمية الكبرى للاوركسترا الوطنية والفيلهارمونية . الكونسرفاتوار  يمكن أن يكون الواجهة اللبنانية الفنية الانسانية خارج لبنان . الاوركسترا الشرقية بشكل خاص، يمكنها أن تحيي الحفلات المهمة في العالم العربي والغربي، وهي كما الاوركسترا المصرية على مستوى عال جداً .

 يجب أن يلقى الكونسرفاتوار الدعم اللازم للدور الذي يلعبه، كما أنه من المهم ايضاً تطوير استراتيجية له ، وأن يحصل طلابه على شهادات رسمية من وزارة التربية في مجاله ولا تقتصر هذه على الكونسرفاتوار ، فيتابع من يريد ذلك في الجامعات الموسيقية ويشعر طلاب الموسيقى باعتراف رسمي لدراستهم الموسيقية على مدى سنوات.

وبغير الكونسرفاتوار تضيئ لين على المتاحف اللبنانية، وتستطرد للحديث عن نقص الكادر البشري في وزارة الثقافة فتقول:

ـ لقد أسسنا الهيئة العامة للمتاحف وأنا عضو في مجلس ادارتها المعين من مجلس الوزراء  ويمكن تفعيلها ووضع استراتيجية عمل لها . فوجود هيئة خاصة  تقوي القطاع وتطوره بعد أن كانت سابقاً جزءاً من المديرية العامة للاثار. في هذا المجال الـ"توقعات" كبيرة في داخل لبنان وخارجه، والدليل أنه في ليلة واحدة من ليالي المتاحف زار المتاحف المشاركة وهي حوالي الـ 16، ثلاثون الف زائر ، وهذا دليل تعطش واهتمام ، ليس من  نخبة او طبقة او منطقة معينة بل من كل المناطق وكل الاعمار مع الكثير من العائلات . كما يجب برأيي تسليط الضوء بشكل اكبر على المواقع الاثرية في لبنان وتجهيزها بكل ما يلزم ، كما تجهيزها لذوي الاحتياجات الخاصة، هذا فضلاً عن مشاريع في قطاعات ثقافية اخرى بينها الفن المعاصر.

بعلبك .. وداع أم أمل؟

[caption id="attachment_79528" align="alignleft" width="171"] لين..ووجه لبنان الثقافي[/caption]

* بالحديث عن المواقع الأثرية ، ما ردود الفعل التي وصلتكم على حفلة "صوت الصمود" في بعلبك ، وقد برز العديد من الأصوات العاتبة ، بينها " تغييب" الفنان الكبير ملحم بركات، او ايضاً ما ادلت به ريما بنت السيدة فيروز ..

ـ لست مخولة الدخول في هذه التفاصيل ، بل لجنة مهرجانات بعلبك الدولية. إلا أن الحفل كان رائعاً وقد عملوا عليه لمدة شهرين بجهد كبير حتى أتتنا هذا النتيجة الرائعة ، ومن اشتركوا لم يطالبوا بأي بدل مادي علماً أن التكاليف هائلة. وأهمية الحفل، الى جانب احترافيته، كان في صورة لبنان الواحد . فهذه الوحدة والتضامن بين جميع من اشتركوا  كانت رائعة و"كأنه" آخر نفس"..نفس الوداع ..

* "افّ" لهذه الدرجة أنت متشائمة ؟

ـ لست ايجابية هذه الفترة. قد يكون البعض وجدوا فيه نفَس الوداع فيما رأى فيه البعض الآخر الامل الذي لن ينطفئ ، وأننا عائدون . في الواقع ، كانت له قراءتان مختلفتان.

* بغير حفل بعلبك الجميل ، كانت لافتة ايضاً وصول فيلم "بروكن كيز" الى مهرجان "كان" الدولي . ألا تعتبرينها  نقطة مضيئة ايضاً في المشهد الثقافي؟

ـ بكل تأكيد . لكن ليست وزارة الثقافة من ترشح للمهرجانات ، انما للأوسكار فقط. ولمهرجان "كان" اختير فيلمان لبنانيان لفئتين مختلفتين. فإلى "مفاتيح مكسرة" لجيمي كيروز هناك فيلم "شغف بسيط" لدانيال عربيد.

 * مع الـ"كوفيد 19" هل شهد الدخول الى "المتحف الوطني الافتراضي للفن الحديث" نسبة عالية؟

ـ أكثر من المتوقع. هذا المتحف الافتراضي استبقت فيه وزارة الثقافة الـ" كوفيد 19" وافتتحه اونلاين في العام 2016 ، الوزير روني عريجي، وكان المتحف الافتراضي  الأول في العالم العربي. كذلك حققت الزيارات الإفتراضية للمواقع الاثرية ارقاماً عالية أيضاً. وكنا مع الفيروس المستجد اطلقنا كتوعية ، فيلماً قصيراً تلبس فيه المنحوتة التي تعد بين الأشهر في المتحف الوطني اللبناني آلهة الصحة "هيجيا" الكمامة على وجهها.

 * نهاية ماذا عن مكتبات السجون المشروع الذي تمت المباشرة به؟

ـ يجري العمل على هذا المشروع مع  فريق وزير الثقافة السابق محمد داوود ، مع الزميلة جلنار عطوي التي تعمل على "المكتبة الوطنية "، وهذه ايضاً مهمة جداً ثقافياً . كانت المكتبة الاولى في سجن النساء في فردان، لمساعدة السجينات امام  داخل القضبان أو عند الخروج منه، اذ قد تساعدهن هذه الكتب في رسم رؤية مختلفة عندما يخرجن . وقد جهزت القاعة بشكل يشجع على ارتيادها ، على أن تدخلها العديد من النشاطات كالنقاشات حول الكتب وورش العمل واكتشاف المهارات  بمساعدة العديد من الجمعيات . ففي السجون الكثير من هذه القدرات ، كما أن البعض يمكنهن أن يتعلمن القراءة والكتابة. البدء بسجن السيدات يكتسب رمزية معينة ومنه ننطلق الى سجون أخرى علماً أن في بعضها كما في سجن رومية مثلاً مكتبة إلا أنها تحتاج لاعادة تأهيل.