تفاصيل الخبر

أي خارطة طريق للخروج من الأزمة؟

01/11/2019
أي خارطة طريق للخروج من الأزمة؟

أي خارطة طريق للخروج من الأزمة؟

 

بقلم خالد عوض

الإنتفاضة الثورية التي قام بها اللبنانيون أطاحت بعدة تفاهمات بين أركان السلطة الحاكمة أو ضربت اساساتها. فالتسوية الرئاسية بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري انفجرت بإستقالة الأخير وأصبح من الصعب ترميمها. وتفاهم مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر أصبح غير متوازن لأسباب كثيرة. حتى تفاهمات ١٤ آذار و٨ آذار، التي كانت على طريق الذوبان، تجاوزتها المطالب في الشارع وأصبحت غير صالحة لبناء تحالفات سياسية على مستوى تطلعات المنتفضين. هل هذا التغيير السياسي الكبير الذي نحن على مشارفه جيد للبلد أم أن الشيطان بل الشياطين التي نعرفها أفضل من المجهول؟

 

حزب الله.. من <مار مخايل> إلى الساحات

في ٦ شباط (فبراير) من العام ٢٠٠٦ وقّع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحر (آنذاك) العماد ميشال عون التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني في كنيسة مار مخايل على تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت. البند الرابع من هذه الورقة يسهب في الحديث عن إستئصال الفساد والكشف عن مكامنه وتفعيل المؤسسات لمواجهته وتحقيق استقلالية القضاء. لم يتحقق من هذا البند أي حرف. بالعكس تفشى الفساد أكثر مع وصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية. هذا التفاهم بين الطرفين يمكن اليوم اختصاره بالمعادلة المعروفة، غطاء مسيحي لسلاح حزب الله مقابل دعم الحزب لوصول التيار إلى السلطة. اليوم أصبح حزب الله بحاجة إلى غطاء الإنتفاضة لسلاحه وأصبح التيار بحاجة لغطاء الشارع لبقائه في السلطة التي بدأ يفقد مقاليدها.

عون ــ الحريري: التسوية الفاسدة

التفاهم بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل كان واضحا جدا: يحظى الأول برئاسة الجمهورية مقابل بقاء الثاني على رأس مجلس الوزراء. محاربة الفساد لم تكن حتى شعارا في هذه التسوية بل بالعكس تم دفن <الإبراء المستحيل>، الكتاب الذي أصدره تكتل التغيير والإصلاح في شباط (فبراير) ٢٠١٣ والذي يتحدث عن هدر بعشرات مليارات الدولارات من قبل <الحريرية السياسية> بين ١٩٩٢ و٢٠١٠، بل يمكن القول أنه أصبح من المستحيل إبراء التيار نفسه من مطبات الفساد التي وقع فيها منذ أن دخل إلى الحكومات بقوة عام ٢٠١١.

 

الحاكم حمى البلد حتى ٢٠١٨

 

سقوط التسويات ينبئ بتغيير سياسي كبير في لبنان. الكل يراجع سياساته وأخطاءه ويوبخ نفسه: كيف لم يستمع إلى الناس الذين كانوا بالنسبة إليه في الجيب الطائفي والزبائني؟ ولكن سقوط التسويات ليس اليوم هو المشكلة. الأزمة تطال كل الهيكل الإقتصادي الذي بني منذ ١٩٩٢ والذي قام على المردود الريعي. ليس الوقت الآن للحديث إذا كانت سياسة البلد المالية هي الخطأ، فمن السهل التنظير اليوم والقول أن تثبيت سعر صرف الليرة وسياسات مصرف لبنان كانت سبب كل ما نعانيه من أزمات وأن حاكم مصرف لبنان هو المسبب الأول لكل ما نحن فيه ماليا. ليس دفاعا عن الحاكم ولكنه حمى البلد ماليا منذ ١٩٩٣ لغاية ٢٠١٨ ولم يكن هو السبب في العجز المستمر في الموازنة أو في تفاقم الدين العام بسبب الهدر والفساد والإنفاق المتفلت أو بسبب شل البلد سياسيا وإقتصاديا في عدة مراحل مفصلية أو في مهزلة الكهرباء والنفايات أو في العقوبات على حزب الله أو الإغتيالات أو الفراغات الحكومية والرئاسية أو التركيز على الإستيراد من دون دعم التصدير. لا شك أن مصرف لبنان، وحاكمه، يجب أن يكونا تحت مجهر المحاسبة بمفعول رجعي، ولكن إنتظام سعر الصرف خلال ٢٥ سنة هو إنجاز لحاكم مصرف لبنان لا يمكن إنكاره أو إلغاء ايجابياته الكبيرة في ظل سياسات حكومية فاشلة وإنعدام الرؤية الإقتصادية.

 

إلى أين و...كيف؟

 

إنه السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم. هناك عدة خطط مطروحة من نوع السهل الممتنع، سنزيد عليها واحدة.

يجب أن تفضي الإستشارات الملزمة إلى تكليف شخصية سنية مستقلة يسميها الرئيس سعد الحريري. الإسم الأكثر قبولا من الجميع بما فيهم الشارع المنتفض هو القاضي خالد قباني. الرجل مشهود له بالمناقبية وله طول باع في القضاء والعمل العام. يعطى القاضي قباني مهلة ٧٢ ساعة لتأليف حكومة من الاختصاصيين البعيدين عن المجلس النيابي بعد مشاورات مع الكتل النيابية. تؤلف الحكومة ويتضمن بيانها الوزاري، الذي يجب أن لا يتأخر صوغه عن ٤٨ ساعة، بندين مهمين: يستبقى على شعار الشعب والجيش والمقاومة إذ أنه ليس من مسؤولية هذه الحكومة البحث حاليا في مسألة الإستراتيجية الدفاعية. والبند الثاني هو تشكيل هيئة قضائية مستقلة لمكافحة الفساد لها صلاحيات رقابية مطلقة مشابهة لمكتب التحقيق في قضايا الفساد في سنغافورة. أولى مسؤولياتها هي إستلام كل الإخبارات والملفات الموجودة في أدراج القضاء والمباشرة بالبت فيها. يواكب المجلس النيابي عمل الهيئة عن طريق إقرار قوانين رفع الحصانة وقانون إعادة الأموال المنهوبة، ويعطي الثقة للحكومة الجديدة على هذه الأسس. تعطى الهيئة القضائية فترة ستة شهور لتوجيه الإتهامات إلى السياسيين والإداريين الذين لديهم ملفات وتصدر الأحكام بشأنها خلال سنة على الأكثر. يمنع أي من السياسيين أو الأشخاص المتهمين من أن يترشحوا إلى الإنتخابات النيابية المقبلة حتى تتبين براءتهم. يتم إنشاء مجلس شيوخ يمثل الطوائف والمكونات اللبنانية وتناط به المسؤوليات التشريعية الكبرى تماما كمجالس الشيوخ في عدة دول وكما هو منصوص عليه في دستور <الطائف>.

بعد إنشاء مجلس الشيوخ تجرى إنتخابات نيابية مبكرة على أساس لبنان دائرة واحدة على قاعدة النسبية.

 لبنان في أزمة متعددة الوجوه. الخروج منها لن يكون سريعا وهو محفوف بالمخاطر. الأمل أن يكون المشهد الذي رسمه الشباب في الساحات هو صورة لبنان المستقبل، ولو بعد حين.